إستمرار المؤامرة ضد شركيسيا
مقدّمة
إن مجريات الأمور في الوقت الحاضر تعيدنا في الذّاكرة الشّركسيّة، إلى ما احتوته وتكدّس فيها من معلومات ذات صلة بالدّفاع عن النّفس والوجود والبقاء والاستمراريّة كأمّة عريقة بين الأمم أرادت أن تحيا بكرامة وحرّيّة وعزّة، لكن الأطماع العنصريّة والإستعماريّة والإمبرياليّة حالت دون تحقيق تلك الأمنية الغالية، لا بل نفّذت ضد أبنائها الأخيار الإبادة والتّطهير العرقي والتّهجير القسري للسّواد الأعظم من الأمّة المنكوبة، ناهيك عن السّلب والنّهب للمواشي والمقتنيات ولكل ما تطاله أيديهم الغادرة، وكل هذه الأفعال الشّائنة والموثّقة ندر مثيلها في التّاريخ الإنساني، ومن بعض الويلات الّتي أوقعها الطّامعون والمحتلّون انّهم كانوا يقدمون على تدمير القرى والبلدات الشّركسيّة الآمنة عن بكرة أبيها، وعمد المحتلّون على جمع المدنيّين والقرويّين العزّل في الأمكنة العامّة وحتّى في الحظائر، وكانوا يشعلون فيها النّيران الّتي كانت تأتي على أي شيئ لم تطله الأيدي اللّئيمة والآثمة، ولم تسلم من كل ذلك الخيل الشّركسيّة الّتي هي تعرّضت أيضا للأبادة الجماعيّة، وذلك بسبب معرفة المحتلّين بأن الفارس الشّركسي الشّجاع الّذي يمتطي صهوة جواده الشّركسي الأصيل يساوي أضعاف ذلك العدد من أفراد القوّات المعتدية وهي المدرّبة والمجهّزة بالأسلحة والأعتدة العسكريّة الحديثة. كل تلك الأفعال والجرائم الشّائنة كانت تنفّذ حتّى لا ينجو صغيرا أو كبيرا من المجازر المتعمّدة، ومن ينجو يجد بيته وقد دمر وكذلك قريته وقد سوّيت بالأرض لتبدأ وحلة عذاب إلى المجهول، هذا ناهيك عن عمليّات القتل والتّخريب والإستيلاء على الممتلكات الّتي نفّذتها عصابات من القتلة والمأجورين والمرتزقة والمحرّضين الّذين كانوا في عداد القوّات القيصريّة الغازية.
السّياسة الفاشيّة والإمبرياليّة
أن القوانين والأساليب العنصريّة الرّوسيّة البغيضة في انتهاك الحقوق الّتي اتّبعت ولا تزال تتّبع ومن أساليبها الإستئثار والإستقواء والقهر والبطش بالشّعوب والأقوام المختلفة والمندرجة جميعها تحت قيام الطّغيان بالعيث فسادا وخرابا بالبلاد والعباد وإشباع شهوة النّهم والسّيطرة على الآخرين وانتهاج الأساليب الشّيطانيّة لهي سمة مميّزة بالغزاة الرّوس وهم الذين اعتدوا واقترفوا الفظائع والجرائم القذرة والشّنيعة بوحشيّة بدائيّة وتنكيل قل مثيلها ضد عشرات الأمم والشعوب بما فيها أمم شمال القوقاز عامّة والأمّة الشّركسيّة خاصّة.
لقد عمدت قوّات الإحتلال القيصري الروسي الغاشمة ومنذ أن بدأت بالتّمكن من السّيطرة على الوطن الشّركسي وتقطيع أوصاله وتغيير معالمه وأسماء أجزائه، واتّباع فنون الضرب والقتل والسّحل والسّحق والإبادة وانتهاك الحرمات والإغتصاب وسلب المقتنيات العامّة والخاصّة والإبعاد والنّفي القسري لنشر الرّعب لاستمراء الخضوع والخنوع والإذلال من جرّاء القهر والظّلم والإنتهاكات الّتي أوقعها المستعمر على الشّعب الأعزل في كل أماكن تواجده في البلدات والقرى والمزارع، ممّا دفع من يبقى على قيد الحياة (حسب الوثائق الرّسميّة الرّوسيّة) للإنتقال من الوطن للّجوء إمّا إلى مناطق داخل الإمتداد القارّي في روسيا الإستعماريّة أو الإنتقال إلى الدّولة العثمانيّة (بتنسيق مسبق مع سلطاتها نحو مناطق الإضطّرابات) عبر أهوال البحر الأسود ووسائل مواصلاته المتهالكة والعشوائيّة والأحوال الجوّيّة القاسية وفي ظروف معيشية سيّئة للغاية يندى لها الجبين الإنساني، حيث اجتمعت المآسي والأمراض المعدية والإنتهاكات المخزية لحقوق الإنسان الشّركسي الّذي تعرّض للأخطار المحدقة والمهانة والإهانة والتّصرّفات البشعة الّتي لا يقبلها ضمير ولا عقل ولا منطق ولا دين ولا إنسانيّة، والّتي بدرت ويا للأسف من قبل أناس يعتبرون إخوة في الدّين والعقيدة!
إن من بقي عنده ولو قليلا من الكرامة الإنسانيّة الشّركسيّة من المحبين والمخلصين لأمتهم، لن يرضخ ولن يقبل بالظّلم والخذلان والمهانة والإهانة والقهر والذّل والمضايقات والإفراط في كبت المشاعر الإنسانيّة، بل يستذكّر ما عاهد الأجداد أنفسهم عليه ألا وهو “المنِيّة ولا الدّنيّة”، لأن خيانة الأمانة ليست من المروؤة في شيئ ولأن الوطن هو أغلى وأسمى وأعز وأنفس من الدنيا وما فيها.
أنّها ليست المرّة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتكالب فيها نفر من الذين يصفون أنفسهم بالشّراكسة بالإذعان والإمتهان وهم الذين يوصفون بالأذناب والعملاء والجواسيس في أحسن الأحوال، وهم من عديمي الرّجولة والشّرف والبعيدين كل البعد عن القيم والأخلاق الأصيلة وفي نفس الوقت يلهثون وراء مصالحهم الأنانيّة وكأن واقع حالهم يقول للمحتلّين الجاثمين على الصّدور إفعلوا بنا وبقومنا ما تشاؤون والجميع على تمام الإستعداد لتلقّي المزيد من جرعات الذّل والهوان. إنّ هناك أفرادا وجماعات من الشّراكسة ويا للأسف قاموا بتولية أنفسهم على أبناء جلدتهم سواء في الوطن الأم أو في ديار الإغتراب الشّركسي، بشكل وراثي و/أو فئوي، وارتؤوا المداهنة والمهادنة والتنازل عن الحقوق المشروعة حتى يتمكّنوا من البقاء حسب رؤيتهم الأنانيّة والنرجسيّة للأمور، من المحظيّين والمتنفّذين وأصحاب الجاه والسّطوة وذلك عبرالنّفاق والكذب والخداع والتّضليل، وهؤلاء يتجاهلون عواقب خيانة الأمانة في صون الوطن وأهله وحقوقه الثّابتة.
رحلة التضليل القومي
خرج علينا مؤخّرا من أحد الأوكار المدعو “سفيان جميخوف” مدير تحرير صحيفة برافدا في شمال القفقاس (سابقا) الّذي لا يزال في ماراثون مشروع إقامة ألعاب عبثيّة وشبه أولمبيّة يقترح تسميتها “شيركيسياد” وتحت شعار “الخير يجلب الخير”، وحيث ادّعى ولا يزال يدّعي بأنّه يقوم بتسويق وتنفيذ ما اخترعه بنفسه مع شريك آخر، على الشّراكسة في أماكن تواجدهم سواء في الوطن أو في أماكن تواجد الإغتراب الشّركسي بحيث وصل قطار أحلامه هذه المرّة إلى تركيّا بعد أن مرّ بالجاليات الشّركسيّة في سان بطرسبورغ وموسكو مرورا بالجالية الشّركسيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة (ولاية نيوجيرسي) عند حضوره مؤتمرا في جامعة جورج تاون في العاصمة الأميركيّة واشنطن في نهاية شهر أيلول / سبتمبر، حيث اجتمع مع من اجتمع إليه بشكل شخصي أو جماعي، ورشح عن ذلك تناقضات في مواقفه الّتي بالنّتيجة أظهرت عدم ثباته على الخط الوطني الشّركسي، لا بل بدى هناك خطّا ثابتا وبأساليب ملتوية في التّماشي والموالفة مع السّياسات الإستعماريّة الرّوسيّة وعلى الأخص المشروع المشبوه المتعلّق بإقامة ألعاب ظاهرها شركسي وباطنها إستعماري روسي في عام 2012 تؤدّي بالنّتيجة إلى إداء خدمة لتجسير هذه الألعاب مع ألعاب سوتشي الأولمبيّة الشّتويّة في العام 2014. ومهما خرج علينا سفيان من تناقضات هو وشريكه المزعوم أليكسي بكشوكوف وهو رئيس ما يعرف بإتّحاد متطوّعي أبخازيا، فإنّ هذا الخداع لن ينطلي على المتابعين للأحداث على السّاحة الشّركسيّة.
المحطّة التركيّة
وفي نفس السّياق وفي نطاق نفس المؤامرة ذكر موقع “ناتبرس” الشّركسي من مايكوب عاصمة جمهوريّة الأديغيه، تفاصيل طرح مشروع ما يسمّى بالألعاب الشّركسيّة 2012 على بعض الشّراكسة في تركيّا خلال اجتماع عقد هناك وبدى وكأنّه تناغم وتوافق بين هؤلاء المروّجين للخدعة الرّوسيّة الجديدة في مظهرها، لكن القديمة والمكشوفة في جوهرها وأهدافها. لقد ذكر الخبر المذكور بأنّ “صاحب المواقف المتناقضة” جيهان جاندمير، رئيس فيدراليّة المنظّمات الشّركسيّة في تركيّا (KAFFED) كافد، الّذي خرج على النّاس يوما ليقول بأن السلطات الروسيّة احتجزته في أحد المطارات القوقازية عندما وصل إلى هناك لحضور أحد المؤتمرات ومنعته من الدّخول حتّى حضور طائرة أخرى بعد عدّة أيّام حيث تمّت إعادته إلى تركيّا على متنها” وبعد فترة وجيزة نجده يتلقّى الأوسمة والميداليّات من الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة الّتي تعمل على توجيهها المخابرات الرّوسيّة وبعد فترة نجده يجتمع مع الرّسميّين الرّوس ومنهم وزير الخارجيّة الرّوسي سيرغي لافروف وها هو الآن يقدّم دعمه لهذا المشروع ونجد فروع الجمعيّات التّابعة لمنظّمته تقدّم الدّعم غير المشروط لدرجة أنّهم قرّروا افتتاح مكتب للّجنة المنظّمة في تركيّا وفي مكاتب ومراكز الكافد حيث سمّي “متن سنمز” من الموقع الألكتروني “شيركيسيان وورلد” والمقرّب من “جيهان جاندمير” رئيس ما يدعى ب”فدرالية الجمعيات القفقاسية في تركيا” رئيسا لمكتب الممثّليّة لما سيدعى “شركسياد 2012” في أنقره، لكن نسي أو تناسى جيهان جاندمير وأعوانه بأن الشّباب الشّركس في الوطن قاموا في شهر أيلول / سبتمبر الماضي بعقد اجتماع في شيركيسك ، اتّخذوا فيه قرارا ينص بأنّه على مدى السنوات الماضية تمّ إنشاء المنظّمات الشّركسيّة للتّعامل مع “معالجة القضايا الوطنيّة الملحّة” لكنّها لم تعمل على “نحو مرض”، ونتيجة لذلك، فإنّ “جيلا من النّاس قد نمى وهم الذين لا يعرفون أو يفهمون” المدى الّذي وصلته مشاكل البلاد، ومن أهم تلك المنظّمات المقصودة، الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة والّتي يعتبر جاندمير الّذي حضر اجتماعات مؤتمرها الثّامن مؤخّرا من أهم الدّاعمين لها تحت ظروف اختطافها من قبل أجهزة المخابرات الرّوسيّة (إف إس بي) وعملائها وجواسيسها.
العناصر المحرّكة
أن السفير الأردني في أنقرة “فارس المفتي” قد اقحم نفسه طرفا في موضوع متناقض يهدف فيما يهدف إليه ترويض الحواس والقيم الشّركسيّة ويذهب السّيّد السّفير بالنّتيجة إلى مدى أبعد ممّا يسمح به الوضع والعرف الدبلوماسي، حيث يصرّح وهو في دولة غير الدّولة الموظّف بها، بأمور على أغلب الظّن أنّه يجهلها ولا يحق له الإفتاء بها بحكم وظيفته الرّسميّة في الحكومة الأردنيّة، وحسب النّبأ فقد تمّ إبلاغه من قبل الواضعين المحتملين للمشروع، بأن العرض التّرويجي المقبل للمشروع “المشبوه” سيعقد في الأردن معتقدين بأنّه من الممكن ترويض المزيد من السّذّج بدلا من ترويض وحش “الأنانيّة والمحن والآلام”! وبالرّجوع إلى المثل القائل “التّفاحة العفنة تفسد جاراتها” وبدون المرور على أمينة، وحسب الأنباء الموثوقة، فأنّه من الواجب التّنبيه هنا إلى الشّكل العائلي “العملِيّاتي” ذو الخطوط المتشابكة (الطّيور على أشكالها تقع)، الّذي أوصل سفيان وشريكه في التّآمر، إلى شخص السّيد السّفير الّذي لم يكن لقائهُ بهم مصادفة، لا بل تنسيقا بين سفيان وخلدون حلمي (أحد أعضاء الجمعيّة الشّركسيّة في نيوجيرسي والّذي تربطه صلات وثيقة بروسيا وعملائها)، ووالدته ماجدة المفتي والّتي هي من أبناء عمومة السّيّد السّفير، ومن زرع حصد! بقي أن نذكر هنا بان ماجدة المفتي، وخلال وجودها في مايكوب مؤخّرا لحضور المؤتمر الثّامن للجمعيّة الشّركسيّة العالميّة حضرت مؤتمر البرلمانيّين الشّراكسة في العالم والمنعقد على هامش إجتماعات الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة وعيّنت نفسها مندوبة عن شراكسة الولايات المتّحدة الأميركيّة، مع العلم بأنّ شقيقتها “جانيت” عضو البرلمان الأردني كانت من الحضور ضمن وفد البرلمان الاردني، وقد حضرت ماجدة بموجب تكليف وصلها من مروان عليم، رئيس الجمعيّة أو نائبه (في المسئوليّة) خلدون حلمي وهو الّذي خطّ في الماضي القريب رسالة تأييد إلى رئيس جمهوريّة قباردينو – بلقاريا ومهنّئا العملاء باحتفالات روسيا الإستعماريّة الّتي أبادت وبعثرت الأمّة الشّركسيّة عبر العالم، لما أسموه زورا وبهتانا بذكرى الأنضمام الطّوعي لروسيا! الأفعال أبلغ من الأقوال.
الحقوق المسلوبة
إن الإحتلال الرّوسي لشركيسيا ولشمال القوقاز وضع مواطنيها طي النّسيان، خاصّة وأن السّلطات الإستعماريّة تحكم بالحديد والنّار وتعمل على سلوك أساليب الفساد المختلفة والتّخبّط حسب الأمزجة والأهواء والأكاذيب والإفتراءات المنتاقضة والّتي هي بالنّتيجة تصب في مصادرة الحقوق المشروعة من خلال تنفيذ السّياسات السّاديّة والمشاريع المشبوهة والتي تعتقد بأنّها ستستفيد من إقامتها لإدامة وجود إحتلالها وترسيخه، وكذلك إقتراف الإغتيالات والفتك ومصادرة الحرّيّات ونهب الثروات القوميّة والأعمال المشينة بأنواعها، وكذلك تغييب أبناء الوطن المخلصين عن السّاحة. وتقوم هذه السّلطات المحتلّة بالتّضييق على الجمهور المصنّف حسب تصنيفاتهم بأحد الأقلّيّات العرقيّة والدّينيّة لتجعل التمييز والظّلم ضدّهم ميّزة ينفردون بها عن غيرهم من المحتلّين، والناس تتفشّى بينهم نسبة البطالة والأمّيّة، وتطلب السّلطات من الجميع تسجيل المعلومات الشّخصيّة وإظهار الوثائق الثّبوتيّة عند استعمال تكنولوجيا المعلومات بينما تقوم اجهزتها القمعيّة بالإستحواذ على وسائل الإتّصالات والتّواصل الحديثة وخاصّة محطّات الأقمار الإصطناعيّة وتنظّمها بحيث تقوم بانتهاج أساليب دعائيّة مدروسة ومنهجيّة لنشر المعلومات والإشاعات الكاذبة والملفّقة بما فيها تحريف التّاريخ وأحداثه والوقائع المثبتة للجميع، من أجل مسح ذاكرة العالم وخاصّة الأمم التي تكتوي بنار جبروتهم وانتهاكاتهم واحتلالهم البغيض. وهناك الكثيرين من المعتقلين والمغيّبين في غياهب وزنزانات سجون الدّولة الرّوسيّة الظّالمة بحيث يتعرّضون لأقسى الأجراءات الفاشيّة والإهانات والتّعذيب وغسيل الدّماغ، ومن يكتب له الخروج منها (من لم يمت بالسّيف مات بغيره/تعدّدت الأسباب والموت واحد)، فإنّه يصاب بالأمراض النّفسيّة والعاهات الجسديّة المزمنة، وبذلك يكون الأحتلال قد نجح في بث الرعب في النّفوس لمحاولة ضمان عدم لجؤ البعض للمطالبة بالحقوق المشروعة ومنها حق تقرير المصير والعيش بكرامة في وطن الأجداد.
الخاتمة
أن الكذب والأعين محدقة لهو اسوأ ما يمكن عمله لأنّ ذلك يحدث بدون الشّعور بالذّنب وفي نفس الوقت يغش من يستمع للحديث الصّادر عمّن يفترض “جهل الآخرين”، ولا يكرّر ما يفعله أحمق إلّا أحمق مثله. كل الأمور على ما يرام في النهاية، فإن لم تكن كذلك، فتلك ليست النهاية، وحل أيّة مشكلة لا يتم إلّا بإيجاد من يستطيعون حلّها.
أحد ضحايا التّهجير الرّوسي
الأوّل من نوفمبر 2009