وتبقى الذّكرى
يأتي الحادي والعشرين من مايو/أيار هذا العام والأمّة الشّركسيّة في خضم مخاض عسير يعكس أهمّية القضية الشّركسيّة وانعكاس ذلك على الوقائع المتّصلة بها سواءاً بشكل مباشر أو غير مباشر. يبرز ذلك بشكل واضح تاثيرات إقتراب موعد الألعاب الأولمبيّة الشّتويّة التي ستعقد في سوتشي الشّركسيّة على أرض الإبادة الجماعية بعد أقل من عام من الآن. وتبرز الإيجابيات والسلبيات، لكن الأهم من ذلك كلّه هو الصّحوة غير المسبوقة لدى شريحة واسعة من الأمّة الشّركسيّة سواءً في الوطن الشّركسي في شمال القوقاز أو الشّراكسة في ديار الإغتراب، يقابلها سلبيات لا غنى عن وجودهاوفي مقدّمتها المحاولات الحثيثة والخبيثة التي تصل إلى مستوى الحملات المحمومة ضد كل من يعمل في العمل القومي الشركسي ويطالب بإحقاق الحقوق الوطنيّة على أرض الوطن السّليب.
ومن خلال استعراض ما ينشر على الإنترنت سواءً على صفحات التواصل الإجتماعي المتعدّدة أو على المواقع الإلكترونيّة التي تنشر الأخبار الشّركسيّة نجد كماً هائلا من المعلومات والأخبار ذات الصلة، ويستطيع من أراد الإطّلاع عليها الإستزادة من المعلومات الّتي حجبت عن الشّراكسة ردحاً من الزمن.
لن يذكر هنا الذين لا يهمهم ما يحصل من قريب أو بعيد لأنّهم لا يشكلون تهديداً حقيقياّ ومباشراً على القضيّة الشركسيّة، لكن سيتم ذكر الّذين يتعاملون بالقضيّة الشّركسيّة سواءاً بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، ويمكن أن يوصف هؤلاء بأنّهم يتالّفون من ثلاث فئات هي:
1) هؤلاء الّذين يعملون جهاراً نهاراً وفي كل الأماكن المتاحة على شرح وإبراز القضية الشّركسيّة وتداعياتها التي تتالّف من الحرب الظالمة التي شنتها روسيا القيصرية على الأمّة الشّركسيّة والتي دامت 101 عاماً ثم الإبادة الجماعيّة التي افقدت الأمّة الشّركسيّة نصف تعدادها وآخراً وليس أخيراً، التهجير القسري عن الوطن الّذي تسبب في تهجير 90% من الذين بقوا على قيد الحياة إلى ديار الشّتات والغربة وإلى يومنا هذا؛ يعمل هؤلاء على نقل القضية الشّركسية إلى الساحة الدوليّة للعمل على حل الموضوع اعتمادا على مبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذات الصّلة.
2) هؤلاء الذين يعملون على تكريس الوضع الراهن خدمة للإحتلال الأجنبي متعاونين مع السلطات الروسيّة ووكلائها في الوطن الشّركسي والخارج، وهم عرابين للتقاعس وتهبيط العزائم والهمم ويحاولون تسيير الأمور بالإتجاه الخاطئ من أجل شراء الوقت وتفتيت أواصر الوحدة الشركسية من خلال غرس التشكيك بمقدرات الأمة والوطن وبالناشطين وانتمائهم وارتباطاهم وأهدافهم ومن أجل تشجيع أو فرض الإنصهار في أماكن تواجد الإغتراب الشّركسي، حتّى في شمال القوقاز.
3) الإنتهازيون الّذين يعملون بين المذكورين في 1 و2 أعلاه، ويمكن وصفهم بأنهم أخطر على القضيّة الشّركسيّة والأمّة الشّركسيّة من المذكورين تحت البند 2، لأنهم كمن يطلق عليهم “الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون”، وكمن يضع إحدى رجليه في هذا الجانب والأخرى في الجانب الآخر للإنتقال إلى المكان المناسب عندما تحين الفرصة أوعندما يصدر الأمر بذلك، ويمكن وصفهم كالذي “إذا الريح مالت، مال حيث تميلُ”!
رغم مرور الأيام والسنوات على المآسي والآلام التي حصلت مع الأمة الشركسيّة أفرادا وجماعات ورغم محاولات الترغيب والتّرهيب والإكراه التي قام ويقوم بها المغرضون والمتلونون بقصد التهميش والإلغاء والإبعاد عن الواقع لدرجة انكار الذّات، إلا أنّه يتحتّم الإيمان بالحقوق القومية الثابتة وكذلك العمل بلا كلل ولا ملل من أجل استرجاع الحقوق الثابتة التي لا ولن تسقط بالتقادم.
إنه من المخزي والمخجل حقاً أن نجد من هم يعتقدون بانهم من طبقة أو فئة تختلف و/أو تتميز عن الآخرين سواء أصلاً أو إجتماعياً أو قوميا أو حتى إقليميا، ويمكن وصف مثل هؤلاء بالمنسلخين ليس فقط عن قوميتهم أو مجتمعهم، بل عن ذاتهم وهويتهم لأنهم سواء شاءوا أم أبوا فإنهم لن يتغيروا أو يظهروا بغير حقيقتهم، ولن يعتبرهم الآخرين غير ذلك.
يجب التذكير في هذا المقام بأن هؤلاء لن يستطيعوا تغيير جلدهم ونوعيته ولونه لأن “النمر لا يستطيع أن يغير رقطه”، والشّركس وللأسف عندما طردوا من وطنهم في ظروف مأساويّة مشابهة بل أسوأ مما يحصل الآن في الوضع السوري، فإنه تم تنظيم نقلهم بسفن غير صالحة عبر البحر الأسود إلى موانئ بحريّة مختلفة في الدولة العثمانيّة، وكان المهجّرين عندما يتم إنزالهم إلى البر من أجل إسكانهم، كان السكان المحليين يرفضون أن يتم إسكانهم في المخيمات المجاورة لأماكن سكنهم (حيث حصل مثل ذلك الحدث في ميناء بيروت في إحدى المرات)، ليس فقط لاتقاء شر الإصابة بالأمراض المختلفة التي كان هؤلاء المطرودين من الوطن يعانون منها نتيجة لتداعيات الحرب البربرية التي شنتها ضدهم الإمبراطوريّة الروسية، بل ايضا لأن هؤلاء اعتقدوا بانهم أفضل منهم درجة وتصنيفاً وبالحسابات الضيقة والساذجة إياها، ناسين أو متناسين أن الحياة قصيرة مهما طالت…
إن إنفصام الشخصية وتراكم العقد النفسية يأتي في سياق هكذا تهجّمات وتهكّمات لانه يجب العلم بأنّ من طمع بالفوز بكل شيء خسر كل شيء، ولاشيء مهما كان وأيا كان يمكن أن يدوم على حاله! لأولئك الذين يعتقدون أنهم ذوي مكانة خاصّة وكأنّهم أخذوا على عاتقهم أن يقرروا عن الأمة المشتّتة والمجزّأة، “كفاكم تخاذلاً وإذعاناً، فعليكم الحذر والإنتباه لأن الأمم والشّعوب لن تتساهل بعد الآن مع من يريد التنازل عن حقوقها ويتعامل مع المحتلين”.
إيجل
مجموعة العدالة لشمال القوقاز
المصدر: