كل مقالات Homeland

الأساطير المؤسسة للفيتو الروسي على الربيع العربي

الأساطير المؤسسة للفيتو الروسي على الربيع العربي
vito

الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن ضد قرار يدين قمع النظام السوري للثورة (الفرنسية)

جمال العرضاوي

يبدو موقف الكريملن من الثورات العربية المتلاحقة منذ ديسمبر/كانون الأول 2010 مركبًا، وفي الوقت نفسه غير قابل للتفكيك بسهولة ودون إمكانية لتحديد العناصر الرئيسية فيه والأولويات. وهناك أساطير تلف هذا الموقف لابد من حصرها لمواصلة البحث في صميم السؤال.

لو اتجهنا من الخارج إلى الداخل سنصطدم بأسطورة خارجية (عربية) مفادها أن موسكو متحالفة مع الأنطمة العربية المتهاوية بسبب ارتباطها بمصالح مشتركة وبعقود بمليارات الدولارات، وأن موسكو بدفاعها عن هؤلاء تدافع عن “مجالها الحيوي”.

أما لو دخلنا إلى روسيا الشاسعة فسنصطدم بأسطورة داخلية تروج في موسكو ومفادها أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يقوم ببلبلة ليست مختلفة في جوهرها عن الفوضى البنَّاءة سيئة الذكر، والهدف منها هو توتير السياسة الدولية في انتظار قيام حرب إقليمية كبرى أو حتى عالمية من شأنها أن تحل تناقضات الأزمة المالية المتفاقمة والتدهور المحدق بأكبر اقتصاديات العالم. وما ربيع الثورات العربية، وفق هذه النظرية، سوى حلقات من المؤامرة بعد أن جرَّبت أميركا التدخل العسكري لإسقاط الأنظمة في أفغانستان والعراق وتوصلت إلى إمكانية جني الثمار بأيدي أصحاب البلاد.

الأساطير الخارجية


لو بدأنا بالأسطورة الخارجية سنجد أن من يروِّج لها أكثر من وسائل الإعلام الروسية هي وسائل الإعلام العربية، وهذا راجع قبل كل شيء إلى أن العقل السياسي العربي لا يزال يتعامل مع موسكو وكأنها عاصمة دولة عظمى لا تقل عن عاصمة الاتحاد السوفيتي شراهة للحفاظ على مراكز ثقلها في العالم. وفق هذا الفهم القديم تبقى الذاكرة العربية وفيّة لمقولات قديمة لم تعد قائمة في الخارطة السياسية العالمية. عندما طارت المقاتلات الإستراتيجية الروسية من طراز توبوليف 160 ووصلت إلى فنزويلا لم تُعِرْها أميركا أية أهمية لأنها تعرف أن هذه الحركة هي للاستخدام الداخلي لا غير، وأن هذه الطائرات ربما كانت تكمل بهذه الرحلات عمرها الافتراضي لا أكثر. أما الفكر الجمعي العربي فقد هلَّل لها باعتبارها إشارة إلى عودة التوتر بين روسيا والغرب، وأن المستفيدين قبل غيرهم سيكونون عربًا أيضًا. لا يريد العرب أن يفهموا أن التناقضات بين روسيا والغرب قد تراجعت إلى مستواها الوطني منذ أن سقط محتواها الأيديولوجي.

لو تحدثنا مثلاً عن أحجام التبادل العسكري بين روسيا وبعض الأنظمة المتساقطة وتحديدًا النظامين الليبي السابق والسوري سنجد أن هذه الأحجام خجولة للغاية، وأنها لا يمكن أن تحدد سياسة بلد مثل روسيا له ثالث احتياطي عالمي من العملة الصعبة بما يفوق 500 مليار دولار؛ فالصفقات التي كانت مرتقبة (وليست فعلية) مع القذافي في مجال الأسلحة لم تكن لتتجاوز أربعة مليارات دولار، في حين أنها مع سوريا كانت أقل من ذلك بكثير. أما قاعدة طرطوس، وهي على أية حال محطة لتصليح السفن أكثر منها قاعدة عسكرية دائمة؛ فهي، كما يردد الروس أنفسهم، ليست بتلك الأهمية التي يمكن أن تحدد موسكو مواقفها على أساسها، ويكفي هنا أن نذكر أن الكريملن نفسه منذ أن وعى أنه لم يعد ثاني اثنين تخلَّى عن فكرة القواعد الخارجية، وقد رآه العالم وهو ينسحب طواعية من كوبا وفيتنام ويُخلي قواعده العسكرية هناك، فما الذي سيجعله يستميت إذًا في الدفاع عن قاعدة طرطوس؟ وما المانع -كما قال السياسي الروسي المخضرم يفغيني بريماكوف- من الحفاظ على هذه القاعدة، لو كانت مهمة إلى هذه الدرجة، بأي شكل ممكن بما في ذلك عن طريق مساعدة المعارضة السورية الآن ضد النظام السوري لو كان الساسة الروس مقتنعين بالتعاون مع هذه المعارضة؟ لابد أن موسكو لا تفكر في مثل هذه الأمور وهي تدير ظهرها للثوار العرب.

أما أسطورة المؤامرة الغربية لزرع الفوضى وخلط أوراق مصير العالم فهذه تعمل بشكل علني في روسيا، وقد أفلحت النخبة السياسية الحاكمة في جعلها نظرية مناوبة في عقول الكثير من المثقفين والخبراء الروس. قامت ثورات الربيع العربي، وفق هذه النظرية، بتخطيط مسبق من قبل مراكز البحوث والدراسات الغربية التي يُعتقد أنها نظرت عميقًا في الأزمة المالية التي ضربت العالم قبل ثلاثة أعوام وتهدد الآن من جديد بضربة قاصمة لأكبر الاقتصادات، فرأت أنه لابد من ترتيب جديد للعالم سبق أن جرَّبه الغرب بعد كساد طويل شهدته الأسواق قبل الحرب العالمية الثانية.

قرر الغرب إذًا مرة أخرى تغيير صورة العالم التي أصبح يشوب أفقَها كثير من السواد بسبب رهاب خطير خلفته الأزمة المالية. لأجل ذلك فكّر الغرب وتفتق إبداعه عن فكرة رهيبة يتخلى بموجبها عن حلفائه التقليديين من زعماء العرب الذين كرهتهم شعوبهم ويتحالف مع عدو سابق هو الإسلاميون. دور الإسلاميين محدد وفق هذه الأسطورة بخلط الأوراق قبل كل شيء في منطقة الشرق الأوسط وصولاً إلى إشعال حرب بين إسرائيل وجيرانها؛ ومن ثَمَّ دخول إيران وتركيا على الخط، وليس القوقاز ببعيد، وهكذا دواليك…

الكاتب الروسي نيكولاي ستاريكوف مطروح منذ فترة على الساحة كمفكر روسي متميز، وهو عندما يقارب الربيعَ العربي يصبح من مناصري نظرية المؤامرة بصراحة، ولا يكتفي بالحديث عن مسلسل من الثورات بإخراج هوليودي، بل يمضي أبعد من ذلك ويرى حلقة أخرى فيه وهي حلقة المطالبة بالاعتراف الآن بالدولة الفلسطينية، ويرى أن أميركا أصبحت الآن جاهزة لبيع إسرائيل ودفعها إلى الدخول في حرب طاحنة مع جيرانها الذين سيُحكمون قريبًا من قبل السلفيين. والخوف هنا ليس على إسرائيل أو على العرب بقدر ما هو خوف من أن تنتشر الفوضى وتصل في آخر المطاف إلى روسيا المرتبطة بالعالم العربي الإسلامي بأواصر عميقة وخفية.

ليس غريبًا أن تنتشر هذه النظرية في روسيا فهنا أرضية صالحة لاستنباتها، وهناك شعور قديم توارثه الروس عن السوفيت وهو العداء للغرب؛ ولهذا العداء وجهان: وجه واقعي يتلخص في أن مواطني الاتحاد الروسي فعلاً يشعرون بعداء تاريخي لسياسات الغرب لم يندثر حتى إثر انهيار الاتحاد السوفيتي بل تدعَّم لسببين: أولهما: هو الشعور الغالب بأن الجناح الليبرالي غربي النزعة الذي سيطر على مقدرات الدولة في حقبة الرئيس الراحل بوريس يلتسين تلاعب بهذه المقدرات ووزعها بين فئة قليلة ممَّن سُمُّوا آنئذٍ بالأغنياء الروس الجدد الذين اقتنوا المصانع والمؤسسات بأسعار رمزية جدًّا، وأمعنوا في تحويل أموال الشعب الروسي إلى حساباتهم الخاصة في البنوك الأجنبية فيما ظل المواطنون يتفرجون ويتقاسمون الفقر في زمن الرأسمالية المتوحشة.

السبب الثاني لاستشراء العداء للغرب في روسيا الاتحادية هو استغلال هذا الشعور من قبل النخبة الحاكمة المسيطرة على جميع وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها استغلالاً يشتد، خاصة في الحملات الانتخابية لملئها بمضمون خارجي طالما لا يمكن ملؤها بمضمون داخلي، وذلك بسبب انعدام المنافسة السياسية الحقيقية باعتبار أن الغلبة واضحة ومعقودة لطرف واحد. وهذا هو الوجه الوهمي للعداء للغرب لأن الحقيقة هي أن السلطة في روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي لم تعد فعلاً معادية لهذا الغرب. بل إننا إذا اعتمدنا المحددات الاقتصادية فسنجدها حليفة له، وإذا اعتمدنا العلاقات الخارجية مع الدول الأجنبية فسنجدها تلتزم بالرؤية الأميركية غالبًا، وما ملف التعاون العسكري مع إيران إلا خير دليل على ذلك، ولعل الجميع يذكر صفقة صواريخ إس 300 التي أُبرِمت بشكل قانوني ودُفع من مقابلها الجزء الأول ولكنها أُوقفت بسبب التدخل الأميركي. ولو عدنا قليلاً إلى الأسطورة الأولى التي ذكرناها أعلاه والمتعلقة بالتعاون العسكري الروسي مع دمشق لرأينا أنه هزيل لأنه يخضع لمعادلة التوازن العسكري القائم بين العرب وإسرائيل والذي لا تسمح موسكو لنفسها بأن تخرقه، وعليه فإن معظم طلبات دمشق في السنوات الأخيرة من الأسلحة الروسية المتطورة قوبل بالرفض بسبب تدخلات إسرائيلية وأميركية. ليس هناك ضرورة لكي يكون الإنسان اختصاصيًّا في الأمور العسكرية ليعرف أن ميزان القوى مختل جدًّا في صالح إسرائيل؛ وهذا دليل آخر على أن أسطورة المصالح الروسية العسكرية في سوريا تعرج، وأن العلاقة الإستراتيجية الحقيقة لموسكو هي مع تل أبيب.

الأساطير الداخلية

لو عدنا إلى الربيع العربي لوجدنا أنه فاجأ موسكو التي كانت تربطها علاقات عادية بالأنظمة العربية ربما باستثناء نظام حسني مبارك الذي رفعت معه موسكو درجة التعاون إلى مرحلة إستراتيجية. ثورة تونس جوبهت بخطاب روسيّ دبلوماسي سياحي من قبيل: يوجد لحد الآن عشرون سائحًا روسيًّا على الأراضي التونسية، وحسب معلومات وزارة الخارجية هم جميعًا بخير. وفي مصر تكرر الأمر نفسه ولكن بأعداد أكبر: هناك 20 ألف سائح في شرم الشيخ، كما أرسلت موسكو نائب وزير الخارجية الروسي السابق ألكسندر سلطانوف إلى حسني مبارك قبل أن تقيله من جميع مناصبه بما في ذلك الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط. عندما وصلت الأمور إلى ليبيا تحفظت موسكو على قرار مجلس الأمن ولم تستخدم حق الفيتو، ولكنها أمعنت في نقد تأويل حلف الناتو له؛ وهنا حرَّكت النخبة الحاكمة بعض سفرائها السابقين والمستشرقين ورجال السياسة الآفلين لتشكيل جبهة تضامن مع النظام الليبي ثم توسع محيطها ليشمل النظام السوري. تأخرت موسكو في ليبيا وبدا لها أنها لم تتصرف بحكمة إذ لا يُعقل أن تتحفظ على قرار مجلس الأمن ثم تستغرب تأويلاته الخطأ! كيف يعقل أن وزارة الخارجية الروسية بخبراتها المتراكمة في التعامل مع الغرب وسياساته لم تتمكن من استقراء الوضع بعد الحظر الجوي على ليبيا؟! استاءت موسكو للأمر كثيرًا وعندما حانت الفرصة في سوريا تذكرت أنها تستطيع استخدام الفيتو.

قبيل استخدام حق الفيتو بأيام أعلن الثنائي بوتين-ميدفيديف عن تبادل الأدوار بينهما للمرة الثانية. على مدى أربع سنوات كان الهمّ الأكبر للدوائر المرتبطة بالسلطات الروسية هو إيهام الجميع بوجود خلافات بين الرجلين، وأن ثانيهما يمثل التحديث والتوجه نحو الغرب فيما يمثل الأول الاستقرار والثبات في التوجه الوطني. وحتى المواقف إزاء الثورات العربية كان يراد لها أن تشي بوجود خلاف معيّن بينهما فيتكلم بوتين مثلاً عن حملات صليبية ضد ليبيا فيراجعه الرئيس ميدفيديف ثم يعلن لاحقًا في قمة الثماني بدوفيل الفرنسية أن القذافي قد فقد شرعيته. ويتكلم بعد ذلك عن مستقبل حزين للرئيس السوري وهكذا إلى أن جاء مؤتمر حزب روسيا الموحدة الذي شهد اعترافًا مدويًا للرجل الأول بأنه متفق مع صديقه منذ البداية على كل الأدوار وأنه لا خلاف بينهما فهما يعملان في فريق واحد موحد.

الآن انتهى مسرح العبث وعادت الخشبة إلى سابق عهدها ولكن الانتخابات على الأبواب ولابد أن يكون لها حامل سياسي. لا تستطيعه الخارطة الحالية بحزب روسيا الموحدة المحتكر للمشهد وبالمعارضة الصورية التي لا تستطيع خداع أحد بوجود تناقضات حقيقية مع السلطة. الحامل السياسي الوحيد هو العداء للغرب وإحدى تجلياته المواتية حاليًا الموقف المضاد للغرب من الثورات العربية، وبالذات في سوريا، بالإضافة إلى تسخين ملف الدرع الصاروخية، وربما الملف الإيراني، وغير ذلك من الملفات التي تبقى عالقة للمناوبة هنا أو هناك.

أخيرًا لماذا لا نسأل السؤال المهمّ: لقد انتقل الربيع العربيّ إلى أماكن أخرى في العالم وها هو يطرق أخيرًا أبواب أميركا نفسها. لماذا لا نتصور أن روسيا، بعيدًا عن كل الأساطير التي تلف مواقفها، خائفة على نفسها؟ ذات مرة قال الرئيس ميدفيديف: إن روسيا ترتبط بعلاقات عميقة مع العالم العربي وهو –أي الرئيس ميدفيديف- يبدي احترازه ممّا يحصل هناك. أتراه كان يقصد أن هذه الثورات قادرة على الوصول إلى أراضيه؟ وهل ينبغي أن نفهم هنا بالضرورة أن الخوف كل الخوف ممّا قد يحصل في القوقاز الشمالي مثلاً؟ ولماذا لا يخاف ميدفيديف مثلاً على مدنه الكبرى مثل موسكو وبطرسبورغ؟ كل الأسباب ماثلة أمامه؛ فهو يتكلم عن فساد مستشرٍ قلَّ نظيره حتى في الدول العربية. أما حرية الكلمة في روسيا فوضعها لا يمتاز كثيرًا عن بعض الدول العربية، ناهيك طبعًا عن احتكار السلطة وتغييب المعارضة الفعلية واستفادة زمرة من رجال الأعمال من موالاتهم. أليست هذه هي الأسباب الرئيسية التي قامت الثورات العربية بسببها؟ لابد إذًا من الذهاب بعيدًا في فهم عمق الموقف الروسي. ليس حبًّا في القذافي أو الأسد تتحفظ موسكو وتستخدم الفيتو. المرتبة الأولى في سلَّم أولويات السلطات الروسية هو الحفاظ على هذه السلطات، والمطلوب هو إيقاف زحف الربيع العربي لكي لا تنتقل عدوى الثورة إلى آسيا الوسطى، وربما ستجد روسيا نفسها تواجه الربيع وهو يقترب من حدودها وهو إن قدم فلن يكون كتلك الثورات الملوَّنة التي خبرتها روسيا على حدودها في أوكرانيا وجورجيا وقرغيزيا لأن الشعوب العربية لم تقم بما قامت به بدعم من الملياردير سوروس بل بشكل عفوي وهذا ما لا يمكن مقاومته. روسيا لا تخاف أي عدوٍّ غربي فجميع حملات الغرب على روسيا باءت بالخيبة، ولكنها تخاف من القاعدة التي تقول: إن القلاع تؤخذ من داخلها. ما حصل ويحصل في الدول العربية من عصيان وثورة على الحكام لا يجب أن يصل إلى داخل روسيا.

إذا أردنا إذًا أن نميز الأسطوري من الواقعي في الموقف الروسي من الربيع العربي لابد ألا يلهينا البحث عن مصالح روسية عظمى مع الدول العربية في حين تقول لنا الإحصائيات: إن مجمل أحجام التبادل الاقتصادي الروسي مع جميع الدول العربية لا يتجاوز العشرة مليارات من الدولارات في حين تستأثر دولة وحيدة مثل تركيا بأكثر من ثلاثين مليار دولار من التبادل التجاري مع روسيا سنويًّا. أين هي المصالح إذًا؟

لا ينبغي أن نستمع كثيرًا للنخب الروسية المرتبطة بدرجات متفاوتة بالسلطة وهي تتحدث عن مؤامرة غربية على العالم العربي ولا ترى أن الغرب في عقر الدار بموسكو وغيرها من حواضر روسيا.

سر الموقف الروسي

سر الموقف الروسي كامن في أمرين متلازمين، وهما: الحفاظ على السلطة، والحفاظ على بلد تحكمه هذه السلطة. المطلوب أولاً هو الترويج للعداء مع الغرب كعملة سهلة للتدليل على الروح الوطنية التي يتحلى بها الحاكم بأمره. والمطلوب ثانيًا هو إيقاف الربيع العربي هناك بعيدًا قبل أن يقترب ويزداد اقترابًا.

رب ضارة نافعة. قد يفعل الموقف الروسي الحالي فعله في الخيال العربي، ويخلخل الصورة السوفيتية القديمة التي لا تزال على قيد الحياة فيُفلت التحليل السياسي العربي من ثنائيات الحرب الباردة. بعد عشرين عامًا على انهيار الاتحاد السوفيتي تغيرت موسكو كثيرًا والتوجه الغربي في سياساتها مهيمن على غيره، ومصالحها الاقتصادية الحقيقية ليست مع غير الغرب، أما العرب فهم مثل الروس موسومون بلعنة الخام في صادراتهم ولا يمكن أن يقدّم أحدُهما للآخر الآن سوى كثير من الأوهام وقليل من المنافسة. عندما يسأل العرب أنفسهم عن السر في تعنت الكريملن إزاء الثورات العربية لا يجب أن يجيبوا بسر آخر أكثر طلاسم من قبيل الذهاب إلى أساطير المصالح العظمى المتبادلة.

ستثبت الأيام إلى متى سيدوم هذا التناغم بين عاصمتي “الممانعة” العربية والعالمية: دمشق وموسكو! لنا أن نتصور لو عاد الغرب وقدَّم الضمانات اللازمة لموسكو في ملف الدرع الصاروخية، وأغمض عينيه عن المسرح الانتخابي، وسمح لبعض رجال أعمالها، على وجه الإرضاء بأموال الغير، بالحصول على بعض الصفقات في ليبيا؛ هل ستترك موسكو يومئذٍ نظام الأسد لمصيره الحزين الذي تكلّم عنه ميدفيديف ذات مرة؟ لذا لا ينبغي للأسد أن يطمئن كثيرًا كما لا ينبغي للمعارضة السورية أن تجعل من استرضاء موسكو سببًا رئيسيًّا لنجاحها؛ فالأمور في سوريا لن يحسمها سوى الشارع السوري.

_____________

باحث متخصص في الشأن الروسي.

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/196AEE54-FFF1-4C76-A3AE-59410AF1D371.htm?GoogleStatID=24

Share Button

قصة قصيرة : اين هم الشركس؟

قصة قصيرة : اين هم الشركس؟
15 09 2011
فتح الاعين والنظر جيدا ومحاولة منع بناء المنشأت الاولمبية في سوتشي على ارض الشركس , قد حفروا كل شيئ , ربما هنالك امل في العثور على شركسي حي او على الاقل رفات مدفونة بلباسها ودرعها الشركسي …هكذا يقول البعض ! ان لم يجدوا شيئا هل هذا معناه بان الشركس لم يعيشوا هنا؟ ان لم يعيشوا اذا لاداعي لكي يكتب الباحثين عن كيف قاتل الشركس دفاعا عن وطنهم وحريتهم قبل 150 عاما , اذا كان الامر كذلك , اذن يجب اغلاق معهد الابحاث في جمهورية الاديغي , لماذا يجب ان يكون هنالك معهد للابحاث ان لم يكن هنالك تاريخ؟

نعم صحيح الناس الذين يعرفون يقولون ” بأن الشركس قد مروا من هذه المناطق ” …نعم فلاديمير بوتن قال ذلك ! حسنا مروا ! يمكن ان احدهم قد رآهم وهم مارون , ولكن الى اين ؟ اين هم الان؟ ويقال ايضا بانهم وفي اثتاء مرورهم قد اعطوا اللبس الشركسي الجميل ( الشركيسكا )* الى كافة سكان القفقاس , لابد انه اعجبهم , يالهذا الشعب الجميل! هذا هو السبب بان اللبس الشركسي انتشر في القفقاس. ولكن الشركس اين ذهبوا ومن اين خرجوا؟ هذا السؤال لايجيب عليه احد لاباحثينا ولا روسيا الام , هل من المعقول انهم لايعلمون؟ ام انهم يشكون بالموضوع! الهذا حفروا لكي يعثروا على شركسي حي؟ ولماذا حي؟ لان الشركسي الحي هو الوحيد الذي يستطيع ان يقول الحقيقة بان الشركس قد عاشوا هنا , والا لن يصدق احد! لو انهم وجدوا شركسيا بلباسه ودرعه لما اضاعوا وقتهم الثمين الذي لم يتبقى منه الكثير حتى اولمبياد سوتشي 2014 كي يكتبوا تاريخ كوبان* لان الارض الذي يجب ان تقام عليها الالمبياد يجب ان تكون نظيفة لاغبار عليها. ولكن لنفترض بانهم وجدوا , ماذا اذن؟ حتى وان لم يكن شركسي حي بل هيكل عظمي.

وبينما اسرح في افكاري تذكرت قصة رواها لي صديق قد حدثت معه , قصة لم يختلقها ولكنها عجيبة , للكثير من الناس قد تعتبر رمزية والبعض قد لايصدقها ولكنها كانت قصة حقيقية اخبرني بها صديقي علي. لهذا اسمحو لي ان اسردها .

بعد قراءة العديد من كتب التاريخ الشركسي ( ليس التاريخ الذي يكتب من قبل الحكومة , بل التاريخ الحقيقي المكتوب من قبل المؤرخين والمستنبط من الاراشيف ) , ذهب علي للبحث عن الامكنة التي دفن فيها الشركس وبالتحديد محافظة مايكوب جنوب الاديغي , تجول في العديد من المناطق وجمع عدد لاباس به من المعلومات من مواد وشهادات كبار السن ولكن اكثر شئ قد ادهشه ذلك العجوز القوزاقي الذي كان جالسا بجانب السور على المقعد الخشبي متكأ بذقنه على عكازه , جلس العجوز متأملا الافق الله وحده يعلم بما كان يفكر , هذه النظرة لفتت انتباه علي وجعلته يتوقف عن المسير ولسان حاله يقول لابد انه يوجد العديد بجعبة هذا العجوز ليخبرني به , كانت هيئة الرجل كانه نائم ولكن عندما اقترب علي اكثر وجده يدندن باغنية غريبة كلها حزن واسى , فكر علي وقال في نفسه افهم هذا الشعور لانني عشته عندما قرأت وسمعت عن تاريخ شعبي , حقا كان العجوز يبدوا انه ملئ بالاحاسيس في قلبه.

مرحبا ايها الجد قالها علي باستحياء املا بان لايعكر صفو العجوز وخلوته .

اهلا يابني تفضل قال القوزاقي بينما ازاح جانبا داعيا الشاب الى الجلوس . جلس علي على الجانب الايسر من الرجل حسب العادات ولكن الرجل قال له , لا بل تعال واجلي الى يميني , نهض علي متعجبا وفكر بان يمكن ان يكون للعجوز عادات خاصة مختلفة .

حسنا قل لي ماذا تريد وعن ماذا تبحث قال القوزاقي , اجاب الشاب بسرعة وبدون تفكير , عن الوطن! عن الوطن ؟ سأل العجوز مندهشا ,

نعم عن الوطن اجاب الشاب , اريد ان اعرف اين عاش الشركس واين دفن الاجداد والجدات , اني اشعر بان هذه المناطق كانت لهم , عاشوا فيها ايامهم الحزينة والمؤلمة , لااعرف بالظبط اردف علي.

تنهد العجوز وابتسم امر ذلك الشاب وحزنه على ماض غير معروف وقال بعدها , نعم يا بني احساسك صائب بان الاجداد قد دفنوا هنا , انا اعرف احدهم وذكراه ماثلة لدي الى هذا اليوم , قال ذلك وهو يتذكر ويتمتم بكلمات غير مفهومة. ايها الجد! ماذا تقول؟ كيف ذكراه ماثلة لديك ؟ كيف ذلك وقد مرت السنين العديدة منذ الحرب الروسية القفقاسية ؟ قال العجوز , اتعلم يابني قالها وهو يوقف الشاب لقد رأيت العديد وسمعت العديد , انظر اترى تلك التلة ؟ نعم قال الشاب.

تابع العجوز , عندما كنت صغيرا طلب مني ان احرث تلك التلة , وعندما هممت بالحراثة ارتطم شيء بالمحراث فتوقفت كي لاينكسر المحراث ونظرت الى الاسفل ووجدت قطعة معدنية لامعة تحت سكة المحراث واعتقدت انها على الارجح شيء ذات قيمة فنزلت وبدأت احفر بكلتا يدي من الجوانب وعندما هممت باخراجها ( وقد تبين انه سيف شركسي ) انزلقت وضرب الجزء الحاد منها عيني اليسرى وفقدتها , توقف العجوز عن الكلام برهه وتابع ولهذا السبب طلبت منك ان تجلس الى جانبي الايمن كي استطيع ان اراك جيدا , وسكت العجوز.

في الواقع لم اكن قد لاحظت ان القوزاقي بدون العين اليسرى الا الان , لحظات الصمت تلك كانت محرجة لعلي , اما بالنسبة للعجوز فقد كانت بمثابة استراحة من الذكريات والعواطف.

تابع العجوز , انا لست معنيا ولامهتما بالموضوع الشركسي ولكن لم يكن هنالك داعي للرحيل ( الاستيطان ) هنا الي تلك المناطق التي طلب منا ان نأتي اليها , كنت افكربينما انا راجع مدمى العين من التلة بأنه نحن لن نكون هنا سعداء ابدا في المكان الذي حتى الاموات فيه يستمرون بالدفاع عن ارضهم. واعتقد ذلك الى اليوم يابني , هذه ليست ارضي , انا ايضا ابحث عن وطن ولكن ليس بالذهاب على الاقدام والبحث بل في ذهني. هل ترى يابني عندما تقوم بعمل ضد مشيئة الله ماذا يحدث؟ الحياة تستمر خاطئة …هذه المكان ليس لنا , لم نتعلم كيف نتعامل مع هذه الارض لانها ليست لنا. انظر كيف يرحل الناس عن القرية خصوصا الشباب , لم يبقى الا العجائز الين يريدون فقط انهاء ماتبقى لهم من وقت على الحياة. نعم يابني كانت غلطة كبيرة جائت من الاعلى , من القيصر ولكنها ليست الهية .

استمرت المحادثة مابين الشاب الشركسي والعجوز القوزاقي , كل يبحث عن وطن بطريقته!

عندما تذكرت قصة صديقي تذكرت مقولة بوتين على التلفاز ” بأن الشركس مروا من احدى تلك المناطق ” ……بدون اي سخرية اريد ان اسأل من يعرف اين ذهبوا ومن اين اتوا واين وطنهم؟ من الذي جعلهم منتشرين في جميع اصقاع الارض كل تلك المدة؟ يمكن انهم يبحثون عن وطن ولكن لايجدون؟ لماذا هم مفرقون في اكثر من 50 دولة؟

لايجوز نبش الماضي وحرث التاريخ ؟ اذن ربما لم يكن هنالك داع لكي تمس قبور اجدادنا واغراقها لبناء سد الكوبان* ( سد كرسنودار ) , ربما لايوجد هنالك داع لكي تنبش تلك الارض الغارقة بالدماء لعقد دورة الالعاب الاولمبية ! لا ادري ولكن العجوز القوزاقي كان محقا عندما قال ” كانت غلطة من الاعلى ( من القيصر ) ولكنها ليست ارادة الهية ” هل ترون يمكن للاموات ان تنتقم , القوزاقي فهم ذلك…..ماذا عنكم؟! هذه ليست ارادة الهية وحسب!

قاساي حاتشاوغو

http://www.elot.ru/main/index.php?option=com_content&task=view&id=2557&Itemid=1

ملاحظة المدون : هذه المقالة ترجمها من اللغة الروسية ناورز بشداتوق ومنقولة من الموقع اعلاه للكاتب والمخرج الشركسي قاساي حاتشاوغو والمقالة لاتعبر بالضرورة عن رأي المدونة .

المصدر fischt.blogspot

 


 

Share Button

دروب الهجرة» التي سلكها الشعب الشركسي»

«دروب الهجرة» التي سلكها الشعب الشركسي

«دروب الهجرة» أو «منفيو القوقاز» رواية للكاتب اللبناني بالفرنسية اسكندر نجار صدرت في باريس عام 1995 وقد ترجمها الشاعر الراحل بسام حجار الى العربية وصدرت عن دار النهار حديثاً في طبعة ثانية، بعد طبعة أولى صدرت عام 1995. وعلاوة على أهمية هذه الرواية وفرادة موضوعها فإن ترجمتها الى العربية التي أنجزها حجار جعلت منها عملاً روائياً عربياً جميلاً نظراً الى مراسه الابداعي في الترجمة والى مرونة لغته القادرة على التكيف مع النص الأصل ومعاودة كتابته بالعربية.

< ليس عبثاً أن يختار المؤلف اسكندر نجار «قيصر» امين المكتبة الذي يهوى كشّ الحمام وهي مهنة محتقرة بين الناس ولا يؤخذ بشهادة صاحبها في المحاكم لأنه يعتبر نهّاباً، يسرق حمائم غيره. ليس عبثاً أن يختاره ليستعيد به مجد الشركس. وتلك الصورة الخانعة التي قد تكون اكتستها «سحنة» الشركس لم تكن هي نفسها حتى منتصف القرن العشرين ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، حين خاض الشركس مع كل الفرقاء حروباً مهمة وكانوا بيضة القبّان التي ترجِّح فوز جهة على جهة. فهم كانوا محاربين أشدّاء في بلادهم واستمر أحفادهم المنفيّون في سبيلهم، كما الذين اختُطِفوا ليغدوا مماليك قصور الخلفاء مع الأكراد والترك، وأسسوا دولة قوية. ويمكن القول إنها رواية ترد الإعتبار لشعب نفي ولكنه كان أبيّاً في بلاده وحاول أن يبقى كذلك بعد تهجيره منها، لكن الحرب للحرب هي غير الحرب لهدفٍ وطني، وهو ما يرد ذكره تلميحاً في الرواية مع أن المؤلف يعذر الشركسي لأن القتال يجري في دمه!

هُجِّر مليون قوقازي عام 1864 عندما انهارت آخر مقاومة كان يقوم بها آخر المقاومين هناك، وسقطت آخر قرى القوقاز أمام الزحف الروسي الطامع بمنفذ الى البحر الأسود وبمنفذ الى طريق الهند التي يسيطر عليها التاج البريطاني. في ذلك العام، 1864، عندما انتهى استقلال آخر المعاقل القوقازية، كان لبنان يلملم آثار الحرب الطائفية التي اندلعت عام 1860 وكان أطرافها مرتبطين بالدول نفسها في شكلٍ أو آخر أي تركيا وروسيا وبريطانيا وفرنسا! تلك الدول الصغيرة أو الشعوب الصغيرة لنقل، إذ يصعب وصفها بالدول، كانت ألعوبة في أيدي الكبار ولا تزال.

أما القوقازيون المنفيون لم يكونوا من الشركس فقط بل من الشيشان والقبائل الأخرى المجاورة، ولكن غلب عليهم العنصر الشركسي. وما أهاج فكرة الكتابة عنهم عناوين الجرائد التي صدرت في مطلع التسعينات معلنة هجوم الروس على بلاد الشيشان المطالِبة باستقلالها لإخضاعها. وكان لبنان يقع تحت الهيمنة الإقليمية المجاورة لتتشابه المصائر بعد مئة عام ونيف وكأن التاريخ يعيد نفسه لأن قدر الشعوب الصغيرة أن تصارع دوماً التنين وإن كانت لا تستطيع أن تصرعه!

هكذا تماهى اسكندر نجار بأجداد الشركس وهم يهزمون أمام زحف الاحتلال ثم بآبائه اللبنانيين وهم يسقطون تحت هيمنة دولة أخرى. ليتجرّع مرارة الذكرى والتجربة الحديثة ويستقي منهما، أي التاريخ والحرب اللبنانية التي شهدها، عِبراً ومواقف، هي خلاصة الحروب الطويلة والعبثية أحياناً. فالتقاتل الداخلي قاتل أصحابه لا محالة، وعبثي، والحرب الطويلة قاتلة، لكن آراءه مرت خفرة وكان لا بد من انتقائها بين مدَّ السرد التاريخي المهم جداً لفهم ظروف هجرة الشركس ودورهم في الشرقين الأوسط والأدنى: مع تركيا ثم مع الفرنسيين والانكليز بعد سقوط الخلافة. وإذ يحاول أن يضفي سمة أسطورية على المحارب الشركسي فإنه يلمِّح الى الآراء التي أثارها في نفوس الناس الذين حاربهم وكأنه يحاول أن يورد رأي الضحية والجلاد. لكن التركيز يبقى على وجهة السرد الأساسية أي دور الشركس في الحروب من القوقاز حتى عمّان، أو إن شئنا من البحر الأسود حتى البحر الأبيض المتوسط.

بعد حرب دامت مئة عام ضد روسيا المتهافتة على إنهاء استقلال القوقاز كله، والهرب من ذل الاحتلال طلباً للحرية، يأتي دور تركيا التي لم تتحرِّك لنجدتهم الا في هدف استغلالهم. أسكنتهم في مناطقها المقفرة أو في مناطق معينة ليشكَّلوا «سداً في وجه الشعوب المتمردة أو لإيجاد توازن طائفي في المقاطعات ذات الغالبية المسيحية».

«حين تركنا أرضنا فقدنا كل سيطرة على مصيرنا الخاص»، يقول دجنتمير أحد أبناء الشيخ منصور آخر زعماء الشركس الذين هزموا في الحرب واضطروا الى الهجرة. لكنه قول يحتمل النقاش، فقد كان بإمكان الشركس رفض أداء دور الجلاد، ولكن يبدو أن الضحية لا بدَّ أن تصبح كذلك إذا طاولت يدها السلاح، فكان أن تحوّل قسم من الشركس الى مرتزقة في الجيش العثماني مع بعض الألبان والأكراد وهم جزء من جيش الإنكشارية دُعيت فرقه بباشي بُزُق وهو تعبير ترجمته رأس مجنون، إذ كانوا ينكّلون بالشعوب التي تريد الإستقلال عن الهيمنة العثمانية ويمارسون كل أنواع الفظاعات مما تقشعِّر له الأبدان من إحراق المتمردين أحياءً، الى تقطيع الأوصال قبل القتل، الى كل ما يمكن ان يأتي به من فقد كل صلة بالإنسانية أو المبادئ أو الحس السليم، لكن المؤلف الذي يلاحظ انهم يحاربون شعوباً تطالب بحريتها ويقفون سداً أمامها مع أنهم هربوا من أجل الحرية يجد عذراً ما لهم، في قول الصحافي الفرنسي دو وارد، عند سماعه أخبار الفظائع: «إذا كان السيد هنري إليوت، سفير بريطانيا العظمى في القسطنطينية، ينصح الحكومة التركية بسحق الحركات الثورية دونما اعتبار للوسائل التي قد تستخدم في سبيل ذلك… فإني أسأل ما الذي يرتجى من هذا العالم بعد، إذا كان الأكثر تحضراً يمثلون مثل هذه القدوة البائسة»!

إن كان القوقازي محارباً جلفاً فماذا عن الشعوب التي تدّعي التحضّر. وهو سؤال يُطرح فقط ابتداءً من القرن التاسع عشر مع تقسيم أوروبا العالم الى متحضر ومتخلف. وطبعاً يُنسب التحضر اليها والتخلف الى غيرها، لذا يسخر المؤلف في أكثر من موقف، فعند تهجيرهم «قدّم التاج البريطاني ستمئة طن من البسكويت» والسؤال الذي يطرحه وكأنه صدى أي شعب يُسحق والعالم ينظر إليه: – «أين كانت اوروبا تلك الليلة؟» كناية عن ليلة سقوط القوقاز عام 1864. أي أين كان «العالم المتحضر»؟

يطرح المؤلف أكثر من إشكالية. مسألة البقاء أم الهجرة عند وقوع الإحتلال، التسليم بشروط المهاجم أم الإستمرار في الحرب مهما كانت النتائج؟ ولمن المجد لمن بقي أم لمن هاجر؟ ونبدأ بالتسليم بشروط المهاجم التي عرضت شروطاً على الشركس فرفضوها لأنها لا تخلي أسراهم. وهناك موقف ضمني للمؤلف دسه في سياق السرد يوحي بأن الزعماء الشركس لم يلاحظوا أن السياسة هي فن الممكن، فأرادوا كل شيء، وإلا لكانت الحرب توقفت وأُبقي على من بقي.

الاشكالية الثانية تتمثل في السؤال: البقاء أم الهجرة؟ وهنا لا يسعنا إسقاط رأي مسبق لأن الأمر يختلف بحسب ظروف كل جماعة، وإلا نقع في الموعظة. فالهرب يكون عادة لأن الحياة مهددة، للنجاة بالنفس، ومع هذا في حال إمكان البقاء فهو أفضل، كما يتبين. ولكن كما نفهم من حالة الشعوب التي تُقتلع من جذورها فإن لكل حالة مساوئها وتبعاتها، مع أن التجذر في الأرض مهم.

والسؤال الأخير: لمن المجد لمن بقي أم لمن هاجر؟ يعرض المهاجر قضية بلده وشعبه على الملأ. والمجد لمن يجيد التصرف أينما كان. فالشركس عندما وصلوا منفيين الى الشرق واستعملت الدولة العثمانية بعضهم ضد المطالبين بالحرية أمثال البلغار، ثم في سورية عندما حاربوا مع فرنسا ضد الوطنيين، كان لا بد أن يثيروا حفيظة الشعوب التي حلوا بين ظهرانيها. وإن كان المؤلف يؤكد صفة المحارب الذي لا يهاب الموت عند القوقازي، فإننا نرى أنه ككل المنفيين يحاول أن يأخذ جانب القوي أو من يمثل السلطة ليضمن بقاءه.

وقد أشار المؤلف الى هذا في مواضع معينة من سرده، فقد اتشحت الصراعات السياسية أحياناً والقومية بمسحة دينية: تركيا المسلمة ضد بلغاريا المسيحية، وروسيا المسيحية ضد الشيشان والانغوش والشركس المسلمين، على رغم أن إسلام الشركس ممتزج بتقاليدهم كما يركز على ذلك المؤلف وليس متشدداً، ولكن عند احتدام الصراعات بين الدول واكسائها طابعاً دينياً، يعود البولوني مسيحياً والشركسي مسلماً، وهكذا دواليك في لحظة ما، فتقص المصلحة الوطنية أمام استثارة الشعور الديني.

المصدر:

http://www.sahafi.jo/arc/art1.php?id=e2cfd459fcd73cda794197f6099348219704b8fe

Share Button

كفكاز سنتر: مولادي أدوغوف: ماذا بعد الثورات العربية؟

مولادي أدوغوف: ماذا بعد الثورات العربية؟

فترة الاصدار: 21 يونيو 2011, 02:24
de

بسم الله الرحمن الرحيم

طلب محرروا قفقاس سنتر الإجابة عن بعض الأسئلة التي تهم قراء ققفاس سنتر والتعليق على التطروات الأخيرة في العالم العربي. ويخطط محرروا قفقاس سنتر لإجراء مناقشات حول التطورات في روسيا والقوقاز.

قفقاس سنتر (ق.س): الثورات العربية، التي تسمى أحيانا “الربيع العربي” تجري منذ ستة أشهر الآن، وتغطي مساحة واسعة من الأرض من المحيط إلى الخليج. ولم تنتهي حتى الآن، ولم تأخذ شكلها النهائي. وليس هناك شك في أهمية هذه الأحداث دوليا. يقول الخبراء أن السبات إنتهى، وأن العالم العربي إستيقظ وبدأ العمل. أنا أتساءل، إذا كان من الممكن لأي أحد أن يتوقع الأتجاه المتوقع للأحداث؟

مولادي أدوغوف: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.

نعم، إن هذا التقييم رخيم ومتوازن. لدرجة ما، يبدو كتحذير.

إن أهمية الثورات العربية، كما يراها الغرب، يظهر من خلال عدة نقاط.

لنأخذ “إسرائيل” – بدون أي سبب وجيه، إستبقت بإغلاق سفاراتها وقنصلياتها أو زيادة الإتفاقيات الأمنية مع عدة دول، ومن ضمنها تلك التي في أميركا اللاتينية.

في مقابلة مع CNN، الرئيس “الإسرائيلي” شيمون بيريز دعا إلى “التوصل مبكرا لإتفاقية سلام مع الفلسطينيين”. ووفقا له، “ليس هناك متسع من الوقت للتوصل لإتفاقية سلام ويجب أن نتصرف بسرعة”.

إنه يعتقد أن فشل مفاوضات السلام سيعرض للخطر مستقبل “إسرائيل” كدولة يهودية بأغلبية ديمغرافية يهودية.

النقطة الثانية – على خلفية السخط المختلق الذي قاله ذلك “الإسرائيلي”، الدول العربية رمت جزرة – لإستئناف المحادثات “بخصوص حدود 1967م مع الفلسطينيين”.

بدون التلميح بندم أو تردد، إن الأميركيين غسلوا أيديهم من جميع الطغاة الذين كانوا يخدمونهم بولاء أعمى لعدة سنوات.

في الوقت نفسه، التحالف الغربي يحاول أن يطلق العنان للثورات العربية ويحددوا لهم هدفا واحدا، لا بديل له – إقامة أنظمة ديمقراطية عميلة جديدة من المحيط إلى الخليج.

ق.س: يمكن القول، أنه منذ البداية ونحن نتابع ونسجل كل هذه الأحداث، وتأكيدنا على هذه القضايا، بشكل عام، مفهومة جيدا. ولكن أود أن أستمع لإختصار مفصل أكثر حول الموقف ورؤية هذه الحركة. بشكل أساسي لينتفع قراءنا حتى يتمكنوا من يفهموا الحاقائق المتداخلة، ويزيلوا التضليل الذي تقدمه مصادر الإعلام الدولي.

م.أ: حسنا، لنبدأ، يجب أن نسقط جميع الأحاديث عن “اليد الأميركية”، و”القدم الماسونية”، والموساد، و CIA، وغيرها من الخرافات التي تحبذها الصحف الصحراء.

أنا متفق مع أولئك المعلقين الذين أشاروا أنه لا الأميركيين ولا الناتو أو أيا من غيرهم من أجهزة الإستخبارات المبجلة توقعوا هذه الأحداث، وفي البداية كانوا مذهولين تماما. والتشويش وغياب الوضوح في تلك الحالة بالتحديد أدى للقرار بقصف ليبيا.

بطبيعة الحال، التحالف الغربي وحلفاؤه لن يشاهدوا فقط إزدهار “الربيع العربي”. الجميع من – أصحاب الرؤى – من الحاخامات، الذين يحلمون أنه بعد الثورة العربية، ستحكم “إسرائيل الكبرى” الشرق الأوسط إلى محللي الناتو الحصيفين، يحسبون عدد القنابل التي يحتاجونها لإسقاط القذافي – الجميع سيحاول أن يضغط على غطاء المرجل العربي الذي يغلي.

ق.س: أود أن أبين أن نظريات المؤامرة تبرز عندما يذكر هذا الموضوع؟ ما التوجه الذي يجب أن ننتهجه تجاه هذه المؤمرات والنظريات؟ وقد جرت العادة أن تقدم “نظرية المؤامرة” كنوع من الغباء ويتم السخرية منها؟

م.أ: إن المؤامرة بحد ذاتها موجودة بوضوح، بالرغم من الجهود لنفيها.

والحقيقة ليست في المؤامرة نفسها ولكن في الطريقة التي ينظر إليها.

هناك جانبان في هذه القصة.

أحدهما – حقيقة أن في عالم الواقع سياسيين، ومصرفيين دوليين محركين ومهزهزين، وأقطاب الإعلام وغيرهم متصلون ببعضهم البعض، وبالطبع، إسلوبهم يكون في التفاوض والتنظيم لأنشطتهم في السياسات الدولية. زيادة على ذلك، نحن نعلم أن العديد من هؤلاء الأفراد مرتبطون ببعضهم البعض ليس فقط بشكل شخصي أو سياسي، ولكن كذلك على المستوى العائلي.

والقبلية والسرية متواجدة كذلك. وإذا قال أحدهم أن كل ذلك بعيد المنال، ومستحيل، وغير قابل للتصديق، ويدفعنا للضحك، وهم غير صادقين معنا.

ولكن هناك جانب آخر، الذي يستحق أن يضحك عليه. هي عندما العقول الجاهلة لمنظري المؤامرة تعتقد أن نوعا من القوة المميتة هي وراء أسباب، ومسيرة، ونتيجة جميع ما يجري.

هذا هو الإختلاف الأساسي في تقييم “المؤامرة الدولية” الذي يقوم به الجهلاء والمسلمين.

إن المتآمرين لا يعارضون أن يخافوا أن يقاتلوا من قبل الباقين. إن النفي الرسمي لأي مؤامرة من قبل أولئك الذين في السلطة، يؤكد التلاعب بمختلف السيناريوهات في مخيلات الناس عندما تطرح هذه المواضيع للنقاش.

على خلفية الخوف من بروز القوى الشيطانية والمادية، الخوف الذي خلده المادية الإلحادية، إن لمثل هذه السياسة أثرها – ينشأ للمؤمنين شعور من اليأس التام.

هذا يذكرني بالراحل جوهر دوداييف. كلما فكرت أكثر، كلما إقتنعت أكثر، بأنه كان سياسيا متمرسا في وقته. أتذكر كيف كان يضحك من كل تلك الأفكار الماسونية وكان يقول: “كل ذلك هراء … ولترى ذلك بنفسك، ضع مسدسا في أنف الماسوني وسوف ينزف بولا من سرواله”.

ما الذي يمكن أن يكون أكثر سخافة من نسبة القوة والعظمة للمخلوقين الذين يخرجون لهذا العالم من فرج أنثى؟

إن المسلمين الذين يعرفون دينهم، ليس لديهم شك أن هذه المؤمرات وهؤلاء المتآمرين ليست إلا من مكائد الشيطان. حيث يقول القرآن: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) سورة النساء 76. نحن نثق بالقرآن ونؤمن أنه لا يملك الحول والقوة إلا الله.

ق.س: عند مراقبة الأخبار حول الأحداث في العالم العربي يوحي أن بعض المحللين، من الروس والغربيين يحاولون أن يبعدوا أنفسهم عن الدعاية المبتذلة. إنهم يصفون تاريخ الدكتاتوريات وتميز الثورات التي تجري في العالم العربي بشكل غير متحيز. وبالتحديد، من المثير أن نلاحظ أن بعض هؤلاء المعلقين ليس في عجلة ليقوم بالتوقعات. وهم محقون في ذلك.

م.أ: لا يمكنني أن إلا أن أتفق معك. إن المجتمع الغربي خائف، إنه ليس لديه دليل كيف بدأ كل ذلك، فما بالك أن يعرفوا نهايته.

فإنكشف في هذا الصدد، إذعان الأميركيين، فمثلا، فقد فشلوا في يتنبؤا بشكل صحيح من يكون عدوهم التالي حتى لمرة واحدة – بالرغم من الموارد الهائلة، و”المعاهد الفكرية”، ومراكز البحوث الإستراتيجية. وبالتحديد، ذكر هذا مؤخرا نائب وزير الدفاع وليم لين، الذي أنقل عنه:

“في الحقيقة، نحن لدينا سجل سيء في تقفي متى، وأين، ضد من سنقاتل. الوزير غيتس وصف سجلنا بهذا الخصوص بشكل صحيح – نحن لم نفلح في ذلك أبدا”.

إن الأحكام الموضوعية التي ذكرتها تبدو في الوهلة الأولى معقولة. إن هذا الإنطابع يبرز من حقيقة أن المحللين في هذه الأيام يصفون بالتفصيل المشهد السياسي الذي هو واضح للجميع. وبالنسبة لوسائل الإعلام الرئيسية فهي غالبا ما لا تغطي هذه المواضيع من وجخة النظر هذه بالتحديد.

إن ما يسمون بالمستشرقين في حيرة. بينما هم يقبلون أن هذه الثورات غير نموذجية، فهم مع ذلك، يحاولون أن حشر تلك الحركة في المخطط الشيوعي. أو الركود الإقتصادي، وأطيط البطن الجائع، وما إلى ذلك.

ق.س: بالفعل. هذا بالتحديد يلاحظ بخصوص مصر. لا يكتمل أي حديث بدون ذكر مسألة الدولارين السيئة الصيت، التي هي متوسط دخل المصري في اليوم. وكما يقال هنا، لا يمكن إلا أن تقوم الثورة. بالرغم من أنه ينفي ذلك، بقوله أن مسألة الدولارين يمكن أن يفسرا في السيناريو المصري، ولكن هذا لا يمكن أن يطبق على ليبيا، حيث لديكم أشخاص من سائر أنحاء العالم جاؤ من أجل كسب المال.

م.أ: عرضا، بالنسبة للمصري، دولارين في اليوم، أي أنه يجني 60 دولار شهريا، فذلك ليس نهاية العالم. فهو لن يأكل الولائم، ولكنه لن يموت من الجوع. إن العديد من الطلاب يعيشون بدولار ونصف في اليوم. إن الإشارة لمسألة الدولارين تستخدم للتأثير على الغربيين. على أية حال، فقراء الأميركيين يعيشون على 700 دولار شهريا، و 950 دولار شهريا في ألمانيا، وهو مع ذلك لا يكفي.

ق.س: إن الخطاب البلشفي ليس متماسكا. فالفيلسوف الروسي بيرداييف أشار في ذلك الزمن أن البلاشفة يسعون لنشر التفرقة بين الناس، جاعلين صعوبات الحياة اليومية في مرتبة الكارثة الكونية.

م.أ: على فكرة، هذا الأساس الذي بني عليه الفكر السياسي للديمقراطيين. إنها الطريقة التي يفكر فيها الملحدون.

إنهم يتكلمون بمصطلحات مشابهة حول التوظيف، وخلق الوظائف، والإستثمار. إنه بحث مسعور عن طرق مقاتلة الإسلام.

إنهم يحاولون بكل الوسائل أن يخنقوا الجهاد، حيثما يبدأ، ويأخذون الإجراءات الوقائية، حيثما يصبح ناضجا.

إن العالم العربي مختلف جدا في وضعه الإقتصادية، وثقافته، وتاريخه، وطرق تفكيره. ومع ذلك، لا يمكن لأي من العوامل الإجتماعية – الإقتصادية أن تفسر بشكل متزامن إنتفاضات المسلمين.

إن الله أذل هذه الأنظمة الدكتاتورية الشائنة، التي إضطهدت الإسلام لعقود، إن الله هد قواعدهم وأعطى المسلمين فرصة لبناء مجتمع يعيش تحت أحكام الله.

ق.س: عند لحظة ما، مصر كأكبر وأهم دولة في العالم العربي، أصبحت أكثر ما يقلق الغرب. ولكن، يبدو، أنهم جميعا يغنون نفس النشيد الديمقراطي هناك. وبإعتراف الجميع، الإخوان المسلمين يلعبون دورا رئيسيا في هذا الصخب والضجيج الديمقراطي.

م.أ: الإخوان المسلمين، يميلون إلى التأكيد على إلتزامهم بالقيم الديمقراطية. لقد قبلوا بعض النساء والمسيحيين الأقباط إلى قيادتهم. ما الذي بقي عليهم أن يفعلوا ليثبتوا تسامحهم للغرب، إدراج السدوميين، وإضافة إلى حاخام كذلك.

إن هذه الحركة في تحط وتهين نفسها منذ زمن طويل، ولكن للأسف، إن مناصريها غير مدركين لذلك بكل سعادة. والتاريخ الحديث بالنسبة لهم لا يقدم لهم أية دروس.

حتى إذا وصلوا إلى السلطة، نحن نعلم ماذا ستكون النتيجة – إنظر لما فعله ما يسمى بالإسلام الديمقراطي في السودان او غزة.

أشك كثيرا أن الإخوان المسلمين المصريين يمكنهم أن يغيروا النظام القائم. بل على العكس من ذلك – إنهم يحاولون منذ عقود أن يدمجوا أنفسهم في النظام الموجود. أعتقد أن لديهم فرصة أفضل في تحقيق ذلك.

إن الواقع هو أن مصر تحتل مكانة إستراتيجية مهمة مع حقيقة أن لديها عدد سكان كبير جدا لا يعطي ضمانات بأي تغيير جذري سيحصل في العالم العربي.

هذا الذي أراه والذي أعتمد عليه. ولكن، الله سبحانه، سوف يختار الأمة التي سوف تقيم حكمه.

ويبدو أن أهل اليمن وأفغانستان هم الأقرب للنجاح في ذلك، ولكن هذا توقعي فقط، والله تعالى أعلم.

ق.س: حسنا، لا عجب أن اليمن هي هم رئيسي للأميركيين والناتو. إذا لم أكن مخطئا، وفقا للتحديات التي تواجهها، إن اليمن هي المكان الثالث، بعد أفغانستان والعراق، أليس كذلك؟

م.أ: لن يفاجئني ذلك، إذا صعدت اليمن إلى المكان الأول. إن التحالف الغربي مهتم للغاية حول الوضع في البلد. “نشرة الناتو” نشرت تحليلا يوصي بتغيير التكتيكات في الحرب مع العالم الإسلامي.

ينصح الخبراء أميركا على التخلي عن قوة السلاح، والتركيز أكثر على تعليم الموظفين، يعني إعداد الحلفاء العسكريين المختصين والعملاء الذين يعتمد عليهم في الميدان.

إن المعلومات التي جمعت بحذر حول اليمن تأخذ بعين الإعتبار كل شيء – بدءا من قلة المصادر المائية إلى التناقضات بين شمال وجنوب البلاد.

ق.س: أي إيجاد أضعف الروابط لإستخدامها ضد الجهاد والمجاهدين؟

م.أ: هذا صحيح. فقد أشار وليم لين في تقرير الأخير حول تحديات في إستراتيجية الولايات المتحدة هو أن الأميركيين في رأيه سيستخدمون منهجية أكثر تأثيرا في المواجهة العالمية مع الإسلام.

وتتضمن هذه الإستراتيجية، مثلا، برامج خاصة في المعونة العسكرية والإقتصادية للأنظمة التي يتحكم فيها الغرب في العالم الإسلامي، وتقوية مؤسسات الدولة التأديبية، إلخ. إن الهدف العام هو منع ما يسميه الأميركيين “بالأزمة”، قبل أن تصل إلى مرحلة يصبح فيها نشر القوات المسلحة الأميركية ضرورة.

ق.س: هل ستوافق قيادة الناتو على عملية برية في ليبيا؟ إطلاق الرصاص، والقنابل، والصواريخ عن بعد ليس من المحتمل أن تسهل قامة نظام عميل. وعلى الجانب الآخر، فالغزو البري لأفغانستان والعراق لم يأتي بنتيجة للناتو، أليس كذلك؟

م.أ: حسنا، ليس تماما. مثلا، القصف الجوي كان ضروريا لإقامة نظام موال في صربيا. ولكن، الوضع في الدول الإسلامية هو نوعا ما مختلف عن الأوروبية، حيث أن القصف لن يحل المشكلة.

في الواقع، أي إستراتيجية تبدو خاسرة في اللحظة الراهنة. في الشطرنج، يسمى ذلك “زغزوانغ”. نحن أحيانا نعزو المنطق والنفعية السياسية لطريقة تفكير السياسيين الغربيين. وهم يصدقون أنفسهم بأنهم ملتزمون بما يسمى “سياسة الواقع”. وعلى الرغم أيا كان القرار الذي سيتخذوه، فهم حتما سيندمون عليه. والله لا يهدي الكفار.

إذا تجرأ التحالف الغربي على أن يطأ أرضا إسلامية أخرى، عندها، فذلك سيكون في مصلحة المسلمين. وبقولي مصلحة، أعني به عودتهم إلى دينهم، بذلك – إلى عظمة وكرامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

في حالة الغزو الأجنبي، كل سوء الفهم والشكوك تختفي وذلك يعطي الجهاد نوعا من النقاء الصافي الذي ينكشف لجميع الأتباع الحقيقيين لتعاليم الله.

هذا العالم هو – حاجز بين الجنة والنار. لقد خلق بطريقة أن الله يختبر بعض الأشخاص بغيرهم. إن الكفار يمتحنون بالمسلمين، والمسلمين – بالكفار. وتمتحن أمة بأخرى.

ق.س: ختاما، ما هي توجيهاتك وتحذيراتك التي تقدمها لإخوانك؟

م.أ: ليس لدي حق في تقديم التوصيات، ولكن من خبرتي وإدراكي للعالم، يمكنني أن أنصح.

أولا، أحث العلماء أن يقودوا الإنتفاضات الإسلامية. إن العبء على علماء المسلمين الآن حيث عليهم أن يحذروا المسلمين حول الدروب الباطلة والتضليلات التي تنتظرهم.

إنهم يجب أن يذكروا ويشرحوا بإستمرار للناس الحالة الحقيقية للأمور الدنيوية.

ومن المهم أن يتذكروا أنه ليست الدولة ولكن دينهم أن يحتاج للإنقاذ أولا.

يجب أن يتخلصوا من خرافات أن الشريعة يمكن أن تقام سلميا، كما يدعو البعض، ومنهم مسلمون مخلصون. ذلك تضليل. أكرر ما قاله العلماء – لو كان ذلك ممكنا، لقام بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.

أنتم لا يمكنكم أن تتكلوا على أحد سوى الله، لا يمكنكم أن تتكلوا على أن تجمعوا الناس من أجل مسيرة. هذه مجرد أوهام لا تلبث أن تختفي. حيث بقول ذلك، في ظروف معينة، يمكن للجماهير أن تصبح متحفزة لعملية عفوية لا تسيطر عليها السلطات.

نحن لا يمكن نؤمن بأي قائد سيفسر عقليا لماذا لماذا ليس هناك جدوى، كما يقولون، “من أن نخالف بقية العالم، وأنه يجب أن نقوم ببعض التنازلات الآن”.

لا تدخلوا في أي مفاوضات سياسية في البداية وفي منتصف الإنتفاضة، حتى تحوزوا ما يكفي من السلطة.

على القادة المسلمين أن يفسروا الأحداث، ويقيموها، ودائما القيام بالتفسيرات بين المسلمين وصياغة الأهداف والغايات. إنه يجب أن نتذكر أن التصريحات السياسية دائما ليس لها نتيجة.

إن الإستبداد الديمقراطي يميل إلى فرض قيمه وطريقة حياته بالقوة، ويتجه إلى التصريح بضرورة البقاء تحت شعار “السلام والحرية”، بينما أنهار الدم يتم سفكها. وما هو أكثر، أن الديمقراطيين ينكرون على الإسلام نفس الحق بالسلام والحرية كبقية البشرية.

إن أنصار الديمقراطية يقولون أنه إذا كل العالم أخضع نفسه للديمقراطية، فالإنسانية سوف تعيش في سلام. والإسلام يقول أنه فقط إذا أقيم الإسلام في العالم كله، ستعيش الإنسانية بسلام وإرادة حرة حقيقية.

إن الإختلاف بين هذين المصطلحين هي أن أحدهما من صنع البشر، والآخر أنزل على الناس من قبل الله.

في الختام، أود أن نتذكر كلمات الخليفة عمر (رضي الله عنه) للعرب:

“من أبتغى العزة في غير الإسلام أذله الله. ونحن قوم اعزنا الله بالاسلام فاذا ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله”.

كفكاز سنتر

http://www.kavkazcenter.com/arab/content/2011/06/21/8573.shtml

Share Button

محيط: فلاديمير بوتين قيصر روسيا الماكر

فلاديمير بوتين قيصر روسيا الماكر

13 أغسطس/آب 2011


محيط – مي كمال الدين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي يتمتع بشعبية كبيرة في روسيا هل يكون انتهاء عام 2007 هو نهاية سياسية بالنسبة له، أم يكون بداية لحياة سياسية جديدة مع بداية عام 2008، ولكن بشكل يختلف عن حياته السياسية كرئيس لروسيا، وعلى الرغم من انتهاء فترة حكم بوتين الرسمية  لروسيا إلا أنه يعتقد الكثيرون أن بوتين سوف يظل يتمتع بمكانته السياسية كقائد وزعيم للشعب الروسي.

 

شهد عام 2007 حالة من الترقب بالنسبة للشعب الروسي، ما بين إمكانية أن يظل بوتين رئيساً لجمهوريتهم لمدة ولاية ثالثة، مع تعديل في الدستور يسمح له بالبقاء في سدة الحكم، وما بين مغادرته لمنصبه مع انتهاء فترة الولاية الثانية.

وقد تضاربت الآراء في الشارع الروسي ما بين مؤيد ومعارض لبقاء الرئيس الروسي في منصبه وتعديل الدستور، وهو الأمر الذي قيل أن بوتين رفضه مؤكداً أنه لن يغير الدستور من أجل البقاء في الحكم لفترة ولاية ثالثة.

 

النشأة والتعليم

اسمه فلاديميروفييتش بوتين، ولد في لينينجراد في السابع من أكتوبر عام 1952م، قام والده فلاديمير سبيريدونوفيتش بوتين بالمشاركة في الحرب العالمية الثانية دفاعاً عن لينينجراد.

تخرج بوتين من كلية الحقوق – جامعة لينينجراد – عام 1975م، وقام بتأدية الخدمة العسكرية بجهاز أمن الدولة، كما حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد، ويجيد كل من اللغتين الألمانية، والإنجليزية.

 

التاريخ العملي 

تقلد بوتين خلال مشواره العملي العديد من المناصب والتي تدرج فيها حتى أصبح رئيساً للبلاد، من المهام التي شغلها بوتين:

عقب تخرجه من جامعة لينينجراد تم تكليفه بالعمل في لجنة أمن الدولة KGBبالإتحاد السوفيتي سابقاً، وفي عام 1984م  تم إرساله إلى أكاديمية الراية الحمراء التابعة لـ KGB  ومدرسة المخابرات  الأجنبية، وعقب انتهائه من الدراسة  في عام 1985 تم تعيينه للعمل بجمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة في الفترة ما بين 1985- 1990م.

 ثم تولى منصب مساعد رئيس جامعة لينينجراد للشئون الخارجية بداية من عام 1990م،  وأصبح مستشاراً لرئيس مجلس مدينة لينينجراد، في يونيو 1991م قام بتولي رئاسة لجنة العلاقات الاقتصادية في بلدية سانت بيترسبرج، ثم أصبح النائب الأول لرئيس حكومة مدينة سانت بيترسبرج في عام 1994م.

 


تم انتخابه رئيساً لروسيا الاتحادية في السادس والعشرين من مارس عام 2000، وتولى المنصب في السابع من مايو من نفس العام، وأعيد انتخابه رئيساً لروسيا مرة أخرى في الرابع عشر من مارس 2004 وقد اكتسح الانتخابات بغالبية الأصوات، وهو القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الدولة.   
في أغسطس عام 1996م أصبح نائباً لمدير الشئون الإدارية في الرئاسة الروسية، ثم نائباً لمدير ديوان الرئيس الروسي ورئيساً لإدارة الرقابة العامة في الديوان منذ مارس 1997م، وفي مايو 1998م أصبح نائباً أول لمدير ديوان الرئيس الروسي، وفي يوليو 1998م تولى منصب مدير جهاز الأمن الفيدرالي في روسيا الاتحادية، ومنصب أمين مجلس الأمن في روسيا الاتحادية في مارس 1999م، وفي أغسطس 1999 أصبح رئيساً لحكومة روسيا الاتحادية، تولى مهام رئيس روسيا الاتحادية بالوكالة في 31 ديسمبر 1999م وذلك بعد تنحي الرئيس السابق بوريس يلتسن.

   

أخر نجاحاته 

كانت أخر النجاحات التي حققها بوتين في المضمار السياسي، ترأسه لقائمة حزب روسيا الموحدة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ديسمبر 2007، والتي فاز بها بنجاح ساحق، وحصل الحزب على أغلبية ساحقة من مقاعد البرلمان 315 مقعداً من أصل 450 مقعد من إجمالي عدد المقاعد، هذا في مقابل 57 مقعد للحزب الشيوعي الروسي، هذا بالإضافة لكل من الحزب الليبرالي الديمقراطي والذي حصل على 40 مقعد، وحزب روسيا العادلة والذي حصل على 38 مقعداً.

 

في عهد رئاسته

في خلال فترة رئاسته عمل بوتين على تعزيز السلطة المركزية، وإحداث التوازن في العلاقات يبن الجهاز التشريعي ووكالات تطبيق القانون، والحفاظ على نمو اقتصادي مستقر.

كما بلغ معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي في روسيا حوالي 7% سنوياً، هذا بالإضافة للانخفاض الملحوظ لكل من التضخم والبطالة، وارتفع الدخل الحقيقي للسكان بنسبة 50%، كما عملت الحكومة على تسديد ديون خارجية تبلغ قيمتها 50 مليار دولار، ووصل الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي إلى رقم قياسي وهو 84 مليار دولار مما يدل على الانتعاش المالي التي حظيت به روسيا في عهده، فقد أصبح الاقتصاد الروسي واحداً من أكبر عشر اقتصاديات في العالم.

كما سعى بوتين من أجل مضاعفة الناتج المحلي والحد من الفقر، وتحديث القوات المسلحة لضمان التنمية الوطنية، وإعادة السيطرة على عدد من القطاعات الهامة في الدولة مثل قطاعي النفط والغاز.

هذا بالإضافة للحد من التدهور السياسي الداخلي الذي عانت منه البلاد في أواخر التسعينات قبل أن يتولى بوتين الحكم، وفي مجال السياسية الخارجية برز دور روسيا في العديد من القضايا والأمور السياسية العالمية مما أعاد لها وضعها مرة أخرى كإحدى القوى المؤثرة في الخريطة السياسية للعالم.     

    

من بعد بوتين؟

يدور التساؤل الآن حول من هو الرئيس المستقبلي لروسيا وقد تم ترشيح عدد من الأسماء من أجل الرئاسة وحل محل الرئيس الحالي بوتين، ومن هذه الأسماء  سيرجي إيفانوف وزير الدفاع السابق، النائب الأول لرئيس الحكومة، وديميتري ميدفيديف النائب الأول الآخر لرئيس الوزراء، وفيكتور زوبكوف الذي عين رئيسا للحكومة في سبتمبر 2007، والذي من الممكن الذي ينافس بقوة في انتخابات الرئاسة.   

 

الرئيس الجديد والقديم

 قام بوتين بترشيح النائب الأول لرئيس الوزراء ديميتري مييدفييدف البالغ من العمر 42 عام عن حزب روسيا الموحدة – الحزب الحاكم –  لرئاسة الجمهورية وخلافته، وقد امتدحه بوتين وأشار لعمله معه لمدة طويلة في عدد من الهيئات الحكومية.

وقد تخرج كل من ميدفيديف وبوتين من نفس الكلية والجامعة، وهي كلية الحقوق بجامعة لينينجراد فتخرج ميدفيديف عام 1990، بينما تخرج بوتين منها عام 1975م .

 

بوتين وميدفيديف

ارتبط التاريخ العملي بين كل من بوتين وميدفيديف، فتعاونا معاً في أكثر من مرحلة عملية وذلك على مدار سبعة عشر عاماً نذكر منها مايلي :

شغل ميدفيديف منصب مستشاراً قانونياً للجنة العلاقات الاقتصادية بيترسبرج عندما كان بوتين رئيساً لها، كما شغل منصب نائب رئيس الجهاز الإداري للحكومة، عندما كان بوتين رئيساً للحكومة الروسية، ثم نائباً لرئيس ديوان الكرملين وذلك عند تولي بوتين رئاسة روسيا بالوكالة، كما ترأس ميدفيديف الحملة الانتخابية لبوتين عندما خاض الأخير انتخابات الرئاسة عام 2000م، وفي عام 2002 تم تعيينه من قبل بوتين رئيساً لمجلس إدارة شركة ” غاز بروم” الروسية، وفي عام 2003 تولى ميدفيديف رئاسة ديوان الكرملين، وفي عام 2005 عينه بوتين نائباً أول لرئيس الوزراء، ومن هنا نجد أن هناك عدد من الخيوط المشتركة بين كل من ميدفيديف وبوتين. 

 

ما بعد الرئاسة

أبدى بوتين موافقته بالنزول عن عرش الرئاسة ليتولى رئاسة الحكومة الروسية الجديدة وذلك في حالة فوز ميدفيديف بالانتخابات الرئاسية، والتي من المقرر عقدها في مارس 2008،  وإن كان هذا الأمر يراه البعض مستبعد وأن موافقة بوتين ما هي إلا نوع من الدعم الانتخابي لميدفيديف .

كما أشارت بعض المصادر الروسية إلى احتمالية تولي بوتين لمنصب رئيس مجلس إدارة شركة “غاز بروم” إلى جانب منصب رئيس الحكومة، ولكن الشئ المؤكد والذي تدعمه العديد من الآراء أن بوتين سوف يظل يحظى بأهمية بالغة على الساحة الروسية والعالمية، وسيظل زعيماً للشعب الروسي.

  

شخصية العام لـ 2007

وقع اختيار مجلة التايم الأمريكية عليه ليكون شخصية العام لـ 2007، هذا الأمر الذي أثار نوع من الجدل والانتقاد في الأوساط الأمريكية التي ترى انه توجد شخصيات أخرى أكثر استحقاقاً منه لهذا اللقب، ولكن تبعاً لما أدلى به رئيس المجلة أن بوتين يستحق هذا اللقب نظراً لتحقيقه الاستقرار لروسيا وإعادته لها لتتربع ضمن قائمة دول العالم الرئيسية، كما أضافت المجلة أن منحها هذا اللقب لبوتين لا يأتي من كونه رئيس جيد أم لا ولكن من منطلق الاعتراف بتأثيره الشديد على كل من الساحتين الروسية والدولية.

 

بطل رياضي

عرف بوتين ليس فقط كشخصية سياسية حاكمة لروسيا ولكن أيضاً كبطل رياضي فقد شغف برياضات الدفاع عن النفس، والتي شغلت حيز من اهتمامه أثناء فترة شبابه، ففي عام 1973م أصبح أستاذاً في لعبة السامبو وهي إحدى فنون الدفاع عن النفس الروسية، ثم تحول منها إلى لعبة الجودو والتي تألق بها حاصلاً على الحزام الأسود، كما فاز بعدد من بطولات السامبو والتي أقيمت في سانت بيترسبرج.

 

الحياة الشخصية لبوتين

تزوج فلاديمير من زوجته لودميلا الكسندروفنا عام 1983م، وقد التقيا عندما كان بوتين لا يزال طالباً، وكانت لودميلا تعمل كمضيفة طيران وتقيم في مدينة لينينجراد، وقد أسفر هذا الزواج عن ابنتين هما ماريا وكاتيا.

http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=77352&pg=67

Share Button