تقدم الدول الإمبريالية مصالحها الذاتية فوق كل إعتبار، وتحت شعارات واهية تواصل هذه الدول النهج الإمبريالي بالأساليب العسكريه والإقتصادية والثقافية، وتواصل سياساتها الأنانيّة التي تسخّر لها كافّة الإمكانيّات المادّية والبشريّة والإعلاميّة المتاحة، من أجل أهداف غير سامية وغير إنسانيّة من أهمّها السّيطرة على أوطان وأراضي وموانئ ومياه وثروات وخيرات الشعوب، ويتم ذلك إقتضاءا من خلال قتل المدنيّين الأبرياء وقمعهم وحجب حرّيّاتهم ونهب ممتلكاتهم وطردهم بكل وحشيّة بالإضافة إلى إضطّهادهم واستغلالهم وقهرهم وتطبيق قرارات عنصريّة ضد قوميّاتهم وعقائدهم ودياناتهم وكذلك خرق بنود ومقتضيات تطبيق القوانين الدولية ولوائح حقوق الإنسان بما فيها قرارات الأمم المتحدة وميثاقها بالإضافة إلى الدّوس على المبادئ الإنسانيّة السّامية.
يمكن القول بأن كافة الدراسات والإستبيانات التي تقف من وراءها السلطات الرّسمية الرّوسية المتمثّلة بأجهزة وعملاء وجواسيس المخابرات والإستخبارات تقوم بالترويج لما تريد تسويقه وكذلك تهيئة المناخات والظروف التي توصل الباحثين والدارسين الى النتائج المعلنة لديهم والتي هي بالضرورة معروفة لهم سلفا لأنّهم وعلى عكس الأسلوب العلمي في البحث والمتمثّل بدراسة قضايا أو ظواهر أوحالات أو أزمات معيّنة إعتمادا على المعطيات والمؤثّرات المختلفة، فإنّهم في السياسة الموجّهة والمتّبعة من قبل المرتبطين بالسّلطات الإستعماريّة الرّوسيّة ومنفّذي سياساتها، فإنّهم يقومون بإعداد الملفات المنوي التّعامل معها بهدف الإيغال بتدمير الأمّة الشّركسيّة واستمرار نفي الغالبيّة العظمى منها في أصقاع الأرض.
لايحتاج المرء إلى مهارة خاصّة للمقاربة بين المهارات المعرفية التي يجب أن تخضع لمقارنة حذرة للوصول إلى الحقائق، فالسلوك العدائي يكون عادة لدى المعتدين الّذين لا يرون سوى مصالحهم الذّاتيّة والمتمثّلة بتطبيق سياسة “إلغاء الآخر”، من أجل تنفيذ سياسة الإستحواذ على الآخرين دون أن تكون لهم بالضرورة قدرات عقلية عالية تجعلهم يفكّرون وفقا للمبادئ الإنسانيّة السّامية. والتّجارب االسّابقة واللاحقة مع الذين ارتكبوا القتل وأنزلوا الدّمار بالبلاد والعباد، وسلكوا التطهير العرقي والإبادة الجماعيّة عبر تحليل سلوك هؤلاء المستعمرين يتبيّن بأنهم لا يتصرّفون عشوائيا، بل وفقا لإعداد وتدريب مسبق، بل إن الذين يرسلون من قبل السّلطات المركزية الروسيّة إلى المناطق المحتلّة لديهم الإستعدادات الإجرامية لتنفيذ المآرب الأنانيّة فيرتكبون جرائم خطيرة بحق الإنسانيّة وهم يعانون عيوبا في كافّة الأمور العائدة إلى اتخاذ القرارات الّتي تتعلّق بالمشاعر والأخلاق القويمة والرّزانة في التعامل مع نبضات وهموم الذين احتلّت أوطانهم وهذا يعتبر ابتذالا في الأساليب المتّبعة.
وتشرق علينا يوما بعد يوم حالات من نهضة الشعوب في سباق وتلهّف نحو حرّيّاتها الأساسيّة واسترداد حقوقها وثقافاتها وحضاراتها وثرواتها وفقا للوائح حقوق الإنسان للتخلّص من الإستعمار والتسلط الأجنبي، وفي نفس الوقت نجد أن السّلطات الإستعماريّة الرّوسيّة تقوم بتطوير أساليبها المتّبعة من حين لآخر وتلجأ إلى فرض شرذمة من الحكام العملاء المعيّنين من قبل المركز أو العاصمة موسكو من أجل تحقيق ما تطمح إليه من أهداف ومصالح لا مشروعة، وذلك بالعرف الأنساني والدّولي، إضافة إلى دعم منظّمات مشبوهة لكن محسوبة على المناطق المحتلّة لتمرير سياسات إستعماريّة ظاهرها برّاق لكنّها في الواقع خبيثة وخادعة.
ومع مرور الزمن تكاد هذه الدّولة الإمبرياليّة التّسلّطيّة أن تفقد فرصتها وموقعها الإستعماري كوضع تقليدي اتّصفت به لأكثر من أربعمائة وخمسون عاما، وذلك بفضل صحوة الشعوب وكفاحها من أجل استرداد استقلالها، فستضطر على الرغم منها إلى تغيير أساليبها الإستعمارية والسّلطويّة واتّباع أساليب جديدة ومستحدثة حسب تطوّر الأوضاع، وما حصل لما سمّي آنذاك بالإتّحاد السّوفياتي المقبور، فإنّه سيحصل لهذه الدّولة الإستعماريّة المهيمنة على مقدرات أمم وشعوب عددها يتجاوز المائة، رغم أنّها ستحاول استخدام الوسائل الحديثة والمتطوّرة وأساليب الدّعاية الإعلامية في نشر الإشاعات الملفّقة والأكاذيب المغرضة إضافة إلى فرض لغتها وثقافتها على الآخرين، فتغيّب الشعوب عن قضاياها المصيريّة الهامّة، ومن مقتضيات الأمر بالنسبة للمستعمرين أحيانا هو سلوك ديناميكية تبديل الأساليب الأستعمارية المتّبعة، من أجل تنفيذ الهدف الإمبريالي الذي لا يتغيّر عندما تتغيّر طرق الإحتيال، ولكن يبقى الإستعلاء والتّسلّط وكذلك النّهب أهدافا رئيسيّة.
يجب على الشركس أن يكونوا متّحدين وأن يستطيعوا تمييز الغث من السمين وأن يكونوا مستعدين للدفاع عن مصالحهم لأنّه “تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامي”، ويجب عليهم التمييز بين الصديق والعدو، خاصة وأن بعض ضعاف النفوس ومن أجل التهّرّب من الواجب الملقى على عاتقهم فإنّهم يقولون بأن على الشركس أن لا يأتوا على أيّ عمل قد يغضب الروس ويعتبرونهم أصدقاء، متناسين بأنّ “الصديق الذي لا خير منه في الحياة لا ينفع بعد الممات”، ويجب عدم الإفراط في التّواضع مع من احتلّوا الوطن لأنّ “الإفراط في التواضع يجلب المذلّة”، ولا يجب الإستجارة بالّذين ينكرون علينا حقوقنا لأن من يفعل ذلك ينتهي به الأمر “كمجير أم عامر”. ومن أجل إستعادة الحقوق الشّركسيّة، يجب مراعاة المنطق في التعامل مع الّذين صادروا حقوق الأمّة الشركسيّة بحيث يجب مراعاة المثل القائل، “لا تكن صلبا فتكسر و لا ليّنا فتعصر”، فالحب والكراهية كلاهما طاقة ثمينة، لا يصح أن نبددها فيمن لا يستحق، ولأجل مصلحة الوطن العليا يجب ألاّ تصيب الشّركس الفرقة لأنّه “إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء”، ويجب تمحيص الأمور وتقديرها حقّ قدرها، وإنّ ظنُّ العاقل خير من يقين الجاهل.
أنّ في الإتحّاد قوّة، وإن غداً لناظره قريب لأنّ كل آت قريب، ولن تغرق سفينة الحياة في بحر اليأس طالما هناك مجد إسمه أمل…
إيجل
10 آب / أغسطس 2009