الصّلة بين ألعاب سوتشّي الأولمبيّة والإبادة الجماعيّة الشّركسيّة
تقديم: عادل بشقوي
اليوم الشّركسي السّابع في البرلمان الأوروبّي
ابتدأت الألعاب الأولمبية في أولمبيا كمهرجان يوناني قديم بمنافسات رياضية وأسطورية وموسيقية، عقدت في أولمبيا في اليونان بشكل دوري وتقليدي من عام 776 قبل الميلاد حتى إلغائها من قبل الإمبراطور الرّوماني ثيودوسيوس الأوّل في عام 393 ميلادي.
واستندت الألعاب الأولمبية القديمة إلى فلسفة التوازن بين التطور البدني / الرياضي والروحي / المعنوي وهو ما كان يعتبرحجر الزاوية للديمقراطية اليونانية.
كان هناك في الأصل سباق واحد فقط، وجولة من العدو السّريع، والجائزة للفائز كانت إكليلاً من الزيتون. ومع مرور الوقت، أضيفت مسابقات أخرى، كما كانت هناك رياضات أخرى، بما في ذلك الملاكمة والمصارعة. ومن بين الأحداث الأكثر غرابة كان سباق الدروع وسباق العربات، والذي تم خلاله سحب عربة ليس بواسطة الخيول، بل بواسطة البغال. أصبحت الجوائز أكثر تفصيلا، وكانت هناك شكوك حتى و / أو تقارير عن حالات من الرشوة والفساد والمقاطعة.
وقد تأسست اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) في عام 1894 من قبل الأرستقراطي الفرنسي البارون بيار دي كوبرتان، وأصبحت منذ ذلك الحين الآلية الإدارية للحركة الأولمبية، وفقا لما يسمّى بالميثاق الأولمبي، الّذي تولّد خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، حتى تشكلت الألعاب الصيفية والشتوية كل عامين وبالتناوب، إلى جانب أنشطة إبداعية أخرى. أدت الحربين العالميتين إلى إلغاء دورات الألعاب الأولمبيّة في أعوام 1916، 1940، و 1944.
تعتزم الشركات الروسية والدولية، مثل مجموعة فولكس واجن، وكوكا كولا رعاية دورة ألعاب سوتشي الأولمبيّة الشّتويّة التي تعتزم روسيا إقامتها في عام 2014، بغض النظر عن أهمية سوتشي كونها آخر معاقل المقاومة إبّان مقاومة الشركس للغزو القيصري الروسي، والإبادة الجماعية التي تعرضت لها الأمّة الشركسية.
إن اللجنة الأولمبية الدولية ولاعتبارات الكرامة الإنسانية، ملزمة أخلاقيا بإعادة النظر في قرار عقد دورة الألعاب الأولمبية على عظام وقبور أجدادنا، وإلا فإن ذلك سيكون معلوما بشكل جيدا بانه خروجا عن مبادئ وأخلاقيات وأهداف الأولمبياد وإهمال متعمد ولا مبالاة وذلك بالتعاون مع يسمّى بالدولة المضيفة، التي هي بدورها تنحرف عن الحقوق الدستورية المعلنة من قبلها تجاه أمة أصيلة كانت قد عانت ولا تزال في سبيل إستعادة حقوق الإنسان المصادرة، واضعين في عين الاعتبار أن اللجنة الأولمبية الدولية تجاهلت تماما، دعوة رعايا 12 منطقة في الفيدراليّة الروسيّة التي وجهوها الى اللجنة الاولمبية الدولية (IOC) طالبين فيها عدم السماح بإقامة المنشآت الاولمبية في تلال غروشيفي (Grushevy Ridge) وداخل المنطقة العازلة لمحمية القوقاز الطّبيعيّة!
إن ذلك يقوم على الأسس والمبادئ الواردة في الميثاق الأولمب، الفصل الأوّل، الحركة الأولمبية وإجراءاتها: مهمة ودور اللجنة الأولمبية الدولية:
• إن الهدف من الألعاب الأولمبية هو وضع الرياضة في خدمة التنمية المتناغمة للجنس البشري، وذلك بهدف الترويج لمجتمع مسالم مهتم بالمحافظة على كرامة الإنسان.
• من أجل تشجيع ودعم إهتمام المسؤولين عن القضايا البيئية، لتعزيز التنمية المستدامة في مجال الرياضة، ويتطلب أن يتم عقد دورة الالعاب الاولمبية وفقا لذلك.
• لتعزيز تراث إيجابي من دورة الألعاب الأولمبية للمدن والبلدان المضيفة.
سياسة اللجنة الأولمبية الدولية لها جذورها ونطاقها في جدول أعمال الحركة الأولمبية ذات الرقم 21 والتي هي وثيقة مرجعيّة أخرى ذات أهمّيّة في هذا المجال.
• التعاون مع المنظمات المختصة سواء العامة أو الخاصة منها وكذلك مع السلطات في مسعى لوضع الرياضة في خدمة الإنسانية، وبالتالي لتعزيز السلام؛
والقيم الأولمبية للمعاقين هي: الاحترام والتميز والصداقة، والتي تعتمد على: الشجاعة والعزم والإلهام والمساواة.
الوطن الشركسي
تقع شركيسيا في المنطقة التاريخية من الجزء الشمالي الغربي من جبال القوقاز، على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأسود. بعد اإنتهاء من 101 عاما من الغزو، وحرب روسية – شركسيّة مطوّلة (الحرب القوقازيّة في المصطلحات الروسية الرسمية) التي كانت قد شنت من قبل روسيا القيصرية، واحتلت شركيسيا بالكامل في 21 مايو/أيّار 1864. كان الشركس هم السكان الحقيقيون لشمالي – غرب القوقاز لأكثر من 6000 سنة، ويؤكّد وجودهم في المنطقة منذ أوائل عصر الزراعة وبداية عصر صناعة الأدوات المعدنية، الذين تألّفوا من 12 قبيلة والتي تتمثل في علمهم الأخضر باثنتي عشر نجمة ذهبية بجانب ثلاثة أسهم متقاطعة ترمز للاتحاد والسلام. كانوا يُعرفون عادة بالشراكسة أو الشركس (Circassians or Cherkess) حيث لُقبوا بذلك من قبل اليونانيين أو الأتراك أو الروس؛ لكن لقّبوا أنفُسَهم ولغتهم بالأديغه.
وتعرّضت شركيسيا خلال الحرب للدمار والعقوبات والحصار الشّامل والصارم والاحتلال الكلّي في نهاية المطاف، الأمر الذي أدى بالتالي إلى المجاعة، وانتشار الأوبئة وإلى تعرض السكان الباقين على قيد الحياة لظروف قاسية وشديدة وفقا لمنظمة الأمم والشعوب غير الممثلة (UNPO) في وقت مبكر بخصوص معلومات أساسيّة تاريخية:
“إن تكوّن الأمّة الشركسيّة عبر آلاف السنين وقع وعلى اتصال وثيق مع القبائل من غرب آسيا، والإغريق، والكيميريّون (Cimmerians)، السكيثيّون (Scythians)، والسومريّون (Sumerians). وتقع المستوطنات الرئيسية الشركسية في سفوح جبال شمال غرب البلاد والسهول من الروافد السّفلى من نهر كوبان وعلى الساحل الشرقي للبحر الأسود من مصب نهر دون إلى أبخازيا. ويمكن وصف المجتمع الشركسي في ذلك الوقت بإقطاعي مبكر، وكانت الزراعة هي قطاع الاقتصاد الرائد. وقد تطوّرت تربية الماشية والخيول والصيد والحرف اليدوية إلى حدٍ بعيد. وطريق الحرير المعروف مرّ عبر أراضي شركيسيا التاريخية، كما يتضح من خلال الاكتشافات الأثرية المختلفة. وقد ظهر الشركس لأول مرة ككيان متماسك في حوالي القرن العاشر الميلادي تقريباً، على الرغم من توفّر مراجعاً عنهم قبل ذلك بكثير”.
وكان الشركس قد تمكّنوا خلال آلاف السنين من وجودهم النّشِطْ في البقاء مستقلين عن غيرهم. وتشكلت الوحدات السياسية الرئيسية من العشائر والمجتمعات الإقليمية على غرار قدماء الإغريق والرومان أو إتحاد الإيروكواس (Iroquois confederation). لقد تم تقسيم التّجمّعات الأديغيّة في معنى مجتمعات مصغّرة بشكل متقن في طبقات الأمراء وتصنيفات أخرى كثيرة.
“منع المجتمع الطبقي والعسكري للشركس منع من أن يتم إخضاعهم لآلاف السنين. في الغرب، كانت الأراضي الشركسيّة تغسل بأمواج مياه البحر الأسود الغادرة للغاية، حيث تتمكن السفن الشراعية الإبحار خلال العام لعدة أشهر فقط. وكان في الساحل مرافئ جيدة قليلة، ومستنقعات كثيرة تنتشر بها الملاريا”. بدأت بعض قوانين الشريعة الإسلامية المختلفة تُتّبع من قبل بعض الشراكسة في القرن التّاسع عشر، بينما اتّبع البعض الآخر الخابزه (Khabza) أي (القوانين الخاصّة بهم).
وكان الشراكسة يعتبرون دائما أن دفاعهم عن وطنهم هو أحد الأولويات القصوى لالتزاماتهم، بجانب التزامهم تجاه الثأر. وكانت جميع المجتمعات الشركسية في مرحلة معينة تحكم من قبل أمراء، ولكن في القرنين السابع عشر والتاسع عشر 19 قامت قبيلتي الشابسوغ والناتخواي على طول ساحل البحر الأسود بالتمرد ضد الأمراء، وطرد جميع الأرستقراطيين في سلسلة من الثورات الدراماتيكيّة. ومنذ ذلك الحين تم حكم هؤلاء الشراكسة الديمقراطيّين من خلال عقد اجتماعات منتظمة لجميع المواطنين في أماكن مقدسة. حدّدت الإجتماعات الشؤون الشّعبيّة وانتخبت شتّى القضاة. وفي زمن الحرب، انتخب الشركس زعماء الحرب المؤقتين وشكلوا مفارزاً من الشبان على درجة عالية من الانضباط. وعمل عامة الناس على شراء الأسلحة الخاصة بهم، وإتقان استخدامها.
في العام 1763، ابتدأت الإمبراطورية القيصرية الروسية أطول حرب لها في التاريخ الروسي ضد الشركس، من أجل توسيع حدودها إلى خط ساحل البحر الأسود والموانئ على أراضي ما كان يعرف بشركيسيا، منجزةً الحلم الذي كان يراودها منذ وقت طويل للوصول ومن ثم السيطرة على المياه الدافئة، ووصلت أعداد القوات والحشود القيصريّة الرّوسيّة الغازية في الأوقات الحرجة إلى أكثر من مليون جندي من جنود الجيش والمرتزقة. كان يتعيّن على الشراكسة ان يواجهوا عواقب وخيمة وتعرضوا لعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ما أدّى إلى قتل نصف الشعب الشركسي، حيث أن الحقائق والدراسات الرصينة خلصت إلى أن حصيلة ما حدث للأمة الشركسية كان بمثابة إبادة جماعية نموذجية.
وكانت سلطات الإحتلال الروسي قد بدأت تنسيق تغيير وضع وطبيعة السكان القائم والّذي أدّى إلى إنعكاس واقع ديموغرافي في المنطقة من خلال ترحيل السكان الشراكسة بعيدا عن مناطقهم الأصلية، إما لمناطق ما وراء نهر كوبان أو إلى الدولة العثمانية من خلال التنسيق بين حكومتي الإمبراطوريّتين الروسية والعثمانيّة. تم جلب المستوطنين القوزاق والروس وغيرهم من أصول مختلفة إلى المنطقة للإستيطان وللحلول مكان أفراد الشعب الأصلي المظلوم وهم الذين إما لقوا حتفهم أو تم ترحيلهم.
دورة ألعاب سوتشي الأولمبيّة الشّتويّة لعام 2014
إن اختيار سوتشي لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 (الأكثر كلفة في التاريخ) أدّى إلى حدوث تأثير على ظروف ذات أبعاد مختلفة، والتي يمكن وصفها على النحو التالي:
*ترتبط الهموم الوطنية والانسانيّة الشركسية مباشرة مع حقوق الشعوب الأصلية وكرامتها سواء على صعيد الدّولة أو العالم. وهذا يتضمن أهمية سوتشي كونها آخر عاصمة لشركيسيا عندما تم احتلال شركيسيا وشمال القوقاز بالكامل في 21 مايو/أيار 1864، بالإضافة إلى القبور الجماعية، ومقابر الشركس الذين قاوموا الغزاة وخاصة في موقع كراسنايا بوليانا، والّذي تم تطويره ليصبح منتجعاً سياحياً!
*الخرق والإنتهاك من قبل السلطات الروسية ضد التراث العالمي والمواقع والغابات المحمية من قبل اليونسكو، والّذان تم الإبلاغ عنهما في شهر فبراير/شباط من العام الحالي بأن “روسيا تسمح بإقامة منتجع للتزلج في موقع التراث العالمي في القوقاز“، وتسلّط الاضواء على: “ان الحكومة الروسية تستعد للسماح لبناء مجموعة من منتجعات التزلج والطرق في منطقة القوقاز الّذي من شأنه أن يغيّر واحدةً من المناطق البرّية القليلة في أوروبا التي لم تمس بعد. ومن المتوقع أن يؤثر التطوير على المحيط الحيوي لمحميتين طبيعيّتين، واثنين من المتنزهات الوطنية، ومحميات للحياة البرية وموقع للتراث العالمي.”
*الضرر البيئي والايكولوجي لذي ينتج عن المواد السامة والنفايات الكيميائية الصناعية الناشئة عن الأعمال الإنشائية للمرافق الأولمبية والطرق والخدمات المرتبطة بها، لا يمكن إصلاحه في مثل هذا الجمال الطبيعي الفريد والرائع من سوتشي ومحيطها. وأشار كل الناشطين في مجال البيئة (Environmental activists) و”السلام الأخضر/ روسيا” (Greenpeace Russia) إلى مخاوف من ان هناك زيادة خطيرة في تركيز العناصر السامة عالية الخطورة مثل الزرنيخ، والفينول، وعدد من المشتقات النفطية. ويقول خبراء البيئة أن “مستويات التلوث قد ارتفعت بشكل كبير حول سوتشي منذ تم اختيار المدينة لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشّتوية في عام 2014.”
وكانت مدوّنة روسية تحمل اسم لا روسوفوب (La Russophobe) نشرت رأياً للناشر في مارس/آذار 2010 بعنوان: جنون سوتشي 2014 يجب أن ينتهي الآن! وانتقدت فيه عملية سوتشي بأكملها وذكرت، “ان روسيا تعمل على تدمير البيئة الطبيعية الإقليمية بتهور لبناء ملاعب دورة الألعاب الأولمبية. وأصدرت الأمم المتحدة تقريرا لاذعا يدين الأعمال الوحشية الروسية ضد البيئة الطبيعية، و اللجنة الأولمبية الدولية الآن مضطّرّة للتحقيق”، ثم اضاف: “إن السماح لروسيا ببناء المنشآت الأولمبية في سوتشي سوف يضر بالبيئة إضراراً لا رجعة فيها لمنطقة سوتشي. ويوثّق بول غوبل (Paul Goble) الضرر في قضية اليوم بشكل لا يقدر بثمن ، وكذلك دعاة حماية البيئة في روسيا هم في مقدّمة من يؤكّدون أن الكرملين يقتل العالم الطبيعي على ساحل البحر الأسود من أجل بناء أماكن لا قيمة لها على الإطلاق للمواطنين الروس العاديين، وبإنفاق مروع”.
ونشرت مدوّنة باسم “سوتشي ووتش” (Sochi Watch) في مايو/أيار 2011، ملخصا عن “الوضع البيئي الحالي في سوتشي، من مقال لوكالة فرانس برس قرأته على موقع فانكوفر (vancouversun.com). في الجوهر، فإنها تغطي الأساسيات: أن روسيا تقول بأن مشروع بناء عملاق للتحضير لسوتشي قد تم الإنتهاء من “70٪” منه، وأن هذا سيكون الأولمبياد الأكثر “إخضرارا” على الإطلاق من أي وقت مضى في مقابل الرقابة البيئية (Ecological Watch) على شمال القوقاز الّتي تقول ان تلك ليست هي القضية إطلاقاً”. “وبشكل عام فإن الضرر البيئي في سوتشي هو أسوأ بكثير مما كنا نتوقع في المراحل الأولى من تخطيط البناء”، قال سورين غازاريان (Suren Gazaryan) من الرّقابة البيئية في شمال القوقاز(Environmental Watch on North Caucasus).
ونشرت لجنة معارضة سوتشي (14 Reasons for Opposing Sochi 2014) 14 سبباً لمعارضة سوتشي لعام 2014 في خمس لغات، وتشرح مخاوف كثيرة فيما يتعلق بعقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي
لإنهاء العرض الذي قدمته، أود قراءة نصوص مستخرجة من وثائق مترجمة مؤخرا تم الحصول عليها من الأرشيف الرّوسي، والتي تم إرسالها إلى البرلمان الأوروبي في عام 2006، للمطالبة فيها بالإعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية:
* من مذكرات العقيد شاراك في 14 فبراير/شباط 1864:
أتذكر كيف كانت قواتنا بقيادة الجنرال بابيتش تقترب مثل الجراد في الأيام الأولى من الصيف الكبير من أرض الجليين الجميلة، ومحاصيلهم الكثيفة – القمح والشعير والدخن والقمقم – تتسطح تحت أقدام الخيول والجنود والمدافع، والقرى المتناثرة من حولنا تحترق، والدخان يجعل أوراق الغابة المحيطة المتشكّلة حديثاً تتحول إلى لون بني لا اخلاقي”.
* رسالة من ق. غايمان (Q. Gyeman) في 13 فبراير/شباط 1864: “… أناس من الأبادزيخ عراة وفقراء يتجهون نحو (ميناء) توابسه، وسوف يشكّلون عبئا كبيرا بالنسبة لنا، والخوف من انتشار الحمى أو غيرها من الأمراض المعدية بينهم. نحن نعاملهم في الواقع بطريقة بربرية، ولكن ليس لدينا أيّة وسيلة أخرى فالناس أغبياء بشكل مثير للدهشة”.