السياسة الروسية ماضية من دون تردد في تقويض اسس الهوية الشركسية

السياسة الروسية ماضية من دون تردد في تقويض اسس الهوية الشركسية

عادل بشقوي

28 ديسمبر/كانون الأول 2022

منذ بداية غزو واحتلال شركيسيا، دأبت الدولة الروسية على تنفيذ خططها الجهنمية والإقصائية، بالسر والعلن، ومن خلال السلطات المركزية والإقليمية المتمثلة بأذرعها الأمنية وعملائها دون كلل أو ملل. ويأتي ذلك في سياق تقويض أسس الهوية الشركسية، حيث لم يتردد النظام الحاكم في فعل ما في وسعه لترسيخ الأمر الواقع المأساوي والقضاء على الأمة وهويتها، وتثبيت الوضع الراهن وفق خطة استعمارية روسية منهجية تهدف في نهاية المطاف إلى القضاء على ما تبقى من رموز الهوية الشركسية والحضارة المتمثلة باللغة، والثقافة، والعادات، والتقاليد، والفنون، وما إلى ذلك، والتي تعبر في مجملها عن الهوية الأصيلة التي انبثقت من الوطن الشركسي.

باختصار، فإن مغزى ما يحدث هو حقيقة انتشار الأمة المضطهدة في مواقع جغرافية واسعة. (10 ٪) منهم فقط، ويناهز عددهم حوالي 800000 نسمة، يقيمون في الوطن التاريخي، منتشرين في عدة مناطق إدارية روسية في شمال القوقاز. هناك ثلاث منها تعتبر جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي؛ لكن البعض الآخر في المناطق التي تنتمي إلى المناطق الإدارية الروسية. أما البقية منهم (90 ٪)، هم الذين تم ترحيلهم إلى الإمبراطورية العثمانية، وموزعون في ديار الشتات والاغتراب في أكثر من ثلاثين دولة في العالم. المهم أن أولئك الذين عاشوا في وطنهم كادت حقوقهم أن تُداس، ولا يتمتعون بأقل الحقوق الأساسية كمواطنين كاملي الحقوق. بالإضافة إلى ذلك، فهم يخضعون للحكم شبه المباشر لموسكو وأولئك الذين تم تعيينهم والمصرح لهم بتنفيذ القوانين والقواعد الروسية.

ومن المعروف ان مواد الدستور الروسي التي يعاد انتاجها وتغييرها بين الحين والآخر، يقصد منها أن تتماهى مع اهداف الإجهاز تدريجيا على لغات وثقافات الشعوب المتعددة، وبالتالي صهر هذه الشعوب في البوتقة الروسية. وتجري تعديلات وتغييرات في صياغة بعض مواد الدستور لتتوافق مع مصلحة الأغلبية الروسية فقط، وذلك وفق صيغة تتماشى مع سياسة واهداف الدولة.

من المناسب أن نذكر في هذا النطاق ما حدث في جمهورية قباردينوبلكاريا (KBR) في السنوات القليلة الماضية، وهو مثال حي لما يحدث في أماكن أخرى من الوطن الشركسي. هذا يذكرنا بإحدى الحالات المتكررة التي تعكس حقائق لا مفر من ذكرها، والتي تحدث في ظلها وتطبقها السلطات الاستبدادية هناك. ويمكن أخذ العبرة مما جرى مع مارتن كوشيسوكو (Martin Kochesoko) وقايسي كيك (Kase Kik) وغيرهما، ناهيك عن إغلاق وحظر الكيانات والمؤسسات الشركسية الفاعلة.

في ضوء ما يحدث في الوقت الحاضر، من الضروري الإشارة إلى ما كان ولا يزال يقع باستمرار للباحثين والأكاديميين الشركس في وطنهم، وتحديداً مع الدكتورة مدينا خاكوشيفا (Madina Khakuasheva) المقيمة في نالتشيك (Nalchik)، عاصمة جمهورية قباردينوبلكاريا (KBR).

وتجدر الإشارة إلى أن أهمية الموضوع تتطلب ذكر الأحداث والوقائع التالية التي تم نشرها في مقال سابق [1] والتي ذكرت لإحدى الحالات المتكررة:

بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2018 نشرت مدينا خاكواشيفا (Madina Khakuasheva)، وهي كبيرة الباحثين في معهد قباردينوبلكاريا لأبحاث العلوم الإنسانية، مقالا تحدثت فيه عن التعديلات والتغييرات التدريجية التي تجري في الفيدرالية الروسية على قانون التعليم، حيث جاء فيه: ”لدينا قناة اتصال مقدسة واحدة فقطمن أعلى إلى أسفل، لكن لم تعمل من أسفل إلى أعلى لفترة طويلة، فقد كانت تعمل في وقت واحد. لكن هذا الظرف بالتحديد هو الذي يشكلكعب أخيلللممثلين الفيدراليين لفروع الحكومة المختلفة، حيث أن الخطاب الذي ما زالوا يستخدمونه، دون مزيد من اللغط، قد تأخر لمدة 50 عامًا ولم يؤخذ على محمل الجد نسبيًا“. واضافت الكاتبة: ”كانت غالبية الناس طوال هذا الوقت أكثر صمتًا بسبب هذا الاتصال أحادي الإتجاه، لكن ليس فقط بسبب التعب واللامبالاة وعبثية المراسيم الصادرة (كما تعلمون، فإن الأمر الأصعب ما يمكن التنازع فيه هو السخافة، خاصة إذا كان ذلك الأمر واضحًا). لكن حتى من صمت الناس وصبرهم، تَعَلّم أولئك الذين هم في السلطة أن يضُخُّوا المكاسب، وفسَّروا الصمت على أنه علامة الرِّضا.  لكن كان ذلك هو الحال حتى مشروع القانون الحالي، الذي كان نوعًا من الخط الأحمر، والذي أدى تقاطعه إلى تغيير كل شيء“.[2]

بتاريخ 27 أبريل/نيسان 2020، قالت مدينا خاكواشيفا (Madina Khakuasheva): ”إن تزوير موسكو لتاريخ الشركس وتنصلها من الطبيعة الإمبريالية للسياسة الروسية التي أدت إلى تهجير معظم أفراد تلك الأمة لا يُظهر فقط أن الحكومة الروسية ملتزمة بأجندة الاستعمار الجديد، لكنها تواصل مسار الإبادة العرقية“. وتكمل خاكواشيفا: ”لقد مر نهج روسيا تجاه غير الروس في الأربعة مراحل التالية في حالة الشركس: التدمير المادي والترحيل دون حق العودة، والتمييز الصريح ضد اللغة الأم، ومستوى الثقافة والهوية، والقضاء التام على تاريخ الشركس من الكتب والمتاحف. بالإضافة إلى ذلك، تواصل موسكو العمل على تهيئة {جميع الظروف لتحقيق الاستيعاب الاصطناعي ومحو جميع الأدلة على وجود شعب بأكمله}، بما في ذلك إعلان أراضي وموارد تلك الأراضي روسية {من وقت سحيق}“. إن ”{هذا هو الهدف النهائي للسيطرة الجيوسياسية}“.[3]

في 11 يوليو/تموز 2020، نشرت الباحثة الكبيرة في معهد قباردينوبلكاريا لأبحاث العلوم الإنسانية على موقعمركز قباردينوبلكاريا الإقليمي لحقوق الإنسانبأنه تم التخطيط في مدينة بيلوريتشينسك (Belorechensk) وهي إحدى مدن مقاطعة كراسنودار الواقعة على نهر بيلايا (Belaya) لإقامة نصب تذكاري للجنرال نيكولاي إفدوكيموف (Evdokimov)، أحد المهندسين الرئيسيين للإبادة الجماعية الشركسية. لكن حالت موجة الغضب الجماهيري واسع النطاق دون تحقيق هذه المبادرة أو أدى إلى تأخيرها. ”وفي إقليم كراسنودار، تحْمِل العديد من المعالم اسم الجنرال آكل لحوم البشر زاس“. فقد أقيم نصبان تذكاريان للجنرال إيرمولوف في إقليم ستافروبول. والآنإفدوكيموف. يبدو أن هناك من يبذل قصارى جهده حتى لا ينسى الشعب الشركسي مأساة القرون الماضية“ — كما قال الشخصية العامة إبراهيم ياغانوف في مقابلة مع موقعحقائق القفقاس“.[4]

ومن منطلق أناللغة هي خارطة الطريق للثقافة، تخبرك من أين أتى شعبها وإلى أين هم ذاهبون، كما تقول ريتا ماي براون،[5] نجد أن صفوة القوم المثقفين الذين يعملون ما في وسعهم، في سبيل المحافظة على الذات لأمة موحّدة الاهداف والتطلعات، متماسكة الجذور ولها قاعدة متجانسة ذات ثقافة انبثقت في شمال غرب القفقاس منذ آلاف السنين وإلى الآن، رغم كل العقبات والعراقيل.

وفي نافذة على أوراسيا، يُذكر بأنّهُعلى مدى العقد الماضي، تحوّلت موسكو وممثلوها في جمهورية قباردينوبلكاريا (KBR) من تجاهل أولئك الذين يلفتون الانتباه إلى التهديدات التي تتعرض لها اللغات الأصلية إلى مضايقتهم وقمعهم على أمل إسكاتهم ومنع الآخرين من معرفة ما الذي يجري، كما تقول مدينا خاكواشيفا (Madina Khakuasheva)، كبيرة الباحثين في معهد أبحاث العلوم الإنسانية التابع لمركز جمهورية قباردينوبلكاريا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، وهي مؤسسة تعرّضت نفسها لهجوم خطير،[6] حيث أن خاكواشيفا نفسها، واحدة من أكثر الأشخاص تميزًا من الذين يتعرضون الآن لمثل هذه الإجراءات القمعية“.[7]

  وهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك بان سياسة الاستحواذ الاستعمارية تمضي لتحقيق اهدافها دون اهتمام بما قد ينتج عنها، رغم ان الغزو الروسي لاوكرانيا يحاول استمالة القوميات المختلفة لتاييد سياساته الاستعمارية لاحتلال اراضي دولة مستقلة ذات سيادة، دون اعتبار لقيم الجيرة وللقوانين والأعراف الدولية. لكن يبدو ان الاهتمام باللغة الشركسية ومقاومة التهديدات التي تتعرض لها هذه اللغة الأصيلة تعتبر تحديا لسياسة ومخططات الدولة الروسية التي لم تألو جهدا ومنذ الحرب الروسيةالشركسية وإلى يومنا هذا لتقزيم اللغة الشركسية وثقافتها العريقة، وكذلك مقاومة حق العودة وإعاقة الراغبين في العودة  بالاساليب البوليسية والطرق الفاشية.

وكانت قدأكدت الباحثة في جمهورية قباردينو/بلكاريا أنها وزملاءهالم يتجاوزوا أبدًا حدود القانون، حيث حدث قبل خمسة أسابيع أن داهم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) وعملائه المحليين منزلها ومكتبها، وصادروا مجموعة متنوعة من الوثائق وأجهزة الكمبيوتر ثم استجوبوها دون تقديم أي وثائق أو تفسير قانوني. تقول خاكواشيفا إنه قبل حدوث ذلك، تعرضت هي وزملاؤها لهجمات مجهولة في وسائل الإعلام، وهي هجمات لم تتفاعل معها بسببسخفها المطلق وطبيعتها الاستفزازيةولكنها تبدو الآن جزءًا من حملة أكثر شمولًا وهي التي تشمل خدمات الأمن الروسية وتلك الموجودة في جمهورية قباردينوبلكاريا“.[8]

من الواجب فضح ممارسات الاستقواء الفظة هذه والتي تعتبر غير حضارية، تمارسها السلطات الحاكمة في الوطن الشركسي ضد المواطنينالقابضين على الجمروهم الذين يعيشون في موطنهم الأصلي شركيسيا، لكنهم لم يتوانوا عن حماية أصول هويتهم القومية، وبالتالي الدفاع عن كرامتهم ولغتهم وثقافتهم الأصيلة.

***********************

المصادر

[1] https://www.circassianews.com/2021/07/01/%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%aa%d8%b9%d8%af%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b3%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%b3%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%84/

[2] https://vk.com/@-165422661-madina-hakuasheva-kommentarii-k-state-i-diskina-kritika-popr

[3] http://circassiatimesarabic.blogspot.com/2020/04/blog-post_30.html

http://zapravakbr.ru/index.php/analitik/1458-madina-khakuasheva-banalnost-zla-sovremennogo-konformizma-2

[4] http://zapravakbr.com/index.php/analitik/1498-madina-khakuasheva-chto-skryvayut-geroicheskie-pamyatniki

[5] https://www.bartleby.com/essay/Language-Is-The-Road-Map-Of-A-F34ZFBXZ9JXQ

[6] windowoneurasia2.blogspot.com/2022/11/kbr-scholars-say-powers-now-using.html

[7] http://windowoneurasia2.blogspot.com/2022/12/moscow-and-its-agents-in-kbr-shift-from.html

[8] http://windowoneurasia2.blogspot.com/2022/12/moscow-and-its-agents-in-kbr-shift-from.html

Share Button

اترك تعليقاً