الوُصولُ لِلْمياهِ الدّافِئَةِ عبْرَ بَحْرٍ مُخَضّبٍ بِالدّماء
بقلم: إيجل
للأمم والشّعوب كل الحق بالعيش الكريم في أوطانها بحريّة ومن دون تدخلات ولا وصاية من أحد ووفقا للمبادئ الإنسانيّة السّامية، لكن تبرز بين الفينة والأخرى قوى خارجيّة طامعة تعمل من أجل فرض السيطرة على الامم والشعوب المستضعفة وكذلك لاحتلال أوطان الآخرين وقتل وتشريد الغالبية العظمى من المواطنين الآمنين من خلال إراقة الدّماء البريئة دون واعز من ضمير أو رادع من وجدان ومن دون إبداء أدنى شفقة أو رحمة نحو الضحايا الذين تنتهك حرمات أوطانهم وأعراضهم وبيوتهم وخصوصياتهم.
إن المرء ليعجب من محاولات تآمرية يائسة يقصد منها الإنتهاء من قضية قفقاسيّة هامة وكذلك الإجهاز على ما تبقّى من مكوّنات ورموز أمّة فقدت الكثير من أبنائها وعناصر بقائها كأمّة ذات شأن كبير من الإحترام والتقدير لشجاعتها واستمراريتها في الدفاع عن كينونتها وتميزها من خلال العطاء والبناء والدفاع عن الحق والمبادئ الإنسانية حتّى في الأوطان التي هُجّروا إليها مرغمين، إضافة إلى مكانة حضارية مشهود لها من حيث إسهامها في التطور الحضاري عبر العصور وهي التي كانت ولا تزال محورا هاما للعلاقات الدّولية في منطقة القفقاس منذ القرون الوسطى والتي شهدت حروبا ونزاعات بين دول وقوى مختلفة تصدرتها الأطماع الإستعمارية الروسية وتنافسها مع دول طامعة أخرى قريبة وبعيدة جغرافيّا من أجل النّفوذ والسيطرة على الموقع الإستراتيجي الأهم على شواطئ البحر الأسود ومنطقة غنيّة بالموارد الطبيعيّة والجمال الخلاب والشّواطئ البحريّة الممتدّة على مد الأنظار، حيث عقدت الإمبريالية الرّوسيّة العزم على الوصول إلى المياه الدّافئة وموانئها على شواطئ البحر الأسود وجعلها منفذا بحريا استراتيجيا نحو العالم القديم في منطقة البحر الأبيض المتوسّط باتجاه المرافئ الأوروبّيّة والأفريقيّة والآسيويّة، عبر الإحتلال والسيطرة على بلد وأمة لا تمت لهما بأيّ صلة كانت، مهما طال الزمن أوكلّف الثّمن، فكانت حروبهم القذرة باستعمال كافّة الوسائل الإرهابيّة والعدوانيّة والإجراميّة!
فبدت أساليب السطْوة الإستعماريّة الروسيّة المتّصِفة بصلفِها وعُنْجُهيّتها مِنْ خلال الحرب الهمجيّة الشّرّيرةِ الضّروس والمعروفة بوحشيّتها وقسوتها وتعدّد الوسائل الشّيطانيّة المتّبعةِ في سير عمليّاتها الحربيّة ومعاركها الشّرِسَةِ ضد أناس لا يملكون وسائل قتال دفاعيّة توازي أسلحة الدمار الشامل المستخدمة من قبل جيوش جرّارة ومجهّزة عدّة وعددا تساندها أعدادا من المرتزقة من القوزاق الدّخلاء المجرمون، ولكنها مجهّزة ومعدّة ومجنّدة ضدّ مجموعات مجزّأة من المواطنين الشرفاء ومنتشرة عبر الوطن الشّركسي والّتي انهمكت بدورها خلال مئات السّنين بالدّفاع عن الوجود، لكنّها آمنت بقضيّة مقدّسة ألا وهي الدفاع عن العرض والأرض والمنجزات الإنسانيّة والحضاريّة والثّقافيّة مهما كلّف الثّمن.
أن حرب الإبادة الإرهابيّة الرّوسيّة لتعتبر محاولة إغتيال مقصودة ومع سبق الإصرار والتّرصّد بحق أمّة مكافحة من أجل البقاء والدّفاع عن المنجزات الإنسانيّة التي أحرزتها عبر آلاف السّنين من التّاريخ المضمّخ بدماء أبنائها الأوفياء وهي جرائم إبادة اقْتُرِفَتْ ضد الامّة الشركسيّة وأمم أخرى في شمال القوقاز والتي تعرف نتائجها وتداعياتها للقاصي والدّاني والمتمثّلة بالقتل والتّرويع والتّشريد والتّدمير والإحتلال وتغيير معالم الوطن ومسمّياته وهيكليّتة وبنيته السّكّانيّة من خلال جلب أعداد وقطعان من القوميّات التي رضيت على نفسها بأن تكون أداة إستعماريّة تنفيذيّة بأيدي أدوات الإحتلال من أجل اقتلاع السّكّان الأصليّين من وطنهم وتصفيتهم وطردهم، بالأضافة إلى تهجيرهم قسريا وهم الغالبيّة العظمى من الأمّة الشركسيّة العريقة التي بقيت على قيد الحياة بعد قتل وإبادة أكثر من نصفهم خلال محاولات إخضاع الأمّة الشّركسيّة ونهب مكتسباتها.
إن وجود ما نسبته 90% من الأغلبيّة المطلقة من أبناء الأمّة الشّركسيّة المنكوبة والمكلومة بالجرائم الروسية المستمرة وآثارها مشتّتين خارج الوطن الأم وكأنّهم خرجوا من الوطن من دون جزع أو وجل لَيُعَدّ مؤشرا على هول النكبة ووقع المأساة الأشد في تاريخها أو تاريخ أي أمّة لحقها من نوعيّة أذى الأعداء وخبث نواياهم.
وبقاء نسبة 10% من أفراد الأمّة في الوطن المحتل موزّعة في ستّة أقاليم وهي ترزح تحت نير القيود المفروضة عليهم من قبل سلطات حكومة مركزيّة تسلّطيّة ورثت الإرث الإستعماري بكل تفاصيله وهي لا تزال تطبّق ممارسات وسياسات الإستعباد القمعيّة القميئة التي أكل عليها الدهر وشرب وخاصّة في القرن الحادي والعشرين.
تجدر الإشارة إلى أن نظرة مقتضبة إلى الوحش الكاسر والمتمثل بروسيا الإمبرياليّة مقارنة بالأمّة الشّركسيّة وأمم القفقاس توجب أن نذكر بأن عمر هذه الدّولة المارقة والّتي بنيت هيكليّتها على الإجرام وسلب الحقوق وإبادة الشّعوب والقضاء على بعضها قضاءا مبرما وانتهاك الأعراض والحرمات والقوانين والأعراف واحتلال الأوطان، لا يزيد عمرها على ألف عام، وحتّى لغتها الهجينة والمركّبة والمفبركة من لغات عديدة لا تعتبر لغة أصيلة قديمة كاللغات القفقاسيّة العريقة والأصيلة!
يجب على الأمّة الشّركسيّة الواحدة كونها لا تستعذب المذلّة والهوان بأن تصحو من كبوتها وأن تصبو لاستعادة حقوقها المنتهكة والمصادرة من خلال المبادئ السّلمية وعبر الإستخدام الأمثل للقوانين الدّوليّة ومبادئ حقوق الإنسان واتّباع السّبل والأساليب الحضاريّة وأن يكون ذلك بحد ذاته هو الإطار المتّبع من أجل مخاطبة العالم المتحضّر حتّى يحين الوقت وتتيسّر السّبل لإيصال القضيّة الشّركسيّة إلى المحافل الدّوليّة والمهتمين في الدول الصديقة للتّمكّن من شرح أبعاد القضيّة شرحا وافيا من أجل الحصول على العدالة الإنسانيّة عبر تطبيق القوانين الدّوليّة ذات الصّلة بحق تقرير المصير للأمّة الشّركسيّة على أرض الآباء والأجداد من أجل استصدار قوانين أمميّة ملزمة بتصفية الإستعمار وذيوله…
المشهد من رابط ويكيبيديا (الموسوعة الحرّة)
29 آب/أغسطس 2010