النرجسية وتاثيرها على المشهد العام

النرجسية وتاثيرها على المشهد العام

عادل بشقوي

10 يوليو/تموز 2023

https://goodmenproject.com/

يقول المثل الصيني،خير مرآة ترى فيها نفسك، هو عملك“. وينطبق ذلك على أولئك الذين يتحلون بالاستقامة والاعتدال وحسن الخلق والعمل وكذلك النطق السليم. إنهم من الذين لا يتخلون عن مبادئهم السامية والعادات والتقاليد التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. إنّهُم يعكسون فكرة حسنة عن شعبهم وأمتهم. فهم الذينيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر“.

ما هو المنكر؟

إنّهُ يتعلّق بالتصرفات الرعناء الخاطئة والخبث وارتكاب الآثام، التي يمارسها أولئك الّذين يعانون من اضطراب الشخصية، والأنانية والنرجسية، التي لا يتّصِف بها أو يُقْدم على ارتكابها اصحاب الخلق الرفيع والمبادئ الإنسانية التي لا يجوز تجاوزها او الالتفاف عليها.

بل على العكس من ذلك تماما، إنها صفة غريزية مغروسة في نفوس بعض الأشخاص من ضعاف النفوس الذين يتاثرون بالأطماع الأنانية بقصد الحصول على الجاه والمال والسلطة. ذلك يعطي دلالة بأن هناك ساديين ابتليت بهم الأمة، ويعملون ليل نهار من اجل اعادة توجيه المسار بعكس الاتجاه الواضح، نحو أهداف غير شفّافة وتتناقض مع استرداد الحقوق الشركسية المشروعة. قال سقراط الحكيم: ”راحة الحُكماء في وجود الحق .. وراحة السُّفهاء في وجود الباطل“.

الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا

أدركت الدول الأوروبيّة ممثّلة بالجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، وتفهّمَتْ بالطريقة الصعبة وبالتجارب البشعة والمرعبة ما حصل لعشرات الشعوب والأمم الأصلية من قبل الدولة الروسية الاستعمارية. فقد تم اجتياح واحتلال أوطانها وانتُهِكَتْ حرماتها، وأُبيدت وهُجِّرت شعوبها، وتعرضت للضياع والانصهار، وضُمّتْ أوطانها إلى كيان استعماري قل مثيله في التاريخ.

كان كل ذلك من قبل قوات الغزو القيصرية والامبراطورية الروسية منذ عهد أمير موسكو الكبير ايفان الرهيب، وعبر انظمة الحكم والطُّغَم الحاكمة المتعاقبة التي تضمّنتْ أيضًا الاتحاد السوفياتي وصولا للفيدرالية الروسية في الوقت الحاضر. وفي مسألة ذات صلة،في اجتماعها في فانكوفر في كندا، أعلنت الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) أن روسيا دولة {إمبريالية واستعمارية عدوانيّة} تهدد الشعوب المتواجدة داخل حدود روسيا وتلك المتواجدة ما وراء حدودها“.[1]

القضية الشركسية

وعندما تكون هناك مشكلة يصعب حلها، كالقضية الشركسية، يجب استخدام مهارة المعرفة في اتخاذ القرار الصائب والملائم في الوقت المناسب لمعالجة ما يمكن علاجه. ويجب أن تكون القرارات مؤثِّرة وتتناسب مع أهمية القضية المراد بحثها أو حلها، وارتباطها بالواقع المعاش وبالتطورات الدولية والإقليمية التي لا تحتمل تغييب الامة المنكوبة عن الواقع لعقود أو قرون تجعل حل القضية أقرب الى المستحيل.

في هذا المثال، لا بد من الاعتماد اولا وأخيرا على ادارة موارد أو عناصر الصراع غير المتكافئ بين دولة استعمارية تغزو وتعتدي وتستحوذ على جيرانها من الأمم والشعوب من جانب، وبين الأُمّة الشركسية العريقة عميقة الجذور المنتمية إلى وطنها الواقع في شمالغرب القفقاس والتي شُرِّد شعبها بين الوطن والشتات المكون من حوالي خمسين دولة حول العالم لأكثر من 159 سنة حتّى الآن من جانب آخر.

فلكي تخرج الأمور من عنق الزجاجة، وتُتّخذ القرارات الصّائبة من قبل المؤهلين لذلك، وفق تسلسل منطقي ومنهجي، لا بد من الحصول على آراء سديدة ونتائج دراسات تعرف حق المعرفة المشاكل الاساسية التي يجب بحثها ومعالجتها. بالتالي يتم اهمال غير المناسب منها.

إن اكثر ما تبتلى به الشعوب والأمم هو تصرفات اشخاص فرضوا انفسهم قيّمين على ابناء جلدتهم دون تفويض صريح من أحد، وبمسميات غير حقيقية لمؤسسات هي بعيدة كل البعد عن آفاق حل القضية الشركسية واستعادة الحقوق المنهوبة والمصادرة، تحت ظروف لا تحتمل التمهل أكثر من ذلك. كفى سباتا عميقا وسكوتا عن الحق وحتى الوقوف أحيانًا الى جانب الباطل.

ومن المحزن حقًا أن تنتج بعض المآسي والمفاجآت غير السعيدة في خضم تورط روسيا في المستنقع الأوكراني. إنّهُ لا يمكن التسامح مع ما حصدته عائلات الشعوب غير الروسية من ويلات حرب دموية غير مبررة. فهذه الشعوب لا علاقة لها بهذه الحرب المجنونة الطائشة. في هذا الإطار، صرّحت امرأة شركسية من موزدوك (Mozdok) في جمهورية أوسيتيا الشمالية، في مقابلة بالفيديو نُشرت في يناير/كانون الثاني 2023، أنمائة شاب شركسي من موزدوك، تم تجنيدهم في الجيش الروسي وإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا، قُتلوا (للأسف) بعد أن حوصروا في أحد المواقع العسكرية“. [2] وأضافت هذه الأم الشركسية أنها تطالب بإعادة جثمان ابنها لإقامة جنازة له في وطنه.

الحق والباطل

فما معنى أن يقوم بعض المنظّرين في الشتات على سبيل المثال بمحاولة المساس بتنظيمات شركسية وافراد من الشركس لا يُعرف عنهم الا انهم فخورين بأمتهم ووطنهم، وذنبهم الوحيد أنّهُم عقدوا العزم على اتخاذ القرارات والإجراءات والخطوات العلنية التي ارتأوا انها مناسبة، والمشاركة الفعلية سواء عن بعد أو شخصيًا في مخاطبة مؤتمرات وفعاليات محلية وإقليمية ودولية والتنسيق مع كل من له اهتمام باستعادة الامة الشركسية لحقوقها المشروعة.

علما بأن الطرف الآخر، الذي تمثله الدولة الروسية، إذا أراد هذا الطّرف حلاً، فإن أقصر الطرق هو الإعلان عن النوايا علنًا، حيث كان من الممكن أن يتم ذلك منذ فترة طويلة. ومع ذلك، فقد أثبتت الدولة الروسية عدم رغبتها في الاستماع إلى لغة العقل والجلوس مع الشركس على طاولة الحوار الجاد، الذي سيقدم الحل المناسب، والذي يتطلب اعترافًا بالإبادة الجماعية التي اقترفت، ثم اعتذارًا عنها، وتقديم التعويضات المناسبة، وإنهاء الإحتلال، وعودة المُهجّرين إلى وطنهم بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية [3]، وحق تقرير المصير الذي لا يسقط بالتقادم وفقًا للقوانين والأعراف الدولية.

فقد تم اطلاع العالم على تطورات القضية الشركسية منذ غزو الإمبراطورية الروسية وخوضها حربا دفاعية دامت 101 سنة انتهت في 21 مايو/أيار 1864، ما ادى الى ابادة نصف الأمة وتهجير 90٪ من الباقي الى الدولة العثمانية، حيث تفرقوا فيما بعد في دول عديدة بعد انهيار الدولة العثمانية وتاسيس الجمهورية التركية في عام 1923.

الخاتمة

لقد أثبتت الدولة الروسية، ما بعد يلتسين وللآن، أن حكام الاتحاد السوفياتي لم يكونوا أفضل حالًا من سابقيهم ولاحقيهم. بل كانوا جميعًا على نفس القدر من القسوة، في إنكار الحقوق، وإساءة المعاملة والتجاهل المطلق للحقوق الشركسية المغتصبة. ويقينا، لن يغير ذلك سوى العمل الجدي وفقا لخطة عمل تقوم على أساس تحضير ملف قانوني لتقديمه الى الأطراف الدولية الفاعلة التي ستنظر في القضية برمتها وفقا للقوانين ذات العلاقة.

المراجع

[1] (https://windowoneurasia2.blogspot.com/2023/07/osces-parliamentary-assembly-declares.html?fbclid=IwAR1wpl0wN27-UQjJw9JUKdgwGlSQo6-9-nKoilWJi5LuD9rCnMrM-wzSwBs)

[2] (https://fb.watch/lHbcurZiR8/)

[3] (https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights)

Share Button