الجنازات الشركسية: بين الغزو الروسي لشركيسيا والغزو الحالي لأوكرانيا

الجنازات الشركسية:

بين الغزو الروسي لشركيسيا والغزو الحالي لأوكرانيا

عادل بشقوي

29 أبريل/نيسان 2024

من المثير للاشمئزاز أن تبقى الشعوب والأمم الخاضعة منشغلة بالمغامرات الإمبريالية التي تخوضها الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، في الوقت الذي لا يزال أصحاب الأرض الأصليون يدفعون الثمن الباهظ بعرق ودم وجهود أجيال عاشت حياة لا تطاق. فلم يعرفوا معنى الراحة أو الاسترخاء منذ أن تم احتلال أوطانهم وضمها إلى دولة استعمارية مارقة في عام 1864.

لكن الفرق ليس مفاجئًا عندما يصبح أحفاد ضحايا الغزو الروسي وحرب الإبادة والترحيل ضد شركيسيا، ضحايا تقودهم السياسات الفاشية الفاشلة للسقوط في ساحات معارك حرب روسيا الحالية ضد دولة أوكرانيا المستقلّة بقصد الاحتلال والضم الاستعماري.

وهذا لا يقتصر على شعب شركيسيا فحسب، بل يشمل الشعوب والأمم الخاضعة الأخرى في شمال القفقاس وما وراءه، في جميع أنحاء الفيدرالية الاسمية التي ابتليوا بها. فبدلاً من أن يكونوا جزءًا من اتحاد ديمقراطي، وجدوا أنفسهم محاصرين في نظام استبدادي شمولي، حيث كانت حياتهم ومصائرهم ولا تزال تحت سيطرة أمزجة ومصالح السلطات المركزية في موسكو.

إن احتلال وغزو وضم الوطن الشركسي من قبل الإمبراطورية القيصرية الروسية، وهي واحدة من أفظع القوى الاستعمارية التي ارتكبت فظائع مدمرة ووحشية. وارتكبت الإمبراطورية الروسية إبادة نصف السكان وتهجير 90% من بقية الأمة الشركسية إلى الدولة العثمانية، لتستقر فيما بعد في عشرات الدول حتى وقتنا الحاضر. بينما بقي 10٪ منتشرين في مناطق غير متجاورة من وطنهم.

في غياب الرادع الأخلاقي، ارتفع عدد الجنازات وتواصل نتيجة لتورط شعوب وأمم متعددة في حرب روسيا الوحشية في أوكرانيا. لقد نجح النظام في الترويج للاستبداد والحروب والقتل، وبالتالي ازدادت الجنازات التي تعبر المسافة بين أوكرانيا وشمال القوقاز. وبالمناسبة، هناك أشخاص لا يستطيعون العثور على جثثهم بعد مقتلهم، ناهيك عن الذين تم أسرهم أثناء العمليات العسكرية.

كان هدف احتلال القرم التحضير لغزو اوكرانيا

Sgt. Leonid Kichatkin / https://www.atlanticcouncil.org/blogs/ukrainealert/russia-s-secret-funerals/

ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نذكر الحوافز الروسية لبدء التوغل العسكري في الأراضي الأوكرانية لإقامة حركة انفصالية تمهيدا لاحتلال أوكرانيا في المستقبل المنظور. وثبت منذ عام 2014 أن القوات الخاصة الروسية كانت متورطة في عمليات سرية لمهمات زعزعة استقرار شرق أوكرانيا، في وقت نفت فيه السلطات الروسية هذا الإتهام.

مع ذلك، كانت روسياترسل جنوداً عبر الحدود لتعزيز القوات الانفصالية المدعومة منها في أوكرانيا. وبمجرد وصولهم إلى شرق أوكرانيا، لم يعد هؤلاء الجنود يُعتبرون روسًا؛ يُطلب منهم الإشارة إلى أنفسهم على أنهم قوات دفاع محلية، لمساعدة الانفصاليين بقوة بشرية ومعدات إضافية“.

ويُظهر المثال الحي للخطط الروسية المبكرة لإخضاع أوكرانيا أنالرقيب ليونيد كيشاتكين (Leonid Kichatkin) من الفرقة الروسية 76 المحمولة جواً والجندي الروسي أنطون تومانوف (Anton Tumanov) توفوا في أغسطس/آب 2014 أثناء القتال في شرق أوكرانيا. إن مقتلهم يظهر بوضوح أن ادعاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم وجود قوات روسية في أوكرانيا غير صحيح“. [1]

الجنازات في تدفق مستمر

https://dron.media/bolee-sta-grobov-s-telami-rossijskih-soldat-dostavili-v-novosibirsk/

ليس من المستغرب أن المعلومات المسربة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تروي جزءًا من القصة غير المروية. وأظهرت الحقيقة العدد المتزايد من الشركس وغيرهم من المجندين من أمم أخرى في شمال القوقاز، الذين فقدوا أرواحهم الثمينة في أوكرانيا، من أجل قضية استعمارية بحتة، هم ليسوا طرفا فيها. بل وجدوا أنفسهم ككبش فداء. وعلى أية حال، يتم استخدامهم وقودًا للمدافع أو مادة مستهلكة في حرب مستعرة. إلا أنه لم يتم الإعلان أو الكشف عن أسماء كافّة القتلى بشكل رسمي.

كان على منطقة شمال القفقاس أن تدفع بثلاثة أجيال من الشباب المسلمين ثمن عدم ولاء الناس لموسكو. الآن أبناء وأبناء الأخوة والأخوات وكذلك إخوة الذين لقوا حتفهم في الغابات الجبلية والصحاري السورية يموتون في السهوب وفي مدن أوكرانيا. إنهم يموتون من أجل نظام بوتين، الذي ظل يقتل ويسجن أفراد عائلاتهم وإخوانهم المسلمين لعقود من الزمنوتحاول المجتمعات دائمًا دفن موتاها في وطنهم. يتم إحضار الجثث من جميع أنحاء العالم ويتم دفنها في مقبرة محلية، وكذلك يتم دفن أولئك الذين قُتلوا مؤخرًا بجوار أجدادهم وأجداد أجدادهم“. [2]

تناقض في أعداد الخسائر بين وسائل الإعلام والتقارير الرسمية

الأرقام الوحيدة المعروفة والمنشورة التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية علناً لا تعكس الأرقام الدقيقة.

بلغ العدد المعروف لدى محرري موقع {حقائق القوقاز} للعسكريين الذين قتلوا في أوكرانيا من السكان الأصليين أو المقيمين في جنوب روسيا وشمال القوقاز 7576 فردًاباستثناء حوالي 850 فردًا مدفونين في مقبرة تنظيم فاغنر (Kuban) في كوبان“. [3]

آخر التحديثات تعكس استمرار وسائل الإعلام في نشر المزيد من المعلومات حول قتلى المعارك في مختلف الجبهات. في 23 أبريل/نيسان 2024،عُلم أن 30 عسكريًا آخرين من مناطق جنوب روسيا وشمال القوقاز قتلوا في الحرب في أوكرانيا. ومن بينهم أحد مرتزقة تنظيم فاغنر (Wagner)، الذي تم تجنيده في معتقل، كان يقضي فيه عقوبة بالسجن لمدة خمسة أشهر، و{متطوع} قاتل لمدة تزيد قليلاً عن أسبوعين. وكان القتلى ثمانية أفراد من منطقة روستوف (Rostov)، وستة من إقليم ستافروبول (Stavropol)، وخمسة من كل من إقليم كراسنودار (Krasnodar) ومنطقة فولغوغراد (Volgograd)، وثلاثة أشخاص من داغستان (Dagestan)، واثنان من كالميكيا (Kalmykia) وواحد من قباردينوبلكاريا (Kabardino-Balkaria). [4]

تتناقض التقارير الرسمية، بل وتميل إلى تجاهل الإعلان عن العدد الدقيق للقتلى، من خلال عدم اعتبارهم من أفراد الجيش. ”* في تقارير الوفيات العسكرية، يمكن أن يشير مصطلح {المتطوعين} إلى كل من المقاتلين من الوحدات غير المدرجة في هيكل وزارة الدفاع، وأولئك الذين أبرموا عقدًا مع وزارة الدفاع للمشاركة في الحرب في أوكرانيا بعد بداية غزو واسع النطاق“. [5]

فعلى ما يبدو أنه تم تجنيدهم بالإكراه لأسباب مختلفة غير منطقية. في ذات السياق، وفي تصريح لأحد المطّلعين على تطور الوضع في شمال القوقاز، قال: ”للأسف، ونظراً للوضع المالي المتدهور، فإن توقيع العقد في كثير من الأحيان هو الطريقة الوحيدة للحفاظ على العائلة تقف على قدميها في هذه الاحوال الاقتصادية، وبالتالي غالبًا ما يقوم الشباب بالتسجيل للحصول على عقد بأنفسهم. وهذا أيضًا بسبب غرس الأفكار والمواقف وعدم الكفاءة. لا يمكننا الآن التأثير بشكل علني على الوضع بأي شكل من الأشكال، وذلك تحت تهديد التعرض للسجن“.

وفي السياق نفسه، نُشر علنًا في 26 أبريل/نيسان 2024  أن 36 فردًا عسكريًا آخرين من مناطق جنوب روسيا وشمال القوقاز قتلوا في الحرب في أوكرانيا. هؤلاء هم 11 شخصًا من إقليم كراسنودار (Krasnodar)، وثمانية من قباردينوبلكاريا (Kabardino-Balkaria)، وخمسة من داغستان (Dagestan)، وثلاثة من كل من أوسيتيا الشمالية (North Ossetia) وفولغوغراد (Volgograd) وأستراخان (Astrakhan)، وفردان من إقليم ستافروبول (Stavropol) وشخص واحد من منطقة روستوف (Rostov). [6] علمًا بأنه لم يتم الكشف عن الخسائر الحقيقية لمقاتلي قديروف الشيشان الموالين لروسيا.

هذه المعلومات ليست نهائية لأن الأرقام النهائية غير متاحة أو منشورة عندما تحدث خسائر في الأرواح أو إصابات. ولا تنشر المصادر الرسمية لوزارة الدفاع الروسية معلومات حقيقية عند وقوع إصابات وخسائر في الأرواح. ومن ثم، فإن المقاتلين الذين قتلوا من جمهورية قباردينوبلكاريا (KBR) على سبيل المثال،أصبحوا معروفين من خلال {فيديو} منشور على شبكات التواصل الاجتماعي، تم تصويره في المتحف الوطني في جمهورية قباردينوبلكاريا، حيث يقع المعرض العسكري“. [7] ومن المعروف للجميع أنه منذ اندلاع الحرب الروسية المعلنة، تحوّلت أوكرانيا إلى ساحة خردة ومقبرة للآليات والمعدّات العسكريّة الرّوسية المدمّرة، ناهيك عن الطائرات والسفن المختلفة.

الخاتمة

وفي هذا المجال، يجب إدانة تصرفات الدولة الروسية، التي احتلت بشكل غير قانوني شمال القوقاز بشكل عام والوطن الشركسي بشكل خاص، وفشلها في إظهار أي نية للاعتراف بالحقوق الشركسية المغتصبة من أجل إعادتها إلى أصحابها الأصليين. ويجب التصميم وتسليط الضوء على أن دور الأمة حيوي في الحفاظ على هويتها القومية وحقوقها المشروعة في الحرية وحق تقرير المصير. ويجب أن يضمن ذلك حرية إختيار الطريق المناسب لها بوضوح وحسم وحزم. فقد حان الوقت لتصفية الاستعمار. ويجب منح جميع الشعوب والأمم حريتها وحقها في اختيار  مصيرها من دون تدخل أو إكراه.

***********************

المراجع

[1] https://www.atlanticcouncil.org/blogs/ukrainealert/russia-s-secret-funerals/

[2] https://www.wilsoncenter.org/blog-post/north-caucasus-ukrainian-war-only-cemeteries-rear

[3] https://www.kavkazr.com/a/dannye-o-pogibshih-v-ukraine-esche-36-voennyh-s-yuga-rossii-i-severnogo-kavkaza/32922350.html?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTAAAR2cPosUmFus_NzuVxPHSSTEsAcdgy-SHcsX_IdVHZQ36OHXmKWsm_yVIY0_aem_AZkai2GaAyVydforVbc46FkAvoa86bHIt5FsOg_158rTATyJR62rIOodwkLVsJ9_u1YKeNa-q1vkKGoDTp0UaPLP

[4] https://www.kavkazr.com/a/dannye-o-pogibshih-v-ukraine-esche-30-voennyh-s-yuga-rossii-i-severnogo-kavkaza/32917761.html?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTAAAR3nlKD-UvSaJa9BetYr_BLHJMqNtAXv2QFQH6aDDprRWmPeKyT7L90XZA4_aem_AZlYAmCZmsYlNiNDHpiZAr-iTLjIw7UmbdpfEICeI4xVtRnd9FDhZvzE0duQCFSERw3J4orR3Y9OMjCmedn1isry

[5] https://www.kavkazr.com/a/dannye-o-pogibshih-v-ukraine-esche-30-voennyh-s-yuga-rossii-i-severnogo-kavkaza/32917761.html?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTAAAR3nlKD-UvSaJa9BetYr_BLHJMqNtAXv2QFQH6aDDprRWmPeKyT7L90XZA4_aem_AZlYAmCZmsYlNiNDHpiZAr-iTLjIw7UmbdpfEICeI4xVtRnd9FDhZvzE0duQCFSERw3J4orR3Y9OMjCmedn1isry

[6] https://www.kavkazr.com/a/dannye-o-pogibshih-v-ukraine-esche-36-voennyh-s-yuga-rossii-i-severnogo-kavkaza/32922350.html?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTAAAR2cPosUmFus_NzuVxPHSSTEsAcdgy-SHcsX_IdVHZQ36OHXmKWsm_yVIY0_aem_AZkai2GaAyVydforVbc46FkAvoa86bHIt5FsOg_158rTATyJR62rIOodwkLVsJ9_u1YKeNa-q1vkKGoDTp0UaPLP

[7] https://vk.com/video152567766_456239238

Share Button