وانتهى الأمر بالشركس كضحايا لعواقب الإبادة الجماعية

وانتهى الأمر بالشركس كضحايا لعواقب الإبادة الجماعية

عادل بشقوي

5 مايو/أيار 2024

Photo: wikipedia

لم يكن الشركس أبداً عبئاً على أحد. بل لم يختاروا أن يكونوا ضحايا الغزو مع سبق الاصرار والترصد الذي ابدته الإمبراطورية الروسية. ولم يختاروا حتى أن يكونوا فريسة للإبادة الجماعية والأفعال الخاطئة في نهاية المطاف. لقد أبتلي الأسلاف والمواطنون والوطنيون بكارثة وطنية منهكة، بحيث لم يتمكنوا من التخلص من آثارها حتى الآن، رغم مرور ما يقارب 160 عاماً.

تتحمل الجيوش الروسية المعتدية ومرتزقتها المسؤولية المباشرة عن التعدي الصارخ على حرية ومصلحة وسلامة الوطن الشركسي وسكانه. كان على السكان أن يكونوا مسؤولين عن الدفاع عن وطنهم لمدة مائة سنة وسنة. فقد دمرت الحرب المجنونة الوطن بلا هوادة، وقتلت نصف شعبه، وهجرت 90% من شعبه إلى الدولة العثمانية، فيما تم تهجير 10% إلى ما وراء نهر كوبان.

كان على أسلاف الشركس أن يواجهوا العدوان الخارجي، المتمثل في الغزاة الإمبرياليين الذين يطمعون في موارد الأمة وموقعها الاستراتيجي، المتمثل في الشواطئ على مياه البحر الأسود الدافئة. وكان على الشراكسة أن يدافعوا عن حاضرهم ومستقبلهم من خلال التشبث بأرضهم وحقوقهم المشروعة في وطنهم.

لم يغادروا وطنهم طوعاً. بل على العكس من ذلك تماما. فقد شكّل الاحتلال العسكري والدمار الهائل والإصابات والخسائر في الأرواح بين المدنيين، وعملية الترحيل، محرقة دفعتهم إلى مغادرة وطنهم العزيز قسراً.

كانوا دائما موضع جشع الأجانب. كان الغرباء يطمعون في ثروات الشركس وشركيسيا. لقد كانوا ومازالوا معروفين بخصالهم الحميدة وأخلاقهم العالية. وتم ترحيلهم إلى المنفى الإجباري. لم يمنعهم ذلك من توديع وطنهم الغالي. فقد بقي وطنهم دائمًا في قلوبهم وعقولهم، مع تصميم لا يتزعزع على اللقاء مرة أخرى.

وعلى وقع حرب إبادة وحشية، تم إبادة نصف مجموع السكان نتيجة للغزو الوحشي. بينما تم ترحيل النصف الآخر إلى الإمبراطورية العثمانية أو تهجيرهم في وطنهم إلى ما وراء نهر كوبان. 90% من السكان المتبقين الذين نجوا من الإبادة الجماعية، اضطروا إلى القيام برحلة الترحيل التي {تشيب من هولها الولدان}.

ولم يكن الناس في حالة مزاجية تسمح لهم بالقيام برحلة في اتجاه واحد للترفيه أو للسياحة. ولا حتى رحلة للحج، كما تصفها الأوساط المشكوك في مصداقيتها ونزاهتها؛ لكن كان لا بد من توجيههم إلى المنفى القسري نتيجة للتهديد الإرهابي وعبر السفر المجاني على متن سفن غير صالحة للإبحار وفي ظروف خطيرة وغير صحية. تم توفير السفن من قبل الإمبراطورية الروسية، وقامت بدفع أجور النقل البحري، وفي بعض الأحيان ساعدت الإمبراطورية العثمانية في هذا الجهد.

إن التصميم على استعادة الحقوق المغتصبة، والإصرار والمثابرة على سلوك هذا الطريق يتماشى مع الاقتباس الملهم من الكاتب الشركسي الشهير راسم رشدي حيث ذكر في كتابهمأساة أمة: قصة الشركس،الصادر في يناير/كانون الثاني 1939:

نقرأ ونسمع كل يوم تقريبًا عن دعوات من الشركس سواء في الداخل أو في الخارج لإخوتهم وأخواتهم للالتزام الصارم قدر الإمكان بلغتهم وتقاليدهم ونقاءهم العرقي، فلا شك أنه سيأتي الوقت الذي سيتمكنون فيه من العودة إلى وطنهم الذي أجبروا على مغادرته تحت قوة السلاح مرفوعي الرأس. ويمكن سماع قلوبهم وهي تنبض بصوت عالٍ فوق منزلهم القديم، وتصرخ: {القفقاس لنا، القفقاس سيكون لنا!}“

الخاتمة

تتميز شفافية المعلومات المتعلقة بالحرب وكل ما يتعلق بها من نتائج، بالمبالغة في الخداع والتضليل والكذب. ولا يشكو الضحايا وأحفادهم من استمرار روسيا في التضليل ونشر المعلومات غير الصحيحة فحسب؛ بل أيضاً عن جهات مشبوهة مرتبطة بها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. تعمل الدعاية على تقويض الثقة وتهديد الوصول إلى مصادر موثوقة للمعلومات. إن حق الوصول إلى المعلومات هو حق من حقوق الإنسان يجب ضمانه. ومن الضروري التركيز على تمكين الناس ليكونوا جزءا من الحلول، والدفاع عن حقهم في التعليم والرعاية الصحية والمساواة بين الجنسين والعدالة وتحقيق التنمية المستدامة بحيث يتم شمول الجميع في مكاسب التنمية البشرية.

Share Button