عندما يكون الجدل بيزنطيّا وخال من الموضوعيّة
نشر موقع شبكة الأخبار الشّركسيّة مؤخّرا مقالا مترجما للّغة العربيّة قامت باعداده ونشره باللّغة الانجليزيّة الصّحفيّة الشّركسيّة وناشطة حقوق الانسان فاطمة تليسوفا بعنوان “الكونغرس الشّركسي يدعو الى توحيد الجمهوريّات الشّركسيّة في شمال القوقاز” على عدّة مواقع الكترونيّة تهتم بالوضع القوقازي عامّة والشّركسي خاصّة، ما أثار غريزة الاعجاب بنوعيّة وصدق المشاعر عند أغلبيّة شركسيّة متعطّشة لمثل تلك المبادرات المباركة نحو احقاق الحق واستعادة الحقوق الشّركسيّة المنهوبة ومنها حق الأمّة الشّركسيّة بان يكون لها وطن معلوم الحدود ومتجانس سكّانيا وجغرافيّا، بينما جاءت هذة المبادرة كوقع الصًاعقة على تلك الحفنة من الشّراكسة وأشباههم والمدعومين من قبل المستعمرين الّذين بذلوا المستحيل في مسح شركيسيا الوطن والأمة من الواقع والخارطة وحتّى من ذاكرة الشّراكسة أنفسهم، الّذين حلّ بهم وبديارهم الهلاك والدّمار والخراب والقتل والابادة الجماعيّة والتّشريد والتهجير منذ السّنوات الأخيرة للحرب الرّوسيّة-الشّركسيّة والّتي وضعت أوزارها في 21 مايو/أيّار 1864.
انّ من يعتقد بانّ الذّاكرة الشّركسيّة قد أكل عليها الدّهر وشرب مخطئ تماما، لأنّ ما حصل في شركيسك مؤخّرا أتى على كل المخطّطات الاستعماريّة والاستيطانيّة الرّوسيّة الخبيثة بالفشل الذّريع وذلك عند تبيّن كل من يهمّه الأمر بأنّ شركيسيا وأبناءها الغر الميامين والمخلصين أثبتوا ثباتهم على الحق الّذي لا يتجاهله سوى جاهل ومغرض وعميل، وأنّ شركيسيا تعرف بحدودها التّاريخيّة والّتي يمكن تبيّنها من خلال الرّجوع الى الخرائط والمصادر الموثوقة والّتي تعتبر الوثائق اللاّزمة لتثبيت الحقوق حسب الوقا ئع والقوانين والأعراف الدّوليّة.
انّ الأمّة الشّركسية تعبت وسئمت بل واشمأزّت من هؤلاء الّذين عيّنوا أنفسهم أوصياء على حاضرها ومستقبلها وبموجب و/أو بالتّوازي مع المشاريع الامبرياليّة الرّوسيّة الّتي شرعت في حروبها وأساليبها المختلفة الّتي امتدّت بين التّرهيب والتّرغيب للسّيطرة على شركيسيا وأمم شمال القوقاز الأخرى منذ أكثر من أربعمائة وخمسون عاما من خلال حروب متعاقبة ومدمّرة شنّها المسكوفيّون منذ ما قبل عهد ايفان الرّهيب وحتّى عصرنا الحاضر وتم من خلالها القضاء على الملايين من بني البشر من أفرادا وجماعات وقبائل وشعوب وأمم، لا بل تقوم دائرة الاستخبارات الرّوسيّة (اف اس بي) وأجهزتها الاستخباريّة الأخرى مثل ال (جي آر يو) في الوقت الحاضر باللّحاق بالشّراكسة المهجّرين من قبل روسيا الامبرياليّة الى ديار الاغتراب لتؤثّر على مجرى حياتهم وانتخاباتهم ولدس العملاء والجواسيس بين ظهرانيهم وكذلك لبث الفرقة والدّعاية الاستعماريّة-الاستيطانيّة بينهم لحملهم على عدم التّفكير بالعودة الى أرض الوطن، ومن يعتقد بان كل تلك الجرائم ستمر من دون عقاب و/أو حساب فهو مخطئ تماما لأنّ الحقيقة دائما تكون أبسط ممّا تبدو لأوّل وهلة.
عودة على بدء لتلك المشاهد لهؤلاء العملاء والجواسيس المتطفّلين والمتواجدين بين ظهرانينا وشهود العيان الّذين شاهدوهم بأم الأعين وهم يتنقّلون من والى السّفارات والقنصليّات الرّوسيّة لايصال المعلومات الّتي طلبت منهم لتزويد أسيادهم رجال المخابرات الّذين يعملون من أجل تنفيذ السّياسات الاستعماريّة الرّوسية بين الجاليات الشّركسيّة في المهجر وديار الاغتراب من جهة و لاستلام الأوامر والتّعليمات المستجدّة وكذلك لجمع المعلومات المطلوب الحصول عليها من أجل متابعة النّشاطات المختلفة للأفراد والجماعات والجمعيّات والنّوادي من جهة أخرى.
ليس هنالك من نصف انتماء الى قوميّة ما لأنّ المطلوب من كل من يدّعي الانتساب بالكلام فقط عليه أن يؤكّد ذلك بالعمل لأنّ عنوان التّقدير والاحترام للأمّة هو مقدار المسؤوليّة تجاهها حاضرا ومستقبلا، ولأنّ التّطور هو سنّة الحياة وان القعود وعدم التّفكير بمصير الأمّة لهو الجهل بعينه بل هو أيضا التّقهقر والخذلان الى مهاوي الشّرذمة والضّياع والانصهار في بوتقة عالمية الاتّساع ومجهولة المصير من حيث قال أحد الحكماء: “ان من يرفض التّغيير فانّه معماري أكل عليه الدّهر وشرب. والمؤسّسة الانسانيّة الوحيدة الّتي ترفض التّغيير هي المقبرة”. انّ القعود وعدم التّحرك باتّجاه الوطن سواء كان وجدانيّا أوعاطفيّا على أقل تقدير لهو جريمة تقترف بحق الوطن والأجداد الشّجعان الّذين بذلوا الغالي والنّفيس في سبيل الدّفاع عن الوطن الأم وعن هويّة الأمّة الشّركسيّة.
والانسان يرتجي في أن يكون في حياته مثلا وقدوة يقتدى بها في عيشه وملهما للتّاريخ الانساني عند رحيله الى الدّار الآخرة، والّذي يرى العالم بمنظار محدود الرؤيا من حيث المدى والزّاوية فانّ أفقه يبقى ضيّقا ولا يستطيع تحديد اتّجاهه وخط سيره، ومن بديهيّات الحياة فانّ البقاء للأقوي ليس بدنيّا وجسمانيّا فقط، بل أخلاقيّا وذهنيّا وثقافيّا وعلميّا وقوميّا أيضا.
ان ما يزعج المرء هو أن يرى بعضا من هؤلاء الشّراذم المتشبّهين بالشّراكسة والّذين أجزم جزما قاطعا بأنّهم امّا أن يكونوا غير شراكسة أو هم من المتشبّهين بهم من الدّخلاء أو العملاء أو الموتورين أو المأجورين أو ضعفاء الأنفس ممّن ارتضوا أن تنتهك الحرمات والأعراض وحرمة تراب الوطن الأم بدون تأثّرهم بأدنى قدر من الحس الانساني أو بقدر ولو بسيط من الغيرة والحميّة واللّتان لا تتواجدا الّا عند أولي الهمّة والعزم والايثار؛ ومن خلال القاء نظرة سريعة على أيّ شعب مضطّهد أو محتلّ أو مطرود من وطنه أومحروم من حقوقه الأساسيّة المكفولة حسب القوانين الدّوليّة ذات الصّلة، فتجد من يطالب بالحقوق المسلوبة والمهضومة وبشتّى الأساليب والسّبل لا من يهبّط العزائم و/أو يدافع عن المعتدي المحتل الّذي أوغل في جرائمه منذ اليوم الأوّل الّذي وطأت أقدام جيوشه وقوّاته تراب الوطن واقترفت جرائم الابادة الجماعيّة والتّطهير العرقي والتّهجير القسري!
ومن الحكمة أن يقال بأنّ ليس هناك أشدّ صمما أو أشدّ عمى من أولئك الّذين يريدون ألّا يسمعوا أو يبصروا.
ايجل
15-شباط/فبراير-2009
http://www.justicefornorthcaucasus.com/jfnc_message_boards/arabic_boards.php?entry_id=1234765200