استكشاف رؤية فلاديمير بوتين
عادل بشقوي
12 فبراير/شباط 2024
المقدمة
مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لحرب بوتين المغامِرة ضد أوكرانيا، لفتت انتباهي مقابلة نُشرت في 8 فبراير/شباط 2024، فبدت وكأنها برنامج حواري. في بداية العرض الذي دام أكثر من ساعتين، قال الرئيس الروسي بوتين إنه يحتاج إلى 30 ثانية أو دقيقة واحدة ليعطي إيجازًا قصيرًا عن التاريخ لإعطاء خلفية تاريخية بسيطة، لكن ذلك استغرق أكثر من 15 دقيقة.
وظهر أن الشخص الذي من المفترض أن تجرى معه المقابلة هو الذي يقرر مسارها، ويجيب على الأسئلة التي يطرحها بنفسه من أجل الإجابة عليها. ظهر الرئيس الروسي وكأنّهُ في برج عاجي، والحركة اللاإرادية لساقيه هي بمثابة دليل على اضطراب عصبي.
ملاحظات
— من الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أطلق خطابًا عاجلًا وموسعًا في اتجاه أحادي الجانب إلى الدول الغربية، وبالتالي لمخاطبة الرأي العام بشكل مباشر. ومن الواضح أن المعلق السياسي الأمريكي تاكر كارلسون (Tucker Carlson)، وهو مقدم برامج سابق في قناة فوكس نيوز (Fox News)، كان على استعداد للاستماع إلى الدفاع عن النفس. أُجريت المقابلة في 8 فبراير/شباط 2024، عبر مقابلة تلفزيونية غير مسبوقة في موسكو مع الرئيس الروسي. والمقابلة هي الأولى من نوعها، التي تجريها وسيلة إعلامية أمريكية منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. وتم إذاعة المقابلة على قناة شبكة تاكر كارلسون {Tucker Carlson Network} (TCN) على قناة يوتيوب (YouTube). [1]
-– بالتأكيد كان القصد عمومًا هو مخاطبة الغرب بأفكار سياسية وأحداث تاريخية منحازة، دون انقطاع أو عوائق أو حواجز لأكثر من ساعتين. ويبدو أن سيد الكرملين أراد التحدث مباشرة عبر هذه المنصة ليروي قصصًا وادعاءات خيالية كان من المفترض أن تكون رواية حقيقية.
— أظهر هذا الحدث أن ”كريس والاس (Chris Wallace) من شبكة سي إن إن (CNN) لم يتمكن من إخفاء نفوره من المقابلة السهلة التي أجراها زميله السابق تاكر كارلسون مع الدكتاتور الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع … {ظهر تاكر كارلسون في موسكو لإجراء مقابلة مع فلاديمير بوتين. وقال والاس يوم السبت: ”لقد تبين أنها تبدو أي شيء إلا أنها مقابلة“، كما قال: ”وتحدث بوتين لمدة ساعتين وسبع دقائق بينما جلس تاكر هناك مثل جرو متلهِّف. بين حينٍ وآخر، لكن نادرًا، ما كان يطرح عليه سؤال}“.
— وتابع والاس: ”لكن الأمر الأكثر دلالة مما سأله تاكر هو ما لم يسأل عنه. لا شيء عن سبب غزو بوتين لدولة ذات سيادة، ولا شيء عن استهداف المدنيين، ولا شيء عن جرائم الحرب الروسية. حيث يمكن للمراسل أن يطرح على بوتين سؤالاً صعباً إذا كان يريد إجراء مقابلة حقيقية“. [2]
— وبتحليل رؤية فلاديمير بوتين في إحدى وسائل الإعلام الأمريكية، بدا الأمر وكأنه خطاب موجّه إلى الدول الغربية، يحاول فيه التعبير عن البراءة من تداعيات الحرب المدمرة، التي لم تخلو من القمع الرسمي، الذي تضمن القتل والإبادة والتطهير العرقي والتهجير وما إلى ذلك. وليس من السهل إجراء مثل هذه المقابلة حول موضوعات لم يقم المُحاوِر في المقابلة بالتحضير لها من قبل. كان من الواضح تمامًا أن تاكر كارلسون لم يكن على علم بالأحداث التي رواها فلاديمير بوتين بطريقته الخاصة. وهكذا استمر البرنامج التلفزيوني كما هو موضح في الفيديو.
— وعلى ما يبدو، من بين الانتقادات المنشورة، ”تم إذاعة المقابلة يوم الخميس، وأصبح واضحًا سبب آخر محتمل لاختيار بوتين مضيف قناة فوكس نيوز السابق لإجراء المقابلة التي استمرّت ساعتين. وفي معظم الأوقات، جلس كارلسون في صمت بينما كان بوتين يشرح نظرياته التاريخية المشكوك في صحتها حول أوكرانيا، ويبث شكاواه، ويدفع بنقاط الحوار حسب معيار MAGA (فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) المُصمّمة لجذب جمهور كارلسون الأساسي. [3]
— مع العلم أن رواية الكرملين للتاريخ الروسي قد أُعيد كتابتها وفق أهواء وسيناريوهات مبتكرة. وقد أعادت الطغمة الحاكمة النظر في كافة الأحداث التي وقعت في التاريخ الروسي، منذ عصر المسكوفيين إلى يومنا هذا. وحتى أعمال الإبادة وجرائم الدمار الشامل فقد تم تنقيحها. وتم تطبيق اللمسات والمؤثرات بما يتناسب مع الوضع الحالي.
— وبما أن النية كانت شن حملة دعائية مجانية، فقد انتهز بوتين الفرصة للتحدث علناً بشكل مباشر. وكأنه يقول ذلك باسم مواطنين ينتمون إلى عشرات الشعوب والأمم المستعمرة، الذين يتوقون عموماً إلى الحصول على حريتهم واستقلالهم عندما يحين الوقت المناسب. حيث قال بوتين: ”الأمر سهل للغاية عندما يتعلق الأمر بحماية النفس والأسرة والوطن“. [4]
– وقد أصدرت وزارة الخارجية البولندية ”بيانًا بشأن الأكاذيب العشرة للرئيس فلاديمير بوتين بخصوص بولندا وأوكرانيا والتي لم يصححها تاكر كارلسون“. وتضمن البيان المنشور تصحيحا إلى ”10 من الأكاذيب التي قالها بوتين لجمهور تاكر كارلسون خلال مقابلته“. [5]
— شملت نقاط انتقاد وزارة الخارجية البولندية وضع بولندا خلال الحرب العالمية الثانية وكيف وقعت فريسة بين النازيين والسوفييت. وكذلك علاقات بولندا بشأن حدودها المتداخلة مع أوكرانيا والعلاقة مع حلف شمال الأطلسي. وصحح البيان كلام بوتين حول الارتباط التاريخي بين روسيا وأوكرانيا وكذلك أطماع روسيا الحالية في أوكرانيا وأراضيها.
الخاتمة
إن خلط الأوراق أمر غير مستساغ بالنسبة لرئيس دولة تعتبر نفسها قوة عظمى نووية وتسيطر على عشرات الشعوب والأمم تحت عنوان الفيدرالية، وتسعى إلى تغيير الحقائق والوقائع. والقصد من ذلك هو إثارة الأمم والدول ضد بعضها البعض فيما يتعلق بالحدود الوطنية والتغييرات الإقليمية. في الواقع، فهو يطمح إلى إثارة القضايا الحدودية والإقليمية التي حدثت في الماضي بين عدة دول في أوروبا الشرقية. ويبدو أنه أراد إعادة إحياء المشاكل مرة أخرى إن أمكن. وفي الوقت نفسه، يعتزمون صرف انتباههم عن الحرب الدائرة في أوكرانيا. وأعرب كل من البلدان المستهدفة المتّصلة بالمواضيع المطروحة، وكذلك المسؤولين الأوروبيين عن قلقهم من المعلومات التي وردت. اعتُبِرَ ذلك تناقضا صارخا مع الحقيقة والأحداث التي وقعت فعلا في الماضي والحاضر. لقد حاول إشراك كل من تشيكوسلوفاكيا والمجر وليتوانيا ومولدوفا وبولندا وأوكرانيا وغيرها في الحوار مع تاكر كارلسون.
*************
المصادر