إعادة انتخاب فلاديمير بوتين الحتمية

إعادة انتخاب فلاديمير بوتين الحتمية

عادل بشقوي

24 مارس/آذار 2024


https://cartoonmovement.com/cartoon/elections-russia

بالتوازي مع جحيم الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا المجاورة منذ 24 فبراير/شباط 2022، لم يكن من المستحيل المعرفة مسبقاً من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في روسيا، في الفترة من 15 إلى 17 مارس/آذار 2024. فقد جاءت نتائج الانتخابات غير مفاجئة. وهكذا، وبناء على ما سبق، يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد سحق كل معارضيه. وتفوق على كل من ترشح للانتخابات الروسية سواء في الماضي أو الحاضر.

وسواء شئنا أم أبينا، لا بد من تسليط الضوء والتطرق إلى هذا الحدث غير المسبوق، الذي نادراً ما نشاهده في عصرنا الحالي. حيثتعني النتيجة أن بوتين (71 عاما) من المقرر أن يبدأ فترة ولاية جديدة مدتها ست سنوات، والتي ستشهد تفوقه على جوزيف ستالين ليصبح الزعيم الأطول خدمة في روسيا منذ أكثر من 200 عام إذا أكملها“. [1]

وفيما يلي نبين فترات الحكم والمناصب التي شغلها الرئيس الروسي الحالي منذ عام 2000 وحتى الآن:

فترتان مدة كل منهما أربع سنوات كرئيس 2000-2008

فترة ولاية واحدة لمدة أربع سنوات كرئيس للوزراء 2008-2012

فترتان مدة كل منهما ست سنوات كرئيس من 1012 إلى 2024

وأخيرا، فترة ولاية أخرى مدتها 6 سنوات كرئيس اعتبارًا من عام 2024

ولو كان الأمر يتعلق بشعب معين فقط لكان الوضع مقبولا. ومن الضروري أن يكون لكل شعب الحرية المطلقة في انتخاب حاكمه وبالتالي الموافقة على الانتخابات أو التغاضي عن الأخطاء. ومع ذلك، فإن ذلك يتعلق بالشعوب والأمم التي لا تنتمي إلى إثنية السلاف الشرقيين الروس؛ لكن تحكمهم الدولة الروسية، في حين يجب عليهم ممارسة حقهم في تقرير المصير، وهو حق الشعوب في اختيار مستقبلها، الذي هو حق غير قابل للتصرف.

فقدفاز بوتين بنسبة 87.8% من الأصوات، وهي أعلى نتيجة على الإطلاق في تاريخ روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، وفقا لاستطلاع آراء الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم أجرته مؤسسة الرأي العام (FOM). وقد منح مركز أبحاث الرأي العام الروسي (VCIOM) بوتين نسبة 87% من الأصوات. وأشارت النتائج الرسمية الأولى إلى دقة الاستطلاعات. وقالت الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة ودول أخرى إن التصويت لم يكن حراً ولا نزيهاً بسبب سجن المعارضين السياسيين والرقابة.“ [2]

لم تختلف الانتخابات التي أجريت مؤخرا في روسيا الاتحادية، خلال شهر مارس/آذار الحالي، عن الانتخابات السابقة التي أجريت منذ عام 2000. فقد تم تهميش أو إقصاء المرشحين المحتملين الذين كان من الممكن أن يكونوا المنافسين الرئيسيين لمرشح السلطة الحاكمة فلاديمير بوتين. ويشار إلى أن الأجهزة والخدمات الأمنية المتنفذة دأبت على استخدام سلطتها ونفوذها للتأثير على سير عملية الترشيح والانتخابات. ”لقد قضى بوتين على جميع منافسيه الأكثر أهمية، مما عزز قبضته على السلطةكما كان متوقعا، فقد فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولايته الخامسة في منصبه الرئاسي، بعد حملة تم فيها منع جميع منافسيه الرئيسيين من الترشح أو التعرض للسجن أو الموت“. [3]

ومثل أي نظام استبدادي، تتسم القوانين الانتخابية بالمرونة وقابلية التكيُّف، حيث يتم تغييرها باستمرار لتناسب مرشح السلطة، الذي يتبين أنه يطمح إلى البقاء على رأس هرم السلطة مدى الحياة. وعندما كان لا يجوز الترشح للرئاسة أكثر من مرتين متتاليتين، تم التحايل على هذا القانون عندما أصبح فلاديمير بوتين رئيساً للوزراء لفترة رئاسية واحدة. وبعد ذلك ترشح مرة أخرى للرئاسة، وضمن فيها الفوز والنجاح. ثم تم تعديل قانون الانتخابات. بناء على ذلك، تم زيادة مدة كل فترة رئاسية إلى ست سنوات، ولم يقتصر الترشح على فترتين رئاسيتين فقط.

حتى قبل أن تبدأ ولايته الخامسة، سيكون بوتين بالفعل الزعيم الروسي الأطول خدمة منذ سيء الذكر، الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين. وإذا أمضى كامل فترة ولايته التي تبلغ ست سنوات، فسوف يتفوق على جوزيف ستالين وسيكون في السباق التالي مع كاثرين الثانية ثم ربما في نهاية المطاف بطرس الأكبروهما حاكمان سعى بوتين إلى تقليد قوتهما الإمبراطورية في غزوه لأوكرانيا. وغيرها من الأراضي السوفيتية والإمبراطورية السابقة“. [4]


تأثير التقييم الخاطئ

لقد ظنوا أن فلاديمير بوتين هو المنقذ والصديق الحقيقي للغرب الذي تمكن من تغيير جلده ليتناسب مع نرجسيته. لقد نظروا إليه على أنه بطل خارق سيتبع السياسة الغربية من دون تردد.

لقد أوجد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) مبررًا لشن حرب إجرامية ضد الشيشان. وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الجهاز، وباعتراف شهود عيان، من بينهم أحد ضباط الجهاز، وهو أيضاً ضابط سابق في الكي جي بي (KGB)، تسبّب في انفجارات في مدن روسية. فقد وُضعت متفجرات، ونُفِّذت أنشطة مشبوهة في مدن روسية في هذا الصّدد.

بالتأكيد، لقد أثبت الزمن أن بوتين خيب آمال كل من وضعوا ثقتهم فيه، حيث اعتقدوا أنه سيكون كما أرادوه، مختلفاً عن حكام روسيا الشيوعيين السابقين والمتعاقبين، حتى لو أثبت ذلك من خلال الدوس على جماجم وأجساد الضحايا الأبرياء. وهكذا كانت النتيجة الحتمية تدمير الشيشان تدميراً كاملاً للمرة الثانية خلال سنوات قليلة، خاصة مدنها وبلداتها، حيث قُتل و/أو تشرّد مئات الآلاف من المدنيين.

وخلال السنوات اللاحقة من حكم فلاديمير بوتين، قام بالتشبث بالمقعد الرئاسي إلى درجة تغيير القوانين المتعلقة بالانتخابات وتكييفها بما يمكنه من البقاء في السلطة مدى الحياة.

ناهيك عن إشعال فتيل الحرب ضد أوكرانيا، سواء عند احتلال شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمها إلى الدولة الروسية في سنة 2014، أو الحرب الشاملة التي أُعلنت على أوكرانيا في سنة 2022، والتي لا تزال مشتعلة حتى الآن. ومن الملاحظ أن هدفها هو الاستيلاء والسيطرة على أراضي دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة.


رفض الأمر الواقع

وإذا افترضنا أن أبناء العرقية السلافية  الروسية موافقون على ما يحدث من احتكار نظام الحكم في يد شخص واحد يمسك بزمام السلطة ويوزعها حسب أفضليات المقربين من السلطات الحاكمة، فإن الحقيقة تشير إلى أن هناك شعوب وأمم مغلوب عل أمرها وعاجزة، والتي هي لم تقرر ولم توافق على الانضمام طوعًا إلى ما يسمى بالفيدرالية الإسميّة. كل ذلك حدث وما زال قائماً بسبب تعمق الحكم الاستبدادي.

معظم الحكام المستبدينينتهجون استراتيجية لتقويض الديمقراطية من خطوتين: أولا، جعل الأقليات التي لا حول لها ولا قوّة كبش فداء وبالتالي، شيطنتها من أجل بناء الدعم الشعبي؛ ومن ثم، إضعاف الضوابط والتوازنات على السلطة الحكومية اللازمة للحفاظ على حقوق الإنسان وسيادة القانون، مثل القضاء المستقل، ووسائل الإعلام الحرة، والجماعات المدنية النشطة“. [5]

وهذا حدث نادرًا ما يحدث، وبالتالي يحدث في أكبر دولة استعمارية في العالم اليوم. لقد أثبتت الأكاذيب ومفاهيم التشدق أن الغزاة يفتقرون إلى الخصائص الحضارية في التعامل مع المواطنين من أصول غير روسيّة. وتجسد الجرائم المكشوفة وفق هندسة الإبادة تأثيرها على أبناء الأوطان المغتصبة البائسين.

هذا النوع من النظام الحاكم، أثر على شركيسيا والأمة الشركسية. وكذلك على شعوب وأمم شمال القفقاس وخارجها، التي تم التحكم في مقدراتها ومصيرها منذ الغزو والاحتلال. لقد تم الضم القسري والأحادي للدولة الروسية منذ فرض الحكم العسكري في بداية الإحتلال ثم تحول إلى إنشاء إدارات استعمارية للسيطرة على حاضرها ومستقبلها. علمًا بأن الأوصاف التي تطلق على الفيدرالية تتناقض مع الواقع. والحقيقة هي أن الشعوب والأمم المضطهدة غارقة. ولم يقرروا الانضمام إلى ما يسمى بالفدرالية، لأن النظام الاستبدادي في الحكم هو السائد منذ نظام الإمبراطورية الروسية وللآن.


رأس السنة الشركسية 6233

https://www.facebook.com/A.Jaimoukha/photos/a.321478161229788/1139026542808275/?type=3

في ظل إجراء الانتخابات الروسية ونتائجها، احتفلت إحدى الشعوب الأصلية المستعمرة بالعام الشركسي الجديد في 20 مارس/آذار. وصادف هذا اليوم في سنة 2024 ميلادية يوم 20 مارس/آذار، وهو اليوم الذي تساوت فيه ساعات الليل والنهار، مع بداية فصل الربيع. ويدل الاحتفال بيوم رأس السنة الشركسية على وجود الأمة وطول عمرها وأصالتها وتراثها المميز وعمق جذورها في وطنها الواقع في شمال غرب القفقاس.

والمرجع الذي يشير اليه هذا الاحتفال هو سنة 4209 ق.م. كان الشركس ينشغلون لمدة ثلاثة أيام للإحتفال وللصلاة والعبادة. وكانوا يعبدون النجوم والشمس والقمر والأنهار والأشجار وغيرها من الظواهر الطبيعية. وأدُّوا الصلوات ليأتيهم موسم يجلب لهم الغلال من الحبوب والمحاصيل الزراعية. وكانوا يمارسون الطقوس الروحية التي سبقت الديانات السماوية.

وكانوا يقدمون القرابين وفق طقوس معينة ويقدمون أطباق المأكولات الشعبية. واعتبروا هذه المناسبة بداية دورة حياة جديدة. وقاموا بعزف الموسيقى، وأداء الغناء والرقص الشعبي، وغيرها من الأنشطة الثقافية، مثل الفنون المسرحية، وارتداء أزيائهم القومية، وعرض مصنوعاتهم اليدوية.

وتتزامن السنة الشركسية الجديدة 6233 مع الاعتدال الربيعي الذي حدث يوم الأربعاء الموافق 20 مارس/آذار 2024. وعندما يتساوى الليل والنهار، تتساوى أيضًا ساعات الليل والنهار. ويجسد مهرجان يعقد في جمهورية أديغيا (Adygea) ”الاحتفالات والألعاب والطقوس القديمة المرتبطة باليوم الميمون. وتقوم جمهورية أديغيا الرسمية بغرس العادات والمعتقدات الأصلية القديمة في الأجيال الجديدة لزيادة وتعزيز وعيهم وهويتهم القومية“. [6]

وفي الوقت الحاضر،تساعد السنة الشركسية الجديدة على توحيد الشعب. قبل عشر سنوات أصبح من الواضح أن الأطفال لا يعرفون لغتهم الأم ولا التقاليد الشركسيةللتأكيد على أن هذا العيد الآن قد وحّد جميع الجمهوريات الشركسية. تنظم كل قرية مسيرة بالمشاعل، يرأسها أحد شيوخ القرية الذي يصلي من أجل حصاد جيد. ويتجول شباب يرتدون الأزياء القومية في الساحات وقاموا بأداء الترانيم والرقصات وفق الطقوس المعتادة“. [7]


الخاتمة

في النهاية، لا مفر من تسمية الأشياء بمسمياتها، وتحديد أو وصف الواقع أو التأثير أو المعنى بدقة. ليس هناك ما هو صحيح إلا الشيء الصحيح الذي يحتاج إلى التحقق منه وإثباته. وعليه، يجب معالجة الأمور التي تم التغاضي عنها أو التحايل عليها. إن سياسات القتل والتدمير والإبادة غير المتحضرة ينبغي أن تكون سياسات وسلوكيات الماضي. إن كافة الشعوب والأمم تتوق إلى الحرية وحق تقرير المصير الذي يؤدي إلى حرية الاختيار والاستقلال. ”الحظ الجيد هو ما يحدث عندما تلتقي الفرصة بالتخطيط.“ – توماس أديسون

************************

المراجع

[1]

https://www.reuters.com/world/europe/russias-presidential-vote-starts-final-day-with-accusations-kyiv-sabotage-2024-03-17/

[2]

https://www.reuters.com/world/europe/russias-presidential-vote-starts-final-day-with-accusations-kyiv-sabotage-2024-03-17/

[3]

https://www.vox.com/world-politics/2024/3/18/24104857/putins-russia-elections-2024-results-navalny

[4]

https://www.vox.com/world-politics/2024/3/18/24104857/putins-russia-elections-2024-results-navalny

[5]

https://www.hrw.org/world-report/2019/country-chapters/global

[6]

https://www.facebook.com/A.Jaimoukha/photos/a.321478161229788/1139026542808275/?type=3

[7]

https://eng.kavkaz-uzel.eu/articles/55020

Share Button