أرشيف التصنيف: آراء وتحليلات

آراء وتحليلات

الجزيرة: الطرد والإبادة

الطرد والابادة

عرض/زياد منى

book

موضوع هذا الكاتب المهم حقا، لم يسبق أن تعامل معه أي مؤلف آخر من قبل، وهو مصير سكان السلطنة العثمانية (دولت عليه عثمانية/ 1299–1923) من المسلمين، أتراكا كانوا أو من “الإثنيات” الوطنية، في مرحلة اندحارها وسقوط أراضيها غربا في أوروبا وشرقا في أواسط آسيا، في مساحة ضمت ما لا يقل عن ستة ملايين كيلومتر مربع.

 

قبل مباشرة عرض الكتاب ومادته، نود الإشارة إلى أنه أثار وقت صدوره مجموعة من ردات الفعل المتشنجة من أطرف تظن أنها تملك الحقيقة المطلقة في ما يخص تاريخ الإقليم.

 

ونعني هنا تحديدا أوساطا أرمينية وأوروبية شرقية ويونانية، والحملة ما زالت مستمرة رغم مرور سنين على نشر نسخته الأصلية.

 

وبدلا من مناقشة محتوى الكتاب ومنهجية البحث، أي التقيد بأصول العمل العلمي الصارمة، تحول معارضوه إلى التهجم الشخصي على المؤلف، ومن ذلك على سبيل المثال الادعاء بأنه متزوج من تركية وأن والدته تركية.

 

ومع أن المؤلِّف نفى ذلك فإنه أجاب بأنه حتى لو كان ذلك صحيحا فالنقد العلمي يجب أن يوجه إلى موضوع الكتاب وما يحويه من معلومات وليس إلى شخصية الكاتب.

 

الأرض المقبلة على الضياعمن المعروف أن حدود الدولة العثمانية في بداية المرحلة التي يتعامل المؤلف معها، أي من بداية عشرينيات القرن التاسع عشر، كانت تصل غربا حتى أراض تقع حاليا في جمهورية رومانيا وجنوبي أوكرانيا.

 

أما حدود السلطنة الشرقية في مرحلة التثبيت التي سنشير إليها لاحقا، فكانت تضم أراضي جعلت من البحر الأسود وما حوله “بحيرة عثمانية” بكل ما للتعريف من أبعاد.

 

هذا -إضافة إلى أمور أخرى- جعل السلطنة العثمانية قوة عالمية كبرى ولاعبا أساسيا في السياسة الأوروبية، ومساهما مهما في ميزان القوى الأوروبي، وقد أهلتها قوتها هذه لتكون الدولة غير الأوروبية الوحيدة التي تحدت قوة الغرب المتصاعدة في عقر داره.

 

لقد مرت الدولة العثمانية بما يمكن تحديده بخمسة مراحل:

 

1- مرحلة النمو (1453-1566م)، أي من احتلال القسطنطينية (إسلامبول ومعناها مليئة بالإسلام) إلى وفاة السلطان سليمان القانوني.

 

2- مرحلة التثبيت، وعادة ما يحددها أهل الاختصاص بالفترة الواقعة بين عامي 1566 و1683، أي عام معركة فيينا التي قادها السلطان محمد الرابع ضد الإمبراطورية النمساوية بسبب تدخلها المستمر في أمور المجر، لكنه خسرها.

 

3- مرحلة الجمود، وامتدت بين عامي 1623 و1827.

 

4- مرحلة الانحطاط، وامتدت بين عامي 1828 و1908.

 

5- وأخيرا مرحلة التفكيك، وامتدت من عام 1908 إلى عام 1922.

 

وقد شهدت المرحلتان الأخيرتان اضطرار الدولة العثمانية لخوض حروب عديدة ضد قوى مجاورة مختلفة هي الفرس والنمساويون والتحالف البولوني-الليتواني والروس، حيث شهد القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حروبا كثيرة إضافة إلى سبعة عصيانات مسلحة كبيرة.

 

هذا كله أدى إلى إنهاك الدولة العثمانية وتقلص مساحة أراضيها بكل ما لذلك من أبعاد، خاصة بالنسبة لسكان الأراضي التي ستضيع لصالح القوى المحيطة وأي مصير كان ينتظرهم.

 

نهاية أرض المسلمين

 

يقول المؤلف جستن مكارثي وهو أستاذ التاريخ في جامعة لوزفيل بالولايات المتحدة، إن اكتشافه مصير مسلمي أراضي السلطنة العثمانية التي سقطت بيدالدول المجاورة، من هجرة قسرية إلى تطهير عرقي فقتل وموت، كان بالصدفة

 

.فتخصص مكارثي هو مجال السكان وليس التاريخ، وكتب مؤلفات عديدة عن العرب في الدولة العثمانية وكذلك عن سكان فلسطين في العهد العثماني ومن ثم في ظل الاحتلال البريطاني.

 

وعندما كان يقوم بإحصاء عدد سكان الأناضول في القرنين التاسع عشر والعشرين، تبين له حجم الكارثة التي لحقت بهم.

 

وبعد مراجعته الأرقام التي بحوزته وتأكده من صحتها وأنها عائدة إلى المصادر الأولية، قرر توسيع مجال بحثه ليضم إليه أقاليم القِرَم والبلقان والقوقاز.

 

ويقول مكارثي إن كتابه ثمرة بحثه الموسع “تواريخ الوفيات والهجرات القسرية للشعوب المسلمة” في الأقاليم آنفة الذكر.

 

وهذا الكتاب إضافة إلى كونه تسجيلا موثقا لأحداث تاريخية، تصحيح لتاريخ مكتوب من وجهة نظر منحازة ضد المسلمين العثمانيين ومصير ما لا يقل عن عشر ملايين ملايين نسمة بينهم خمسة ملايين قتيل وخمسة ملايين مهجر.

 

كما أنه يكتسب أهمية خاصة لأن تصحيح الرؤية التقليدية الأحادية لتاريخ أتراك تلك المناطق ومسلميها أصبح ضروريا.

 

مؤلف الكتاب الذي يحوي ثمانية فصول وملحقا ومجموعة من الجداول والخرائط التوضيحية، يتناول المادة من منظور جغرافي، ويبدأ تقصيه بمدخل منطقي هو فصل “الأرض المقبلة على الضياع” الذي يتحدث فيه باختصار عن مختلف المجموعات السكانية فيها وأماكن سكناها.

 

بعد ذلك ينتقل المؤلف إلى التعامل مع أحداث كل إقليم، بل وفي أحيان كثيرة أحداث كل مدينة على حدة ومصير سكانها المسلمين بالتفصيل كشرقي الأناضول والقوقاز وبلغاريا، (الشرق 1878-1914)، وحروب البلقان والحرب النهائية في الشرق وأخيرا الحرب النهائية في الغرب.

 

ثم ينهي كتابه بفصل “نهاية أرض المسلمين”، وتأثير تلك الأحداث والوقائع في تركيبة الدولة التركية الحديثة وسياساتها.

 

ففي الوقت الذي تأسست فيه الدول القومية في تلك الأقاليم العثمانية السابقة على معاناة سكانها المرحّلين، توحدت أيضا من خلال طرد سكانها المسلمين.

 

أما الاستعمار الروسي القيصري الذي نظر إليه على أنه “حامل المدنية الأوروبية” فقد جلب معه الموت لملايين الشركس والأبخاز واللاز والأتراك.

 

وينقل المؤلف شهادات مباشرة كثيرة غاية في الفظاعة منها على سبيل المثال، أعمال اليونانيين في أبريل/نيسان 1821 حين كان أكثر من 20 ألفا من المسلمين يعيشون مشتتين في اليونان، فقتل القسم الأكبر منهم، قتل الرجال والنساء والأطفال من دون رحمة أو ندم.

 

وكتب المحقق كَلِن عن تصرفات الروس وحلفائهم من الأرمن “لا أستطيع أن أصل إلى أي استنتاج آخر إلا أن الروس ينفذون سياسة ثابتة لإبادة العنصر المسلم”.

 

كما أورد خبرا عن توقيع عدد من المراسلين الصحفيين الأوروبيين بيانا يشير إلى فظائع القوات الروسية والبلغارية يقول فيه إنه “جرى قتل كل السكان المسلمين في العديد من القرى، والعدد الأكبر من الضحايا من النساء والأطفال”.

 

كما ترد في الكتاب شهادات كثيرة أخرى عن حرق السكان المسلمين رجالا ونساء وأطفالا أحياء في بيوتهم أو في ساحات القرى.

 

فصول الكتاب كلها تحوي تفاصيل مريعة لعمليات قتل وتهجير وتطهير عرقي واغتصاب وتنصير وحرق للقرى وأهلها المسلمين، قامت بها قوات روسية وأرمينية وبلغارية ويونانية ورومانية ضد السكان العثمانيين، أتراكا كانوا أم غير ذلك.

 

وقد اعتمد المؤلف في تقصيه على وثائق رسمية تابعة للحكومات البريطانية والفرنسية والأميركية مأخوذة جزئيا من الناجين، إضافة إلى مجموعة من الكتب والتقارير المنشورة التي كتبها مؤلفون أوروبيون في المقام الأول.

 

خاتمة

 

مع كل حملات التشكيك الآنفة التي رافقت الكتاب فإنه يكتسب أهمية خاصة -من وجهة نظر كاتب هذه السطور- تكمن في الحقائق التالية:

 

1- الكتاب هو المرجع الأول في هذا الموضوع، حيث لم نعثر على أي عمل منشور يتناول مصير المسلمين العثمانيين في الأقاليم المذكورة.المؤلف يقول إنه لا يفهم سبب غياب هذه الحقائق المعروفة عن المؤلفات الأكاديمية التي أسهبت في الحديث عن مآسي البلغار واليونانيين والأرمن لأنه -على سبيل المثال- من غير الوارد اليوم الكتابة عن تاريخ نشوء الولايات المتحدة الأميركية من دون الحديث عن الوحشية التي مارسها المستعمرون الأوروبيون بحق السكان الأصليين، ولا يستطيع أحد الحديث عن الاستعمار و”مآثره” في المستعمرات من دون ذكر إبادة الأفارقة أو الصينيين في “حروب الأفيون”.

 

2- اعتماد المؤلف أسلوبا علميا صرفا في كتابه واستعانته بالمراجع الأولية، ما يفسر -ربما- وجود أكثر من 30 جدولا تفصيليا بأسماء القرى وعدد سكانها من مختلف الطوائف وعدد المنازل المدمرة.

 

3- الكتاب على عكس المؤلفات الأخرى التي كتبت عن خسائر المسيحيين في تلك الحقبة الزمنية، لم يرفق بأي مطالب أو ادعاءات سياسية، عدا أنه لا ينفي إطلاقا حدوثها.

 

أخيرا، ثمة نقطة أساسية مرتبطة بهذا الكتاب وما يحويه من معلومات لا شك في أنها حقائق، وهي أنه ليس عملا مجردا وإنما ذو أبعاد علمية مهمة.

 

فالكاتب يصل إلى استنتاج أن المشهد التقليدي لتاريخ البلقان والقوقاز والأناضول أقل من كامل إن لم يكن مضللا، لأن تاريخ الجماعات التي شكلت الأقلية في الإمبراطورية العثمانية استثني من الكلام.

 

القسم الأهم من الكلام هو معاناة المسلمين التي حدثت في المناطق نفسها وفي الوقت نفسه الذي حدثت فيه معاناة المسيحيين والتي كثيرا ما فاقتها. ولهذا يعتبر المؤلف كتابه -بحق- إسهاما في التنقيح الأكاديمي الضروري الذي يقع في صميم مهمات المؤرخ.

 

المصدر: الجزيرة

http://www.aljazeera.net/KnowledgeGate/Templates/Postings/BooksDetailTemplate.aspx?FRAMELESS=false&NRNODEGUID=%7BCDCBCF29-8CFC-4CC8-8251-598828F5F2E7%7D&NRORIGINALURL=%2FNR%2Fexeres%2FCDCBCF29-8CFC-4CC8-8251-598828F5F2E7.htm&NRCACHEHINT=Guest

 

 

Share Button

منتديات تلوباشا للعادات والثقافة الشركسية: دوي الرعد …… رواية تاريخية شركسية

دوي  الرعد يحكي قصة ضابط روسي خدم في الحرب الروسية القفقاسية كقائد فصيل يسرد فيها  أهوال ومآسي الحرب وعمليات التهجير القسرية وعمليات الابادة الجماعية .
أبطال  القصة 
ياكوف قيصروف  : ضابط روسي
اجوق بطل  القصة
وزيرميس مغني  وعازف 
زارا زوجة اجوق 
زايدت اخت زارا 
بيبا اخت زارا  الصغيرة
زاكير ابن  اجوق
شيبيخان فتاة  رائعة الجمال وهي عشيقة وزيرميس
بعد عدة حوادث قررت المحكمة (الخاسة) الدفاع عن القرية   كان عدد المدافعين سبعين شخصا وكانوا مسلحين ببنادق عادية . وبعد قتال عنيف لم ينج  من القرية الا طفل صغير وهو زاكير ابن اجوق وزارا . عطف عليه احد الضباط الروس  واخذه  .
 خلف العربة  مشى ولد رث الثياب حافي القدمين مطرقاً يحدق في الطريق المتربة . وبعد ان قطعت  العربة الطريق الذي يتلوى كالافعى صاعداً الى قمة الجبل توقف الولد وانتظر حتى  ابتعدت العربة قليلا ثم استدار واقترب من الهاوية والقى نظرة مفعمة باليتم الى  القرية التي ترقد في الاسفل . وجمدت نظرته على البيوت المتناثرة حول النهر الممتد  هناك في الاعماق كخيط من الصوف . كان الطفل يهجر الى الابد مسقط رأسه ، قريته في  منطقة الشابسوغ فأطال نظرات الوداع . هذا الطفل الشركسي الذي فتح عينيه على الجمال والفرح ، صدمته الحياة بقسوة ووحشية باقتلاع جذور عائلته آل اجوق . وبينما كانت  عيناه جامدتين على قريته الصغيرة ، عادت الى مخيلته الاهوال والمصائب التي حلت بها،  وكيف قتل الجنود اباه وامه . وفكر بانه لم يبق له احد يناديه يازكريا … تنهد  بعمق ومسح بظهر كفه دموعه ثم انطلق بسرعة ليلحق بالعربة . كان موقناً بانه اصبح  يتيماً يتماً كاملاً ولا يعرف شيئاً مما يخبئه له الغد  .
تأليف : ميخائيل لاخفنيتسكي وهو حفيد زكريا ذلك الطفل الذي تبناه الضابط الروسي

Share Button

الجزيرة: الأزمة القوقازية ومستقبل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية

الأزمة القوقازية ومستقبل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية

عادل عبد السلام

خلفيات أحداث القوقاز الحالية

 أبعاد الأزمة ومستقبل المنطقة

كان البرزخ القوقازي وما زال مسرحا لصراع القوى الكبرى التي تحيط به من جميع الجهات (الفرس والعرب، والترك، ثم الروس فيما بعد) سعياً وراء السيطرة على هذا الجزء الغني بالموارد الاقتصادية وذي الموقع الجغرافي الإستراتيجي الخطير من العالم.ومن سوء حظ سكانه أنهم لم يكونوا أمة واحدة، أو شعباً موحداً قوياً قادراً على مواجهة أطماع الغزاة والمحتلين، بل كانوا وما زالوا أقواماً صغيرة متفرقة يزيد عددها على الأربعين قومية تستحق الذكر، لكل منها موطنها ولغتها، ولقد ذكر المسعودي القوقاز في القرن العاشر للميلاد، وأنه يضم 72 أمة، ولكل منها لغتها الخاصة بها.

 

لكن صراع القوى الكبرى الطامعة بالقوقاز تجاوز اليوم نطاق الدول الكبرى المحيطة به والقريبة منه، وجر إليه قوى الغرب في أوروبا بل وأميركا، التي أصبحت مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية تشمل بقاعاً واسعة من العالم بما فيها منطقة القوقاز بعد تحرر جنوبيه (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان) من الحكم الشيوعي الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وزواله.

 

وتحول روسيا ما بعد الحرب الباردة إلى بلد يحكمه اقتصاد السوق والمبادئ الاقتصادية الرأسمالية المعاصرة والانفتاح على الاقتصاد الأوروبي وغيره. لكن القوقاز وإضافة إلى صراع القوى الكبرى للسيطرة عليه، كانت مقاومة شعوبه للغزاة لا تنقطع، وسعيها للتحرر من نير المحتلين متصلاً. كما كانت الصراعات المحلية فيه تنشب بين شعوبه وقبائلها بين الحين والآخر.

 

وتعد الحرب الأخيرة التي شنتها جورجيا على أوسيتيا الجنوبية في أغسطس/آب من عام 2008 وتداعياتها في أبخازيا أحدث مرحلة من مراحل الصراع حول القوقاز، وآخر إفرازات النزاعات التاريخية الموروثة من الواقع القوقازي المحلي وصراع القوى الكبرى الحديثة على حكم العالم.

 

خلفيات أحداث القوقاز الحالية

 

رغم التشابكات والتعقيدات التي تميز الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية فيما يتعلق بالمشكلة القوقازية، التي يرى بعض المحللين أنها قد تكون إحدى الشرارات التي قد تشعل نار حرب باردة جديدة، فإن بالإمكان إيجازها بما يناسب المقال لخدمة أحداث القوقاز الراهنة.

 

فمنذ بدايات ظهور روسيا دولة يحسب حسابها في القرن السادس عشر، دخلت طرفاً ثالثاً وبشكل تدريجي في الصراع الذي كان ناشباً بين الإمبراطورية العثمانية والفارسية على القوقاز. ففي عام 1553 تقاسم العثمانيون والفرس جورجيا، ووصل التنافس بين القوتين إلى أن أقام الفرس المملكة الجورجية (الكرجية)، التي طلبت من روسيا فيما بعد حمايتها من الفرس، مقابل قبول الجورجيين بالسيادة الروسية على بلادهم.

 

وهكذا بدأ التدخل الروسي في شؤون القوقاز الجنوبي منذ سنة 1783. لكن روسيا وتنفيذاً للبند الثامن من وصية بطرس الأكبر (حكم بين 1682-1723) القاضي بتوسع الروس واستعمارهم البلاد حتى الوصول إلى البحار الدافئة في الجنوب، قامت باحتلال شرقي جورجيا (1801) ووسطها (1810)، ثم أبخازيا (1810-1818)، وبقية الغرب الجورجي بين (1829-1878).

 

ولما كانت روسيا قد استكملت احتلالها للقوقاز الشمالي واستعماره بالقضاء على المقاومة الشركسية سنة 1864، أصبح البرزخ القوقازي بأكمله مستعمرة روسية. وبقي هكذا حتى قيام الثورة الروسية سنة 1917، حين قامت جمهوريات مستقلة في كل من القوقاز الشمالي والجنوبي، ومن بينها دولة جورجية في مايو/أيار سنة 1918.

 

لكن الجيش الأحمر الشيوعي ما لبث أن هاجم هذه الجمهوريات المستقلة واحتلها ثانية وضمها إلى الإمبراطورية السوفياتية سنة 1922. ولقد حرص البلاشفة على أن تدخل أراضي أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وأجاريا في إطار الكيان الجورجي، على الرغم من أن كل واحدة منها تشكل قومية مختلفة عن الجورجيين والروس.

 

وهكذا أصبحت جورجيا وبقية دويلات الجنوب القوقازي جمهورية سوفياتية واحدة من أصل خمس جمهوريات شكلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي.

 

لكن ستالين عاد, فاعتمد مبدأ التفرقة من أجل السيادة، ففتت القوقاز الشمالي والجنوبي إلى كيانات صورية صغيرة تحمل تسميات زائفة، وعادت جورجيا جمهورية سوفياتية اشتراكية تحكمها موسكو منذ 1936.

 

ولقد حقق ستالين وأورجونيكيدزة ثم بيريا وكلهم جورجيون، بذلك هدفين أولهما: توسيع أراضي وطنهم جورجيا، والثاني: التفريق بين أبناء الأمة الواحدة، بفصل أوسيتيا الجنوبية عن أوسيتيا الشمالية، التي بقيت مستعمرة روسية تحمل اسم جمهورية ذات حكم ذاتي، وكذلك فصل أبخازيا عن بقية الأراضي الشركسية على البحر الأسود والقوقاز الشمالي، الذي قطعت أوصاله إلى أشلاء كيانات عجيبة. وبقي الحال على ذلك حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين.

 

ففي السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي والأحداث التي رافقت زواله، انطلقت حركات تحرر الشعوب التي كانت مستعمَرَة من قبل الروس، للاستقلال والانفصال عن الاتحاد، الذي كان مفروضاً على شعوب كثيرة في آسيا والقوقاز وأوروبا.

 

وكانت شعوب القوقاز الشمالي من أول الشعوب التي نادت بالتحرر من النير الروسي، بل وثار بعضها على محاولات عودتها للانضمام إلى الاتحاد الروسي وريث الاتحاد السوفياتي، مثل الشيشان، أو إلى الانفصال عن جمهورية جورجيا مثل الأبخاز والأوسيتيين الجنوبيين، بل وحتى الأجاريين.

 

إذ أخذ الأبخاز والأوسيتيون الجنوبيون يطالبون جورجيا بمزيد من الحقوق والحريات وصلاحيات حكم أوسع في إطار كياناتهم السياسية، ما سبب تصاعد التوتر بينهم وبين جورجيا، التي رفضت تلك المطالب.

 

وتمثل رد الفعل الجورجي بفرض اللغة الجورجية لغة رسمية واحدة على الجميع سنة 1989. أعقبه في 9 أبريل/نيسان من العام نفسه قيام مظاهرات في تبليسي تندد بسعي الأبخاز والأوسيتيين الجنوبيين للاستقلال عن جورجيا، تصدت لها قوات الأمن السوفياتية وسقط فيها 19 قتيلاً وعشرات الجرحى، ما أجج مظاهر العداء والكراهية بين الأطراف المتنازعة، متمثلة بالجورجيين الذين يعدون أراضي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية جزءاً لا يتجزأ من الأرض الجورجية، وبالأبخازيين، والأوسيتيين، أصحاب الأرض المحكومين سابقاً من السوفيات ولاحقاً من الجورجيين، وبالروس الذي استعمروا بلاد الجميع منذ بدايات القرن التاسع عشر. وكان أصحاب الأرض أضعف الأطراف الثلاثة وما زالوا.

 

وقد ازداد موقف جورجيا تطرفاً وعنصرية بعد استقلالها في أبريل/نيسان عام 1991، وانتخاب زفياد غمساخورديا رئيساً لها، ثم أعقبه ادوارد شيفرنادزه الذي شنت جورجيا في عهده الحرب على أبخازيا، واحتلت عاصمتها سوخومي، لكنها دحرت من قبل الأبخاز وأنصارهم من الشركس والشيشان وغيرهم، كما أن شيفرنادزه حوصر في سوخومي وكاد يقتل لولا وساطات روسية أنقذته.

 

أما في أوسيتيا الجنوبية فإن حرب الاستقلال عن جورجيا كانت قد بدأت سنة 1989 وقتل فيها الجورجيون أعداداً كبيرة من المدنيين الأوسيتيين. وكانت النتيجة في الحالتين نشر قوات حفظ السلام الدولية على خطوط التماس.

 

واستمر الوضع على حاله حتى عام 2006 حين توغلت قوات جورجية في الأراضي الأبخازية واحتلت أعالي وادي نهر قودور، وفي شهر أغسطس/آب من عام 2008 شنت جورجيا هجوماً كبيرا على أوسيتيا الجنوبية وقتلت أكثر من ألفي أوسيتي معظمهم من المدنيين.

 

وهنا تفجرت الأزمة القوقازية بوقوف روسيا ومحاربين من جمهوريات القوقاز الشمالي إلى جانب الأوسيتيين. وكان الرد الروسي سريعاً وعنيفاً، تجاوز حدود أوسيتيا إلى داخل الأراضي الجورجية.

 

كما قام الأبخاز في الوقت نفسه بطرد الجيش الجورجي من وادي قودور. أعقب ذلك أحداث كثيرة أهمها إعلان البلدين استقلالهما، واعتراف روسيا بذلك رسمي.

 

أبعاد الأزمة ومستقبل المنطقة

 

لقد احتفل الشركس (الأديغة والأبخاز وغيرهم) والأوسيتيون وبقية الأقوام القوقازية الشمالية المُهجرة في بلدان الشرق الأوسط وغيرها، بنيل أبخازيا وأوسيتيا الاستقلال.

 

لكن الحكماء منهم يدركون أن روسيا لم تدعم استقلالهما محبة بهما، ولا رحمة بأبناء القوقاز المحكومين من قبل الجورجيين أو الروس. وينظرون إلى ما حدث على أنه مرحلة أولى لإلحاق هاتين الجمهوريتين بروسيا الاتحادية، بمباركة وعرفان بالجميل من قبل سكانهما، لما قامت به روسيا من منع إبادتهم من قبل الجورجيين وحلفائهم، وبافتعال ظروف دولية واقتصادية واجتماعية وسياسية لخدمة تلك الإستراتيجية.

 

بحيث تجد الجمهوريات هذه نفسها ملزمة بطلب الانضمام الطوعي للأخ الأكبر روسيا الاتحادية، التي ارتدت حلة الأخ الأكبر الشيوعي سابقاً، الذي سيكسب بانضمام أبخازيا إليه واجهة بحرية طولها أكثر من 75 كلم على البحر الأسود تضاف إلى الساحل الشركسي. ويكون حال الجمهوريتين حال المستجير من الرمضاء بالنار.

 

هناك مثل شركسي يقول (حين طُلِب من المخلوقات أن يضرب كل فرد من يستطيع ضربه، ضربت العجوز القطة) وهذا ما قام به ساكاشفيلي بغزوه أوسيتيا وأبخازيا قبلها، وهذا ما كان صدام قد قام به حين غزا الكويت.

 

ولقد أخطأت جورجيا الحساب، بظنها أن روسيا لن تتدخل، وبهذا العنف أولاً، وأن الغرب سيدخل بمواجهة عسكرية مع روسيا من أجلها ثانياً.

 

إن الغرب لن يعادي روسيا إلا إذا شعر أن مصالحه الاقتصادية ستتهدد، وأن أنابيب نقل الطاقة من روسيا إلى أوروبا يمكن أن تغلق صنابيرها، كما وأن الغرب مستعد للتخلي عن أصدقائه وحلفائه إذا تطلب الأمر ذلك، وهنالك أمثلة تشهد على ذلك، ابتدءا من شاه إيران 1979 وانتهاء بنورييغا باناما 1989 وما بينهما.

 

فلا يحلمن ساكاشفيلي أن يعامل معاملة مميزة عنهما في حال رجحان كفة مصالح حلفائه على مصلحة دعمه ضد روسيا ومن تساندهم. ولا يفرحن بزيارات المسؤولين الغربيين لجورجيا، ودخول السفن الحربية الغربية إلى البحر الأسود، وعقد الاجتماعات التخديرية لبحث أزمة القوقاز في بروكسل وغيرها.

 

والحديث يدور الآن حول التهدئة والمفاوضات. فالمسألة أكبر بكثير مما يمكن تصورها، وتدور في فلك صراع القوى الكبرى على حكم العالم مع بقاء الرادع النووي مسلطاً على الرقاب، وتشمل بلداناً تبدأ من كوريا الشمالية وتنتهي بفنزويلا وكوبا مروراً بأفغانستان وإيران والشرق الأوسط وكوسوفو، مع عدم نسيان دور تجارة الأسلحة، وامتلاك الطاقة النووية والتقنيات العالية المستوى والطاقة وغيرها من عناصر فعالة في معادلات تشابكات مصالح الدول، إضافة إلى تزايد المطالبة العالمية بتعددية الأقطاب في العالم, وبدء ظهور قوى تناضل لاستعادة أمجاد إمبراطورية سابقة لها.

 

ومع ذلك كله، فإن خطر نشوب حرب شاملة، أو حروب إقليمية متوسطة الحجم يبقى قائماً، بوجود مسؤولين دوليين متطرفين وأغبياء لا يرون أبعد من أنوفهم.

 

ـــــــــ

 

اكاتب سوري

 

المصدر: الجزيرة

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4A89436E-258A-4F30-AFA7-395918EAB24C.htm


 

Share Button

الجزيرة: بين الصديق المكروه والعدو المحبوب

بين الصديق المكروه والعدو المحبوب
علاقات روسيا مع العرب أحلام وآمال تنتظر الواقعية
conf

اتسمت الجلسة الثانية من ملتقى مركز الجزيرة للدراسات حول العلاقات العربية الروسية بحدة النقاش بشأن التعاون السياسي والدبلوماسي، سواء لجهة تصنيفه في إطار الحنين للماضي أو القراءة الواقعية للمتغيرات الدولية التي وضعت العلاقات بين الطرفين في ثنائية غريبة وهي “الصديق المكروه والعدو المحبوب”.

أدار الجلسة رئيس تحرير قناة الجزيرة الإنجليزية إبراهيم هلال، الذي تحدث عن الصورة التي يحاول الجيل العربي “القديم تحديدا” إطلاقها على روسيا المعاصرة بألوان سوفياتية لم تعد أصلا موجودة إلا في ذمة التاريخ، الأمر الذي منح الجلسة ومنذ البداية زخما سجاليا اتضحت حدته في مداخلات الحضور والضيوف والمشاركين.

الدكتور عاطف عبد الحميد، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة القاهرة، قدم في مستهل الجلسة عرضا للوضع الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وبروز وريثته الشرعية روسيا على مدى عقدين منذ مطلع التسعينات إلى العام 2000، ثم بعده إلى الوقت الراهن.

وتحدث د.عبد الحميد عن تداعيات الوضع الداخلي في هذه الفترة على السياسة الخارجية الروسية في إطار ما سماه قوى الطرد والجذب المركزية، في إشارة إلى التحولات السياسة والاقتصادية الداخلية التي جعلت من روسيا “وريثة حطام مهلهل” دفع بالقوة العظمى إلى مجرد دولة إقليمية منزوعة المخالب ومتهالكة القدرات الاقتصادية.

وركز المتحدث نفسه على أن حرب الشيشان لعبت دورا سلبيا في إمكانية تطوير العلاقات الروسية العربية في هذه المرحلة، لا سيما مع محاولة الغرب تحجيم الدور الروسي وحصره في خانة “محاربة المسلمين” و”دولة المافيا وتجارة الرقيق والمخدرات”.

وفي إطار ما سماه “مراكز الجذب” أشار المحاضر إلى ظهور البراغماتية الروسية في عهد فلاديمير بوتين، مشيرا إلى تمسك موسكو بمفهوم الأمن القومي واستفادتها من ارتفاع أسعار النفط والغاز لتحديث قدراتها العسكرية والعودة تدريجيا إلى الساحة الدولية، وصولا إلى خوض مواجهة عسكرية مع جورجيا، واستخدام الطاقة سلاحا سياسيا، لا سيما مع الجمهوريات السوفياتية السابقة الساعية للخروج عن مجالات التأثير الروسي، كما هو الحال مع أوكرانيا.

 

 

السياسة الأوراسية
من جانبه ركز السفير الروسي السابق لدى واشنطن فاتسيلاف ماتزوف على أن روسيا -التي تمتد من المحيط الهادي شرقا إلى بحر البلطيق غربا- لديها من المقومات ما هو كفيل بجعلها فاعلا في الساحة الدولية بقوة.

واعترف في الوقت ذاته بأن العودة الروسية إلى الساحة الدولية لم تكن ممكنة لولا نجاح الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين بفرملة تداعيات الانهيار عبر إعادة هيبة الدولة وسيطرتها على مقدراتها القوميةوعن حالة الانحسار الكبير التي شهدتها العلاقات الروسية العربية في عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، لفت الدبلوماسي الروسي السابق النظر إلى سيطرة اللوبي اليهودي على 65% من المقدرات الاقتصادية الروسية التي تجمعت في يد سبعة أشخاص جميعهم كانوا ولا يزالون أعضاء في مؤتمر اليهود الروس ويحظون بتأييد الغرب الذي كان يسعى لتفكيك روسيا إلى دويلات.

ومن هذا المنطلق، قدم السفير ماتزوف قراءة دقيقة للسياسة الخارجية الروسية المستندة على قدمين ثابتتين، أولاهما في آسيا والثانية في أوروبا، في إشارة واضحة للمصطلح الجيوسياسي المستجد في القاموس الروسي، وهو “التحالف الأوراسي”.

وفي هذا الإطار الكبير يقف العالم العربي والإسلامي -برأي ماتزوف- عمقا إستراتيجيا لروسيا ذات الديانة الأرثوذكسية التي تضم بين مواطنيها 25 مليون مسلم، وأشار إلى أن روسيا قدمت في حقبتها السوفياتية دعما كبيرا للعرب ولا تزال، مستشهدا بتأييد موسكو للمبادرة المصرية، سواء الخاصة بموضوع التهدئة في قطاع غزة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، أو تلك المتعلقة بالحوار الفلسطيني-الفلسطيني.

 

الصديق المكروه

السفير العراقي السابق لدى موسكو عباس خلف قدم قراءة للعلاقات العربية الروسية استند فيها على خبرته الدبلوماسية التي تجاوزت ثلاثين عاما، معتبرا أن هذه العلاقات ببعديها السوفياتي والمعاصر شابها من السلبيات والإيجابيات ما جعلها تتراجع وتتقدم ما بين مد وجزر.

بيد أن الدبلوماسي العراقي السابق حمل الجانب العربي مسؤولية عدم تطوير العلاقات العربية الروسية إلى المستوى المأمول، إما بسبب الأحكام المسبقة التي تسكن عقلية السفراء العرب الموفدين على العاصمة الروسية وجهلهم بالثقافة واللغة الروسية، وإما بسبب افتراض مواقف وتمنيات لا يمكن لروسيا بوضعها الحالي تقديمها.

وخلص خلف إلى وضع العلاقات الروسية العربية في إطار معادلة ذات حدين متناقضين، وهما “الصديق المكروه” في إشارة إلى روسيا و”العدو المحبوب” في إشارة إلى الولايات المتحدة، مما وضع –برأيه- هذه العلاقات في إطار مفارقة غريبة تحمل سمة الشجرة السامقة التي لا تستند إلى جذور قوية تمنحها الثبات في عالم لا يعترف إلا بتبادل المصالح.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F137B1E2-3C80-47DA-B8B3-0ABA54B575A9.htm

 

 

Share Button

تذكّر الماضي، وعش في الحاضر، وفكّر في المستقبل

 تذكّر الماضي، وعش في الحاضر، وفكّر في المستقبل

في ضوء هذه التعليقات والّتي يقصد منها أن تكون إشادة وتقدير عظيمين لجهود الدّكتور والتر ريتشموند لمهمّته الصّعبة ومحاولته الهائلة للسّعى من أجل الحصول على  معلومات موثّقة ومثيرة للدّهشة عن واحدة من أهم المعضلات والكوارث البشريّة الّتي شهدها شمال القوقاز والعالم في القرن التّاسع عشر والّتي امتدّت حتى هذا اليوم، ممّا جعل من الممكن للقراء من وصل حقبة ما قبل عام 1864، مع التّاريخ اللّاحق، والّذي تمكّن من خلالها الكشف عن تسلسل الأحداث لتصل الى الوقت الحاضر واّلتي نصّت على ما أعدّت وحدّدت له روسيا القيصرية لمنطقة شمالغرب القوقازشركيسياولسكّانها. متابعة قراءة تذكّر الماضي، وعش في الحاضر، وفكّر في المستقبل

Share Button