نظرة شركسية على مؤتمر كييف بشأن حالة الاستقلال الرمزية النادرة
عادل بشقوي
5 يونيو/حزيران 2023
المقدمة
بكل سرور شارك المندوبون الشركس وغيرهم من شعوب وأمم القوقاز في مؤتمر استثنائي عقد في كييف في توقيت استثنائي (مايو 2023). ويقام في ظل هذه الظروف المتعلقة بما حدث وما زال مستمراً تحت تأثير الأطماع الاستعمارية الروسية المباشرة وأعمال القتال في أوكرانيا والقوقاز.
مؤتمر يعبر عن التوق إلى الحرية
المؤتمر الدولي ”المكرس للذكرى 105 لإعلان استقلال الجمهورية الجبلية“، أدى إلى إحياء الذكرى مرة أخرى في مناسبة استثنائية لشعوب القوقاز، وهو الإستقلال الذي لم يدم طويلا. ذكرى عزيزة على قلوب وعقول عشاق الحرية في القوقاز الذين أمضوا عقودًا في الدفاع عن حريتهم واستقلالهم ضد قوى الشر والظلام. وأدى هذا الحدث إلى ضرورة إنهاء عصر ظلم الضعفاء ومناصرة الأقوياء.
استمر استقلال الجمهورية الجبلية بين مارس/آذار 1917 ونوفمبر/تشرين الثاني 1922 عندما أعلن الجبليون أو سكان المرتفعات إنشاء تحالف بين الجبليين المتحدين في القوقاز. فعلى الرغم من أنه واجه العديد من المزالق، وتعرض المشاركون لوضع مضطرب، إلا أنه مكان رمزًا يمكن استخدامه كدليل أو بوصلة للتوجه نحو هدف مشترك يطمح للتواصل مع شعوب وأمم القوقاز عندما تكون الظروف ملائمة.
ومع ذلك، تم استبدالها بـ ”الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الجبلية المستقلة (ASSR)“ في عام 1922. وتبع ذلك ضم روسي نموذجي ونهائي في 7 يوليو/تموز 1924. فعلى الرغم من أن هذا حدث في بداية تشكيل الإتّحاد السوفياتي، الذي انبثق من رحم الثورة الروسية، حيث كان هدفها منح الحرية وحق تقرير المصير للشعوب والأمم التي خضعت لحكم لإمبراطورية الروسية الاستبدادي. هكذا، ونظراً لسياسة الأمر الواقع لهذا الوضع، ظلت هذه الشعوب سجينة في السجن الكبير الذي كان في اتساع أراضي روسيا والاتحاد السوفياتي، وروسيا حتى يومنا هذا، بينما لم يتم اعادة منح الحقوق المشروعة لشعوب وأمم منطقة القوقاز وما بعدها.
كان الاتحاد في نهاية المطاف متوافقًا مع سياسة الأمر الواقع، مع الأخذ في عين الاعتبار أن شركيسيا لم يتم تمثيلها بالكامل، نظرًا للطبيعة والظروف الناتجة عن الاحتلال الروسي لمناطق شاسعة من الأراضي التاريخية لشركيسيا. جعل ذلك من الضروري أن ينظر الأعضاء في هذه الحقيقة بشكل تدريجي، في الشكل والمضمون حسب الواقع على الأرض. لقد تعرضت الغالبية العظمى من السكان الواقعين بين جبال القوقاز الغربية وساحل البحر الأسود للإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري. وقد تم استبدال السكان الشركس بالمستوطنين الأجانب.
وهكذا، كانت منطقة قباردي تقع في الشرق، في الجزء الداخلي من شركيسيا. وكانت من الأعضاء الرئيسيين في جمهورية الجبل آنذاك. تم الاتحاد بين أعضاء وفئات من شعوب وأمم القوقاز، وتقرر أن يتم الاتحاد في نهاية المطاف على مراحل. مع الأخذ في الاعتبار إعلان الاستقلال، الذي كان مطلبهم الرئيسي الذي طالما طالبوا به وخاضوا حروبًا دفاعية من أجله.
ويتم هنا اقتباس فقرة من البحث الذي أجراه ”معهد الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بجامعة بيلكنت“ (The Institute of Economics and Social Sciences of Bilkent University) في تركيا، وتشرح بالتفصيل الظروف التي ساعدت على ظهور جمهورية الجبل في أوائل القرن العشرين. فقد نصت على ما يلي: ”بحلول الربع الأخير من القرن التاسع عشر، تمكن الروس من قمع وإخضاع المنطقة. فاستقر القوزاق وغيرهم من السكان الروس في شمال القوقاز وغيّروا بشكل كبير ميزان السكان والقوة لصالح الإمبراطورية الروسية ونتيجة لذلك، اندلعت الاضطرابات في شمال القوقاز بأكمله في أعوام 1865 و 1877 و 1898 و 1906، ونتج عنها وصول لاجئين جدد من شمال القوقاز إلى الأراضي العثمانية“ (المصدر: https://core.ac.uk/download/pdf/52925868.pdf).
تنفيذ سياسات استعمارية معتادة في القرن الحادي والعشرين
كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن الطموحات الروسية في أراضي وموارد ومياه جارتها الأقرب جغرافياً وعرقياً، وإمكانية دحرجة هذا الغزو، إذا نجح، إلى دول أوروبية أخرى. ولاشك أن وضع الحرب وصل إلى «نقطة اللاعودة» في ورطة يصعب الانسحاب منها. ولا يبدو أن هناك بارقة أمل تلوح في الأفق لوقف الحرب العدوانية التي تؤدي إلى الانسحاب الكامل إلى الحدود الدولية. إن هذا وضع مشابه للسياسات الاستعمارية الروسية المتّبعة في القوقاز منذ القرن الثامن عشر وما قبله.
أولئك الذين ينتمون إلى الأمة الشركسية الأصيلة (الأصلية)، لا يُفوِّتون فرصة للفت انتباه أيٍ كان إلى مكانة القضية الشركسية. في نفس الوقت، أود أن أتطرق إلى طموحات بعض الأطراف التي أعلنت أن لها حقوقًا على الأراضي المحتلة في شركيسيا. وهذا يعني أن هذه الأطراف التي تتصرف وفقًا للتغييرات الاستعمارية للإمبراطورية الروسية التي تم إحداثها في الهياكل الإدارية والديموغرافية والجغرافية وغيرها في الأراضي الشركسية المحتلة والواقعة على وجه التحديد في شمال غرب القوقاز منذ ستينيات القرن التاسع عشر.
لكن كمسألة منطقية ومقبولة لكل من له علاقة بهذه القضية، يجب أن نركز على استحالة اتخاذ أي خطوة أو عمل في هذا الاتجاه دون أن تحصل الشعوب والأمم المستهدفة على حريتها وحق تقرير المصير والاستقلال. بعد ذلك، يجب ترتيب استفتاء تحت إشراف دولي لاستنباط رأي الشعوب المستطلعة آراؤها للانضمام إلى الإتحاد. لا يجوز عقد اتحاد بين الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية أو تقييد هذه الشعوب للتعبير بآرائها بطريقة أو بأخرى.
دور المشاركين الشركس
حول تأثير هذا الحدث غير المسبوق، فإن الدروس التي تم استنباطها نتيجة تفاعلات غير مرغوب فيها وربما إجراءات سوء فهم غير مقصود يجب استخلاصها واستقراءها، لكن يجب الاستفادة منها لتغيير الطبيعة النمطية لما يحدث على الساحة الشركسية من وقت لآخر. إن ما جرى في كييف لا يغير أيًا من النتائج التي أوجدها احتلال شركيسيا من قبل الإمبراطورية الروسية، والتقسيمات الإدارية التي بدأ القادة العسكريون الروس بتأسيسها منذ عام 1860، والتي عزّزها وعمل على تقويتها الاحتلال المقيت والضم القسري على مدى عقود. وهذا يعتبر أمرا غير مشروع يتطلب إعادة الحقوق وتغيير الوضع إلى ما كان عليه قبل الاحتلال. وفي خضم انتقاد بعض النقاط التي جاءت في مسودة قرار المؤتمر، لا يمكن أن يغير هذا الأمر من حقيقة أن جميع النشطاء الشراكسة حريصون على استعادة الحقوق الشركسية المشروعة غير المنقوصة، لأنهم غير مستعدين للتنازل عن هذه المسلمات.
والذين لم يفوتهم المشاركة في هذا الحدث الاستثنائي معروفون بآرائهم ومواقفهم التي لا تتزحزح قيد أنملة عما هو معروف عنهم من حيث صواب الرأي ووضوح الرؤية. من المفترض أن آراء ومواقف النقاد ليست بعيدة عن المطالب الشركسية الأساسية. وعلى كل حال، فإن المنطق يقتضي إجراء حوار وتواصل وصراحة لتوضيح المواقف، خاصة لمن ليس على دراية بطبيعة الإجراءات المتخذة، وأنا على يقين من أن وراء الأكمة ما وراءها. فالفطرة السليمة تقتضي احتواء أي سوء تفاهم بدلا من تضخيمها، لأن النشطاء الشركس، في جميع أماكن تواجدهم، يهتمون بعدم خلق المشاكل والاضطرابات لأنفسهم، لأن ذلك يسيء إليهم جميعًا على حد سواء.
الخاتمة
سوف تنتصر شعوب وأمم القوقاز المحبة للحرية وتتحرر لأنها تدافع عن بقائها وحقوقها المشروعة. مع الحد الأدنى من الموضوعية، ليس من المستحيل الوصول إلى شكل من أشكال الكونفدرالية عندما تنضج الظروف ليكون هناك نوع من التجمع المتين لعموم القوقاز، على غرار الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال. يجب أن يتم ذلك عندما يصبح من الممكن الاتحاد بين الشعوب الحرة والمستقلة، وبعد إجراء استفتاء للموافقة على هذا المشروع المستقبلي. وبالتالي، سوف يؤدي إلى تعاون مشترك في جميع المجالات، بين شركيسيا والأمم والشركاء الآخرين في القوقاز وخاصة في مجالات الأمن الجماعي والدفاع المشترك.