النزعة القومية تهدد مستقبل روسيا

النزعة القومية تهدد مستقبل روسيا

4/04/2013 سيرغي ماركيدونوف, باحث زائر في معهد الأبحاث الاستراتيجية والجيوسياسية في واشنطن
هناك حاجة ملحّة إلى إصلاح جذري للسياسة القومية الروسية
رسم دان بوتوتسكي
رسم دان بوتوتسكي

“المسألة القومية” في روسيا كانت ولا تزال على رأس أولويات التطور الاجتماعي والسياسي.

وفي حين كان تركيز الصحفيين والخبراء ينصبّ، في تسعينيات القرن الماضي وبداية هذا القرن، على مسألة تقرير الأقليات لمصيرها في جمهوريات معينة (الشيشان هي المثال الأكثر وضوحا)، فإن ما يشغلهم في السنوات الأخيرة هو “الفكرة الروسية” بأشكالها وتأويلاتها المختلفة.

وفي هذا السياق، تشير معطيات معهد السوسيولوجيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية إلى إن 10-15% من الروس دعموا شعار ” روسيا للروس”، في عام 2012، وإلى أن 30% من الروس يرون أنهم يجب أن يتمتعوا بحقوق واسعة تفوق ما يتمتع به أبناء القوميات الأخرى في روسيا.

وتشير معطيات استبيانات الرأي إلى أن النزعة العرقية الروسية لم تعد تيارا هامشيا. وبالتالي فالاستناد في الخطاب على ما يسمى ” طريق روسي خاص” بدأ يتضح أكثر فأكثر في الأوساط السياسية الروسية، حتى بين أولئك الذين ينسبون أنفسهم إلى الليبرالية.

ويأخذ المدافعون عن ” البعث الروسي”، حجتهم من نتائج إحصاءات 2002 و2010 للسكان. وبصرف النظر عن أن الروس لم يشكلوا في يوم من الأيام ما نسبته 80% من سكان البلاد، سواء في عهد الإمبراطورية الروسية أم في العهد السوفيتي، وعن أهمية ذلك، يتم استخلاص استنتاجات عن أن الأغلبية العرقية في الدولة الروسية يجب أن تُمنح أفضليات تميزها عن الأقليات في السلطة والأعمال وفي القطاع الاجتماعي.

ووفقا لأبحاث خبراء فيما يسمى مجلس العموم الروسي، فمن المتوقع أن ينال حزب القوميين الروس في الانتخابات البرلمانية لعام 2016، ما يصل إلى 10% من أصوات الناخبين. فأين يكمن السبب في تطور الأمور في هذا المنحى؟ ومن أين يأخذ شحنته هذا النزوع المتنامي إلى ” الفكرة الروسية”؟

“البعث الروسي” يرتسم اليوم كاندفاع لاعقلاني من قوى ظلامية. ومن غير المشكوك فيه، الحضور الفعلي غير القليل لـللاعقلانية والجهل المبتذل. ولكن المسألة لا تقتصر على ذلك. فتصاعد النزعة العرقية في روسيا نتاج موضوعي لسيرورة اجتماعية سياسية. وهي تعكس الطابع الانتقالي في المجتمع الروسي المعاصر.

ويشكّل صعود “الفكرة الروسية” إلى حد بعيد، ردة فعلٍ على انهيار الاتحاد السوفيتي، وعلى التغير الجذري في الوضع الاعتباري للروس في الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإلى التعليم الحكومي القومي الطابع ضمن روسيا الاتحادية. وفي حين تعاطت السلطة الروسية مع الأكثرية الأثنية وفق مبدأ: ” ليتدلل الولد كما يشاء، فالمهم أن لا يتمرد”، فإن الليبراليين كثيرا ما توجهوا إلى الشعب الروسي طالبين منه الاعتراف بذنبه عما تم ارتكابه في تاريخ روسيا الإمبراطوري السابق. وهذه الممارسات والحسابات الخاطئة، أدت إلى احتكار المتطرفين لـ” المسألة الروسية”، وصار ” البعث الروسي” يفهم على أنه انتقام سياسي. وأما أشكال هذا الانتقام فيعبَّر عنها بأشكال مختلفة: بدءا من التقييد الجذري للهجرة إلى روسيا، إلى اقتراحات الفصل العنصري، بحكم الأمر الواقع، بين أقاليم وسط روسيا وجنوبها، إلى بعث الإمبراطورية، تحت ” الراية الروسية”. بيد أن جميع أشكال ” البعث الروسي” ذات محتوى أيديولوجي وسياسي واحد، يتمثّل في الميل نحو فهم مبسط للعالم، وكره متشدد للأجانب، وانعزالية. وأما الخطر الآخر من “البعث الروسي” فيأتي من الأساس البيولوجي الذي يبنى عليه مفهوم الأمة. ولهذا السبب بالضبط، فإن تحقيق ” المشروع الروسي” سيكون في جميع مراحلة أشبه بمحاولة إطفاء حريق بالبنزين.

ومنه، ينبغي على السلطة الروسية الرد، في أقرب وقت ممكن، على موجة النشاط العرقي-السياسي الحاصل تحت “الراية الروسية”. وليس عبر بيانات منمقة، إنما عبر إصلاح جذري للسياسة القومية. كما يجب على السلطات، التحول أخيرا إلى نهج تكوين هوية واحدة، ليس على أساس الدم إنما على مبدأ المواطنة الجامعة والولاء للدولة. خلاف ذلك، يجدر توقع أشد العواقب سوءا. وبالتالي، فإذا ما تركت السلطة ” البعث الروسي” يأخذ مجراه على هواه، فسوف تسقط مسألة وحدة البلاد من تلقاء نفسها، ذلك أن المركز يبدأ بتقرير مصيره بما ينتهي إلى الانفصال عن ” الغرباء” المكروهين، بمن فيهم المواطنين الروس من العروق الأخرى. وفي حين تقود هذه الحركة العرقية مجموعات سياسية مختلفة إلى اليوم، فمن المحتمل جدا أن تتوحد على أنشطة مشتركة غدا. وبالتالي، فتقاعس السلطات يقدم خدمة كبرى لينسق جهودهم المدافعون عن أطروحة ” روسيا للروس” ، الأطروحة التي تشكل خطرا على وحدة روسيا.

Share Button

نرحّب بتدوين كافّة المشاركات والتعليقات