وحش من صنع النظام شارف على اسقاطه
عادل بشقوي
25 يونيو/حزيران 2023
في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران 2023، بلغ السيل الزبى بشأن العلاقة التي تربط بين وزارة الدفاع الروسية ونظام الحكم الروسي من وراءه من جهة، ويفغيني بريغوجين (Yevgeny Prigozhin) ومجموعة فاغنر (Wagner) وبعض المتنفذين في السلطات الحاكمة في موسكو من جهة أخرى.
سبق ذلك تهديدات مباشرة اطلقها رئيس مجموعة فاغنر بدات منذ بدء ما سمي بالعملية الخاصة في أوكرانيا التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، وازدادت بشكل متسارع ادت الى اتهام وزير الدفاع سيرغي شويغو (Sergei Shoigu) ورئيس هيئة الاركان الروسي فاليري غيراسيموف (Valery Gerasimov) بالفساد وعدم الإقتدار وعدم تدريب المجندين الروس قبل ارسالهم الى الجبهات في أوكرانيا.
كما اتهمهم بالتقاعس عن تزويد مقاتليه بالذخيرة والعتاد اللازمين لخوض المعارك القائمة، ما أدى الى قتل المئات من أفراد فاغنر من قبل القوات الاوكرانية المدافعة عن باخموت تحديدًا. وقيل بأن سوء التقدير منقطع النظير أثّر عسكريا وسياسيا واجتماعيا وفي غيرها من المجالات التي تمس المواطنين والدولة التي تسيطر على مصائر عشرات الشعوب والامم غير الروسية.
وهنا يمكن اعطاء فكرة عن غريب الأطوار، يفغيني بريغوجين، الذي كان له ماضٍ إجرامي، حيث كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 12 سنة في العهد السوفياتي، امضى منها بالسجن الفعلي تسع سنوات، حيث كان ذلك قبل تفكك الاتحاد السوفياتي بقليل. وعندما قرر رئيس فاغنر (فيما بعد)، وهو متعهد عمل على تزويد مختلف أنواع الأطعمة والوجبات التي تضم النقانق التي صنعتها مؤسساته، وفاز بعقود مع المدارس والمستخدمين في الحكومة والجيش. وكان قد أُطلق عليه لقب طبّاخ بوتين، لعلاقته المميزة مع الرئيس فلاديمير بوتين. فقد اكتسب ثقة الرئيس الروسي، حيث نجح في تقديم وجبات الطعام المفضلة والمآدب الفخمة لرئيسه وللضيوف الرسميين رفيعي المستوى.
قام بمشاركة وتشجيع وتأييد من السلطات الروسية ومن الرئيس بوتين شخصيا بتأسيس مجموعة فاغنر بمشاركة ضابط القوات الخاصة المتقاعد ديمتري اوتكين (Dmitry Utkin). فقد وُجدت مجموعة فاغنر لكي تكون ذراع تنفيذي للسلطات الروسية ومخابراتها. فقد شاركت في عمليات مشبوهة تتعلق باستخراج وتجارة الذهب والالماس والمعادن النفيسة الأخرى في افريقيا. وتقوم بتنفيذ عمليات قتالية خارج روسيا. وكان من أهمها عمليات عسكرية في أوكرانيا وسوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومالي ودول في أمريكا اللاتينية، وغيرها.
هكذا، طبق عملياً، على طريقته الخاصة ونتيجة لعلاقاته العامة، مقولة: ”الجيوش تزحف على بطونها“. فقد كان تحركه غير المسبوق في التمرد على الجيش الروسي ووزارة الدفاع بمثابة ”العشاء الأخير“ لِسيِّدِهِ الرئيس بوتين، الذي هو سيد الكرملين وكذلك للحكومه الروسية. وهذا ينطبق عمليا على حقيقة أن الوحش الذي صنعه النظام كان على وشك الإطاحة به وبالمؤسسة الحاكمة بأكملها، مما تسبب في إحراج كبير للنظام في جميع أنحاء العالم، وهو الذي ورّط نفسه في حربه غير المبررة ضد أوكرانيا. ومن دروس الحياة أن من يزرع بذور الكراهية يحصد ما زرعت يداه.
يبدو أن أحد الأسباب التي أدت إلى هذا التمرد الكارثي كان التخطيط قصير النظر الذي أظهر ضعفًا وعجزًا عن التقييم الصحيح للوضع بالإضافة إلى عدم الإدراك المكاني والزماني. وهذا يعكس حقيقة الأخطاء التي حدثت في أوكرانيا. لم يكن من الممكن التنبؤ بما يمكن التغلب عليه من الأعمال غير المسؤولة. وباختصار، كان تقييم الموقف مخيّبًا للآمال وغير احترافي، ناهيك عن طريقة الهواة في التنفيذ.
رأي أوكراني
وصف الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي (Volodymyr Zelenskyy) الوضع في روسيا بانه يتسم بالفوضى، وقال: “سادة روسيا لا يسيطرون على أي شيء. لا شيء على الإطلاق. فقط فوضى تامة“، حيث لم يتاثر بذلك الروس فقط، وإنما أوكرانيا أيضا، وذلك بسبب الغزو الروسي لجارتهم الأقرب جغرافيًا وعِرقيًا، علما بان روسيا هي احدى ثلاث دول كانت قد وقّعت على معاهدة بودابست. وبناء على ذلك، تعهدت بتقديم تأكيدات بضمانات أمنية، وتقديم الحماية والحفاظ على سلامة أوكرانيا الإقليمية مقابل تخليها الطوعي عن ترسانتها النووية، حيث تم التوقيع عليها في ديسمبر/كانون الأول 1994 (https://treaties.un.org/Pages/showDetails.aspx?objid=0800000280401fbb).
بالتالي، ”حاولت القوات الاوكرانية اختراق الدفاعات الروسية في المناطق الاوكرانية المحتلة“. وقالت مصادر عسكرية أوكرانية: ”لقد استعدنا السيطرة على مواقع كانت محتلة منذ عام 2014 في منطقة كراسنوهوريفكا (Krasnohorivka)“.
الأخبار العاجلة التي وردت في وسائل الإعلام فاجأت الجميع:
اجتاز يفغيني بريغوجين (Yevgeny Prigozhin) الحدود الروسية–الاوكرانية مع قواته للسيطرة على مدينتي روستوف وفيرونيخ وبلدات أخرى، ومراكز وقواعد عسكرية هامة في هذه المناطق، والتقدم باتجاه موسكو، وقام باطلاق التصريحات النارية والتهديدات التي لا تقبل التأويل ضد المسؤولين الروس الكبار في كل من وزارة الدفاع وهيئة الأركان، وفيما بعد، قام بانتقاد الرئيس الروسي نفسه. ”ادّعى بريغوجين بأنّ ما أقدم عليه يهدف الى تنفيذ العدالة، ولم يكن ينوي تنفيذ انقلاب عسكري، مضيفا بان معظم افراد الجيش الروسي يؤيدون منظمته فاغنر“.
”سيطر بريغوجين على القيادة العسكرية الروسية في روستوف، دون إطلاق رصاصة واحدة“. توجّهت ”قافلة أخرى من مقاتلي فاغنر كانت تضم نحو 5000 مقاتل بقيادة ديمتري اوتكين (Dmitry Utkin) نحو الشمال على الطريق السريع (M4) حيث اقتربت الى مسافة 200 كيلومتر من ضواحي موسكو“ قبل أن تتوقف وتعود أدراجها من حيث أتت، بناء على أوامر صدرت من بريغوجين.
ومن سخريات القدر أن يقول الرئيس الروسي بوتين: ”نناضل من اجل ان تبقى روسيا دوله لها تاريخ عريق“، متجاهلا حقيقة حروب الإبادة ضد عشرات الشعوب والامم التي تم اخضاعها بالحديد والنار الى الدولة الروسية منذ العصر القيصري/الامبراطوري، ولا تزال محتلة حتّى الوقت الحاضر. ومنها شركيسيا وشعوب وأمم منطقة القفقاس وما وراءها.
من أجل تجنب تطور الأمور في موسكو، أعلن رئيس بلديتها ما يلي:
— ”تم الإعلان بأن الوضع صعب وتم تفعيل نظام مكافحة الارهاب في العاصمة، وقد يتم حظر المرور في بعض الاماكن“.
— ”وقف حركة المراكب في نهر موسكو وحتى إشعار آخر“.
— ”الطلب من السكان بوقف حركة التنقل قدر الامكان“.
— ”تقييد حركة المركبات“.
— ”يوم الاثنين المقبل 26 يونيو/حزيران سيكون عطلة رسمية في العاصمة الروسية“.
— ”اغلاق الحدائق العامة حتّى إشعار آخر“.
— تم ”تقييد استعمال الانترنت في بعض مناطق العمليات“.
— كذلك ”جرى الغاء برامج الرحلات الجوية الدولية“.
— نشرت وكالة تاس للأنباء عن وزارة النقل الروسية: ”تم الغاء أو تحديد الرحلات البرية بين الأقاليم والمناطق الروسية“، و ”تم الغاء بيع التذاكر بين الاقاليم حتى اشعار آخر“.
— نشرت وكالة ريا نوفوستي: ”تعزيزات امنية مكثفة عند مداخل موسكو واقامة نقاط تفتيش باستخدام المدرعات وقاذفات القنابل“.
— ”قرر الرئيس بوتين رفع حد سن الخدمة التعاقدية مع الجيش الى 70 عاما“.
— أعلنت وزارة الخارجية الروسية بأن ”تطلعات المتآمرين المغامِرة تهدف الى زعزعة الاستقرار في روسيا وتقويض وحدتنا“.
— اعلنت وسائل الإعلام بأنّهُ ”لا صحة للمعلومات القائلة بان المسؤولين الروس قد غادروا موسكو الى جهات مجهولة“.
نهاية غير متوقعة
عندما بدى أنه كان من غير الممكن ان يتم سحق التمرد الذي وصفته منظمة فاغنر ”بمسيرة العدالة“، أعلن بريغوجين في رسالة صوتية عن إعادة مقاتليه الى قواعدهم “حقنا للدماء“، وذلك بعد قيام رئيس جمهورية بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو (Alexander Lukashenko) بالوساطة بينه وبين الكرملين. فقد تم حل الازمة بمنح ضمانات امنية لرئيس ومقاتلي فاغنر، وإسقاط التهم الجنائية عنهم.