بانوراما: جولة في أحضان وأزقة قرية كفركما الشركسية
هذا التقرير نشر امس في ملحق صحيفة بانوراما – ميدراما
07/08/2010 20:41:01
على هضبة مرتفعة قليلا ، تطل على مرج ابن عامر ، تقع قرية كفركما الشركسية الوادعة
قرية تبدو بأزقتها وبيوتها القديمة كأنها قطعة من عالم آخر … ومن اللحظة الأولى لدخولها ، ستبدو لك أنها قرية مختلفة ، لا تضاهيها بجمالها ونظافة شوارعها وأحيائها قرية أو بلدة أخرى … ” بانوراما ” تجولت في أحياء القرية التي تفوح بعبق التاريخ ، وحكايات شعب شرد من موطنه ، واتخذ من هذا المكان بلدا وموطنا جديدا… والتقطت صورا في غاية الروعة والجمال ، والتقت بعدد من أبنائها ممن يرحبون بزوار القرية والسائحين ، فيستقبلونهم بوجه بشوش … هذه دعوة مفتوحة لتنضموا الينا بهذه الجولة.
” الجبنة الشركسية التقليدية لا يضاهيها أي نوع آخر من الجبن “
أولى المحطات في جولتنا ، كانت محلبة ” البروس ” الخاصة بعائلة تحاقو في كفركما ، والتي يديرها هارون ، نوح وسارة تحاقو ، حيث أنها محلبة على الطريقة الشركسية ، وفيها يتم تحضير الأجبان بانواعها ، علما أن الاجبان تدخل بنحو 60% من الأطعمة الشركسية التقليدية .
ويقول نوح تحاقو ، صاحب فكرة إنشاء المحلبة : ” اسم المحلبة هو ” البروس” وهو على إسم أعلى جبل في القفقاز موطن الشركس ، وقد افتتحت المحلبة قبل عام تقريبا ، لتسويق الأجبان الشركسية في القرية ، ولكن مع ازدياد الطلب من خارج القرية ، قررت العائلة البدء بتصدير الجبنة الشركسية الى خارج القرية ، حتى وصلت إلى تل ابيب والقدس “.
وأضاف تحاقو قائلا : ” خاصية هذه الجبنة أنها تصنع تماما كما اعتاد الشركس صنعها تقليديا ، حيث تقدم طازجة بدون أية مواد حافظة ، كما يمكن أن تقدم مدخنة بطريقة شركسية ، حيث تبقى الأجبان فوق دخان أوراق الزيتون على مدار 8 ساعات متواصلة ، وهذا يمكن ابقاء الجبنة طويلا خارج الثلاجة ، لفترة قد تصل لنحو شهر كامل ، وتعتبر هذه الوجبة بالتقاليد الشركسية زاد وطعام المحارب “.
من جانبها ، تقول سارة تحاقو بعدما أعدت حلوى ” الحلج ” وهي حلوى شركسية : ” هذه الحلوى هي عبارة عن فطائر محشوة بالجبن وتدهن بالعسل ، وهي فطائر لذيذة الطعم خاصة اذا تم تناولها مع الجبنة الشركسية التقليدية ، التي لا يضاهي مذاقها أي نوع جبن آخر ، إن الاجبان أمر مهم في المطبخ الشركسي ، فهي موجودة في معظم المأكولات الشركسية التقليدية ، فاما أنها تطهى واما تقدم جانب الطعام ، وهي تعد طعام المحارب الشركسي كما ذكرنا ، فمعروف ان الشركس هم محاربون اشاوس ، وقد إعتادوا قطع مسافات طويلة ، فلذلك كانوا يحتاجون الى الطعام لتناوله بالطريق ، وتعتبر الجبنة المدخنة التي نقوم بصنعها هنا ، الزاد الامثل “.
” نحب ان يتعرف العرب واليهود على حضارتنا وتراثنا “
أما هارون تحاقو فيقول أن الطعام الذي يعد بالمطبخ الشركسي هو ليس مجرد طعام ، وانما هو تراث وحضارة ، ويضيف قائلا : ” هذا الطعام ليس مجرد طعام نتناوله ، إنما هو تراث وحضارة ، فنحن نتمسك بحضارتنا وتراثنا ونفخر فيهما ، نحن هنا مجتمع صغير في اسرائيل عبارة عن 4 الاف نسمة فقط ، نسكن في قريتي كفركما والريحانية ، ونحن نحب ان يتعرف العرب واليهود على حضارتنا وتراثنا ، وكل من يحب زيارة القرية للتعرف عليها وعلى ثقافة الشعب الشركسي مرحب به ، واذا ما تحدثنا عن التراث فنحن نتحدث عن كافة مناحي حياة الشركسي التقليدية ، بما فيها المطبخ الشركسي الذي يعتمد على الأجبان بشكل اساسي ، واذا كنا نريد إعداد طعام شركسي حقيقي ، فلا بد ان يكون الجبن مصنوعا على الطريقة الشركسية ، ومن هنا جاءت فكرة اقامة محلبة الجبن الشركسي التقليدي بوسائل حديثة طبعا ، ونحن جزء من حالة اجتماعية موجودة في القرية ، والتي تحافظ على الجذور والتراث ، اضافة إلى استيعاب المستجدات العصرية والتي جلبت الينا التعرف اكثر على المحيط الاسلامي ، ونحن كغيرنا نتأثر ونشهد صحوة إسلامية في القرية ، خاصة بين اوساط الشباب “.
” الثقافة والتقاليد الشركسية تزخر بالعادات الجميلة”
من ناحيته ، تطرق كمال نغس وهو منسق زيارات للقرية ، عن أهمية المحافظة على التراث الشركسي ، ويقول : ” نحن في كفركما نحافظ على هذا التراث والارث الشركسي ، ولقد رأينا انه من المناسب ، تسويق زيارات تعرف على القرية وتنظيم سياحة داخلية بها ، ومن هنا قررنا ان نشكل نوعا من الإطار الشامل لهذه الزيارات ، والزيارة يمكن ان تتم لعدة مواقع بالقرية ومنها المحلبة ، بيت ثمار الطبيعة ، بيت التراث الشركسي كما ان هنالك امكانية لتنظيم جولات العربات الخفيفة التي اقتنيت خصيصا للتجول في القرية ، او عن طريق العربات المجرورة بالخيل ، والتجوال بالقرية يشكل متعة للعائلات “.
وإستطرد نغس قائلا : ” بدأ هذا المشروع يكبر , وازداد الاقبال على زيارة القرية ، ومؤخرا بدأنا نرى إهتماما من أبناء الوسط العربي لزيارة القرية ، فهناك رغبة كبيرة بالتعرف على الثقافة والتقاليد الشركسية التي تزخر بالعادات الجميلة “.
” المطبخ الشركسي يعتمد على مأكولات دسمة “
المحطة الثانية من الجولة كانت في بيت الطبيعة الذي يسوق البهارات ، وفيه تتوفر مختلف أنواع البهارات ومنها بهارات مخلوطة على الطريقة الشركسية .
وقد حدثتنا مديرة بيت الطبيعة تانيا شمسي عن المكان الذي تديره قائلة : ” ان البهارات المتوفرة لدينا لا تختلف من حيث المواد الاساسية المعروفة ، ولكن ما يختلف لدينا هو الخليط بين البهارات المختلفة لإعداد الأطعمة التقليدية الشركسية ، إضافة للمأكولات المكتسبة من المطبخ العربي ، والتي نضيف اليها خليط البهارات الشركسي الذي يضيف نكهة وطعما آخر لها ، وهذا التغيير باعداد الطعام هو نتاج لتغير المناخ ، فالمطبخ الشركسي يعتمد على مأكولات دسمة تزود الجسم بالحرارة ، نظرا لبرودة جبال القفقاز ، أما الطقس هنا معتدل وحار أحيانا ، لذلك توجب ادخال الخضار الى المطبخ الشركسي “.
وللتنقل بين المحطات المختلفة في القرية تتوفر ” عربة الدراجة الهوائية ” ، وهي عربة تتسع لستة اشخاص وهي مزودة بسقف ومقود وكوابح تشبه كوابح السيارة .
” الشعب الشركسي معروف بالقوة واعتاد على الحرب”
وكانت المحطة التالية بيت التراث الشركسي وهو عبارة عن متحف ، حيث يقابلك بمدخله شاب قد ارتدى الزي الشركسي الكامل . وعن المتحف حدثنا ايبك نابسو : ” اسم هذا البيت بيت الشامي ، وهو يعود لاحد القادمين من الشام وهو شركسي الاصل ، وقد إنتقل للعيش في كفركما في أوائل القرن الماضي ، واصبح منزله مركزا تجاريا يحوي ارباب المهن ومطحنة ، إضافة للبهو قبالة غرف الاستقبال والاسطبل “. وإستطرد قائلا : ” الشركس هو لقب ويعني المحارب قاطع الرقاب ، وانما اسمنا الحقيقي هو شعب اديغ ، وتعني الكلمة الارادة الى بلوغ العادات والتقاليد الكاملة ، والشعب الشركسي معروف بالقوة واعتاد على الحرب ، ومن حكم الشركس أن لا يترك الفارس سلاحه أبدا ، وموطن الشعب الشركسي القفقاز ، ولكنه تعرض للذبح والطرد بعد حرب 101 عام مع الامبراطورية الروسية والتي امتدت من عام 1763 حتى عام 1864 ، عندها لجأ الكثيرون الى مناطق نفوذ الامبراطورية العثمانية التي جندتهم كمحاربين اشداء ووطنتهم في تركيا والشام ، وبعضنا وصل الى اليونان وشرق اوروبا ، والشركس 12 قبيلة سكنت مناطق مختلفة من جبال القفقاز “.
” آخر عملية خطف لعروس شهدتها كفركما قبل 3 سنوات “
وتابع نابسو قائلا : ” هنالك تقاليد مهمة في حياة الشعب الشركسي ونظامه الاجتماعي ، فزي الفارس يدعى الشوشاي وزي المرأة يدعى الساي ، وبالعادة فزي المرأة والرجل له اكمام طويلة جدا ، وذلك لمنع تلامس يد المرأة بالرجل خلال الرقص بالحلقة في الافراح ، فتضع المرأة يدها فوق يد الرجل ويفصل بينها القماش ، وهذا التقليد كان متبعا ولا زال في القفقاز ، وهو جزء من حضارتنا ، فكانت الخطبة تتم من خلال التعارف في الاعراس ، حينها تتم الرقصة التقليدية فيها ، والفتاة الراغبة بالاقتران كانت تدخل الى الحلقة ، وهذه اشارة منها انها تريد الاقتران ، والشاب بدوره يبدأ بمغازلتها ، فاذا ما رأى قبولا لديها تابع حتى يتعرف عليها جيدا خفية عن ذويها ، وذلك لمنع وضع أي رأي مسبق للأهل والتأثير على قرار الزواج ، وبعد التعارف تتم الخطبة بطريقة تقليدية ، حيث تقوم عائلة العريس بزيارة عائلة العروس وطلبها ، واذا ما رفضت عائلة العروس ولا زال العروسان يصران على الاقتران ، يقوم العريس برفقة امرأتين بالتخطيط لخطف العروس واقتيادها الى حدود البلدة ، ولدى وصولها اليها يحملنها النساء خلفه على الجواد ، وهنا يطلق العريس طلقة واحدة في الهواء معلنا خطف عروسه ، عندها يقوم الشبان اقارب العروس بملاحقته ، ولدى خروجه نهائيا من حدود القرية يطلق ثلاث طلقات في الهواء ، معلنا بهذا انه نجح بالخروج ، وبذلك يتم الزواج ، وتبقى العروس لدى العريس فترة أشهر ، وبعدها تعود ادراجها الى منزل والدها لمدة شهر لتقييم الزواج ولتتأكد من خيارها ، وبعدها فقط تقوم الفتاة بتغيير الشال او الحجاب الذي تضعه على رأسها من الحجاب ذي الاطار الاسود الى الحجاب ذي الاطار الابيض ، معلنة بذلك انها تأقلمت مع حياتها الجديدة ، وقررت نهائيا البقاء لدى زوجها ، اما من يقررن الانفصال فلا بأس بذلك ، وهن يحظين بنفس حقوق العازبات ، ولا ينتقص ذلك من حقوقهن ، كما لا ينتقص من حقوق الارملة او المطلقة لكونها ارملة او مطلقة ، ولكن هذه عادات لم نعد نراها اليوم ، فآخر عملية خطف للعروس شهدتها قرية كفركما كانت قبل ثلاث سنوات لشاب من قرية الريحانية ، ولكن الخطف كان على متن سيارة وليس جوادا “.
وخلص نابسو إلى القول : ” المرأة لدى الشركس جوهرة يجب احترامها وعدم التعرض لها والتحرش بها ، وتنعدم حالات التحرش من ثقافة الشركس ، وهي عادات محافظة للغاية بما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين في الحياة اليومية وحتى المرور بالشارع ، فلا يجدر ابدا التحدث الى الفتاة سوى المبادرة بالقاء التحية ويفضل فعل ذلك وانت تزيح بعينك الى الجوانب احتراما للمرأة ، وتجدر الاشارة إلى أنه تربط الفارس الشركسي علاقة وطيدة بجواده في التراث الشركسي ، فنراه ينام بجانب جواده ، حتى ان الاسطورة تروي ويعززها علم الاثار ان الجواد كان يبقى حول الفارس اذا ما سقط في الحرب حتى يموت الى جانبه “.
أما المحطة الاخيرة في الجولة في كفركما فكانت في اسطبل الخيول التابع لأيمن نابسو ، حيث يعرض نابسو ونجله نال ، الخيول المؤلفة غاية في الروعة والجمال ، علما أنه يمكن للزائر ان يتمتع بجولة بالعربة المجرورة بالخيل في شوارع البلدة الوادعة ، او التنقل بعربة ” الكوشة ” مع امكانية لمرافقة المصور او تعليم ركوب الخيل والخروج الى جولة في مرج ابن عامر الرحب على متن الجياد المؤلفة.
( لارسال مواد وصور لموقع بانيت – عنواننا panet@panet.co.il )
http://www.panet.co.il/online/articles/1/2/S-320770,1,2.html