النشطاء الشباب للكرملين( الوضع الحالي في القفقاس” رياح الحرية تقترب”)
فاطمة تلسوفا، صحفية شمال القفقاس الاسبوعية، 17/4/،2009 العدد 15.ص10
هو صراع بين الشباب والشيوخ في الحركة القومية الشركسية، هل هو مجرد نزاع بين الأجيال مختلفة أو هو بداية تغير ثوري جذري في مناطق شمال القفقاس الشركسية ؟ صراع الأجيال بين هذه الجماعات أصبح الآن واضحاً تماماً ، مع تزايد حدة الرفض من جانب الشباب الشركسي أتجاه أي شخص أو أي شيء يمكن أن يتوافق مع الدولة الروسية، سلسلة الأحداث التي وقعت في شركيسيا التاريخية على مدى الأشهر الستة الماضية، أعطت مؤشراً قويًا على أن المشهد السياسي في منطقة شمال القوقاز الشركسية قد تغير بشكل كبير جداً، النشاطات السياسية في جمهوريات شمال القفقاس الشركسية لم تعد تتبع النمط التاريخي السائد قديماً ( على الرغم من ان الموالين لروسيا مايزالون متمسكون بالخطاب التقليدي المعتاد ومايزالون مسيطرين على طليعة تلك النخب السياسية)،أن سلوك الشباب الشركسي الناشط(سياسياُ واجتماعياً) قد تغير، أن الأحداث والمبادرات التي أطلقها التيار الشبابي الشركسي المعارض ، قد أعلنت رغبتهم في التصرف كقوة سياسية مستقلة تمثل نوع جديد تمامًا من النشاط الاجتماعي في هذه المنطقة، وهذا الأمر يتعارض على ما كنا نراه سابقاً من التمسك بالانظمة التقليدية المتحجرة والاعتماد على التسلسل الهرمي التقليدي بين روسيا وتركيبة الشيوخ(كبار الشركس) التي كانت عادة ما يتم الاعتماد على هذه الآلية لفرز القيادات وصانعي القرار الشركسي مستقبلاً.
في مساء يوم الرابع من نيسان الجاري نشر مقال على الموقع الالكتروني لوكالة ريجنوم الاخبارية تحت عنوان ( يريدون إلصاق تهمة “الأنفصالية” بالنشاطات الشركسية القومية) المقال تحدث عن منتدى قومي شركسي تم تنظيمه بتاريخ الرابع من نيسان الجاري في عاصمة جمهورية قباردينو/بلقاريا، إلا أنه تم حذف المقال بعد حوالي ساعة من نشره، ولكن هذه الساعة كانت كافية لنقل المقال على عدة مواقع شركسية وتم نشره على نطاق واسع، بعد يومين تمت إعادة نشر المقال لكن بصورة منمقة حيث تم محو التفاصيل التي تحدثت عن الصعوبات التي واجهت الشبان الذين رغبوا بحضور المنتدى وتم منع الكثيرين منهم من قبل القوات الامنية بحجة(المحافظة على الامن والنظام العام) وتناول المقال المعلومات التي نشرتها الوكالات الاخبارية الرسمية والتي اتصفت بالاختصار والغموض الشديدين بغية التعتيم على الحدث.
قامت مجموعة من نحو 150 من النشطاء الشباب من التيار الشركسي القومي بالاعتصام امام المسرح الثقافي(مكان انعقاد المنتدى)التي رفضت مغادرة الموقع والاذعان للشرطة الذين رفضوا السماح لهم بحضور فعاليات المنتدى وبدلاً من ذلك بقوا في الشارع بانتظار قرارات المنتدى، الناشطين من الشبان الشراكسة تحدثوا للصحافيين المحليين حيث صرحوا بانهم “لن يتسامحوا مع فكرة استبعادهم من عملية صنع القرار خاصة عندما يكون مصير الوطن على طاولة” واضافوا : “نحن لا نثق بالقيادات القديمة(الحرس القديم) في اشارة الى قيادات الجمعية الشركسية(الخاسة)، كما أعلنوا عن نيتهم عن إنشاء منظمة خاصة بهم تعمل على تمثيلهم والدفاع والمطالبة بحقوقهم، حقيقة قيام الناشطين الشباب(ومعظمهم من الطلاب) بالإعلان عن رفضها لإية قرارات (لا تشارك بوضعها) هو تطور ملحوظ ، المحللين الغربيين ليسوا على دراية بهذه المنظمة(الاديغة خاسة)حيث تجدر الإشارة إلى أنه منذ العصور القديمة كانت هذه المنظمة تعتبر بمثابة برلمان الشعب(وفقاً للتقاليد الشركسية القديمة) وهي تنوب عن الشعب في اتخاذ القرارات المصيرية، ان هذاالموقف الذي اتخذه الناشطين الشباب يشير لزايد اعداد الشركس الذين يشعرون بأن منظمة (الاديغة خاسة) ببساطة فقدت استقلالها، وانها تتعاون مع الكرملين والسلطات الروسية بطريقة تضيع مصالح الشعب الشركسي ، بل ان هناك قناعة تامة ان معظم اعضاءها وخاصة القيادات ما هم الا عناصر استخبارية تابعة لاجهزة الامن الروسية، الغضب الذي صاحب وقائع المنتدى وصل إلى أبخازيا أيضا. كما تبين ان الشراكسة في جمهورية قباردينو/بلقاريا لم يكونوا الوحيديين الذين حرموا من المشاركة في المنتدى والوصول اليه ، بل كان هناك حرمان للعديد من الشبان الشراكسة من أعضاء منظمةالاديغة خاسة(akhra) والتي تمثل الالاف الشراكسة المقيميين في ابخازيا ومعظمهم من المقاتلين السابقين الذين شاركوا في الحرب الجورجية الأبخازية في عام 1992 وأسرهم وأقاربهم، هؤلاء انتقدوا بيان المنتدى الختامي واصفين اياه ب(المخزي) وقاموا بنشر بيان عبر عن هذا الامر بشكل واسع وانتقدوا زعماء الاديغة خاسة الذين وصفه “بانهم اصبحوا بإعين الشراكسة في ابخازيا خائنين لفكرة القومية الشركسية واصبحوا خدام للنظام”.
ابراهيم ياغن ، زعيم اتحاد ركوب الخيل في قباردينو/بلقاريا ، لا ينتمي الى الشباب الناشطين لكنه أعرب عن دعم الجمهور لأنشطتهم، جيث قال للصحفيين “ان كل حركة في قباردينو/بلقاريا تدين الرقابة مباشرة من قبل اجهزة الاستخبارات هذه الرقابة التي يمكن وصفها ب”ضغط غير مسبوق”، تصريح السيد ابراهيم ياغن اعتبر هاماً ؛ على الرغم من ان السيد ياغن غير منتخب رسمياً(في الاديغة خاسة) ،الا انه يتمتع بشعبية بين الجماعات السياسية والاجتماعية وبين عامة الشعب على حداً سواء لأنه يحمل وسام بطل أبخازيا لانجازاته العسكرية ضد جورجيا في عام 1992 ابان الحرب بين جورجيا وأبخازيا، حيث تابع حديثه قائلاً “أعضاء مجموعتنا(اي منظمي المنتدى)تمت دعوتهم باستمرار إلى وزارة الداخلية ، وجهاز امن الدولة (جهاز الأمن الاتحادي) لمقابلتهم”، واضاف “تم فرض رقابة عن كثب علينا ، وتم التصنت على هواتفنا ،لقد تم استخدام نفس اساليب جهاز ال(كي.جي.بي)المنحل(جهاز المخابرات السوفيتي قديماً) ياغن تابع تصريحه قائلاً ” انه من المؤكد ان “اجهزة الاستخبارات الروسية تحاول لصق تهمة النزعة الانفصالية بالمنظمات الشركسية السياسية التي تنتهج نهج الكفاح السياسي والاجتماعي المنظم وذلك للحصول على مزايا ودعم من قبل السلطات الحكومية بحجة محاربتهم للارهاب في منطقة شمال القفقاس” واضاف :” ان متابعة المنظمات الشركسية السلمية هو امر اسهل على اجهزة المخابرات، لاننا على عكس المنظمات المسلحة الاخرى لا نشكل خطر جسدي عليهم وبالتالي فهم يحاولون ملاحقتنا والضغط علينا للحصول على اموال الدعم الحكومي لهم والمزايا الوظيفية”.
ان ارتفاع وتيرة نشاطات الحركات القومية الشركسية المستقلة في شركيسيا كانت واضحة للعيان ايضاً في تشرين الثاني / نوفمبر 2008 ، عندما أعلن الكونغرس الشركسي عن تنظيم مؤتمر وطني في شيركيسك ، عاصمة جمهورية قرشاي/شركس ، حيث الشركس والاباظة هم أقلية عرقية جميع اعضاء منظمة الكونغرس الشركسي تم استدعائهم من الاجهزة الامنية للتحقيق معهم، وفقا للمقالات التي ظهرت في الصحافة المحلية ، وتصريحات بعض زعماء الكونجرس الشركسي انذاك اشارت الى محاولات الاجهزة الامنية والاستخبارية لفرض المواضيع التي سيناقشها المؤتمر الوطني ،هذا هو بالضبط نفس التكتيك الذي يستخدمه جهاز الامن الفيدرالى الروسية في عمله مع الحركات الاجتماعية في جميع أنحاء روسيا بأسرها،
ومع ذلك ، فإن ضغوطات الاجهزة الامنية لم تكن فاعلة ولم تحقق في شيركيسك، في منتصف الكلمات التي تم اعدادها بشكل كامل من قبل السلطات المحلية بالتنسيق مع الاجهزة الامنية والاستخبارية الروسية والتي ألقيت في المؤتمر، قام احد القادة الشباب وهو روسلان كيشيف بمحاولة الصعود الى المنصة لالقاء كلمة تمثل الشباب الشركسي(القوميين الشراكسة) لكن اثنان من أعضاء الاديغة خاسة(الجمعية الشركسية) قاموا بمنعه ، بل انهم حاولوا استخدام القوى الجسدية لمنع السيد كيشيف من القاء كلمة منظمة الكونغرس الشركسي في القبردي، وقاموا بدفعه ومحاولة ارغامها على الجلوس على مقعده امام حضور يقدر باكثر من 2.000 شخص، الا ان السيد كيشيف اصر على القاء كلمته ودفع كل من حاول الاقتراب منه واعتلى المنصة وقدم مشروع شركيسيا الموحدة ، وهي خطة لتوحيد المنطقة الشركسية المقسمة الى عدة جمهوريات في شمال القفقاس، وهي المنطقة التي شهدت 101 عاما من المقاومة ضد الاستعمار الروسية ، وهي الحرب التي انتهت بنزوح جماعي والتطهير عرقي لسكانها من الشراكسة وينظر العلماء المعاصرين للابادة الجماعية التي تعرض لها الشراكسة بانها اولى واهم واكبر عمليات الابادة التي وقعت في القرن التاسع عشر،
وخطة شركيسا الموحدة لا تفترض إنشاء دولة مستقلة ولكنها تهدف الى توحيد الشراكسة داخل كيان اداري، وكما صرح السيد كيشيف وقتها ان الدعوة الى توحيد شركيسيا تأتي في سياق دعم سياسات فلاديمير بوتين الاصلاحية الداعية الى ضم المناطق ودمجها، لكن خطة الكرملين تختلف ، فالخطط الروسية تهدف الى دمج جمهورية قرشاي/شركس بمقاطعة ستافربول وجمهورية الاديغية بمقاطعة كرسنودار وجمهورية قباردينو/بلقاريا مع جمهوريات اوسيتيا والداغستان .في نظر القوميين الشراكسة، خطة الكرملين تعني الاعلان عن وفاة الشعب الشركسي واندثاره.
عندما أعلن في شيركيسك عن مشروع شركيسيا العظمى ، في قاعة الشعب قوبلت كلمة السيد كيشيف بحفاوة بالغة وهيجان جماهيري كبير ، صاحب ذلك قيام عدد كبير من الشبان بالقاء احد الاناشيد الوطنية الشركسية،الا ان السيد كيشيف استقال من منصبه بعد هذا المؤتمر، معللن استقالته بقوله ” بصراحة لا يمكن الاستمرار في العمل لا يمكن لأحد، كنت مثل المقيد بسلاسل في قدميه وساقيه، هم يستطيعون القيام بأي شيء ضدك كما يريدون وفي الوقت المناسب لهم يمكن ان يقتلوك بكل بساطة مثل رمشة العين ولهذا فضلت الابتعاد عن العمل في المنظمات الشركسية” مشروع وفكرة شركيسيا الموحدة قد نوقش على نطاق واسع منذ أحداث تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، هذا الموضوع هو موضع نقاش من قبل المواقع الشركسية والتي تستقبل أعدادا كبيرة من الردود يوم 6 ابريل ، أعلن عن مبادرة من قبل الشباب الشركسي لاطلاق مشروع جديد يطلق عليه “امة واحدة واحد في المستقبل” الهدف الرئيسي هو تغيير الهوية العرقية للدولة “الشركسية” ، والتي ستشمل جميع القبائل الشركسية
اكتسبت هذه المبادرة شعبية على نطاق واسع ، على الرغم من الاقبال المحدود للوصول إلى الإنترنت في الجمهوريات الشركسية. الا الشبان المتطوعون قاموا بتوزيع الآف المنشورات والقت في صناديق البريد كل أسرة، من بين الشعارات الأخرى التي اطلقت شعار تمتع بخصوصية هامة الا وهو “رياح الحرية تقترب!” ماذا سيحدث لهذه المبادرة الشركسية الشبابية مستقبلاً؟!! فهي لا تعتبر مسألة ذات أهمية محلية فقط ، وإنما مسألة تتعلق بالعملية الديمقراطية في روسيا. كيف سستعامل الدولة الروسية مع المنظمات المدنية هل ستحاول الاستماع لها ام انها ستقوم بقمعها وبالتالي ستزيد من التوجهات المتطرفة؟! لكن السياسة القومية الروسية ، لا تبدو انها مستعدة للاهتمام بموضوع الديمقراطية ، ولذلك فإن التوقعات المتشائمة تكون أقرب إلى الواقع.