قد تكون الخطوات الأخيرة هي الأصعب: الشراكسة على وشك تحقيق الاستقلال

الثلاثاء 8 أغسطس/آب 2023

قد تكون الخطوات الأخيرة هي الأصعب: الشراكسة على وشك تحقيق الاستقلال


قد تكون الخطوات الأخيرة هي الأصعب: الشراكسة على وشك تحقيق الاستقلال

بول غوبل (Paul Goble)

نافذة على أوراسيا

الملاحظات المعدة للمؤتمر الدولي حول شركيسيا المستقلة

اسطنبول، 5 أغسطس/آب 2023

يقال إن المهاتما غاندي قال بأن خصوم الحركات القومية يتجاهلون هذه الأخيرة أولاً، ثم يسخرون منها، ثم يهاجمونها، وفي النهاية يستسلمون لها. فيمكن تحديث تعليق الزعيم الهندي لروسيا بوتين والنهج الذي تبناه الكرملين ضد الشركس: أولاً، تجاهلت تحركاتهم؛ ثم هاجمتهم واخترقتهم. وأخيرًا اعتقلت البعض منهم وأجبرت آخرين على الهجرة، بل ونظّمت اجتماعات ومجموعات موازية لإرباك الوضع. يجب على الشركس أن يُضعفوا هجمات موسكو الكاسحة عليهم كوسام شرف لأنهم يعكسون قوة حركتهم ومخاوف خصومهم الإمبرياليين ولأن ما تفعله موسكو يضمن أن النتيجة النهائية ستكون كما توقع غاندي: استعادة شركيسيا مستقلة. هذه هي الأخبار السارة وينبغي الاحتفاء بهافي الواقع عنوان هذا المؤتمر هو مقياس لمدى تقدير الشركس لما حقّقوهولكن في الوقت نفسه، من شبه المؤكد أن الأسابيع والأشهر القادمة ستشهد تحركات موسكو الجديدة ضد الشركس في الوطن وفي الشتات الذي سيثبط عزيمة البعض وربما يقود البعض الآخر إلى اتخاذ قرار بتأجيل القيام بأي مسعى نهائي لتحقيق الاستقلال.

يحتاج الشركس وأنصارهم إلى وضع خمسة أشياء في الاعتبار، بينما يواصلون جهودهم لتحقيق شركيسيا مستقلة والاستجابة لما هو مؤكد أنه سيزيد من استخدام الكرملين لقواته البوليسية ووكالاته الأمنية ضد أمتهم:

أولاً، الشركس في وضع فريد من نوعه تقريبًا لمعارضة موسكو لأن لديهم عددًا كبيرًا من الأشخاص المتشددين بشكل متزايد في موطنهم في شمال القوقاز وعدد أكبر من الأشخاص الواعين قومياً في الشتات. وعلى مدى العقد الماضي، تعلموا الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي بطرق تعني أن تصرفات أحدهما تعزز موقف الآخر وأن تحركات موسكو ضد أحدهما تؤدي إلى خسائر جديدة للإمبراطورية الروسية في الآخر كذلك. وهكذا، على سبيل المثال، عندما تقوم موسكو بقمع النشطاء الشركس في الداخل وتجبرهم على دخول السجن أو الهجرة، فإن هؤلاء الأشخاص لا يفقدون صوتهم بل يمكنهم إضافته إلى المكون الآخر للأمة الشركسية، وهو الأمر الذي لا يعرف المسؤولون الروس كيفية الرد عليه بشكل فعال. بدلاً من ذلك، مثل شخص يقاوم حريق الشحوم بالماء، فإنهم ينشرون الحركة الشركسية بدلاً من إخمادها كما يأملون بوضوح.

ثانيًا، لم يكن للأمة الشركسية حليف مهم مثل أوكرانيا أبدًا. تدرك كييف أن الشركس هم حلفاؤها الطبيعيون في النضال ضد الإمبريالية الروسية لأن المسؤولين الأوكرانيين يدركون أن عدو عدوهم هو قبل كل شيء صديقهم. فكلما تورطت روسيا بشكل أعمق في حربها العدوانية في أوكرانيا، كان ذلك أكثر صحة؛ وكلما زاد الاعتماد على أوكرانيا لدعم الشركس وتطلعاتهم العادلة في الاستقلال. فهذا الدعم وهذا التحالف شيء يجب ألا ينساه أي شركسي.

ثالثًا، وفيما يتعلق بالدور الجديد لأوكرانيا، أدرك المجتمع الدولي الآن أن بوتين وحده ليس هو المشكلة وأن الفيدرالية الروسية ستظل إمبراطورية وستظل تهديدًا دائما للسلام العالمي، ما لم يتم تفكيكها. قبل عامين، كان عدد الأشخاص في عواصم الغرب الذين كانوا على استعداد لقول ذلك عددهم قليل. ولكن، في عواصم العالم الآن، أصبحت هناكفهم  أرضية مشتركة بين المحللين وصانعي السياسات الأكثر عمقًا بالتفكير. وهذا يعني أن الشركس لديهم حلفاء إضافيون في قضيتهم، وهو ما لم يتوقعوه بالتأكيد قبل فبراير/شباط 2022 عندما بدأ بوتين غزوه الموسع لأوكرانيا.

رابعًا، الشركس ليسوا وحدهم داخل روسيا. فلديهم حلفاء أكثر مما يمكنهم الاعتماد عليه. لا يقتصر الأمر على اهتمام معظم الأمم غير الروسية أو حتى الالتزام بتحقيق الاستقلال أو على الأقل اتحاد جديد يساعدون في تحديده بدلاً من الاستمرار في العيش تحت رعاية موسكو، ولكن العديد من المناطق ذات الإثنية الروسية التاريخية تشترك في هذه المعتقدات. وإذا اعترف الغرب بأن روسيا إمبراطورية تعتبر هي المشكلة، فإن شعوب روسيا الواقعة خارج الطريق الدائري للعاصمة الروسية تعلم أن المشكلة تكمن في موسكو وإمبراطوريتها وأنه لا يمكن أن يكون لديهم مستقبل أفضل إلا إذا لم تعد موسكو في وضع يسمح لها بحكمهم.

خامساًوربما يكون هذا هو العامل الأهم على الإطلاقيقترب نظام بوتين من نهايته. إنّ مبتدعه يتقدم في السن وقد دمر معظم إن لم يكن كل مؤسسات الدولة الروسية. ونتيجة لذلك، يرتكب أخطاءً أكثر من أي وقت مضى لأنه لن يستمع إلى أي شخص ولا يمكن لأي شخص قريب منه أن يظل في هذا المنصب إذا أخبره بالحقيقة. إن حربه في أوكرانيا هي مثال (أ) من هذا السياق؛ لكن سياساته في شمال القوقاز والفولغا الوسطى وسيبيريا وأماكن أخرى تعكس هذه الشيخوخة أيضًا. في الأسابيع والأشهر القادمة، سوف يرتكب المزيد من الأخطاء وستكون جميعها من نوع واحد: استخدام العنف لمحاولة منع الآخرين من الاستحواذ على مستقبلهم، بما في ذلك، وليس بالضرورة أفراد الأمة الشركسية في الداخل والخارج.

سيفترض البعض الذين يفكرون في هذه المسألة أن انتصار الشركس هو شيء يمكنهم فقط انتظاره بينما سيستنتج الآخرون أن النهج الهادئ هو الأفضل لئلا يقوم نظام بوتين باستخدام العنف ضد الشركس وحركتهم. لكن هذين الموقفين لهما نتائج عكسية، الأول لأنه يعني أن الشركس سيتخلون عن كل مزايا الوضع الحاضر؛ والثاني لأنه يمكن أن يمنح موسكو على الأقل بعض الانتصارات المؤقتة التي لا تستحقها. فبدلاً من ذلك، يجب أن يدرك الشركس أنهم بحاجة إلى التصرف والعمل بعناية وبشكل مدروس؛ وهذا يعني أنهم يجب أن يدركوا أنه بينما هم على وشك تحقيق النصر، إلا أنّهُ يمكن انتزاعه منهم إذا لم يتبنوا الاستراتيجيات والتكتيكات الصحيحة. ومن بين الأشياء التي يجب عليهم وضعها في الاعتبار عند اتخاذ قرار بشأن كيفية التصرف ما يلي:

يجب على الشركس أن يضعوا في اعتبارهم دائمًا أنه يمكن أن يفقدوا حلفائهم ما لم يتصرفوا بطرق تجعلهم يقفون إلى جانبهم؛ وسيكون هناك دائمًا أولئك الذين هم على استعداد لاتّخاذ ما يبدو أنه مواقف مبدئية يمكن أن تكلف نفوذ الشركس في كييف وواشنطن وأنقرة وأماكن أخرى. فيجب تجنب ذلك بأي ثمن.

يجب أن يتواصل الشركس باستمرار مع الأمم الأخرى غير الروسية وأولئك المتواجدين في الأقاليم الروسية. وسيكون هؤلاء الناس هم الأكثر قدرة على مساعدة الشركس في تحقيق غاياتهم. قد لا يحبِّذون كل ما يفعله الشركس، لكن التعاون لا يتطلب إجماعًا وأولئك الذين يطالبون بذلك سوف ينسفون القضية الشركسية.

يجب أن يدرك الشركس مواردهم التي لا نظير لها في وجود عدد هائل من الشتات بالإضافة إلى وجود عدد كبير من السكان في الوطن وأن الإنترنت، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي ستلعب دورًا كبيرًا في كفاحهم لاستعادة أراضيهم.

يجب على الشركس أيضًا أن يدركوا أن الأمة الشركسية لا تزال منقسمة لأسباب تاريخية وأيديولوجية. إلا أن الجهود المبذولة لفرض برنامج واحد على جميع الشركس سوف تأتي بنتائج عكسية. يجب السعي لتحقيق أوسع وحدة ممكنة حتى لو تطلب ذلك أن يتخلى الشركس عن بعض مناصبهم التي يشغلونها بشغف.

وأخيرًا، يجب أن يكون الشركس على دراية بحقيقة أنه كلما اقتربوا من النصر وعانت روسيا من الهزيمة، أصبحت السياسات الروسية الأكثر عنفًا وتخريبًا تجاههم أمرًا مؤكدًا. إنهم بحاجة إلى توخّي الحيطة والحذر وحتى أكثر من ذلك، هو تنبيه المجتمع الدولي إلى هذا الواقع.

إن الإنتصار الشركسي قريب، لكن الخطوات الأخيرة لتحقيقه قد تكون الأصعب. وأنا على ثقة من أن الشركس لديهم القدرة والقيادة للتعامل مع مثل هذه الصعوباتوأن ذلك اليوم ليس بعيدًا عندما نعقد مؤتمرًا ليس حول مستقبل شركيسيا مستقلة، ولكن عن ذلك الأمر كواقع جديد.

ترجمة: عادل بشقوي

8 أغسطس/آب 2023

Share Button