أرشيف التصنيف: آراء وتحليلات

آراء وتحليلات

مقالة العبوديّة الطّوعيّة

مقالة العبوديّة الطّوعيّة

booook

نشر “مركز دراسات الوحدة العربيّة” في بيروت مؤخرا كتابا يقع في 262 صفحة صادرا عن “المنظّمة العربيّة للترجمة”، بعنوان “مقالة العبوديّة الطّوعيّة” من تأليف الكاتب الفرنسي “إيتيان دو لا بويسي” من ترجمة الكاتب والمترجم “عبود كاسوحة”.

ويُعرف المؤلف من خلال ما قدم سابقا عن موضوع يعزز فيه ذكر “الحرية ضد الطّغاة”.

يقول المؤلف في كتابه ان مقاومة البؤس والقهر حسب رأيه لا تمر عبر العنف والقتل لأن عبودية الشعوب هي عبوديّة طوعيّة والشعوب هي من “تذبح نفسها بنفسها”، وان خضوعها الطّوعي لنير الطّغيان يشوّهْ من الطّبيعة البشريّة القائمة بالأصل على “الإنعتاق والحرّيّة”.

وفيما يلي تحليلا دوّنه “طائر الحب” أحد أعضاء منتدى “روعة المنتدى العام”، بعنوان: “مقالة العبودية الطوعية: نشيد في تمجيد الحرية” يقدم فيه أفكارا رئيسيّة معبّرة لما جاء في الكتاب:

لا يهدف إيتيان دي لا بويسي في كتابه “مقالة العبودية الطوعية” لتأسيس نظرية سياسية، ولا لتوصيف الطغاة، ولا لوضع دليل للتخلص من العبودية، بقدر مايهدف إلى تقديم نشيد في تمجيد الحرية، باعتبارها الراية التي ترفعها الفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم الإنسانيات كمعادل حياتي، ولذلك لايرى فيها دي لا بويسي فيها حقاً طبيعياً فقط، بل قيمة يجب الدفاع عنها والتضحية في سبيل الحفاظ عليها، لأنها وحدها ما يستحق التضحية لأجله، ويرى في العبودية الطوعية سلوكاً انتهازياً ترافقه رغبة طمع وتحقيق مكاسب ما، لكن هذه المكاسب، وغالباً ما تكون تافهة، لا توازي أبدا الثمن المدفوع لأجلها، وهو الحرية، وقد سميت هذه المقالة في بعض الفترات التاريخية باسم (رسالة ضد الفرد) وذلك لأن الكاتب ركز فيها على الرغبة في الخضوع لدى الآخرين، وإذا كان قد أدان الملوك والمتسلطين فإن إدانته للأفراد تبدو أكثر وأشد عنفا، لأن المؤلف يرى أن الذليل لا يمكن أن يكون ذا فائدة في شيء مهم، ويعتبر استغراب البعض من هزيمة جيوش كبيرة أمام مجموعات صغيرة غير مفهوم، لأن المقاتل الذي يقاتل في سبيل حريته والحفاظ عليها من الممكن أن يقتل، لكن من الصعب أن يهزم، لأنه يعرف عن ماذا يقاتل، بينما الآخر يعرف أنه أرسل ليقاتل في سبيل شيء لا يعرفه لذلك تكون هزيمته سريعة، لأن لا شيء هناك يدعوه للدفاع عنه.
ينطلق الكاتب من مقولة وردت في الانياذة على لسان أوليس هي: (لا أرى خيرا أن يكون للإنسان أسياد عديدون، فليكن سيد واحد، وملك واحد)، لتوصيف حالة العبودية الطوعية التي يتسابق إليها أناس لا يقدرون الهبة الإلهية والإنسانية في أن يكونوا أحراراً، معتبراً أن أوليس لو توقف عند (لا خير في أن يكون للمرء أسياد عديدون) لكان كافياً إذ لا شيء يبرر العبودية حتى لو كان المستعبد حاكماً، ولايقدم الكاتب قراءة نضالية لمرحلة من مراحل التاريخ الإنساني، بقدر ما يقدم دعوة أبدية للحفاظ على الحرية، مورداً أمثلة من التاريخ عن النموذج الإنساني الحر الذي يأبى أن يستعبد لأحد، مهما كان هذا الأحد، دون أن يحدد الطغاة، أو ماهيتهم، أو أساليبهم في الاستعباد، فما يهمه في مقالته هو متابعة رغبة العبودية لدى الجمهور العريض، التي تنافي الحقيقة الإنسانية والجوهر البشري، معتبراً أن الجماهير غالباً هي التي تقدم الذرائع للمستبد حتى يسيطر عليها.
يعرّف لا بويسي العبودية الطوعية باعتبارها السلوك الجبان الذي يرضى به المستعبد، وهو يظن أنه يحقق الاستقرار ورغد العيش لنفسه وأسرته بارتهانه للآخر، من دون أن يفكر بأنه عبر هذا السلوك قد بادل أفضل ما يملكه وهو الحرية بأسوأ ما يملكه الآخرين وهو التسلط، فالناس هم الذي يقدمون المبررات لاستعبادهم، بدون أن يفكروا وللحظة واحدة أنهم أورثوا العبودية لهم ولذريتهم، وحولوا أبنائهم إلى وقود لحروب الطاغية، وبناتهم لتلبية رغباته وفجوره، وأصبح ما يملكونه معرض للمصادرة في كل لحظة، ومن دون أن يتأملوا في كون ما يدفعه لهم من وجبة طعام، أو إبريق شراب، أو قطعة فضية، هو قليل مما سلبه منهم، أو ما سلبه بواسطتهم من الآخرين، ومع تكرار القتل والمصادرة لا يتعظ هؤلاء العبيد بمصير الآخرين وينتظرون مصيرهم حتى يقتنعوا أن لا حرية لهم، وما هم إلا عبيد برغبتهم أولاً، لأنهم هم من قدم نفسه للمستبد ونسي حريته، ويرى في خلق الإله للإنسان المتساوي مع الآخرين ميزة ودليل أن لا أحد أفضل من أحد، فلكل إنسان يدان وعينان ورأس، والكل متساوي مع الآخر من حيث الخلق، والطاغية المستبد لا يملك أكثر من ذلك، لكنه يملك الرغبة بالتسلط فيما يملك الآخرون الاستعداد للاستعباد، وهذه هي المشكلة في غياب روح الحفاظ على الحرية، معتبراً أن ولادة البشر أحراراً غير كافية، إذ ينبغي عليهم القتال للحفاظ على هذه الحرية، لأن التراخي في التمسك بالحرية الفردية يحيل الفرد إلى عبد ذليل.
ويعطي المؤلف أهمية كبيرة لتربية الفرد، فيعتبر أن البعض يولد رقيقاً ويربى كذلك، ولا يعرف غير العبودية فهذا الشخص لا يفتقد شيئاً ولا يشعر بعبوديته لأنه لم يعرف حالة أخرى، أما من ولد حراً، أو من امتلك العقل ليفكر، فلا يمكن له أن يرضى بالعبودية، ويروي للتدليل على كلامه قصة رجلين من اسبرطة ذهبا كرسولين إلى ملك الفرس كسرى، وحسبا أن كسرى سيقتلهما لا محالة، إذ اعتاد أهالي اسبرطة على ذلك، والتقيا أول شخص من بلاط كسرى وكان مستشاراً له فأكرمهما وأخبرهما أن سيده سيرحب بهما لأنهم يكرم من يستحق التكريم، وأنهما لو قاما بخدمته فلربما عينهما حاكمين لإحدى المدن، فأجاباه: انك تقدم لنا نصيحة غير نافعة، إذ تطلب منا أن نكون خدماً، لأنك تجهل ما ننعم به من حرية، ولم تعرف غير إحسان الملك عليك وتجهل طعم الحرية العذب، ولو أنك خبرت هذا الطعم لنصحتنا بالدفاع عنها لا بالرمح والترس بل بالأسنان والأظافر أيضا.
ويرى لا بويسي أن مسخرة المساخر تكمن في مجموعة الحراس والقلاع والحصون التي يحصن بها الحاكم نفسه، فهو يفعل ذلك ليخلق لنفسه رهبة في نفوس عبيده، ولكن لا يمكن لهذا العدد والحصون أن يحميه عندما يفكر الآخرون بحريتهم، مذكراً بأن عدد الحكام في التاريخ الذين قتلوا على أيدي حراسهم والمقربين منهم يفوق أضعاف من قتلوا بيد الأعداء، ويسخر من حالة الكوميديا التي يلجأ إليها البعض، إذ كان ملوك الأشوريين والميديين من بعدهم لا يظهرون أمام شعوبهم، لترسيخ فكرة الإلهي فيهم عند الآخرين، وكان فراعنة مصر عندما يظهرون في الأعياد أو غيرها، يكللون رؤوسهم بأغصان النخيل تارة أو بصور ما تحجب حقيقة وجه الحاكم، وكل هذا حتى لا يقارن الشعب بين صورة الحاكم وصورة الإنسان العادي، لأنه سيكتشف حينها أن لا شيء يميز هذا الحاكم عنه، والأدهى من ذلك الإشاعات التي ينشرها العامة ويصدقونها وخاصة عن الحكام وقدرتهم على صنع المعجزات، وشفاء المرضى وآلاف الأوهام الأخرى.

مقالة العبودية الطوعية” نشيد للحرية الإنسانية في أنصع تجلياتها، حرية أن يعيش الفرد دون أن يكون له سيد أو أسياد، وكما يشتهي ويتمنى هو نفسه لا كما يريد له الآخرون، فلا شيء يجبره على الخضوع لأحد، إلا إذا توهم أن هناك فائدة يمكن أن ينالها إذا سمح للآخرين باستعباده، ودعوة أيضاً للحفاظ على ما هو إنساني في حياة الشخص، والتمسك بالحرية التي لا يمكن لشيء أن يعوض عنها، باعتبارها القيمة الإنسانية الوحيدة التي تستحق التضحية في سبيلها، لأن البشر يفقدون حياتهم بفقدانهم لحريتهم، فالوجود الإنساني بدون حرية ليس أكثر من حالة بهيمية في أحط مستوى، وعلى الرغم من أن “مقالة العبودية الطوعية” قد أثارت الجدل والاهتمام على مدى قرون، إلاّ أن أياً من الفلاسفة والمفكرين لم يستطيعوا تجاوزها، وتجاوز أفكارها، وهو ما يلاحظ في حجم وكم التعليقات والهوامش الكثيرة التي تناولت موضوع الكتاب، من دون رأي سلبي واحد، وهذا فضلاً عن موازاة هذه المقالة من حيث الأهمية الفكرية لكتاب مكيافيللي”الأمير” لكن في الاتجاه العكسي، فمكيافيللي كتب إرشادات للأمير تساعده في التسلط على الرعية والحفاظ على ملكه، بينما دي لا بويسي كتب هذه المقالة ليعلم الناس أهمية الحرية والحفاظ عليها.

أخبار شركيسيسا

Share Button

الحياة: «ذكريات من منزل الأموات» لدوستويفسكي: العيش في أسفل السافلين

«ذكريات من منزل الأموات» لدوستويفسكي: العيش في أسفل السافلين
السبت, 25 ديسيمبر 2010
إبراهيم العريس

…هو الذي إذ وجد بين الجلادين وحوشاً كاسرة، وجد في الوقت نفسه بين السجناء، المفروض أصلاً أنهم أشر ما في المجتمع، أناساً طيبين، بل ان جرائمهم نفسها يمكن أن تبرر أو تعذر حتى من وجهة نظر أخلاقية مطلقة. ودوستويفسكي لا يصادق مسبقاً على هذا الرأي، بل انه يعرضه لنا من خلال رسمه بورتريهات بعض الشخصيات، مثل اكيم اكيمتش، الضابط الذي أمر بقتل أمير قوقازي من دون محاكمة…

immm

في يوم 17 نيسان (ابريل) 1863، صدر في روسيا القيصرية قانون يلغي أنواعاً عدة من العقوبات الجسدية التي كانت تمارس في السجون الروسية، وبخاصة في معسكرات الاعتقال في سيبيريا. وهذا القانون لم يصدر، في حينه، إلا إثر سجالات حادة وصلت أحياناً الى حد الصراع السياسي العلني بين تيار محافظ قوي يرفض المساس بالعقوبات، وتيار آخر ينادي بإلغائها. وإذا كان هذا التيار الأخير قد انتصر في ذلك الحين، فإنه لم ينتصر إلا لأن جنرالاً أميراً ذا نفوذ يدعى نيقولاي اورلوف، كان هو من يتزعمه. صحيح أن ذلك الأمير لم يكن معروفاً بتقدميته، لكنه كان – في مقابل ذلك – شغوفاً بالأدب. وشغفه هذا أوقع بين يديه كتاباً عنوانه «ذكريات من منزل الأموات» لكاتب شاب يدعى فيودور دوستويفسكي، فأذهله ما جاء فيه من وصف لضروب العقاب الجسدي المروّع الذي كان يمارس على كائنات بشرية. وكان أمرّ ما في الأمر أن الكتاب لم يكن رواية من نسج الخيال – على رغم ان دوستويفسكي كان بدأ يعرف برواياته وقصصه الأولى – بل كان تدويناً حقيقياً وحيّاً لواقع عاشه الكاتب يوم كان معتقلاً منفياً في أقاصي سيبيريا. في حينه تحرك الأمير بسرعة وكتب رسالة الى القيصر يطالب فيها بإلغاء العقوبات الجسدية التي يصفها دوستويفسكي في كتابه. فكان له ما أراد وإن بعد سجال وصراعات طويلة.

> في ذلك الحين لم تكن ظهرت، بعد، أعمال دوستويفسكي الكبيرة مثل «الجريمة والعقاب» و «الإخوة كارامازوف» و «الممسوسون». والحقيقة أن في امكاننا أن نقول اليوم ان هذه الأعمال كان من شأنها أن تظهر أقل قوة بكثير لولا التجربة التي تحدّث عنها الكاتب في «ذكريات من منزل الأموات». ومن هنا فإن هذا الكتاب الذي صدر للمرة الأولى في عامي 1860 – 1861، منشوراً على شكل فصول – كعادة دوستويفسكي في ذلك الحين – في مجلتي «العالم الروسي» و «الزمان» تباعاً، يحمل البذور التحليلية والأخلاقية الفكرية التي ستطبع تعاطي دوستويفسكي مع شخصيات كتبه بدءاً من ذلك التاريخ المفصلي. ومن هنا يعتبر هذا الكتاب انعطافاً في تاريخ ذلك الكاتب الشاب. ونعرف بالطبع ان دوستويفسكي كتب «ذكريات من منزل الأموات» استناداً الى تجربته التي عاشها منفياً، بعدما خفف حكم بالإعدام كان صدر في حقه إذ قبض عليه كعضو في حلقة ارهابية يترأسها المدعو بتراشفسكي. لكن اللافت هو أن دوستويفسكي لم يكتب هذا النص بعد عودته هوالذي لم ينشره إلا بعد 5 سنوات من تلك العودة. بل كتبه بدءاً من أيام سجنه ولكن على شكل انطباعات أولية راح يخبئها لدى واحد من موظفي مستشفى المعتقل. ثم، حين وصل الى مدينة سيميبالاتنسك، راح يجمع الانطباعات ويدوّنها، مواصلاً عمله فترة طويلة حتى وصل الى العاصمة سان بطرسبورغ، حيث أنجز الكتاب، لينشره في وقت واحد مع روايته «مذلون مهانون»… فتمكن هذان الكتابان معاً، من القفز بشهرته ومكانته الى الصف الأول.

> طبعاً وكما أشرنا، ليس «ذكريات من منزل الأموات» رواية، بل هو نصّ مكتوب بصيغة الراوي المتكلم. وهذا الراوي هو هنا ألكسندر بتروفيتش غوريانتشيكيف، الذي ليس في حقيقته سوى الأنا – الآخر لدوستويفسكي. والراوي يحكي لنا هنا عن الحياة اليومية في المعتقل، كما يراها ويحسّها بنفسه. وإذا كان الراوي يمضي الوقت وهو يصف تفاصيل حياته، فإنه في الوقت نفسه يتوقف ملياً عند حياة رفاقه في المعتقل، واصفاً لنا حياتهم الخارجية وعلاقاتهم، ولكن أيضاً سيكولوجيتهم، وما هو انساني حقيقي في داخلهم، بصرف النظر عن أي أحكام قيمة. ان الكاتب هنا يرصد جوّانية رفاقه. وهكذا بالتوازي مع الوصف الدقيق والمسهب للحياة الجماعية في المعتقل، وهو وصف يتسم أساساً بطابع «انساني» عميق، نجد الراوي، في أسلوب كتابته الذي يجعل من نصوص الكتاب فقرات قصيرة، كل منها أشبه بلوحة مرسومة، نجده يرسم صوراً للمحكومين، تمهد – بقوتها التعبيرية وطابعها العميق – لرسم دوستويفسكي لاحقاً لشخصيات رواياته الكبرى، بحيث إن الكتاب يبدو في نهاية الأمر وكأنه – إنسانياً – «بروفات» عامة لملامح القوم الذين سيسكنون روايات دوستويفسكي الكبرى.

> وإذا كان وصف حياة المعتقل والفظاعات التي تحدث فيه، قد أدى الى ذلك الأثر السياسي الذي تحدثنا عنه أعلاه، فإن هذا يبقى الجانب الأقل أهمية، مقارنة مع تلك البورتريهات، التي تملأ صفحات الكتاب، وتضعنا أمام شخصيات من لحم ودم رصدها الكاتب رصداً معمّقاً. والحال ان دوستويفسكي نفسه سيقول لاحقاً انه، على رغم المعاناة الجسدية والنفسية التي عاناها داخل سجنه، كان يجد عزاءه في «التسلل» الى داخل الشخصيات المحيطة به، وعبرها «الى داخل السيكولوجيا الروسية في شكل عام». كما انه سيقول انه «إذ عاش وسط أولئك الأشخاص المعتبرين حثالة الحثالة في المجتمع الروسي» انما تمكن من الوصول الى هذا الاستنتاج: «ان خير الناس يمكن أن يقسو قلبه بتأثير العادة فإذا هو يصبح حيواناً كاسراً. وان الدم والتسلط يسكران فيولدان التوحش والشذوذ والفساد». والحال ان بين هذا التأكيد وبين الوصول الى استنتاج آخر يقول ان «بذور الغرائز البهيمية موجودة لدى جميع معاصريه من الناس تقريباً» خطوة قطعها دوستويفسكي في بعض فصول هذا الكتاب الغريب. غير أن هذا الاستنتاج لم يمنع كاتبنا من أن يعرف – بالتدريج – كيف يميز بين الأشرار والأخيار، هو الذي إذ وجد بين الجلادين وحوشاً كاسرة، وجد في الوقت نفسه بين السجناء، المفروض أصلاً أنهم أشر ما في المجتمع، أناساً طيبين، بل ان جرائمهم نفسها يمكن أن تبرر أو تعذر حتى من وجهة نظر أخلاقية مطلقة. ودوستويفسكي لا يصادق مسبقاً على هذا الرأي، بل انه يعرضه لنا من خلال رسمه بورتريهات بعض الشخصيات، مثل اكيم اكيمتش، الضابط الذي أمر بقتل أمير قوقازي من دون محاكمة، وعلي الذي يعلمه الكاتب القراءة والكتابة بواسطة نسخته من الكتاب المقدس، فيتقبل علي الأمر بكل طيبة، وبتروف الرجل الغامض الذي يبدو في كل لحظة قلقاً وفي انتظار أمر ما، من المستحيل له أن يحدث، وصولاً الى سيرونكين، الرجل الهادئ البسيط. ان دوستويفسكي يتوقف عند هذه الشخصيات وعند عشرات غيرها راسماً اياها في نظرة انسانية عميقة ما يحولها من تجريدات وصفات، الى كائنات بشرية، تمهد، كما قلنا، لشخصيات رواياته الكبرى.

> لقد نشر هذا الكتاب في وقت كان فيودور دوستويفسكي (1821 – 1881) في نحو الأربعين من عمره. ولقد كان من حظه أن سادت روسيا في ذلك الحين، حقبة من التسامح الرقابي، ما جعل الكتاب ينتشر على نطاق واسع، ويكون له فعله… لدى قراء شبهوه بكتاب دانتي «الكوميديا الإلهية» ولا سيما بالجزء الخاص بالجحيم، حيث صوروا دوستويفسكي دانتي معاصراً، يقود قارئه الى ذلك العالم الهلامي الواقف خارج الكون: عالم المعتقلات والمنافي. ومنذ ذلك الحين، لم يعد كتاب ومفكرون من طرار بيلنسكي ونيكراسوف، وحدهم شغوفين بأدب دوستويفسكي، إذ راح يشاركهم ذلك الشغف، ألوف من القراء الذين راحوا يتلقون أعمال دوستويفسكي التالية، ومنها «في قبوي» و «المقامر» و «الأبله» و «المراهق» – اضافة الى ما ذكرنا إعلانه – بذلك الإعجاب الذي لا يزال العالم كله يشاطرهم اياه حتى اليوم.

alariss@alhayat.com

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/216206

Share Button

مأساة تهجير الشراكس

مأساة تهجير الشراكس

نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3011 – 2010 / 5 / 21 – 04:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات

قرية صغيرة تقع قرب النهر مؤلفة من مجموعة من البيوت المتناثرة حول ساحة كبيرة، تتوسط الساحة شجرة عملاقة موغلة في القدم لا أحد يعرف عمرها، تحت الشجرة يوجد مقعد خشبي كبير يجلس عليه كبار السن آخر النهار يتسامرون ويتحدثون عن أمور القرية والقرى المجاورة وعن بطولات الفرسان الشراكس في حربهم مع الروس. متابعة قراءة مأساة تهجير الشراكس

Share Button

عين ثاقبة على “عين على روسيا”

عين ثاقبة على “عين على روسيا”

 

أطلقت قناة الجزيرة الفضائيّة ما أسمته فعاليات أسبوع “عين على روسيا” من خلال شاشة الجزيرة من اجل تقريب الصورة للمشاهد العربي عن الدولة الروسية التي وصفت بأنّها “ورثت تركة القطب الشيوعي، ولا تزال تلعب دورا هاما في الساحة الدولية والإقليمية، وذات تماس مباشر مع القضايا العربية والإسلامية”، واعتُبرت كذلك بأنها “غير بعيدة عن ملفات إيران وأفغانستان والصراع العربي الإسرائيلي”.

وقد أعلنت القناة الفضائية الإخبارية العربية التي تكاد أن تكون القناة الفضائية العربية الأوسع انتشارا بأن الفعاليات اتطلقت يوم السبت الموافق للسادس عشر من أكتوبر/تشرين الأوّل 2010 في كل من موسكو والدوحة، ودعيت الفعاليات بأسبوع “عين على روسيا” عبر شاشة الجزيرة القضائيّة وذلك استكمالا لتغطيات مماثلة شملت حتى الآن كما ذكر كل من “الصين وإيران والسودان وتركيا والقدس المحتلة”.

وجاء على موقع الجزيرة على الشبكة العنكبوتية بان مدير مكتب الجزيرة في موسكو جمال العرضاوي يرى أن صورة روسيا في العالم العربي اليوم تشكو العديد من التصورات النمطية، فـ”الكثير من العرب على مختلف مستوياتهم -بما في ذلك الأكاديمية- يعودون بكل سهولة إلى مخزونهم القديم عن روسيا -وهو سوفياتي في أساسه- ليشخصوا واقعا أضحى يتغير بسرعة”.

وجاء بتقرير القناة عن اختيار روسيا بانه “يبدو مناسبا حسب القائمين على البرنامج. فالدولة الغنية بتعددها الثقافي والإثني، وكذا بمواردها الطبيعية، مجهولة في كثير من الجوانب للمشاهد العربي إلا من بعض الحمولات التاريخية لماض ورثته بكل تبعاته، رغم خروجها في كثير من النواحي عن مساره”.

ومن وجهة نظر المشرف على “عين على روسيا”  فإن “العالم العربي يعرف القليل عن روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، ويتركز ذلك على توقعات بأنها صديقة للعرب في وقت تغلب فيه لغة المصالح كل الاعتبارات”.

وذكر بأن مؤتمرا صحافيا لبدء الفعاليات عقد بوكالة نوفوستي الروسية للأنباء وأن التغطية من موسكو تأتي -بالتعاون مع قناة “روسيا اليوم”.

ورغم غياب الدور الإستعماري الروسي في القوقاز وما وراءه عن مجرد الذّكر، فإن بعضا من تعليقات القراء على موقع الجزيرة أتت على ذكر بعض منها، رغم أن معظم التعليقات أتت من مشاركين يجهلون الدور الإمبريالي الروسي تماما.

أحد المعلقين باسم مراقب قال: “ارجو ان يكون قوة النظر في هذا العين اللي على روسيا6 على 6 بحيث يستطيع ان يروي لنا مجازر الروس في الشيشان”.

ومعلق آخر باسم بدوي فاهم قال: “سبحان الله يقولون السوفيات حليف للعرب!!!! ما هذا التلاعب بعقول العرب. نعم العرب حين تركوا الاسلام واتبعوا عبدالناصر كانوا حلفاء للجاحدين بالله الشيوعيون وحين سقطوا في 67 بفضل الاسلحة الروسية الفاسدة والخبراء الروس الدجالون وضحك الروس واجتمع سفيرهم في اسرائيل باليهود مبارك لهم النصر المظفر كانت تلك نصرتهم للعرب المرتدين اتباع الزعيم الملهم!!.”.

وجاء فيما قال آخر باسم محمد عبدالله راشد: “الروس من اكثر القوم عدا و ازدراء بالمسلمين و فتكهم بالافغان مضرب الامثال ام جريمتهم بحق الشيشان عندما حاصروا عاصمتها و اطلقوا كل انواع الصواريخ و القذائف الثقيلة على سكانها مخلفين مليون قتيل فبحق تعادل كل ما ارتكبه المغول على مدى مائة عام. ام ما يفعلونه اليوم في داغستان من تقتيل يومي لكل من يشك به يمر مرور الكرام. لقد امر بوتن بان لايتم القبض على احد حي بل يردى قتيلا في الشارع او في بيته و مع ذلك يظن المسلمون ان الروس اصدقائهم يا عجبي”.

ومعلق آخر باسم أبو السعيد قال: “ارجو أن لا تكون قناة الجزيرة الحبيبة مطية لروسيا للتسويق للألعاب الأولمبيّة الشتوية في عاصمة الشراكسة الأخيرة سوتشي 2014 ، وأن لا تكون ناصرة للجهود الروسية في إحكام الشرعية على هذه المدينة الشركسية المحتلة مثلها مثل باقي قرى ومدن شيركاسيا التاريخيّة التي حصلت فيها المجازر ضد المسلمين، بالإضافة إلى أن طرد المسلمين كان على سواحل سوتشي (تشاتشا) باللغة الشركسيّة، وأن تنقل ما يحدث في القفقاس بعد تمحيص وتدقيق”.

كذلك علق آخر باسم محمد بن أحمد: “لا ننسى أن التجارب النووية داخل الإتحاد السفثتي سابقا تم كله في المناطق الإسلامية وهناك كارثة كبيرة في هذه المناطق”.

وجاء في تعليق أمل: “نتفق مع الجميع ان من اتخذ غير الاسلام دينا فلن يتقبل منه وما كان في روسيا هو محاولة بشرية لتحقيق العدالة والسلام بين الناس بقواعد تضبط العلاقات بين بين اطياف من خلال دكتاتورية العمال وحزبهم الشيوعي وكان الفساد وتبعه الانهيار نتيجة للحرمان وتحكم السلطة بمقدرات البلد واليوم الذي حصل ان الناس يركضون خلف من يدفع اكثر دون تبعيات ايدولوجية تخدع البشر وسيبقى مسلسل الظلم مستمرا الى ان يحكم بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله محمد ص فهو الضمانة الابدية للعدل”.

أمّا شركسي فقد علق على الموضوع: “مجهود جيد لتعريف المهتمين بما يجري في روسيا، لكن هل الجزيرة لديها الشجاعة للمرور ولو مر الكرام على احتلال القوقاز والمآسي الماثلة للآن بسبب السياسات الاستعمارية؟ هل الجزيرة على قدر كاف من المسؤولية لذكر رفض الشركس لإقامة ألعاب سوتشي الأولمبيّة الشتويّة في العام 2014 على أرضهم التي تعرضت للإبادة في القرن التاسع عشر؟ لا اعتقد ذلك…”.

وعلق تحسين: “نعم ينقصنا المعلومات حول روسيا اليوم ولكن لاتتفائلوا خيراً فروسيا منذ العهد السوفيتي حتى الان لا تنظر الا الى مصالحها فقط، في العهد السوفيتي خزلت السادات ولم تقدم له السلاح المطلوب وخزلت سورية في بقاع لبنان رغم اتفاقية الدفاع المشترك وخزلت الصومال ودمرت جيشه عندما حرر اراضيه من اثيوبيا(اوغادين) .وبعد سقوط الشيوعية نعم روسيا اليوم وبعد سقوط النظام الماركسي خزلت صدام رغم انه اعطاها معظم عقود النفط وقريباً جداً ستخزل ايران رغم بنائها مفاعل بوشهر، العالم اليوم اصبح واحد لا ديانة ولا قومية ولا قضية تحكمه كل ما نراه هو حرب الاغنياء بين بعضهم وما نحن وشعوب العالم الا رعاع !!!”.

وجاء في تعليق لمحمّد: “الى الأخوة الذين ينظرون الى روسيا بالمنقذ، أعيدو قراءة الموضوع و بالأخص كلام مدير مكتب الجزيرة في موسكو البعض لا يزال يتصور أن موسكو قد تقدم العون الكافي للعرب في معركتهم مع الصهيونية، في حين أن موسكو نفسها ترغب في تفكير عربي إسلامي يتحلى بالموضوعية تجاهها.. للأسف هذا مايحدث الآن، روسيا لم تعد قادرة أن تعمل شيئا حتى مجرد بيع بطاريات الى دول عربية غير حليفة لأمريكا صار من المستحيلات له”.

 

17 أكتوبر/تشرين الأول 2010

أخبار شركيسيا

Share Button

القصة الكاملة لهجرة الشركس إلى الأردن

القصة الكاملة لهجرة الشركس إلى الأردن

الأربعاء 13 تشرين الأوّل / أكتوبر 2010

المدينة نيوز –  بدأت هجرة الشركس من القفقاس لأول مرة عام  1858 م بشكل متقطـِّـع ، ولكنها تزايدت خلال الفترة الواقعة بين عامي 1864 – 1878 م ، وقد تركوا وطنهم حماية لدينهم أمام محاولات القمع والإبادة ، وتحمَّـلوا المشاق والصعاب في هذا السبيل ، وارتضوا بأن يستبدلوا بلادهم القفقاسية الخضراء الجميلة وجبالها الشاهقة وغاباتها الكثيفة ومياهها الوفيرة بوطنهم الثاني الأردن ، وآثروا العيش في الكهوف والوديان ردحا من الزمان في سبيل دينهم وإيمانهم بعد ان كانوا يعيشون في رغد من العيش الوفير في بلادهم الخيرة المعطاء ، ولم يكن في الأردن في ذلك الحين مدينة اسمها عمان ، وكل ما كان هناك بقايا إطلال رومانية لمدينة عمُّـون التاريخية ، وأبرز هذه الأطلال المدرج الروماني الشهير ، المعروف باسم ( فيلادلفيا )  والحمامات الرومانية التي ما زالت آثارها باقية في سقف السيل ، والقلعة التي تشرف على خمسة أودية تتشكل منها الآن العاصمة عمـَّـان ، هذا بالإضافة إلى جامع قديم مهجور يعود في تاريخه إلى عهد الأمويين ولا صلاة تقام فيه ، وبرج عال أشبه بالمأذنة ، وتقول رواية أن الجامع والبرج من آثار البيزنطيين ، وتـمَّ تحويلهما في العهد الإسلامي إلى مسجد ومئذنة ، ثم عفا عليهما الزمن إلى أن وصل المهاجرون الشركس فقاموا ببناء مسجد مكان الجامع القديم المهجور ، وحوَّلوا البرج إلى مئذنة .

متابعة قراءة القصة الكاملة لهجرة الشركس إلى الأردن

Share Button