حقيقة المناورات الروسية

حقيقة المناورات الروسية

عادل بشقوي

20 / 2 / 2022

russia-cossacks


Galina Gubchenko

على ضوء التصعيد الحاصل بين روسيا من جانب وبين أوكرانيا وحلفائها الولايات المتحدة الأميركية ودول حلف شمال الأطلسي من جانب آخر، وتضارب الأنباء بين استمرار المناورات العسكرية، أو زيادة ومضاعفة وتقليص الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية الروسية، وفي مقاطعتي (منطقتي) دونباس (Donbas) ولوهانسك (Luhansk) الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، وكذلك في شبه جزيرة القرم، تأتي تلك التحركات الروسية ربما للاستحواذ على اجزاء اخرى من أوكرانيا، و/أو الاقتراب من دول اخرى تقع ما وراء الحدود الأوكرانية.

ويتبين ان الذين يجابهون ويعارضون التهديدات الجدية الحالية والتي تمثلها الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية يقومون بنشاطات مختلفة من اجل لفت الانظار الى الأخطار التي تمثلها مثل هذه التحركات والتهديدات في الوقت الحاضر، قياسا على التجارب القاسية التي كان عليهم مجابهتها في الماضي عندما تعرضوا للقمع والاضطهاد والمجاعة لدرجة جرائم الإبادة ضد الإنسانية التي تعرضت لها أوكرانيا، وتسمّى تلك المجاعة، {هولودومور} (Holodomor). [1] علما بأن جمهورية أوكرانيا كانت في حينه إحدى جمهوريات الإتحاد السوفياتي المنهار الذي كان يضم خمس عشرة جمهورية.

يجب هنا ذكر حقيقة يمكن ان توضح بأن كلٍ من روسيا وأوكرانيا تُعتبران أنهما من أصول سلافية واحدة، وكانتا بالإضافة إلى بلاروسيا ضمن كيان موحد يدعى كييفروس (Kievan Rus)، كان مركزه وعاصمتة كييف، ويدينون بالمذهب المسيحي الأرثوذوكسي، إلا أن ذلك لم يردع التهديد والترويع الذي  أحدثته التحركات العسكرية للدولة الروسية الحديثة في عدة مناسبات. فقد خسرت أوكرانيا شبه جزيرة القرم بعد احتلالها ومن ثم ضمها من قبل الفيدرالية الروسية في عام 2014. إضافة إلى اجزاء أخرى في شرق أوكرانيا تحت أوصاف واعذار مختلفة، وليس ذلك سوى متابعة لتنفيذ سياسات معروفة جيدا أقدمت على انتهاجها في السابق كل من الإمبراطورية الرّوسية وكذلك الإتحاد السوفياتي.

من المعروف أن المغول قاموا بالسيطرة على كافة الامارات والدوقيات التابعة لكييفروس وبقيت كذلك بين 200 و 300 عام، الى أن اصبحت تتخلص من النفوذ المغولي الواحدة بعد الأخرى. وحدثت تغييرات تاريخية قام بها إيفان الرابع أو إيفان الرهيب. فقد ”شكّل صعود موسكوفي نظاما معقدا وصعبا للأحداث. ومع ذلك فمن الواضح أن الأفكار المتغيرة للسلطة لكبار الأمراء كان لها دور مهم في تطور موسكو. حكم إيفان الرابع دولة مركزية وأوتوقراطية سمحت له ببسط سيطرته على جميع الأراضي الروسية“. [2]

وبدا في حينه تباعد، لا بل تعارض في التوجه السياسي بين كلٍ من كييف وموسكوفي. ”في عام 1547، وفي سن السادسة عشرة، تُوِّجَ (إيفان الرابع) {قيصر لكل روسيا} وكان أول شخص يتوج بهذا اللقب. ادّعى وطالب من خلال هذا المنصب، بتراث دولة كييف روس، بينما أسس بحزم دولة روسية جديدة موحدة. وتزوج أيضًا من أناستاسيا رومانوفنا، التي ربطته بعائلة رومانوف القوية“. [3]

سراب الدافع الديني يتواصل في الإمبراطورية الروسية 

وهنا، أود أن أذكر أحد أهم العوامل التي جعلت الإمبراطورية الروسية قادرة على تجنيد مئات الآلاف من الجنود والمرتزقة عبر عشرات سنين الحرب الروسيةالشركسية من أجل تحقيق أهداف وأحلام الأباطرة في السيطرة على أوطان الآخرين. فقد تم تقديم الحجج والمبررات الواهية وبمساعدة الكنيسة الأرثوذكسية التي انطلى عليها هذا التلفيق، للإدعاء بأن الحروب التي كانت تخوضها جيوش الإمبراطورية هي من أجل الدفاع عن الديانة المسيحية (الأرثوذكسية).

لكن الحقائق تؤكِّد بأن الحروب الإستعمارية لم تكن أسبابها دينية كما تشدقت روسيا، لكنها كانت بقصد الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري للشعوب، ومن اجل تنفيذ أهداف الإمبراطورية الرّوسية في توطين الروس والمرتزقة بدل المواطنين الأصليين، ومن أجل تنفيذ الأطماع الإستعمارية لاحتلال شركيسيا والقفقاس وما وراءهما.

ولا بد من الإفصاح هنا أكثر عن أن الأمة الشركسية عندما ابتدأت الحرب في عام 1763 والتي استغرقت 101 عاما، كان نصفها يعتنق الديانة الإسلامية والنصف الآخر كان يعتنق الديانة المسيحية (الأرثوذكسية). لقد أعلنت الدولة الروسية الحرب على أمة مسالمة، وفقط لاحتلال وطنها وضمة نهائيا إلى الدولة الروسية، ناهيك عن التخلص من السواد الاعظم من الشعب سواء بالابادة او التهجير الى المجهول.

ويتبين هنا أن الدولة الروسية في الوقت الحاضر لم تستطع اخفاء أطماعها أكثر من ذلك، بل قامت في عام 2014 باحتلال شبه جزيرة القرم، وكذلك قامت بشن حروب هجينة وبالوكالة في مقاطعتي دونباس ولوهانسك في شرق أوكرانيا، ودعمت متمردين من اصول روسية، وأغدقت عليهم الاسلحة والذخائر الخفيفة والمتوسطة والثقيلة من مختلف الأعيرة، وذلك لابقاء جذوة الاضطرابات والقلاقل ملتهبة.

في يوليو/تموز 2014، أصيبت طائرة من طراز بوينغ 777 تابعة للخطوط الجوية الماليزية (MH17)، كانت في طريقها من أمستردام إلى كوالالمبور، بصاروخ بوك (BUK) روسي الصنع فوق شرق أوكرانيا وهي تحلق على ارتفاع 33000 قدم، وفقًا لتحقيق أجراه مجلس السلامة الهولندي (DSB) في أكتوبر 2015. وكان على متن الطائرة ما مجموعه 283 راكبا، بينهم 80 طفلا، و 15 من أفراد الطاقم. وفي سبتمبر/أيلول 2016، قال فريق دولي من المحققين الجنائيين إن الأدلة تظهر أن صاروخ بوك قد تم إحضاره من الأراضي الروسية وتم إطلاقه من حقل يسيطر عليه الانفصاليين المدعومين من قبل روسيا. [4] وكانت أوكرانيا قد القت القبض على المتمرد الذي رتّب إحضار الصاروخ بشاحنة من روسيا إلى دونيتسك في شرق أوكرانيا وقدمته للمحاكمة. [5]

وتبقى الحقيقة الساطعة، وهي أن روسيا الفيدرالية تقوم باتباع اساليب الأنظمة الروسية المتعاقبة في ممارسة السياسة الاستعمارية بعينها، وهي تقوم بممارسة هذه السياسات الآن ضد دولة أوكرانيا السلافية والتي يدين معظم سكانها بالديانة المسيحية (الأرثوذكسيّة)، ناهيك عن الحرب التي اندلعت بين الدولة الروسية وجمهورية جورجيا القفقاسية في عام 2008، حيث أن جورجيا تعتبر دولة مسيحية (ارثوذكسية) كذلك.

الاستنتاج المنطقي بوضوح هو أن الدين ليس له اعتبار في الحروب، بل هي ببساطة الأطماع الاستعمارية.

********************

المراجع

[1] https://arabic.euronews.com/2013/11/22/ukraine-s-enduring-holodomor-horror-when-millions-starved-in-the-1930s

[2] https://wou.edu/history/files/2015/08/Jeffery-Neal.pdf

[3] https://courses.lumenlearning.com/suny-hccc-worldcivilization/chapter/ivan-the-terrible/

[4] https://www.bbc.com/news/world-europe-28357880

[5] https://www.reuters.com/article/uk-ukraine-crisis-mh17-investigation-idUKKCN1UC1S0

Share Button

اترك تعليقاً