حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
03 يونيو/حزيران 2022
النشاط السياسي الشركسي
الفصل العاشر
الشركس يواجهون حملة دعاية روسية
يبدو أن نشاط القاعدة الشعبية الشركسية في روسيا آخذ في النضج في الوقت الذي تتجاهل فيه السلطات الروسية محنة الشركس السوريين. يظهر صعود النشاط بين الشخصيات الشركسية غير المعروفة سابقًا أيضًا درجة معينة من فشل المنظمات المدنية القائمة في تمثيل المصالح الشركسية. لم يتغير موقف موسكو كثيرًا، حيث تدّعي السلطات الروسية في الوقت الحالي أنها غير مهتمة بالقضية الشركسية.1103
الترويج المنهجي للمعلومات المضللة
مثال على حملة التضليل هو مقال نُشر على موقع ”الجمعية العلمية للدراسات القوقازية“ (kavkazoved) المعروفة بتوجهاتها العدائية تجاه الشركس وغيرهم من شعوب شمال القوقاز، والتي نشرت ما حدث في سياق ”ورشة عمل“ معادية للشراكسة، كانت قد عُقِدَتْ في مدينة روستوف (Rostov) لاستعراض ”القضيّة الشركسية“ وفقًا للخطوط العريضة والتوجُّهات المتحيِّزة والمتعصِّبة. وقد استهوت مشاركة ”خبراء“ من روستوف وموسكو (Moscow) وسانت بطرسبورغ (St. Petersburg) وشركيسك (Cherkessk) وبياتيغورسك (Pyatigorsk) بحضور العديد من ممثلي وسائل الإعلام الروسية والمؤسسات التعليمية والمنظمات الاجتماعية. كان موضوع الاجتماع هو ما سُمِّيَ بِ ”القضيّة الشركسية“ التي أصبحت موضوع تكهنات مختلفة عند اقتراب عقد دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي.1104
وقد نُظِّمَ واستُهِلَّ وعُقِدَ الإجتماع من قبل إدوارد بوبوف (Edward Popov)، مدير مركز المعلومات والتحليل للبحر الأسود وبحر قزوين التابع للمعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية، مشيرًا إلى أن ”القضيّة الشّركسية“ حظيت باهتمام واسع. وردود الفعل على المستويين الداخلي والخارجي، وما يرتبط بها من ”محاولات بعض الجهات الفاعلة الخارجيّة (بعض الجمعيات الشركسية والمؤسسات الأجنبية غير الحكومية) لتسييس قضية حرب القوقاز التي وقعت في الفترة ما بين 1817 – 1864 والعواقب السلبية الناتجة عن ذلك على شعوب منطقتي شمال غرب وجنوب غرب القوقاز مثل القباردي“، متجاهلين أن الحرب الروسية–الشركسية قد حدثت بين 1763 و 1864، ومن حقيقة أن القباردي هي جزء لا يتجزأ من الأمة الشركسية! 1105
شركيسيا أمة حرمتها الإبادة الجماعية من حقوقها
يجب على الكيانات والجهات الشّركسيّة الموصوفة المختلفة، بدون استثناء، أن تشعر وتتصرف مثل البشر. نعم، يُعتبر ما حدث عام 1864 إبادة جماعية. الوصف الذي قدمه رئيس الجمعية الشركسيّة العالميّة (ICA): فوفقًا لسوخروكوف (Sokhrokov)، يعتبر بعض الشركس ما حدث عام 1864 إبادة جماعية، لكن المجتمع الشركسي المعاصر يدرك أن حرب القوقاز كانت نتيجة سياسة روسيا القيصرية ولا يُوجَّه اللوم بشأن مأساة الأديغ [الشركس] إلى روسيا المعاصرة“.1106 هذا غير مقبول، لأن تعريف كلمة الإبادة الجماعية هو: ”الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ وكذلك الإبادة والفظائع والمذابح وميادين القتل والتطهير العرقي أو حمامات الدم“.1107 إذا كانت روسيا الحاليّة صادقة ونزيهة ومخلصة في حل المشكلات التي تم إيجادها للشركس، فيجب عليها أن تعترف بالإبادة الجماعية الشركسية.
يجب أن يكون معلومًا أن ”الحوار الموضوعي“ هو طريق ذو اتجاهين، ولن يكون مجديًا إذا قبل جانب واحد فقط أي شيء يتم تقديمه، بينما يعلم الجميع أنه لم يتم عرض أو اقتراح أي شيء على الشركس. لا يمكن تجاهل الحقائق الواضحة لأن ما تفعله روسيا يتجاهل تمامًا الشركس ويتغاضى عن وضعهم وحقوقهم المشروعة. والدليل على أن الحقيقة لا يمكن قلبها هو رد الفعل والنتائج العكسية التي أثارها الأديغه في شمال القوقاز والشتات على جهود روسيا لترويض الشركس من أجل إقناعهم بل وإجبارهم (بعد ذلك) على قبول إقامة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي على قبور الشركس.1108
في استثناء لذلك، أحيا بعض النشطاء الشركس تلك المناسبة في نالتشيك برفع الأعلام الشركسية واللافتات المناهضة لأولمبياد سوتشي. عشرات الشركس الذين اعتقلوا في نالتشيك في فبراير/شباط 2014، لمعارضتهم دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي، كانوا يغنون الأغاني الوطنية الشركسية المعروفة.
في يناير/كانون الثاني 2013، رد مجلس الدوما الروسي على رئيس أديغه خاسه، المنظمة الشركسية في جمهورية أديغيه، آدم بوغوص (Adam Boghos)، بشأن مساعدة شركس سوريا على العودة إلى وطنهم الأصلي، فكان الرد: ”تود لجنة القوميات في مجلس الدوما الروسي أن تعلمك بأن طلبك لمساعدة الشراكسة في سوريا على العودة إلى الفيدرالية الروسية قد تم تحويله إلى وزارة التنمية الإقليمية في الفيدرالية الروسية، وسوف نرسل لك هذه النسخة التي تحتوي على رد الوزارة!“ جاء في الرد: ”إن شركس سوريا هم من ذرية أحفاد المهاجرين من أصول أديغيه، من شمال وغرب القوقاز، لم يقبلوا الجنسية الروسية، واختاروا الهجرة الطوعية من المنطقة بعد انتهاء العمليات العسكرية لحرب القوقاز. وهكذا، أقام أسلاف الشركس الحاليين في سوريا، في المناطق التي لم تكن بعد ضمن أراضي الفيدرالية الروسية حتى هجرتهم في عام 1864 إلى الإمبراطورية العثمانية، وهم لا يمكن اعتبارهم مهاجرين من الدولة الروسية“.1110
يعكس البيان المذكور أعلاه اعتراف مجلس الدوما الروسي بأن الشراكسة لم ينضموا أبدًا إلى روسيا طواعية، حيث زُعم رسميًا من جهة أخرى أن الشركس قد انضموا طواعية إلى الإمبراطورية الروسية قبل 450 عامًا، الذي تم الاحتفال به رسميًا في سبتمبر/أيلول 2007 من قبل الحكومة الروسية وطاقمها الإداري بما في ذلك الجمعية الشركسية العالمية، وذلك في الجيوب الشركسية الإدارية في شمال القوقاز.
علق رئيس أديغه خاسه القرن الحادي والعشرين، أمين جيخوف (Amin Zekhov) على الرد ووصفه بأنه صحيح ويعني ما يلي:
— الشعب الشركسي محتل،
— الأراضي الشركسية مستعمرة من قبل الدولة الروسية،
— نحن من نسل الشعب المحتل،
— طالما أن شركيسيا داخل الفيدرالية الروسية، فلن يتمكن الشركس من العودة إلى ديارهم،
— حكام منطقة شمال القوقاز ما هم سوى الحكام الإداريين الاستعماريين في القوقاز،
— يجب إزالة تمثال ماريا، زوجة القيصر الروسي، المنصوب في مدينة نالتشيك،
هذه بعض القضايا التي فتحت أعين الشركس والشعوب القوقازية الأخرى عليها.1111
النشطاء الذين لديهم ولاء حقيقي لوطنهم يرفضون الظلم، في حين أن الشركس يؤمنون بما قاله نيلسون مانديلا: ”الصعوبات تكسر بعض الرجال لكنها تصنع آخرين. لا يوجد فأس حاد بما يكفي لجرح روح الخاطئ الذي يواصل المحاولة، مسلح على أمل أن يقوم حتى في النهاية“.1112 بعد كل الفظائع التي حلت بهم، فليس من العدل أن يكون الاختيار بين الشيطان وأعماق البحار (بين المطرقة و السندان)! فثمّة شُعور أن جبل إلبروز (Mount Elbruz) أكثر دفئًا لدى الأديغه الشركس من قلوب بعض الأفراد الذين يتظاهرون بأنهم شركس.
أخبر أنزور أخوخوف (Andzor Akhokhov)، وهو ناشط شركسي عانى من الضغوط عليه، موقع (kavpolit.com) عن حملة الشرطة على النشطاء المدنيين. في 7 فبراير/شباط، في الوقت الذي افتتحت فيه دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، نظم عشرات الشركس احتجاجًا في الجزء الأوسط من نالتشيك، عاصمة قباردينو – بلكاريا، لكن الشرطة فرقتهم بسرعة. وفقًا لأخوخوف، تم اعتقال حوالي 50 شخصًا مشاركًا — أكثر مما تم الإبلاغ عنه في البداية. وقد فتم إطلاق سراح العديد من المتظاهرين المعتقلين، لكن البعض منهم، بما في ذلك أخوخوف نفسه، وُضعوا قيد الاعتقال الإداري. علاوة على ذلك، وبحسب أخوخوف، فقد استخدمت الشرطة التعذيب والتهديد بالقوة ضد الشباب لإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها. وبحسب ما ورد في النبأ، استخدمت الشرطة الصدمات الكهربائية والأكياس البلاستيكية لمحاكاة الاختناق. أجبرونا على الاعتراف بتنفيذ بعض الأعمال والتعاون مع الجانب الأمريكي، وهو أمر لا يمكن أن يكون من حيث المبدأ، أمام أجهزة تسجيل الفيديو. كما هدد ضباط الشرطة مرارًا وتكرارًا بفتح تحقيق جنائي ضدنا على أساس التطرف إذا لم نعترف بالتعاون مع منظمات لم نعرفها من قبل.1113
قال أخوخوف في مقابلة مع غازيتا يوغا (Gazeta Yuga)، وهي صحيفة أسبوعية تصدر في مدينة نالتشيك في جمهورية قباردينو–بلكاريا:
كنت على استعداد للتعرض للضرب، كما افترضت أن امكانية وضع الأكياس البلاستيكية على رأسي مرجحة، لكنني لم أتوقع حدوث صدمات كهربائية. في القسم السادس [قسم الشرطة المسؤول عن محاربة التطرف والجريمة المنظمة] اعترفت بكل ما يريدونه — محاولة لقلب نظام الحكم وما إلى ذلك، رغم أنني لم أهدف إلى قلب أي شيء. لقد قمنا فقط بإحياء ذكريات أسلافنا.1114
في 10 فبراير/شباط، في اجتماع مع المجلس المدني لعقد الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن القوى الأجنبية تستخدم القضية الشركسية لإعاقة التطور في روسيا. فعلى الرغم من أن بوتين لم يذكر أسماء الدول الأجنبية التي كانت وراء هذه الخطة الذكية، إلا أنه أشار إلى عقلية الحرب الباردة التي دفعت تلك الدول إلى العمل ضد روسيا، وبالتالي تلمح إلى الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.1116 المعلومات التي (قيل) أن الشُّرطة انتزعتها من الشركس المعتقلين في نالتشيك من خلال التهديدات والتعذيب ربما كانت على الأرجح هي ”الدليل“ على التورط الأجنبي في شمال القوقاز.
يتبع…