شركيسيا اليوم التالي: شركيسيا المستقبل
عادل بشقوي
2 أغسطس/آب 2023
المقدمة
على الرغم من أن عنوان محاضرتي هو ”شركيسيا اليوم التالي“، وهو الوقت الذي سيتاح فيه لعشرات الشعوب والأمم من استعادة حقوقها المشروعة من الدولة الروسية، إلا أنه من المناسب أن نتذكر بعض ما حدث في الماضي. ذلك يبين كافة العوامل التي ادت الى تفاقم الأوضاع ووصولها إلى ما هي عليه الآن. ولن يكتمل الموضوع إذا لم يتم التطرق بإيجاز إلى حقيقة ما حصل.
الموقع والخلفية
شركيسيا هي مهد لحضارة قديمة، وتقع في منطقة القوقاز، حيث أن لها تاريخ غني وقديم يعود إلى ”… الألفية الثالثة قبل الميلاد، بثقافة كوبان، والتي تركت بقاياها في عدة آلاف من تلال الدفن، أو مجموعات الكورغان، على سهوب سيسكوكاسيا (Ciscaucasia)“.[1] وبالتالي، نجد أن ”لشركيسيا تاريخ مؤكد يمتد لأكثر من ستة آلاف عام، وقد ساهمت باستمرار وإيجابية للبشرية. نشأت الحضارة والثقافة الشركسية في شمال–غرب القفقاس وظلت قائمة لفترة طويلة. تقع شركيسيا داخل هضبة القفقاس وتعتبر حاجزًا طبيعيًا. تحتوي على جبل إلبروس (Mount Elbrus)، وهي أعلى قمة في أوروبا، بارتفاع 18510 قدمًا فوق مستوى سطح البحر“.[2] امتد الساحل الشركسي على البحر الأسود ما يقرب من 300 كم، من أنابا (Anapa) في الشمال الغربي إلى أدلر (Adler) في الجنوب الشرقي، والذي يشمل مدنًا مثل طوابسة (Tuapse) وسوجوك كالا (Sujuk-Kale) وسوتشي (Sochi).
المؤامرة والارهاب
وجدت الإمبراطورية الروسية متسعًا من الوقت والأصدقاء المخلصين الذين ملأوا تطلعاتها بقدرات من شأنها أن تساعد في الحصول على أراضي وأوطان الشعوب الأخرى وفقًا لمخططات إمبرياليّة، لتعزيز الاستعمار والاستيطان لمواطنيها ومرتزقتها. فقد جعلت سخرية القدر الشعوب المقهورة تابعة لإمبراطورية كان هاجسها الوحيد هو الاستيلاء على أوطان ومقدّرات هذه الشعوب والأمم مهما كان الثمن.
”كان الاحتلال والضم العسكري الروسي بعد 21 مايو/أيار 1864 مقدمة لحذف شركيسيا من خريطة المنطقة. أرادت الإمبراطورية الروسية الاستيلاء على شركيسيا بدون الشركس. لقد أبادوا أو شردوا جميع السُّكان، إما إلى ما وراء نهر كوبان (10٪ من السكان) أو إلى الإمبراطورية العثمانية (90٪ منهم)“.[3] تم التوثيق بأن ”الإبادة الجماعية التي ارتكبتها روسيا القيصرية ضد الأمة الشركسية في القرن التاسع عشر كانت أكبر إبادة جماعية اقْتُرِفت في القرن التاسع عشر“.[4]
اللغة والثقافة
بسبب حقيقة أن الشركس الأُصلاء منتشرون في عشرات البلدان، وحقيقة أن الشركس الذين يعيشون في وطنهم الأصلي، مقسمون إلى عدة كيانات إدارية غير متجاورة، فإن لغتهم وبقائهم مهددون حتما بالفناء. فيما يتعلق باللغة والثقافة الشركسية، ”حددت اليونسكو (UNESCO) اللغة الشركسية كواحدة من اللغات في شمال القوقاز {المعرضة لخطر الاختفاء التام في العقود القليلة القادمة} نظرًا للعدد المنخفض بالفعل للأشخاص الذين يتحدثون بها في تلك المنطقة، وانقسام المجتمع، وانعدام استخدام اللغة الشركسية في المدارس والأماكن العامة الأخرى“.[5]
غزو أوكرانيا يكرر اللعبة المعتادة
بدأت المرحلة الأولى من الحرب في شهر فبراير/شباط 2014، بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، في وقت لم تكن أوكرانيا مستعدة للحرب، وذلك لاحتلال شبه جزيرة القرم. استخدمت روسيا حربًا هجينة بقوات من دون أي علامات فارقة تُعرِّف بها. هذا يندرج في نطاق انتهاك قوانين الحرب المتعارف عليها، وكأنها حرب عصابات. كما أنهم طبقوا ضمًا مدروسًا بشكل جيد حسب خطة روسيا. كذلك تم تطوير ونشر قوات متمردة في جنوب شرق أوكرانيا. وأعلن المتمردون المدعومون من روسيا إنشاء جمهوريتين انفصاليتين في دونيتسك (Donetsk) ولوهانسك (Luhansk)، أعقب ذلك اعتراف روسيا بهما كجمهوريتين مستقلتين.
استهدف الغزو الروسي المفاجئ وغير المبرر لأوكرانيا (المرحلة الثانية)، في شهر فبراير/شباط 2022 احتلال وضم أجزاء من الدولة الأوكرانية ذات السيادة. فالاجتياح غير المبرر وحشي وقاس، ويوصف بأنه حرب إبادة. هذا ليس سوى تكرار لما فعلته وما زالت تفعله الأنظمة الروسية المتعاقبة منذ إيفان الرهيب حتى يومنا هذا. وفي القرن التاسع عشر، تعرّض وطني الأصلي شركيسيا، بالإضافة إلى الشيشان وداغستان وأمم أخرى في منطقة القفقاس وما وراءها، للغزو والإحتلال والضم من قبل الإمبراطورية الروسية بعد حروب عدوانية طويلة تميّزت بالإضطهاد والإبادة. وأسفر ذلك عن مآسي وفظائع ما زالت تداعياتها واضحة حتى يومنا هذا. كان ذلك لأغراض استعمارية وإمبريالية بحتة، في حين أن الدين ليس له علاقة بالأمر.
سيبزغ فجر الحرية من جديد
في بداية القرن العشرين، تم التغاضي عن مساعي الحكومة السوفيتية الفتية في حينه لمنح القوميات المختلفة حق تقرير المصير. لم تكن وعودهم البراقة سوى انها أروع من أن تصدق. ”بعد وفاة لينين، مع ترسيخ البيروقراطية الستالينية والقضاء الفعلي على المعارضة، عادت الدولة السوفيتية إلى السياسات القومية الصارمة التي حرمت القوميات الأخرى من حق الانفصال، حيث كشفت عن القطيعة الكاملة بين البيروقراطية الستالينية وماركس، الذي قاس نوعيّة الاشتراكيين في القوميّات المضطَهِدة لموقفهم تجاه القوميات المضْطَهدة“.[6] اتّسم النظام بالاستبداد والدكتاتوريّة وحتّى بالفاشية، بينما ظلت الشعوب والأمم تعتبر مواطنين من الدرجة الثانية.
معاهدة أدريانوبل (أدرنة)
كانت المنصة التي تم إطلاق أدوات الشر منها، وتحديداً بعد توقيع وتنفيذ معاهدة أدريانوبل (أدرنة) سيّئة الذكر في عام 1829 بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية. ومع ذلك، فإن الإمبراطورية العثمانية أو تركيا لم يسيطروا أبدًا على شركيسيا، وبالأحرى فإن الشركس لم يكونوا أبدًا مواطنين أتراك.”معاهدة أدريانوبل (Adrianople) التي تم التوقيع عليها في شهر سبتمبر/أيلول 1829، بموجب ميثاق أنهى الحرب الروسية التركية 1828 – 1829، الموقع في أدرنة (قديما أدريانوبل)، في تركيا؛ عززت الموقف الروسي في أوروبا الشرقية وأضعفت الإمبراطورية العثمانية. أنذرت المعاهدة باعتماد الإمبراطورية العثمانية في المستقبل على توازن القوى الأوروبي، كما أنذرت بتفكك أوصال ممتلكاتها في نهاية المطاف في البلقان“.[7]
لم يعلنوا الولاء والطاعة للباب العالي، الذي وللأسف، استغل تعاطف الشركس معه ومع الإمبراطورية العثمانية لاستخدامهم كطُعم أو سلعة لتبادل المصالح. أعطى هذا الضوء الأخضر للقضاء على الشركس تمامًا، وذلك من خلال التعاون والتآمر مع الإمبراطورية الروسية التي ليس لها أي جذور عرفية أو ثقافية أو غيرها في شركيسيا أو القفقاس. أجاز ذلك لروسيا بالوصول إلى ساحل وأراضي البحر الأسود، مما سمح بالاستحواذ على شركيسيا وبالتالي منطقة القفقاس بأكملها.
الخاتمة
مما لا شك فيه أن الحرمان من الحرية خلق اضطهادًا وتقييدًا للحقوق. فمهما طال استمرار الاحتلال والضم وتقييد الحريات والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، فإن فجر الحرية سوف يبزغ من جديد. يجب أن تكون شركيسيا المستقبلية جزءًا من منطقة القوقاز التي تنتمي إليها. ومع ذلك، يجب اتخاذ بعض الخطوات الأساسية حتى يصبح ذلك ممكنًا وفقًا للقوانين والأعراف الدولية. وأهمها الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال وحريتهم في الإختيار.
******************
المراجع
[1] https://www.britannica.com/topic/Kuban-culture
[2] Circassia: Born to be free, Adel Bashqawi
[3] Circassia: Born to be free, Adel Bashqawi
[4] http://users.jyu.fi/~aphamala/pe/issue2/circass.htm
[5] http://windowoneurasia2.blogspot.com/2016/12/can-circassian-language-and-people-who.html
[6] https://www.leftvoice.org/the-russian-revolution-and-national-self-determination/