كل مقالات Homeland

الحياة: الإعلام الروسي و«الثورات العربية» مرآة لا تعكس موقف الكرملين

الإعلام الروسي و«الثورات العربية» مرآة لا تعكس موقف الكرملين
الإثنين, 18 أبريل 2011
comic

موسكو – رائد جبر

انعكس الخطاب الإعلامي الروسي المرتبك حيال التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على وسائل الإعلام الرسمية الموجهة إلى المتلقي العربي.

وبدا ذلك طبيعياً خصوصاً في بداية الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية، في تونس ومصر، وقبل أن يتحول المشهد إلى الشكل الدموي الذي استدعى تدخلاً أجنبياً جديداً في المنطقة حظي بقبول الكرملين وانحيازاً واضحاً من جانب إدارة الرئيس ديمتري مدفيديف للموقف الغربي.

ويمكن بسهولة تمييز مرور وسائل الإعلام الموجهة إلى العرب بمرحلتين في أسلوب تناولها للحدث. ففي البداية كان الارتباك المسيطر على وسائل الإعلام الروسية انتقل إلى مؤسسات موجهة إلى المتلقي العربي مثل قناة «روسيا اليوم» وإذاعة «صوت روسيا» اللتين أكثرتا من استضافة محللين وخبراء ركزوا على «القلق من التداعيات المحتملة لما يجري»، من خلال تقديم سيناريوات تبدأ باحتمال دخول المنطقة في فوضى عارمة قد تنعكس على روسيا سلباً، ولا تنتهي عند التلويح بفزاعة وصول الحركات والجماعات الإسلامية المتشددة الى السلطة في هذا البلد أو ذاك، مع ما يحمل ذلك من «مخاطر على القوقاز الروسي».

وكان هذا العنصر، بالإضافة إلى موضوع «المصالح الروسية المهددة» بسبب التغييرات المحتملة، طاغياً على التغطية.

لكن تطور الوضع بسرعة في مصر وتحول الحراك إلى «مليونيات» شبه يومية دفع «روسيا اليوم» الى تكثيف تغطياتها الميدانية التي بدت أقرب إلى نبض الشارع المصري، والى توسيع استضافة صحافيين وخبراء عكسوا وجهة نظر مخالفة للموقف الرسمي الذي تعامل بحذر مبالغ فيه مع الحدث الساخن.

وانسحب الوضع ذاته على جريدة «أنباء موسكو» التي اعتبر أحد كتابها سلام مسافر أنها تميزت «بقراءة تفاصيل ومفردات الحراك الشعبي في المنطقة بطريقة ظلت غائبة غالباً عن صناع القرار الروس» الذين كانت تصريحاتهم الرسمية تعكس عدم وصول معطيات كاملة وواضحة عن الحدث الميداني إليهم.

ومع دخول الحدث العربي مرحلة جديدة عبر التطورات الدامية في ليبيا، زاد تأثير الموقف السياسي للكرملين الذي انحاز بقوة لموقف الغرب من التأثير على وسائل الإعلام الروسية إجمالاً، وبينها تلك الموجهة إلى المتلقي العربي. وكمثال يكفي أن نورد أن العبارات النارية التي أطلقها رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين عندما وصف قرار مجلس الأمن الرقم 1973 بأنه «يفتح الطريق لحرب صليبية جديدة» سحبت من التغطيات بعد ساعات على إطلاقها، ما أوحى بوجود قرار من الكرملين حول ذلك. أيضا قدمت «روسيا اليوم» مقابلة فريدة مع العقيد الليبي معمر القذافي وجرى ترجمتها إلى نسختها الإنكليزية، لكنها لم تلبث أن «اختفت» أيضاً من النسخة الإنكليزية تماماً، فيما غابت عن الصفحة الرئيسة على موقع المحطة بالعربية. ومع ذلك، يسجل للمحطة أنها واصلت تغطيات مهنية من مركز الحدث سواء في بنغازي أو طرابلس على رغم الموقف الرسمي الروسي.

وأوضح مدير القسم العربي في «روسيا اليوم» حيدر أغانين لـ «الحياة» انه حرص على اتباع «سياسة تحريرية مستقلة ومهنية»، مؤكداً أن المحطة اختارت التعامل المحترف والمهني مع الحدث.

وانعكس ذلك من خلال إتاحة الفرصة لمستشرقين وخبراء سياسة للحديث عن أوضاع المنطقة من دون وضع قيود، وخالف كثير منهم الموقف الرسمي على نحو لم يظهر على شاشات المحطات التلفزيونية المحلية.

مثلاً انتقد بعضهم بقوة روسيا لتمريرها قرار مجلس الأمن الذي فتح المجال للحرب «الأطلسية» في ليبيا، كما تحدث آخرون عن أن واحداً من الأهداف البعيدة للتطورات الجارية والتدخل الغربي الجديد هو إحكام الطوق على روسيا والصين وإبعادهما عن الأسواق الحيوية في المنطقة.

وبالطريقة ذاتها، حملت افتتاحيات «أنباء موسكو» وتحقيقاتها الميدانية نَفَساً لم يتفق في غالب الأحيان مع الرؤية الرسمية للكرملين حيال التطورات الجارية.

عموماً، يمكن القول إن الإعلام الروسي – الذي تطلق عليه في الغالب تسمية «موجه» إلى العالم العربي، نجح في اختبار الحرفية في تناول الحدث، ولم يتأثر كثيراً بالمزاج الإعلامي الداخلي الذي بدا بعيداً جداً عن مشاعر الودّ تجاه العرب.

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/256583

Share Button

انتقيت لك …..

انتقيت لك…

لقد تم جمع الكلمات المدونه أدناه بلغة أخرى، ولأهمية المعاني السّامية والمُلهمة الّتي هي بمثابة الحكمة التي يقتدى بها، ارتئينا ترجمتها للغة العربية وعرضها على أعضاء وزوّار وقرّاء “أخبار شركيسيا”:

“القلق لا يخلي الغد من متاعبه، بل يفرغ اليوم من قوته”.

 

ما يجعلني ضعيفا؟ مخاوفي ……

ما يجعلني سالما؟ إلهي .

ما يُثبّتني على الحق؟ إيماني .

ما يجعلني شفوقاً؟ إيثاري ..

ما يجعلني صادقاً؟  نزاهتي واستقامتي .

ما يسدّد رأيي؟  طلبي للمعرفة .

ما يُلقّنني كافّة العبر؟ أخطائي .

ما يديم رأسي مرفوعة؟ كبريائي، وليس غطرستي .

ماذا لو لم أستطع الإستمراريّة؟ ليس خياري ..

ما يجعلني ظافراً؟ جرأتي في الصعود .

ما يجعلني مقتدراً؟ ثقتي بنفسي .

ما يجعلني شهوانياًً؟ خلاصة نهمي ..

ما يجعلني مميّزاً؟ كل ما يخصّني .

ما الذي يجعلني إنساناً؟ وجداني .

ما الّذي يمكّنني؟ إلهي وعملي .

 

19 مارس/آذار 2011

 

أخبار شركيسيا

Share Button

الجزيرة: روسيا.. موقف موارب من الثورات

روسيا.. موقف موارب من الثورات
19 / 03 / 2011
أمين محمد
maaa

تراوحت المواقف الروسية المعلنة إزاء الثورات التي تجتاح المنطقة العربية بين الخوف وإبداء القلق وتحذير الغرب من دفع المنطقة نحو مزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار، وذلك بالتزامن مع الدعوة إلى الحفاظ على حياة الناس وحل مشاكلهم بالطرق السلمية والحوارية.

وتبدو روسيا موزعة وحائرة بين علاقات وثيقة تربطها بأغلب الحكام العرب المعرضين للثورة والمهددين بالسقوط ومصالح كبيرة تجنيها جراء التحالف مع هذه الأنظمة، وبين الرغبة في عدم الظهور بمظهر الرافض لخيارات شعوب المنطقة والواقف أمام حريتها وكرامتها.

ووفق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فإن محاولة الغرب تقديم نموذج معين للديمقراطية لبلدان أخرى من الشرق الأوسط قد ترتد آثارها على الغرب، مشيرا إلى نموذج الانتخابات الفلسطينية التي أسفرت عام 2006 عن فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة.

وبينما كان التجاهل والحرص على عدم إبداء مواقف قوية وصريحة تجاه الثورتين التونسية والمصرية هو السمة الغالبة للموقف الروسي، فإن الموقف ذاته تغير في الحالة الليبية.

فقد أبدى الروس قدرا من الاهتمام، وعارضوا التدخل العسكري ابتداء ثم تحفظوا بعدم التصويت عليه انتهاء لدى صدور قرار مجلس الأمن القاضي بالحظر الجوي.

كلمة السر
وتبدو المصالح الاقتصادية وصفقات التسليح الضخمة التي تدر مليارات الدولارات على الموازنة الروسية فضلا عن الأوضاع الداخلية الروسية، هي أهم ما يدفع الحكومة إلى محاولة كبح جماح الثورات العربية.

ويعتبر النظام الليبي الذي توطدت علاقته بروسيا بعد 2008 من أكثر الأنظمة استيرادا للسلاح الروسي، حيث تم التوقيع مطلع 2010 على صفقة تسليح بين البلدين تربو على الملياري دولار.

وقبل ذلك وقع الطرفان عام 2009 على عقد صيانة بقيمة سبعين مليون دولار لصيانة وتطوير أسلحة روسية قديمة يملكها الجيش الليبي من بينها 175 دبابة من طراز تي 72.

وأدى قرار حظر توريد السلاح إلى ليبيا إلى تجميد عقد جديد بين البلدين لم يتم توقيعه بعد لبيع طرابلس مروحيات عسكرية روسية من طراز 52 أليغاتور, وأنظمة دفاع جوي وصواريخ من طراز إس 1.

وبالجملة فقد قدرت روسيا خسائرها إذا انهارت صفقات أسلحة مبرمة مع دول عربية شهدت أو تشهد حاليا ثورات أو احتجاجات شعبية على أنظمتها بأكثر من عشرة مليارات دولار، من بينها نحو أربعة مليارات مع ليبيا وحدها.

الداخل الروسي
وبينما تراقب موسكو أجواء المنطقة العربية المفعمة بهواء الثورة، تضع أعينها على الداخل الروسي وتخشى من انتقال وهجها إلى أراضيها التي تشهد تصاعدا بأعمال العنف، ولأجل ذلك فهي حذرة وخائفة.

وقد أبدى الرئيس ديمتري ميدفيديف قلقه من أن تتأثر بلاده وبشكل مباشر بالأحداث الجارية بالشرق الأوسط، وقال باجتماع مع لجنة تسمى مكافحة الإرهاب “إن سلسلة الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط سيكون لها تأثير مباشر على الوضع في روسيا”.

ورأى أن منطقة شمال القوقاز بالذات تجمع الكثير من التناقضات التي تُوفر أرضية مناسبة لظهور التطرف، مؤكدا ضرورة تنمية تلك المناطق، وتأسيس برامج اجتماعية لخلق فرص عمل، فضلا عن تطوير البرامج التعليمية التي تدعم التنمية على أوسع نطاق ممكن.

إجراءات متأخرة
صحيح أن روسيا أيدت أخيرا القرار الدولي بحظر توريد السلاح إلى ليبيا وطالبت –وإن بغير إلحاح- العقيد القذافي بالتنحي عن السلطة ووقف سفك الدماء، واعتبرته ميتا سياسيا، ومنعت توريد السلاح إلى ليبيا التزاما بالقرار الدولي، إلا أن تلك المواقف والإجراءات جاءت متأخرة وبعد أن ارتفع سقف التحرك الدولي فوق ذلك وعلت نبرة الخطاب والمواقف الأممية أكثر من ذلك.

مع ذلك تبقى روسيا خائفة على مصالحها وصفقاتها، وحذرة من انتقال الثورة إلى أجزاء من أراضيها.

بيد أنها مع كل ذلك وللمفارقة تربح أكثر كلما طالت الحرب، لأن ارتفاع أسعار المحروقات واضطراب الأوضاع بالمنطقة سيجعلها من ناحية تبيع نفطها بثمن أكبر وتقدم نفسها من ناحية أخرى لأوروبا باعتبارها موردا أساسيا ومستقرا للبترول.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/D065222D-8551-45A3-8CFC-75B3DF9A8721.htm?GoogleStatID=21

 

Share Button

كفكاز سنتر: لغويين يحذرون من البدائية العقلية لرائد الكي جي بي بوتين وخطره على الشعب

لغويين يحذرون من البدائية العقلية لرائد الكي جي بي بوتين وخطره على الشعب

out

ذكرت بالتيك ميديا التي تعد دار نشر جامعة فيلينيوس حيث أصدرت كتابًا كتبته الأستاذة ألينيور لاسان  يسمى “التشخيص اللغوي”.

وذكرت مؤلفة الكتاب أن اللغويات مع التحليل النفسي والفلسفة وعلم الاجتماع، قادرة على أن تكون علومًا تطبيقية في خدمة المجتمع المدني- ويمكن أن تحذر من أخطار يتم فرضها من قبل القوى السياسية على أسس تحليل نوايا المتكلم من خلال الطريقة التي يتكلم بها.

وفي مقابلة مع وكالة أخبار بالتيك قالت السيدة لاسان:

“بوتين ليس بطل كتابي. فهو لم يوجد أي شيئ جديد. فعلى سبيل المثال: يمكنني القول الرجل الأمين لا يتصرف تصرفا خاطئا، هذه كلمات تافهة ومعروفة للجميع. ولدينا هنا تصريحا حديثا لبوتين: “يجب أن نؤكد على أن حزبنا جدير بالثقة، وأن هذا الحزب وحده يمكن أن يحوز على ختم الثقة”.

فالجزء الثاني يكرر الجزء الأول، ولا يضيف أي شيئ جديد.

لذا فبوتين ليس لديه ايّة أفكار سياسية أصيلة.

يجب أن نناقش الكلمات المنفردة التي يستخدمها بوتين في نصوصه، وذكرت أمثلة منها في الكتاب: ففي أحدى خطابات بوتين في عام 2003 تكلم عن مسئولي البلديات وقال العبارة التالية: “دور الأشخاص في المركز هو أساس الديمقراطية في المجالس البلدية”.

ومنذ التسعينيّات لم تُسمع عبارة “دور الشعب”. وتكرّرت في خطابه عبارة “دور الشعب”. وتأتي هذه العبارة من الحقبة السوفياتية وتخاطب الفقراء الذين لا يوجد أمامهم أمل في الوصول إلي السلطة أبدَا: فيتم سحقهم وفقط.

  لذا فالشيوعي يضع أمامه شعار “الشعب والحزب شيئ واحد” وهذا يشير إلى أن هاتين المجموعتين غير مختلفتين. وأجد أن عبارة بوتين مقلقة للغاية. وأظن أن عبارة “دور الشعب” لم  تقل بشكل غير مقصود، ولكنها تدغدغ مشاعر الذين يتذكرون الأغنياء على أنهم أعداء الشعب ويجب أن يتصرفوا بقوة وفقا لذلك.

وبالفعل، فإن محاكمة كودوروفسكي بدأت بعد ذلك بقليل.

قسم الرصد

كفكاز سنتر

 

 

Share Button

مقالة العبوديّة الطّوعيّة

مقالة العبوديّة الطّوعيّة

booook

نشر “مركز دراسات الوحدة العربيّة” في بيروت مؤخرا كتابا يقع في 262 صفحة صادرا عن “المنظّمة العربيّة للترجمة”، بعنوان “مقالة العبوديّة الطّوعيّة” من تأليف الكاتب الفرنسي “إيتيان دو لا بويسي” من ترجمة الكاتب والمترجم “عبود كاسوحة”.

ويُعرف المؤلف من خلال ما قدم سابقا عن موضوع يعزز فيه ذكر “الحرية ضد الطّغاة”.

يقول المؤلف في كتابه ان مقاومة البؤس والقهر حسب رأيه لا تمر عبر العنف والقتل لأن عبودية الشعوب هي عبوديّة طوعيّة والشعوب هي من “تذبح نفسها بنفسها”، وان خضوعها الطّوعي لنير الطّغيان يشوّهْ من الطّبيعة البشريّة القائمة بالأصل على “الإنعتاق والحرّيّة”.

وفيما يلي تحليلا دوّنه “طائر الحب” أحد أعضاء منتدى “روعة المنتدى العام”، بعنوان: “مقالة العبودية الطوعية: نشيد في تمجيد الحرية” يقدم فيه أفكارا رئيسيّة معبّرة لما جاء في الكتاب:

لا يهدف إيتيان دي لا بويسي في كتابه “مقالة العبودية الطوعية” لتأسيس نظرية سياسية، ولا لتوصيف الطغاة، ولا لوضع دليل للتخلص من العبودية، بقدر مايهدف إلى تقديم نشيد في تمجيد الحرية، باعتبارها الراية التي ترفعها الفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم الإنسانيات كمعادل حياتي، ولذلك لايرى فيها دي لا بويسي فيها حقاً طبيعياً فقط، بل قيمة يجب الدفاع عنها والتضحية في سبيل الحفاظ عليها، لأنها وحدها ما يستحق التضحية لأجله، ويرى في العبودية الطوعية سلوكاً انتهازياً ترافقه رغبة طمع وتحقيق مكاسب ما، لكن هذه المكاسب، وغالباً ما تكون تافهة، لا توازي أبدا الثمن المدفوع لأجلها، وهو الحرية، وقد سميت هذه المقالة في بعض الفترات التاريخية باسم (رسالة ضد الفرد) وذلك لأن الكاتب ركز فيها على الرغبة في الخضوع لدى الآخرين، وإذا كان قد أدان الملوك والمتسلطين فإن إدانته للأفراد تبدو أكثر وأشد عنفا، لأن المؤلف يرى أن الذليل لا يمكن أن يكون ذا فائدة في شيء مهم، ويعتبر استغراب البعض من هزيمة جيوش كبيرة أمام مجموعات صغيرة غير مفهوم، لأن المقاتل الذي يقاتل في سبيل حريته والحفاظ عليها من الممكن أن يقتل، لكن من الصعب أن يهزم، لأنه يعرف عن ماذا يقاتل، بينما الآخر يعرف أنه أرسل ليقاتل في سبيل شيء لا يعرفه لذلك تكون هزيمته سريعة، لأن لا شيء هناك يدعوه للدفاع عنه.
ينطلق الكاتب من مقولة وردت في الانياذة على لسان أوليس هي: (لا أرى خيرا أن يكون للإنسان أسياد عديدون، فليكن سيد واحد، وملك واحد)، لتوصيف حالة العبودية الطوعية التي يتسابق إليها أناس لا يقدرون الهبة الإلهية والإنسانية في أن يكونوا أحراراً، معتبراً أن أوليس لو توقف عند (لا خير في أن يكون للمرء أسياد عديدون) لكان كافياً إذ لا شيء يبرر العبودية حتى لو كان المستعبد حاكماً، ولايقدم الكاتب قراءة نضالية لمرحلة من مراحل التاريخ الإنساني، بقدر ما يقدم دعوة أبدية للحفاظ على الحرية، مورداً أمثلة من التاريخ عن النموذج الإنساني الحر الذي يأبى أن يستعبد لأحد، مهما كان هذا الأحد، دون أن يحدد الطغاة، أو ماهيتهم، أو أساليبهم في الاستعباد، فما يهمه في مقالته هو متابعة رغبة العبودية لدى الجمهور العريض، التي تنافي الحقيقة الإنسانية والجوهر البشري، معتبراً أن الجماهير غالباً هي التي تقدم الذرائع للمستبد حتى يسيطر عليها.
يعرّف لا بويسي العبودية الطوعية باعتبارها السلوك الجبان الذي يرضى به المستعبد، وهو يظن أنه يحقق الاستقرار ورغد العيش لنفسه وأسرته بارتهانه للآخر، من دون أن يفكر بأنه عبر هذا السلوك قد بادل أفضل ما يملكه وهو الحرية بأسوأ ما يملكه الآخرين وهو التسلط، فالناس هم الذي يقدمون المبررات لاستعبادهم، بدون أن يفكروا وللحظة واحدة أنهم أورثوا العبودية لهم ولذريتهم، وحولوا أبنائهم إلى وقود لحروب الطاغية، وبناتهم لتلبية رغباته وفجوره، وأصبح ما يملكونه معرض للمصادرة في كل لحظة، ومن دون أن يتأملوا في كون ما يدفعه لهم من وجبة طعام، أو إبريق شراب، أو قطعة فضية، هو قليل مما سلبه منهم، أو ما سلبه بواسطتهم من الآخرين، ومع تكرار القتل والمصادرة لا يتعظ هؤلاء العبيد بمصير الآخرين وينتظرون مصيرهم حتى يقتنعوا أن لا حرية لهم، وما هم إلا عبيد برغبتهم أولاً، لأنهم هم من قدم نفسه للمستبد ونسي حريته، ويرى في خلق الإله للإنسان المتساوي مع الآخرين ميزة ودليل أن لا أحد أفضل من أحد، فلكل إنسان يدان وعينان ورأس، والكل متساوي مع الآخر من حيث الخلق، والطاغية المستبد لا يملك أكثر من ذلك، لكنه يملك الرغبة بالتسلط فيما يملك الآخرون الاستعداد للاستعباد، وهذه هي المشكلة في غياب روح الحفاظ على الحرية، معتبراً أن ولادة البشر أحراراً غير كافية، إذ ينبغي عليهم القتال للحفاظ على هذه الحرية، لأن التراخي في التمسك بالحرية الفردية يحيل الفرد إلى عبد ذليل.
ويعطي المؤلف أهمية كبيرة لتربية الفرد، فيعتبر أن البعض يولد رقيقاً ويربى كذلك، ولا يعرف غير العبودية فهذا الشخص لا يفتقد شيئاً ولا يشعر بعبوديته لأنه لم يعرف حالة أخرى، أما من ولد حراً، أو من امتلك العقل ليفكر، فلا يمكن له أن يرضى بالعبودية، ويروي للتدليل على كلامه قصة رجلين من اسبرطة ذهبا كرسولين إلى ملك الفرس كسرى، وحسبا أن كسرى سيقتلهما لا محالة، إذ اعتاد أهالي اسبرطة على ذلك، والتقيا أول شخص من بلاط كسرى وكان مستشاراً له فأكرمهما وأخبرهما أن سيده سيرحب بهما لأنهم يكرم من يستحق التكريم، وأنهما لو قاما بخدمته فلربما عينهما حاكمين لإحدى المدن، فأجاباه: انك تقدم لنا نصيحة غير نافعة، إذ تطلب منا أن نكون خدماً، لأنك تجهل ما ننعم به من حرية، ولم تعرف غير إحسان الملك عليك وتجهل طعم الحرية العذب، ولو أنك خبرت هذا الطعم لنصحتنا بالدفاع عنها لا بالرمح والترس بل بالأسنان والأظافر أيضا.
ويرى لا بويسي أن مسخرة المساخر تكمن في مجموعة الحراس والقلاع والحصون التي يحصن بها الحاكم نفسه، فهو يفعل ذلك ليخلق لنفسه رهبة في نفوس عبيده، ولكن لا يمكن لهذا العدد والحصون أن يحميه عندما يفكر الآخرون بحريتهم، مذكراً بأن عدد الحكام في التاريخ الذين قتلوا على أيدي حراسهم والمقربين منهم يفوق أضعاف من قتلوا بيد الأعداء، ويسخر من حالة الكوميديا التي يلجأ إليها البعض، إذ كان ملوك الأشوريين والميديين من بعدهم لا يظهرون أمام شعوبهم، لترسيخ فكرة الإلهي فيهم عند الآخرين، وكان فراعنة مصر عندما يظهرون في الأعياد أو غيرها، يكللون رؤوسهم بأغصان النخيل تارة أو بصور ما تحجب حقيقة وجه الحاكم، وكل هذا حتى لا يقارن الشعب بين صورة الحاكم وصورة الإنسان العادي، لأنه سيكتشف حينها أن لا شيء يميز هذا الحاكم عنه، والأدهى من ذلك الإشاعات التي ينشرها العامة ويصدقونها وخاصة عن الحكام وقدرتهم على صنع المعجزات، وشفاء المرضى وآلاف الأوهام الأخرى.

مقالة العبودية الطوعية” نشيد للحرية الإنسانية في أنصع تجلياتها، حرية أن يعيش الفرد دون أن يكون له سيد أو أسياد، وكما يشتهي ويتمنى هو نفسه لا كما يريد له الآخرون، فلا شيء يجبره على الخضوع لأحد، إلا إذا توهم أن هناك فائدة يمكن أن ينالها إذا سمح للآخرين باستعباده، ودعوة أيضاً للحفاظ على ما هو إنساني في حياة الشخص، والتمسك بالحرية التي لا يمكن لشيء أن يعوض عنها، باعتبارها القيمة الإنسانية الوحيدة التي تستحق التضحية في سبيلها، لأن البشر يفقدون حياتهم بفقدانهم لحريتهم، فالوجود الإنساني بدون حرية ليس أكثر من حالة بهيمية في أحط مستوى، وعلى الرغم من أن “مقالة العبودية الطوعية” قد أثارت الجدل والاهتمام على مدى قرون، إلاّ أن أياً من الفلاسفة والمفكرين لم يستطيعوا تجاوزها، وتجاوز أفكارها، وهو ما يلاحظ في حجم وكم التعليقات والهوامش الكثيرة التي تناولت موضوع الكتاب، من دون رأي سلبي واحد، وهذا فضلاً عن موازاة هذه المقالة من حيث الأهمية الفكرية لكتاب مكيافيللي”الأمير” لكن في الاتجاه العكسي، فمكيافيللي كتب إرشادات للأمير تساعده في التسلط على الرعية والحفاظ على ملكه، بينما دي لا بويسي كتب هذه المقالة ليعلم الناس أهمية الحرية والحفاظ عليها.

أخبار شركيسيسا

Share Button