حرب روسيا الهجينة تحاكي الماضي الاستعماري
عادل بشقوي
9 مارس/آذار 2022
لم تتغير استراتيجية الحروب الروسية واهدافها منذ عهد إيفان الرهيب، سليل أسرة روريك، وأمير المسكوفيين، الذي توج نفسه قيصرا في القرن السادس عشر ولا عند قيام سليل عائلة رومانوف بطرس الأكبر بتاسيس الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر. وبقيت كذلك بعد انبثاق ثورة اكتوبر في القرن العشرين وتاسيس الاتحاد السوفياتي بجمهورياته الخمس عشرة وحتى أفول نجمه بعد 69 عاما من الحكم الاستبدادي المطلق، ووصولا الى قيام دول ما بعد الاتحاد السوفياتي المستقلة، حيث كانت إحداها روسيا الفيدرالية التي تتكون من عشرات الشعوب والامم الصغيرة.
كانت أوكرانيا إحدى الجمهوريات التي نالت استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في عام 1991، لكن للأسف، في ظل غياب الدبلوماسية والقيم الحضارية، ومع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي عُرف باسم ”حرب بوتين“، كان ذلك فقط استمراراً لسياسات الأنظمة الروسية المتعاقبة التي مارستها ضد عشرات الشعوب والأمم. ولم تكن سوى معالم في أسلوب الحرب ونوع العمليات العسكرية الروسية ضد أوطان الأمم الأخرى، والآن ضد دولة مستقلة في القرن الحادي والعشرين.
لم تأتِ الهجمات العسكرية والمعارك المحتدمة في طرق الاقتراب نحو المناطق الاستراتيجية والساحلية على بحر آزوف والبحر الأسود والمدن وصولا الى العاصمة كييف، بمختلفة عن القتل والتدمير والاحتلال والابادة والتهجير، الذي مارسته الإمبراطورية الروسية ضد الأمة الشركسية وشعوب أخرى في القفقاس في القرن التاسع عشر. فقد تكررت نفس الأساليب من قبل الانظمة الروسية المتعاقبة، واعتبرت معالم فارقة في اسلوب الحرب والغزو الروسي لاوطان الأمم المضطهدة. لقد كانت حربا الشيشان الأولى والثانية أمثلة أُخرى على قصف وحشي ودمار شديد غير مسبوق للمناطق المدنية.
لا يسعنا سوى أن نذكر التعامل مع المواطنين الروس الرافضين للحرب غير المبررة، والمعاملة الفظة واللاإنسانية التي أدت إلى اعتقال آلاف المتظاهرين في موسكو وسانت بطرسبورغ ومدن روسية أخرى. وبحلول اليوم الرابع عشر من العمليات العسكرية الروسية، تم فرض عقوبات اقتصادية صارمة على النفط والغاز من قبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها. كما استُهْدِفَتْ قطاعات رئيسية من الاقتصاد الروسي مع فرض قيود وعقوبات مالية غير مسبوقة. وأثّرت العقوبات التي لا مفر منها على ارتفاع أسعار النفط والغاز، فضلا عن تأثيرها على أسعار القمح، معتبرين أن أوكرانيا وروسيا من أكبر المصدرين القريبين من أسواق ومستهلكي الشرق الأوسط وأفريقيا، الأمر الذي سيؤدي إلى صعوبات كبيرة للمستوردين في هذه الحالة.
علما بان بعض المراقبين العسكريين والاستراتيجيين ذكروا أن المتطوعين الأوكرانيين شكّلوا مقاومة صلبة، جاءت بعكس التوقعات المبدئية، حيث فاجأت القوات الروسية التي دخلت في المستنقع الاوكراني الذي يصعب الخروج منه بسلام. فهذه حرب فاشلة حسب تصريحات لأحد ضباط الاستخبارات الروسية ومعلقين ومراقبين من دول مختلفة. ورغم عقد ثلاث جولات من المفاوضات غير المجدية بين الطرفين على الحدود الأوكرانية البيلاروسية، إلا أن العائق في احراز اي نجاح هي المطالب والشروط الروسية التي يتعذّر قبولها.
ختامًا، وفي معرض انتقاده لما يجري في أوكرانيا، قال مندوب ألبانيا في كلمته أمام جلسة مجلس الامن الدّولي بتاريخ 7 / 3 / 2022، بأن ”روسيا اسكتت معظم المنابر الاعلامية وخنقت حرية المعلومات“، وبذلك يشبّه روسيا الحالية بالماضي، والحاجة الى التعددية.