حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
16 أغسطس/آب 2022
القضايا الإنسانية
الفصل الرابع عشر
رحلة الأمير علي إلى شمال القوقاز
تم نشر مقال بعنوان ”رحلة إلى تاريخ شمال القوقاز“ على موقع مجموعة العدالة لشمال القوقاز (JFNC)، والذي يظهر حدثًا ذا مغزى يوقظ مشاعر التقاء الأفكار التي نشأت وألهمت الأحفاد، حيث تمّ إضاءة طريق الخير من قبل أجدادهم.
يُذكر العنوان القارئ بمزيج من الحاضر والماضي الذي يخلط بين حقائق الماضي المؤلمة — مما أدى إلى إراقة الدماء — المؤدي إلى فقدان الوطن، والتحول إلى ضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وفي النهاية يعيش جزء من السكان تحت الاحتلال وقتل الغالبية العظمى بوحشية على يد جيش القياصرة المعتدين الروس، أو قتلوا خلال عملية التهجير أثناء نقلهم بحراً وبراً، أو قتلوا بسبب الأمراض والأوبئة والآثار العنيفة للظروف المعيشية القاسية، أو الذين انتهى بهم الأمر في العيش كلاجئين في الشتات.1338
أدت الحركة غير المسبوقة إلى فتح صفحة مشرقة لمستقبل الشركس من خلال تذكير العالم بشعب منسي.
قرر الأمير علي بن الحسين القيام برحلة تاريخية على خُطى ووقع أقدام القادمين من المُهجّرين الشركس والقوقازيين الذين اضطروا إلى مغادرة وطنهم الأم في عام 1864. ورافق أحفاد وذرّية أهالي الشتات الشركسي في الأردن للقيام برحلة تاريخية وذات مغزى إلى قلب شمال القوقاز، إلى شركيسيا التاريخية.1339
تم اختيار طريق العودة إلى القوقاز بالذهاب من الأردن عبر سوريا وتركيا، ثم من ميناء طرابزون (Trabzon) على البحر الأسود فتم عبور البحر الأسود بالعبّارة للرُّسو في سوتشي، ثم الذهاب إلى الجمهوريات الشركسية الحالية أديغيا (Adygea)، قباردينو – بلكاريا (Kabardino-Balkaria)، و كراشيفو – شركيسيا (Karachaevo-Circassia)، وجذب ذلك انتباه الشركس على طول الطريق إلى الوطن الشركسي في شمال القوقاز، ولاقت اللفتة الترحيب الحار من قبل الشركس هناك.
نظّم الأمير علي بن الحسين رحلته إلى القوقاز مع ”فريق من 14 فارسًا شركسيًا“ وأجرى مقابلة مع وكالة سيجما (Sigma) الإخبارية حيث نُشرت في صحيفة جوردان تايمز (Jordan Times)، حول رحلته التاريخية وشرح فيها رأيه فيها. ولماذا قام بهذه المهمة، إلى جانب ”الدوافع وراء الرحلة، واهتمامه بالثقافة الشركسية“.1340
وقد أشار إلى الأساطير الشركسية:
وفقًا للأسطورة، عندما خلق الله الأرض، كان يحمل كل الجبال في كيس ليوزعها عبر الأرض. رأى الشيطان فرصته حيث شق حفرة في قاع الكيس وسقطت جميع الجبال في منطقة واحدة بين البحر الأسود وبحر قزوين. لذلك جعل الله تلك الأرض مكانًا واحدًا في العالم لن يتمكن الشيطان من اختراقه ليجعل شعبه شريرًا، لأن الحياة ستكون صعبة عليهم كما هي.1341
قال الأمير علي ان العديد من زوار منطقة شمال القوقاز يصفها بأنها جنة عدن ذاتها، مع الأراضي المنخفضة الدافئة الغنية تليها الغابات المهيبة والمراعي الألبية والأنهار والبحيرات المهملة، وهي متداخلة بقمم سرمدية مغطاة بالثلوج. هذه هي جبال القوقاز المكسوة بالثلوج التي تغنّى بها شكسبير والتي تُقزِّم جبال الألب. فجبل إلبروز (Elbrus)، أعلى قمة جبلية في أوروبا، حيث تذكرها الأسطورة، وبين قمتيه استقرت السفينة في طريقها على أرارات (Ararat). كازبيك (Kazbek)، حيث تم تقييد بروميثيوس (Prometheus) بالسلاسل، والمعروفة في الأسطورة اليونانية القديمة باسم أرض الصوف الذهبي، وأرض الخرافات والأحلام، التي استلهم منها كل من تولستوي وليرمونتوف وبوشكين رواياتهم..1342
بالإضافة إلى ذلك، آمل أن ألفت انتباه العالم إلى القضية الشركسية، بحيث لم يعد من الممكن استخدامها كبيادق في لعبة الشطرنج، ويمكن تجنب إراقة الدماء في القوقاز في المستقبل الناتج عن الجهل والإهمال.
ودعا إلى ”إنشاء صندوق الثقافة الشركسية بفروع في إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة والقوقاز، من أجل العمل وتحقيق الاعتراف الدولي بالشركس كمهجرين ولتنفيذ حقوقهم بموجب القانون الدولي في المواطنة التلقائية في وطنهم، وكذلك الحفاظ على اللغة الشركسية وإحيائها والبحث وكتابة التاريخ المشترك والكامل للأمة الشركسية“.1343
وفي وصفه لرد فعل الشركس في شمال القوقاز على الرحلة التاريخية، قال:
كان الأمر روحيًا وعاطفيًا للغاية، وبدا تفاعلهم في الغالب صادمًا مع عدم تصديق خاصة بين كبار السن، والدموع في أعينهم لأنهم لم يحلموا قط بحدوث مثل هذا الشيء. كان هناك دائما فرح وفخر عظيمان بين جيل الشباب والأطفال واحتفالات كثيرة. كل ذلك كان مُرضيًا للغاية وأعطاني إحساسًا بالنشوة والسلام الداخلي. كان الأمر الأكثر تأثرًا حقًا هو عندما التقى أعضاء فريقنا بأقاربهم وعائلاتهم، الذين لم يروهم أو يعرفون بوجودهم من قبل، وذلك في القرى والمدن على طول الطريق.1344
ومن ضمن نقاط أخرى قال الأمير علي في إجاباته ما يلي:
الشركس سلالة قديمة، يتألف شعبهم من اثني عشر قبيلة، يسكنون في جبال شمال القوقاز وعلى طول ساحل البحر الأسود منذ زمن بعيد.
وجدهم العديد من الغزاة المحتملين عدوًا رهيبًا، كالجيوش الرومانية، وأتيلا، وجنكيز خان، والعرب، وتيمورلانك والفرس الذين أطلقوا على القوقاز اسم ”سد إسكندر“ (Sedi Iskender) أو حاجز الإسكندر. حيث كان الفاتح العظيم قد شرع في فتح وامتلاك العالم والتقى بأول كبح جماح له هنا.
بعد أن تم احتلالهم، تمكن الشركس من الحفاظ على ثقافتهم القديمة دون تأثيرات خارجية حتى وقت الغزو الروسي، الذي بدأ في أواخر القرن الثامن عشر والذي اشتعلت فيه الحرب الرهيبة التي استمرت أكثر من مائة عام.
قاتل الشركس، المحبين للحرية والجرأة، بضراوة وبقوة، واكتسبوا مكانة أسطورية واحترامًا في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط.
وعلى مدى مائة عام، وضعوا كل قوة جيوش القيصر في مأزق، ومنعوها من التوسع الاستعماري والحلم الروسي الذي طالما تاقوا اليه لتحقيق طريق بري إلى الهند.
قيل أن الفرد الشركسي يساوي عشرة من أي أناس آخرين، وأفضل وصف لنضالهم هو ما قاله الشاعر الروسي العظيم ميخائيل ليرمونوتوف، الذي كتب في زمن الحروب الروسية والقوقازية: ”كنز الشركس أحلامهم الكئيبة، والموقد الشركسي هو الأسمى بالنسبة لهم، لكن الحرية، الحرية للرجل تعتبر أسمى من السلام والوطن الأم“.
استمرت الحرب حتى عام 1864 مما أدى إلى مقتل أكثر من نصف السكان الشركس بالكامل، وتعاونت القوتان العظميان في ذلك الوقت، روسيا وتركيا، لإحداث هجرة قسرية لأكثر من نصف السكان المتبقين على قيد الحياة إلى الإمبراطورية العثمانية.
أرادت روسيا الأرض الشركسية من أجل فلاحيها المتحررين، وكانت تركيا بحاجة إلى دماء جديدة لجيوشها في البلقان. كاد الطرد الشركسي أن يكون أكبر هجرة جماعية في العصر الحديث وثلثهم الآخر لقوا حتفهم على طول الطريق من المرض والجوع.
تشير التقديرات إلى أنه لولا الحرب، لكان عدد الشركس اليوم أكثر من 25 مليونًا أو أكثر، بدلاً من أقل من ستة ملايين منتشرين في بلدان في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، أينما ذهب الشراكسة، فقد ساهموا بشكل كبير في البلدان التي يعيشون فيها الآن.
كانوا أول من استقر في عمّان الحديثة التي أعيد إحياؤها. عندما وصل الأمير، لاحقًا الملك عبد الله، إلى شرق الأردن (Trans-Jordan)، رحّبوا به، وخلال التمرد في الأيام الأولى للإمارة، خيّموا حول قصره لحمايته، ثم تم تكريمهم بجعلهم حراس الملك الشخصيّين.
في الوقت الحاضر، لا يزال من الممكن رؤيتهم يحرسون القصور والديوان الملكي بأزيائهم الرائعة والرومانسية. خدم الشركس في كل مكتب حكومي وعسكري، وهم معروفون بصدقهم وولائهم.
يوجد اليوم ما يقرب من مائة ألف شركسي في الأردن وخمسة ملايين في تركيا و 700 ألف في القوقاز ومجتمعات أصغر في إسرائيل وسوريا والولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
مارس الشركس السلوك الحضاري في وقت كان فيه الأوروبيون لا يزالون يسكنون الكهوف. ثقافتهم غنية للغاية بالشعر والميثولوجيا والأساطير والغناء والرقص والموسيقى. هيكلهم الاجتماعي محكوم بـ ”الأديغة خابزه“ أو الآداب الشركسية، وهي مجموعة من القواعد غير المكتوبة التي تؤكد الأخلاق المثالية، والضيافة، والصدق، والفروسية، واحترام كبار السن.
إنهم يحترمون نسائهم ويمنحونهن الحرية العامة الكاملة ولا يمارسون تعدد الزوجات أو يتزوجون من أي شخص حتى لو كان من الأقارب البعيدين، حيث يُعتبر جميع الأقارب والجيران الشركس إخوة وأخوات. في الواقع، كان أعظم إنجازات للشركس هو كمال ثقافتهم.
ومع ذلك، نظرًا لحقيقة أنهم انفصلوا منذ ما يقرب من مائة وثلاثين عامًا، فإن الشركس يجدون صعوبة متزايدة في الحفاظ على لغتهم وتراثهم الثقافي وهم معرضون لخطر الانصهار والاستيعاب على نطاق واسع، مما يهدد وجودهم كشعب.
وبالتالي، فإن اهتمامي يأتي من الرغبة في عكس هذه العملية وإعطاء الشركس حقوق الإنسان الأساسية الممنوحة لجميع شعوب العالم؛ للعيش معًا في سلام وسعادة، وممارسة ثقافتهم الخاصة، والتحدث بلغتهم الخاصة بهم، ويحظون بالإحترام ومعروفون من قبل بقية العالم الذي نعيش فيه.
هذه الحملة هي بداية رمزية للعمل القادم. ركوب الخيل هو في جوهره عكس الهجرة الجماعية التي جلبت الشركس إلى الأردن والشتات.
الشركس في القوقاز والشتات هم جزء من كيان عرقي وثقافي واحد، وتوحيد هذه الأجزاء هو حق طبيعي من حقوق الإنسان.
وبالتالي، فإن أهدافي هي فتح الباب أمام أي شركسي يرغب في العودة إلى وطنه، ليتمكن من القيام بذلك بحرية، دون التعقيدات والمشاكل التي يواجهونها حاليًا بسبب الافتقار إلى التنظيم والحواجز التي يفرضها الذين يرغبون في منع الوحدة الروحية والجسدية للأمة الشركسية.1345
الغلو في الوطنية مختلط مع عدم التسامح الديني
لسوء الحظ، فإن أكاذيب الشوفينية السلافية ضد القوميات الأخرى، داخل الرباط الفدرالي الموصوف بما في ذلك الشركس، وما أدّت إليه المشاعر الدينية المريبة إلى استمرار تشييد النُّصُب التذكارية التي تذكر بهذه الأفكار والأحداث. فقد أدت أعمال مثل بناء النصب التذكاري لنيكولاي ”صانع المعجزات“ ({Nicolay {Miracle-Maker) في مايكوب في عام 2007 إلى نتيجة واحدة فقط، وهي زيادة عدم الثقة والشك بين الشعوب، الذين من المفترض أن يكونوا مواطنين في داخل الدولة.1346
أصدرت إدارة مدينة مايكوب بيانًا على موقعها على الإنترنت، جاء فيه أن ”تخليد ذكرى المدافعين البارزين عن الوطن – كما ورد في المرجع — يصبح الخطوة التالية لإحياء تقاليد التربية المدنية والوطنية. وفي تاريخ مايكوب، ستتم كتابة صفحة أخرى — مهمة لكافّة الأجيال. سيصبح النصب التذكاري للأبطال تجسيدًا للشجاعة التي أظهرها مواطنو مايكوب خلال كل من الحرب المحلية الكبرى، وفي أوقات السلم“.1347
إن الصياغة أحادية التفكير التي اجرتها الإدارة حاولت الدفاع عن العقلية الإستعمارية فيما يتعلق بالتشكيك في إرادة الشعوب للاستقلال القومي، التي قررت التخلص من التبعية ورموز الاستعمار في وطنها.1348
وأظهر البيان دفاعًا عن حق إقامة النصب التذكارية الروسية، حتى لو كان ”أبطال روسيا“ الموصوفون قد ارتكبوا جرائم أو لم يقبل الآخرين الفكرة: ”حيث وجدنا أنفسنا شهودًا على عربدة قومية وأعمال تخريبية ضد النُّصُب التذكارية التاريخية في عدد من جمهوريات اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق، ولا سيما في دول البلطيق — كما ورد في الوثيقة — أصبح بناء نصب تذكاري لأبطال روسيا في مايكوب مثالًا آخر على الحفاظ على السلام والتوافق بين الأعراق“.1349
تابع البيان: ”دعنا نذكر، أن المكان الجديد لإقامة نصب الأبطال هو الساحة الموجودة في الحد الفاصل بين منطقتين صغيرتين رئيسيتين في المدينة — {المركز} و {شيريموشكي}. هذا هو المكان الذي وقفت فيه آنذاك منظمتا {أديغه خاسه} و {الكونجرس الشركسي} في صيف عام 2005 ، ما أدّى إلى وقف تشييد النصب التذكاري المخصص لصانع المعجزات نيكولاي. دعونا نذكر أن النصب موجود الآن في أراضي الوحدة العسكرية الواقعة في مايكوب“.1350
يتبع…