كفكاز سنتر: أراد دائما أن يقضي في المعركة

أراد دائما أن يقضي في المعركة…10648_1 (1)

كال الأمير سيف الّله مديحا لأبي مراد سلطان سوسنالييف على موقع دين الإسلام ونشر يوم 25 مارس 2009. ويترجم هنا كاملا للّغة العربيّة نقلا عن كفكاز سنتر.

بسم الله الرّحمن الرّحيم.

الحمد لله رب العالمين. الّلهمّ سلّم وبارك على قائد المجاهدين نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يوم 23 نوفمبر/تشرين الثّاني 2008، توفّي أخانا الأكبر، المجاهد الشّريف النّبيل أبو مراد سلطان ابن أصلان-بك سلطان-علي (سوسنالييف).

وكان دائما يريد أن يموت في المعركة، ولكن إرادة الّله سبحانه وتعالى قضت بأنّ وفاته كانت بسبب المرض. إنّ الّله وحده يعلم ما في القلوب، لكنني كنت أعرف سلطان كشخص نبيل وشريف. قال رسول الله محمد عليه أفضل السّلام والتّبريك:

“{إختلاف} النّاس كاختلاف المعادن مثل الذهب والفضة، كما أنّ أفضلهم في الجاهليّة أفضلهم في الإسلام، وذلك بعد التّعرف على أمور دينهم (التّفقّه بالدّين)” (الحديث نقل عن الإمام مسلم).

أنا أشهد على حقيقة أن أبو مراد ارتحل بوصفه مسلما، رافضا للكفر ونابذا للشّرك والدّيمقراطيّة والقوميّة والشّيوعيّة. قلّة من الناس عرفوا ذلك. وعدّة أشخاص فقط عرفوا أنه كان الى جانب المجاهدين في القوقاز حتى آخر يوم من حياته.

الآن، وعند عدم وجود المبرّر لإخفاء هذه المعلومات، فإنّنا نعتبر بأنه من واجبنا أن نعلن الحقيقة للمسلمين عن أخاهم الكبير. لئلا يظن المؤمنين أن سلطان كان بعيدا عن الإسلام أو أنّه توفي وهو يخدم روسنيا (روسيا).

عرفته منذ سنوات عديدة، وأقسم بالله أنه دائما أحبّ الله والمسلمين، وخاصّة المجاهدين. عرفت والدته، وكانت مسلمة حقّه. وجهها المهيب كان يشع نورا (ضياءا). وربما كان بركة لها من السلف الصّالح، جدّها محمد ميرزا أنزوروف، نائب الإمام شامل ووالي الشّيشان الصّغرى، الذي كان قد استشهد في الحرب ضد الكفرة.

خلال الحرب الرّوسيّة – القوقازيّة، فإن الغالبية من النّاس الأحرار في قباردا وبلقاريا وقاراشاي قاموا بالهجرة إلى الإمام شامل.

محمد ميرزا وكما حفيده  سلطان، كان ضابطا في الجيش الرّوسي. ومثل سلطان،  فكّر محمد ميرزا دائما بالتّمرّد على الغزاة، وحافظ على اتّصالات سرّيّة مع المجاهدين، وكان يتّصل من خلال المراسلات مع إمام القوقاز.

ابو مراد قضى طفولته في قرية ساغوبشي (حاليّا ولاية غالغايشو) وفي نالشيك، أمّا مرحلة شبابه فقضاها في روسيا، لذلك لم يعرف الّلغة القبارديّة وتفاصيل العادات بشكل جيد جدا، لكن والديه زرعوا فيه حب الإسلام وعزم الحرية.

أبو إدريس شامل بن سلمان باساييف أعجب بشجاعة وموهبة سلطان سوسنالي العسكريّة، وأعرب عن أسفه لأن سن أبو مراد لا يسمح له بالمشاركة في الجهاد بنشاط. وقال عنه أبو إدريس: “إنّه شخص مذهل. رأيت كيف قاد القتال من الخنادق تحت الرّصاص والقنابل. رأيته في مقر القيادة، عندما قام بالتخطيط لعمليات فريدة من نوعها، التي هي اليوم تدرّس في الأكاديميات العسكرية في العالم. سلطان عرض عليّ العون أكثر من مرة، وأنا اليوم في حاجة ماسّة إلى تجاربه، ولكن خشيت على وضعه الصّحّي.”

لم تكن درجة قرابتنا وثيقة للغاية مع سلطان، إلى جانب ذلك، كان هناك فارق السن الكبير بيننا، لكننا أدركنا دائما معنى ما عنينا خلال الحديث.  تحدّثنا عن الدّين والتّاريخ والحرب.
وتناولنا للمرّة الأولى موضوع الجهود الملموسة في ميدان الجهاد في عام 1998. اقتراح سلطان كان غير عادي تماما. وقال انه يحتاج الى شخص موثوق، ويتحدث الّلغة العربية، والّذي سيرافقه في رحلته عبر بلدان الشّرق الأوسط. وهدف الزيارة كان هو ترتيب إتّصالات مع قيادة المقاومة الفلسطينية، من أجل مساعدتهم في حربهم ضد الكفّار. وسألته ما استأثر به لمثل هذه الخطوة. فاجاب بأنّه شعر بالتّعاطف مع الشعب الفلسطيني وأراد مساعدتهم. واضاف “إنّة يمكنهم ويجب أن يفوزوا. أنظر كم منهم ضحّى بحياته. هذا يعني أن هذا الشعب يمتلك روحا قوية ورغبة في الإنتصار. إنما ينقصهم التنظيم الجيّد. فإذا كان لهم قيادة سياسية صادقة، فأنا على استعداد لتحمّل المسؤولية عن الجانب العسكري”، هكذا قال سلطان. وقال أيضا إنه سبق وأن تحدّث في هذا الموضوع مع ممثلي الشّراكسة في الشّتات، من بينهم جنرالات من جيوش دول الشّرق الأوسط.

شكرت أبو مراد للثّقة الّتي أولاني إيّاها، وقال إنه سيكون من دواعي سروري البالغ للمشاركة في مثل هذه الجهود، ولكن لسوء الطّالع، واقع الحال في بلاد الشام هو أن مثل هذه الجهود محكوم عليها بالفشل. وأوضحت أن المشكلة برمّتها هي مع القيادة السّياسيّة للمقاومة الفلسطينية، كما كل الطّغاة في الشرق الأوسط، يحاربون ضد الإسلام، ومحاولين إرضاء الكفّار. السّياسة الفلسطينية، بدلا من رفع الشّعارات الإسلامية، فإنّها ترفع شعار القومية العربيّة، ويكمن في أنها هي السّبب الرّئيسي للذّل والمعاناة التي حلت بالنّاس. وفيما يتعلق بالجنرالات الشّركس والّشّيشان الّذين يحتلّون المناصب الرئيسية في الجيش الاردني والاجهزة الامنية، فإنّ واحدة من مهامّهم الرئيسية هي حماية الجيب الصهيوني في الأراضي المحتلّة. وفيما يتعلّق بالجنرالات في سوريا، الذين يخدمون النّظام العلوي بإخلاص، فإنّ الثّقة بهم هو بمثابة إنتحار.

وبالإضافة إليّ، تشاور سلطان بالأمر مع بعض النّاس موضع الثّقة، والّذين يعرفون الوضع في الشّرق الأوسط، وقرّر التّخلّي عن هذه الفكرة.

بعد ذلك الحدث أدركت بأنّي أتعامل مع رجل حر مستقل التفكير. لم يحصر رأيه وتطلّعاته ضمن حدود المصالح القومية المحلّيّة، ولكن فكّرعلى نطاق واسع، بل وعلى الصّعيد العالمي. وفي الوقت نفسه، كان سلطان واقعيّا، وبعيدا كل البعد عن الأحلام الفارغة.

ورغبته في مساعدة فلسطين كان ذو مغزى بالنّسبة له وبأنّ العدالة تسبق كل شيء. وخلافا للوطنيّين القوميّين المحلّيين، لم يكن لديه عقدة نقص بحصار نفسه بشيئ ما، وكان ينشد الخير بإخلاص ليس لشعبه فقط، ولكن لغيره من الشعوب المسلمة المضطّهدة.

في الصيف الماضي أظهر لي سلطان نسخا من الوثائق المحفوظة، والتي كانت دليلا على أن وباء الطّاعون والهجرة الجماعية إلى الشّيشان (نوخشيشو)، كان قد أبقى هناك 42 ألفا من الأديغة في قباردا، في حين 25 ألفا منهم كانوا أحرارا (أمراء ونبلاء وفلّاحين)، والباقي من الرّقيق. بين النّاس الأحرار، كانت الأغلبيّة تتألّف من النساء والأطفال وكبار السّن. الغالبية العظمى من الرّجال الأحرار توجّهوا إلى شامل. (وكان هناك أيضا أولئك الذين بقوا بناءا على طلب من محمد ميرزا وبشكل سرّي كانوا على إتّصال مع المجاهدين، لإطلاعهم على خطط وتحرّكات العدو.

“فلا غرابة في أن شعبنا ينتابه الذّل والخنوع سلوكيّا ونفسيّا، وذلك لأنّهم كانوا قد نشؤوا على ذلك الحال”، حسبما قال أبو مراد. وأضاف: “ما كان عارا من قبل، يبدو اليوم كما لو أنّه عرف قديم. وبدون الشّعور بالعار يقومون بتكرار الشيء نفسه: “إن أهم شيء عندهم هو الصّحّة”. وعندما تقول لهم أن الرّجل يجب أن يكون على استعداد للتّضحية بصحّته وحياته من أجل الشّرف والعدل، فإنّهم يعتبرون ذلك ضربا من الجنون!”

سلطان كان على دراية جيّدة بالسّياسة، ولكن نظرا لأمانته، فإنّه لم يستطع التّعوّد على الخيانة.  قلت له مؤخّرا عن أحد قادة الفكر القومي، والمبجّل بوصفه “بطريركا للشّعب القباردي”، الذي قال في إحدى مقابلاته بأنّه من الضروري إحياء إحدى عادات الأديغة القديمة وهي إجلاء عائلات القتلة من القرى. عندما قلت أنّ ذلك المسن عنى المجاهدين في تصنيفه القتلة والمجرمين ودعى الى طرد عائلات المسلمين الذين قتلوا عندما كانوا  يقاتلون ضد جيش وشرطة بوتين في تشرين الأول / أكتوبر 2005 ، صدم سلطان: “كيف؟ هل زاور قال ذلك؟ إنّ ذلك مستحيل”!

سلطان لن يكون مندهشا ومنزعجا، لو كان بعض قدامى المنتسبين للشّرطة السّرّيّة السّوفياتيّة يتطلعون إلى دور المسنّين، بالدّعوة إلى طرد المؤمنين. لكنه تذكّر كيف أنّه في عام 1999، عندما غزى جيش روسنيا (روسيا) للشّيشان هو نفسه زاور الّذي كان أحد منظّمي التّظاهرة قرب مبنى وزارة داخليّة الغزاة في نالشيك. كان النّاس يهتفون: “ارفعوا ايديكم عن الشّيشان” و”أوقفوا قتل الشّعب الشيشاني”. الشرطة في ذلك الوقت، لم تأخذ في عين الاعتبار كبر سن “البطريرك”، وأجبروه على الصعود الى مركبتهم. “البطريرك”، ناشد ضميرهم ومشاعرهم الوطنيّة، وهتف: “عاشت الحرية”، لكنّهم لم يبالوا بعادات شعبهم، واحترام كبار السّن، أوالحرّيّة.

وكثيرا ما قال سلطان: “اذا لم نستطع تخليص هذا الشعب من عادة خدمة القيصر الرّوسي، فلن يكون له مستقبل. وهذا النّمط  للزّي الأزرق (شرطة الإحتلال) هو نفسه كزي طوق الكلب. بالإضافة إلى ذلك كانت أيديهم ملطّخة بالدماء في الشيشان. ولسوء الحظ، يمكن إجبارهم على التخلي عن هذه “الموضة” عن طريق الدّم فقط.”

لم يكن أبو مراد مجرّد أيّ مقاتل نشيط من أجل حرّيّة القوقاز. وكمسلم حقيقي، كان يعتقد أن شريعة الله هي القانون الوحيد الّذي ينبغي أن ينظّم تفاعلات الإنسان، “الحرية هي عندما لا يكون هناك أيّ شخص أعلى من أي شخص آخر إلا الله”، هذا ما قاله سلطان. وقال أيضا: “كثير من النّاس يشعرون بالأسى نحو المجاهدين، معتقدين بأنّه يراودهم حلم العودة إلى ديارهم والعيش تحت سلطة الغزاة الرّوس، كما في السّابق. لكنني أحسد المجاهدين، لأنّني أعرف ما هي الحرّيّة. إن الّذي خالجه هذا الشعورعلى الأقل مرة واحدة، سيعرف ما أتحدّث عنه.”

سنفتقد الخبرة والحكمة من الأخ الأكبر كثيرا. سنفتقد معه التّواصل الأخوي، لأنه كان يتحلّى بمزاج جميل، حيث ثبات بالشّخصيّة متوائم مع ود غير عادي.
أخاطب إخواننا وأخواتنا في جميع أنحاء العالم، وأطلب منكم: الدّعاء لأخيكم المتوفّى، لأنه بحاجة إليه الآن.

نرجو الّله الرّؤوف الرّحيم أن يغفر له وينزل عليه الرّحمة. الّلهمّ نجّه من عذاب القبر، وارزقه الجنّة. آمين.

الأمير سيف الّله
نالشيك، 28 ذوالقعدة 1429 هجريّة

كفكاز سنتر

 ترجمة: أخبار شركيسيا

 

Share Button