دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


30 أغسطس/آب 2022

الفصل الخامس عشر

دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي

أقيمت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في نهاية المطاف في سوتشي، بغض النظر عن جميع الاعتراضات والمخاوف، وذلك في يوم 7 فبراير/شباط 2014. وقد تم اختيار أدلر (Adler)، التي تضم مطار سوتشي الدولي، والتي تقع على بعد 25 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي من سوتشي، لاستضافة بطولات التزحلق (Skating) على الجليد في حين أن مسابقات التزلج (Skiing) على الجليد تمت اقامتها على منحدرات القوقاز في كراسنايا بوليانا (Krasnaya Polyana)، والتي تقع على خلفية خلابة لجبال القوقاز بارتفاع 6600 قدم (2000 متر) فوق مستوى سطح البحر. وتقع على بعد سبعة وستين كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من مدينة سوتشي وأربعين كيلومترًا من أدلر.

أيضًا، بالتزامن مع الزهو الإمبريالي الروسي المرتبط بلفت الانتباه إلى الهيمنة الروسية على المنطقة،يهدف هذا الحدث إلى أن يكون تتويجًا لإنجازات بوتين، القائد الذي يعتقد الكثيرون من الروس أن الله أرسله لتوجيه روسيا بعيداً عن الهزائم والهوان. وزُرِعت بذرة هذه الألعاب في ذهنه منذ أكثر من عقد من الزمن“.1423

لا يسعنا إلا أن نتذكر قرار اللجنة الأولمبية الدولية بعقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في مدينة سوتشي، والتي لها مكانة خاصة في الذاكرة البشرية والشركسية على حد سواء نظرًا لخصوصية الموقع، كون سوتشي كانت  آخر عاصمة لِشركيسيا عندما وقعت تحت الاحتلال القيصري الروسي، وذلك بسبب القبور المتناثرة لأولئك الذين لقوا حتفهم في ذلك الموقع والأماكن المجاورة، بينما كانوا يدافعون عن وطنهم. كما ترتبط أهمية الحدث بذكريات الإحتلال العسكري الاستفزازي لسوتشي، آخر عاصمة شركسية.

الحقائق المذكورة في كتاب النيران في الأسفل: كيف شكل القفقاس روسيا وتشمل ما يلي:

مع مرور الوقت، بدأ تعقيد المشروع يطغى على الحكومة. عندما بدأت موسكو في معالجة المشاكل التي نتجت، فكشفت عن قدرتها المحدودة في التعامل مع مثل هذا المسعى الكبير. كانت الموارد المالية محفوفة بالهدر والفساد، وكانت الجهود المبذولة لتقليل الضرر البيئي غير مألوفة في أحسن الأحوال، وعلى الرغم من بعض المحاولات لمعالجة المخاوف المحلية، كانت السلطات الفيدرالية إما انها غير مهتمة أو غافلة عن أساليب التعامل مع مجموعات المواطنين. في الواقع، بدلاً من مواجهة التحديات التي طرحتها الألعاب الأولمبية على طريقة التمثيل الديمقراطي، تبنت موسكو استراتيجيات تذكرنا باسلافها في زمن الإتحاد السوفياتي وكذلك الإمبراطورية البائدة.1424

في النهاية، لم يكن الاحتلال الكامل لسوتشي والمناطق المحيطة بها كافياً. وفقًا لذلك، بعد 150 عامًا، كانت خطة الاستمرار الأكثر مكرًا ودهاءً هي سيد الموقف. فتم إحداث تغيير جذري في طبيعة المكان: ”سوتشي هي موقع ذكريات متجددة ضمن عملية تخليد الذكرى الشركسية وقد أصبحت بشكل متزايد جزءًا من الشّعائر والعروض التي يقوم بها الشركس فيما يتعلق بأحياء ذكرى يوم  21 مايو/أيار السنوية“.1425

ويكمل الكتاب،

كما قدمت سوتشي تحديات كبيرة. أولاً وقبل كل شيء كانت قضية البنية التحتية المحليّة. فقد طور السوفييت مدينة سوتشي كمنتجع لنخبة الحزب وصمّموها وأعدُّوها لتستوعب 250 ألف مقيم. أصبحت مدينة سوتشي الآن مدينة يزيد عدد سكانها عن 400000 نسمة، لكن البنية التحتية ظلت دون تغيير منذ عام 1930. تم اقتراح خطة لتطوير مدينة سوتشي في بداية العقد، لكن بمجرد أن أصبحت المدينة مرشّحة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، تم تعليقها، وأصبحت البنية التحتية تتعرض لضغطٍ أكبر. أنظمة المياه غير كافية حتى بالنسبة للسكان الحاليين (في ذلك الوقت)، ناهيك عن الزيادة السكانية المتوقعة خلال الألعاب الأولمبية. ومكبات النفايات ممتلئة بشكل متزايد، وبسبب البيئة الهشة، فإن مواقع مكبات النفايات الجديدة محدودة. تم التخطيط لإنشاء مصنع لإعادة التدوير، لكنه تأخر بسبب نقص تحليل الخبراء.

وأضاف،

شكّلتْ التضاريس نفسها مشكلتين أساسيتين أخريين. أولاً، منطقة سوتشي الكبرى بأكملها هشة من الناحية البيئية وفريدة من نوعها. تقع محمية طبيعية أنشأتها اتفاقية بوخارست في عام 1994 مجاورة لسوتشي وتتداخل في الواقع مع بعض الأراضي التي ضمّنتها موسكو في مشاريع البناء. ثانيًا، الموقع المختار للمجمع الأولمبي الرئيسي هو متنزه سوتشي الوطني (Imereti Lowlands)، وهي منطقة مستنقعات غير مستقرة جيولوجيًا وشكّلت تحديات خطيرة للبناء.1426

لم يكن اختيار سوتشي لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية أمرًا عاديًا للشركس.

بالإضافة إلى المشاكل السياسية والبنية التحتية والبيئية، هناك أيضًا قضايا عرقية وتاريخية تركز على رد فعل المجتمع الشركسي على اختيار سوتشي كمدينة مضيفة للأولمبياد. كانت سوتشي إحدى نقاط الانطلاق لعملية التهجير الشركسي في عام 1864، وهو حدث يعتبره العديد من الشركس والعديد من العلماء إبادة جماعية. علاوة على ذلك، ستقام الألعاب الأولمبية في الذكرى السنوية الخمسين بعد المائة للترحيل، وستكون كراسنايا بوليانا {Krasnaya Polyana} أو المرج الأحمر {ريد ميدو} (Red Meadow)، موقع العديد من الأحداث الأولمبية على وجه التحديد حيث احتفل الروس بفوزهم في الحرب هناك. اعتبر النشطاء الشركس ذلك محاولة من قبل الحكومة الروسية لمحو ذاكرة شعبهم وبالتالي الإبادة الجماعية.1427

لطالما استخدمت السلطات الروسية جميع الوسائل لتنفيذ خططها.

يشير هذا الفصل إلى أنه في حين كانت الحكومة الفيدرالية شديدة العدوانية في مواجهة الأفراد والمنظمات التي تهدد بإبطاء المشروع، فقد أهدرت مبالغ طائلة من المال بينما تأخرت عن الجدول الزمني تقريبًا في كل قطاع من قطاعات البناء. عانى تشييد المباني والموانئ ومحطات الطاقة والطرق ومكبات النفايات من تأخيرات خطيرة. هناك قلق في الحكومة الروسية من أن بعض القطاعات قد لا تكون جاهزة لبدء الألعاب الأولمبية، وجميعها قد استهلكت موارد كان من الأفضل تخصيصها لأجزاء أخرى من الاقتصاد الروسي. في 13 مايو/أيار 2012، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة مدينة سوتشي ليجد أن التأخير وزيادة الأسعار كاناغير مقبولين“. وحذر المقاولين من الغرامات الصارمة إذا استمر تجاهل المواعيد النهائية لتسهيل جميع الاحتمالات لإقامة الألعاب في الوقت المحدد، حيث كانت السلطات الروسية مستعدة لفعل أي شيء، حتى تعديل القواعد واللوائح ذات الصلة.1428

3 ديسمبر/كانون الأول 2016، بعد ما يقرب من سنوات من جدولة الألعاب. هناك تكهنات بأن هذا له علاقة بالمرجعية القانونية بشأنتطوير سوتشي كمنتجع جبليبالإضافة إلى الاستعدادات للألعاب. إذا كان هذا هو الحال، فمن الواضح أن موسكو تستخدم إجراءً استثنائيًا لتعليق القانون الفيدرالي لمشروع تطوير عادي.1429

 يُظهر الواقع سياسة وإجراءات عنيدة: ”سوتشي 2014 واجهت العالم بِ {القضية الشركسية} التي كانت مُهمَلة إلى حد كبير حتى الآن. فعلى  الرغم من أن المدينة الأولمبية وجوارها في شمال القوقاز كانوا الموطن التاريخي للشركس حتى عام 1864، إلا أن الدولة المضيفة أهملت إدراجهم في تنظيم الألعاب“.1430

من الواضح، بدلاً من حل القضية الشركسية ومعالجة قضية الإبادة الجماعية والترحيل القسري للأمة الشركسية، كان الأولمبياد يعتبر حدثًا مهمًا لانتصار الدولة الروسية، وخاصة التركيز على سوتشي، حيث كانت قد احتلت قبل 150 عامًا من قبل قوات الإمبراطورية الروسية الغازية. لقد كانوا قد قاموا باقامة استعراض عسكري استفزازي في 21 مايو/أيار 1864، شارك فيه القوات المنتصرة تكريسًا لذكرى إخضاع منطقة شمال القوقاز بأكملها. وعلى ما يبدو، يمجد النظام السياسي مكانة الدولة الروسية ويركز حتى على تجسيد نجاح إقامة الألعاب في شخص واحد هو الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين.

وهذا يذكرنا أيضًا بالأنظمة السابقة، حيث يتم استخدام وسائل الإعلام المؤثرة كأداة للرأي العام الموجه لدعم زعيم النظام بلا منازع

عندما تقدم الرئيس فلاديمير بوتين بعرض سوتشي في عام 2007، أشار في خطابه إلى اللجنة الأولمبية الدولية إلى العديد من الدول والثقافات التي شكلت ساحل البحر الأسود القفقاسي منذ العصور الكلاسيكية القديمة، لكن ليس الشركس. لقد كانت المرة الأولى التي تحدث فيها عن السكان الأصليين للمنطقة وذلك قبل وقت قصير من افتتاح الألعاب، وذلك للشكوى من أن القُوى المعادية لروسيا كانت تستغلالبطاقة الشركسية“.1431

وكجزء من حملة العلاقات العامة التي تم شنها على الساحة الدّولية، وللحصول على مزيد من الاهتمام، فقد عمل عندما كان في يناير/كانون الثاني 2013 في سوتشي على منح جيرارد ديبارديو (Gerard Depardieu) جواز سفر روسي (حتى يتمكن الممثل السينمائي من تجنب دفع الضرائب في فرنساوذلك عندما قدِمَ من أجل التزلج على المنحدرات الأولمبية التي تم إعدادها حديثًا“.1432

ولاستكشاف مقدمة لما كان قادمًا في فبراير/شباط 2014، ركزت جميع وسائل الدعاية الإعلامية على شخص يتمتع بشخصية كاريزمية يمثل النظام بأكمله.

تم الاحتفال بعيد ميلاد بوتين الستين في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2012، في جميع أنحاء البلاد بطريقة تليق بعبادة الشخصية، وهو أمر كان دائمًا ما يزعُم أنّه مَقيت. فعلى ما يبدو، لن نسمع المزيد من هذه الغرابة. حيث أنّهُ في الأيام التي سبقت ذلك، أقيم معرض للوحات في موسكو بعنوان، دون سخرية، بوتين: هو الرجل الأكثر طيبة للقلب في العالم.1433

في مقابلة مع ديمتري تشيرنيشينكو (Dmitry Chernyshenko)، قال الرئيس والمدير التنفيذي لدورة ألعاب سوتشي الأولمبية الشتوية لعام 2014، في روسيا، لمجلة تايم (TIME) الأميركية بأن الاستعدادات لألعاب سوتشي: ”[الأولمبياد] مناسبة. إنها عرض لروسيا الجديدة والحديثة. نحن نعمل على تطوير الوعي بأن روسيا قد تغيرت كثيرًا، وأننا ديمقراطيون، ونحن ودُودون، وشفّافون، ونرحِّب بالعالم في سوتشي في عام 2014“.1434  

تمكنت السلطات في روسيا من إضفاء مكانة معينة تصف فيها سمات الزعيم بلا منازع: ”جاء سن الستين لبوتين بدون ميداليات، وكان هناك جعجعة جوفاء. فعلى الرغم من التملق الرسمي، إلا أنّهُ كان إحساسًا غير ملموس بالخوف، بين مؤيديه ومنتقديه، وإدراكًا لِسِنِّه ونسبة الوفيات في روسيا، والشعور بأنه أصبح لا غنى عنه، لكن لا يمكن لأحد أن يُخلّد إلى الأبد“.1435

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً