حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
09 سبتمبر/أيلول 2022
دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي
الفصل الخامس عشر
ذكرى القتل الجماعي والترحيل
تم اتخاذ قرار بعقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، وهو ما عارضته منظمة السلام الأخضر الروسية. أبلغ علماء البيئة أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية بشأن البناء واسع النطاق المخطط له في المنطقة الفاصلة من ”غرب القوقاز“ (والذي تم حظره مؤخرًا بموجب القوانين الروسية وتم تغييره من أجل إضفاء الشرعية على احتلال مناطق محمية طبيعية فريدة). رفض علماء البيئة والمؤرخون وجماعات ومنظمات حقوق الإنسان خطوة تلويث موقع محمي من قبل اليونسكو (UNESCO).
أجرى ماثيو لايت مقابلة على الفيديو، ”حول التحديات والفرص لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي 2014“، فتحدث عن الإبادة الجماعية الشركسية، وقضايا حقوق الإنسان، والغزو، والاحتلال، والهياكل الأولمبية التي تم إنشائها على المقابر الشركسية، وارتباط ذلك بالسياسات الروسية والقضايا الإدارية الحالية في شمال القوقاز، حيث قدم أيضًا شرحه لتفاصيل وحقائق محددة تتعلق في ذلك الوقت بعقد دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي، على أرض الإبادة الجماعية الشركسية.
كانت روسيا قد أسقطت من حساباتها كافّة مواقع الرياضات الشتوية المتاحة في أراضيها الشاسعة والواسعة المتوفِّرة، ثم عرضت سوتشي عوضًا عنها، فقبلت اللجنة الأولمبية الدولية سوتشي لإقامة الألعاب. لكن في الوقت نفسه، تجاهل كل من شارك في هذا الاختيار المشبوه جميع الحقائق والاحتياطات التي تتعلق باختيار مدينة سوتشي الشركسية لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014.
أصدر الشركس خطابًا بست لغات وأرسلوه إلى اللجنة الأولمبية الدولية يدينون ويستنكرون فيه إقامة الألعاب. لم يكن السبب البيئة فقط، بل خطط إقامة الأولمبياد على مقابر أولئك الذين قضوا نحبهم وهم يدافعون عن وطنهم ضد الغزاة الذين أرهبوا وقتلوا وشرّدوا ورحّلوا ونفوا الأمة الشركسية المضطهدة بأكملها. وفي الرسالة التفسيرية، تم طرح سؤالين رئيسيين هما:
— هل تعلم أن تلك المرتفعات الجميلة محظورة الآن على السكان المحليين؟ يمكن فقط للسائحين الذين حصلوا على تصريح خاص من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) للوصول إلى هناك للاستمتاع بجمال بحيرات الجبال الزرقاء وغابات الصنوبر الخضراء واستنشاق هواء الجبال النقي.
— اليوم، يضطر القوقازيون القلائل الذين بقوا في وطنهم الأم مرة أخرى إلى ترك جبالهم. هل هي على تلك الجبال، ”التي تم تطهيرها“ من سكانها الأصليين، والتي سيتزلج عليها الرياضيون الاولمبيون؟ هل سيتم إنشاء مسارات الزلاجة الجماعية (bobsleigh ) على عظام الناس الذين أبادتهم حروب دامية من أجل فتح القوقاز؟1464
أبدى فاليري برينيخ (Valery Brinikh)، رئيس المنظمة العامة لمدينة مايكوب لجمعية حماية الحياة البرية لعموم روسيا وعضو مجلس إدارة المراقبة البيئية لشمال القوقاز، رفضه وإدانته للتخطيط لإحداث ضرر بمنطقة قيِّمة لا يمكن استعادتها. وقد عبر عن رأيه في ذلك فقال:
ستصبح سوتشي موقع بناء ضخم لروسيا بالكامل وستتوقف عن الوجود كمنتجع صحي علاجي. فعلى سبيل المثال، من أجل الأولمبياد، فإنهم ”يطورون“ منطقة إيميريتي المنخفضة (Imereti Lowland). لكن هذا هو المصدر الفريد للطين العلاجي. وهذا يعني أنه من خلال تجفيف المنطقة لبدء البناء على نطاق واسع، سيقوم منظمو الأولمبياد بتصفية منتجعات ماتسيستا (Matsesta) الطبية. بهذا المعنى، لم يعد احتجاجنا بيئيًا فحسب، بل يكتسب جانبًا اجتماعيًا أيضًا.1465
قبل فترة وجيزة من حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 تم التحايل على اعتراضات ورفض غالبية الشركس على إقامة مثل هذه الألعاب في سوتشي، دون حل للقضيّة الشركسية، وفقًا لِ ”الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة“ في قرارها 96 (1) المؤرخ في 11 ديسمبر/كانون الأول 1946 الذي ينص بأن الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الدولي، وتتعارض مع روح وأهداف الأمم المتحدة ويدينها العالم المتحضر“.1466
في مقال بعنوان، هل بدأ عصر الإبادة الجماعية في سوتشي؟ لجوشوا كيتنغ (Joshua Keating)، جاء فيه ما يتعلق بأهداف الإمبراطورية الروسية والقوى الكبرى الأخرى: ”بتشجيع متشائم إلى حد ما من العثمانيين، قاوم العديد من الشركس، لكن ”حرب القوقاز“ كانت من جانب واحد وأعلنت روسيا النصر فيها. بعد الوقفة الأخيرة للشركس في سوتشي في عام 1864، بدأ بعدها الإجلاء الرّسمي للمجموعة عن طريق السفن من ساحل البحر الأسود إلى تركيا“. كما أكمل جوشوا كيتنغ،
على الرغم من الكارثة الإنسانية المروِّعة التي تحدث على طول الساحل، حيث يموت من ينتظرون القوارب لنقلهم بأعداد هائلة من أوبئة التيفوس والجدري وسط شتاءٍ قاسٍ، واصلت القوات الروسية حملتها لتدمير القرى الشركسية في الجبال، والتسبب في نزوح آلاف اللاجئين الآخرين. لم يساعد أصحاب السفن الأتراك الموقف من خلال اكتظاظ قواربهم وفرض رسوم باهظة على اللاجئين.1467
لم تعد وسائل الإعلام الروسية قادرة على طمس الحقائق بعد الآن. إنهم غير قادرين على التأثير علنًا على الناس في العالم للوصول إلى حقائق المأساة الشركسية ومقدار ما تحمّلَهُ الشركس وما زالوا يعانون منه نتيجة لذلك.
كان رد الفعل الروسي مزيجًا من السياسات المتشددة لإسكات المعارضة في روسيا وحملة دعائية متعددة الأوجه.
تم تصميم جزء من هذا الجهد لتصوير المعارضين لألعاب سوتشي، وطبعًا جميع النشطاء الشركس الذين تبنوا موقفًا تصادميًا تجاه موسكو، كجزء من جهد تقوده الولايات المتحدة لزيادة عدم الاستقرار في منطقة شمال القوقاز وربما حتى انتزاعها تمامًا عن روسيا.1468
لا يمكن التقليل من تأثير القوة الروسية المستخدمة ضد النشطاء الشركس، وخاصة أولئك الذين لا يزالون متمسكين بأرض وطنهم. ومن المعروف جيدًا ما يمكن أن تفعله السلطات الأمنية المحلية الروسية ضد أي شخص قد يفكر في استخدام المفردات الصحيحة فيما يتعلق بحقوق الإنسان الأساسية: ”تواصل الحكومة الروسية نفسها تصوير النشطاء الشركس على أنهم متطرفون، وقد ذهبت إلى حد فتح قضايا باتهامات جنائية ضد الأشخاص الذين يناقشون الإبادة الجماعية لعام 1864. في 23 سبتمبر/أيلول، جعلت وزارة العدل الروسية هذه السياسة رسمية، وأصدرت تحذيرًا إلى الكونجرس الشركسي في جمهورية أديغيا مفاده أن مناقشة ”الحرب الروسية – الشركسية“ أو ”الإبادة الجماعية“ ضد الشركس من قبل الإمبراطورية الروسية سيعتبر عملاً متطرفًا“.1469
لقد بثت السلطات الروسية جوًا من الخوف والإرهاب ضد المواطنين الشركس في وطنهم. وهذا يعطيهم الشعور بأن عائلاتهم وممتلكاتهم ليست آمنة: ”في الوقت نفسه، بدأت عمليات اغتيال النشطاء الشركس. قُتل الناشط الشركسي المعروف سوادين بشوكوف (Suadin Pshukov) في نالتشيك بعد أقل من أسبوعين من إعلان وزارة العدل عن ذلك. وبالإضافة إلى جهودها لإسكات النشاط الشركسي، بدأت الحكومة الروسية حملة لتقويض الادعاءات بأن الإبادة الجماعية لعام 1864 كانت إبادة جماعية كاملة الأوصاف“.1470
تتطلب النزاهة العلمية استخدام المنهج العلمي في البحث، خاصة وأن الموضوع هنا يتناول موضوع حقوق الإنسان والحقوق القانونية. فالحقيقة لا يمكن التغاضي عنها أو تغييرها بأي شكل من الأشكال. لكن لسوء الحظ، تحظى مراكز البحث الروسية بدعم سياسة إمبريالية لنشر النتائج. تعكس معلوماتهم بأن ليس لها صلة بالحقيقة وتتحدى الواقع تمامًا. إنهم يقلبون الحقائق رأسًا على عقب وينشرون في نفس الوقت أكاذيب مكشوفة يمكن الطعن فيها وإثبات بطلانها.
كان الكثير من هذا متوقعًا وكان مستمرًا منذ عام 2001، عندما نشر المعهد الروسي للعلوم (Russian Institute of Sciences) كتاب فاسيخ بدرخان (Fasikh Baderkhan)، بعنوان {شتات شمال القوقاز في تركيا وسوريا والأردن} (The North Caucasus Diaspora in Turkey, Syria, and Jordan). يدمج بدرخان الإبادة الجماعية في عملية الهجرة الكاملة للمسلمين من روسيا ويتجاهل تفاصيل حملة عام 1864 لتصويرها على أنها طوعية. كان هناك جهد أكثر شمولاً هو منشور مارك بليف (Mark Bliev) لعام 2004 بعنوان {روسيا وجبليو القوقاز الكبير: على طريق الحضارة} (Russia and the Mountaineers of the Great Caucasus: On the Road to Civilization). يعتقد أنه يكرر تقريبًا كل تبرير تم استخدامه للإبادة الجماعية منذ زمن حروب القوقاز، بدءًا من أسطورة ”ثقافة الإغارة“ الشركسية كسبب للحرب إلى الادعاء بأن الشركس كانوا معاديين للعدوان الروسي فقط بسبب العملاء البريطانيين والعثمانيين.1471
لم تتوقف السياسات الروسية المضللة منذ الوقت الذي بدأت فيه عندما قررت الإمبراطورية الروسية احتلال شركيسيا. لقد حاولوا دائمًا إيذاء الشركس بأي طريقة ممكنة. حاولت روسيا دائمًا خداع الآخرين، وعرضت الطبيعة العدوانية للشركس، وهم لا يؤمنون بالسلام كما تملي سماتهم المتأصلة ذلك. لقد كذبوا فقالوا أن سبب السياسة الروسية العدوانية تجاههم هو عدوانيتهم وسوء مزاجهم. كما زعموا أنهم تركوا وطنهم طوعا بسبب الدين الذي يعتنقونه. وفي غمار إعطاء هذه الصورة مصداقية، نسوا حقيقة أن الإمبراطورية الروسية قد غزت واحتلت وطنهم لاقتلاعهم وترحيلهم.
رددت العديد من البرامج التلفزيونية والمؤتمرات والموائد المستديرة مزاعم بادرخان وبليف، مما أثار الرأي العام ضد الشركس. لم تستطع موسكو حتى أن تترك عملًا صالحًا دون تشويهه أثناء إجراء هذه الحملة. في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، أفاد الصحفي الروسي سيرغي خولوشيفسكي (Sergei Kholoshevsky) في ”نتائج اليوم“ المتلفزة على الصعيد الوطني أن شراكسة كوسوفو الذين هاجروا إلى جمهورية أديغيا في عام 1998 هم {أحفاد جنود وضباط في الجيش القيصري كانوا متمركزين في يوغوسلافيا بعد الثورة}. بالطبع كان هذا محض هراء: الشركس في كوسوفو كانوا من بقايا سكان الشتات في البلقان الذين فشل الروس في قتلهم أو مطاردتهم في عام 1878. لم يكن تلفيق خولوشيفسكي فقط ينظر إليها المجتمع الشركسي على أنه يدخل ضمن محاولة أخرى لإخفاء نتائج الإبادة الجماعية الروسية ضد الشركس، لكن تم النظر إلى ذلك على أنه محاولة لتشويه دور روسيا في البلقان خلال الحرب الروسية–التركية ( 1877-1878).1472
يتبع…