وليد سليمان-في متحف خاص ودائم يتكون من عدة أقسام (غرف) أقامه الباحث عدنان مذهب بزادوغ في بيته الشاسع في مدينة الزرقاء شاهدنا الكثير من المقتنيات الوثائقية والمادية والفنية والثقافية التي تتعلق جميعها بحياة الشركس بالدرجة الاولى ثم الشيشان ثانياً وكذلك الداغستان وذلك منذ القديم جداً وحتى الفترة المعاصرة التي تعيش فيها بعض تلك المجموعات من الشعوب القوقازية في كل من الاردن وسوريا وفلسطين ومصر وتونس والدول الأجنبية الأخرى.
صور جوية قديمة
ما لفت انتباهنا عند صعود الدرج الى المتحف هو تواجد صور فوتوغرافية كبيرة باللونين الأبيض والأسود معلقة على الجدران, وكانت الصورة الجوية الاولى لمنطقة الزرقاء والثانية لمنطقة صويلح حيث تم التقاط هذه الصور بواسطة الطائرات من القوات الاسترالية قديماً ربما قبل نحو مائة عام اذ كانت تلك المنطقتين شبه خاليتين من البيوت والسكان الا ما ندر من الشركس. أما عن الصور النادرة الأخرى فكانت صورة (شرف الدين يحيى رستم) بلباسه العسكري حيث كان حامل الرقم (واحد) في الجيش العربي الأردني.
وشاهدنا أيضاً الكثير جداً من الصور الفوتوغرافية القديمة الصغيرة والمتوسطة المساحة التي حُفظت في الالبومات او الملفات او على لوحات خشبية جدارية كبيرة او في جوارير خزانة خاصة وهي عن جميع الشخصيات الشركسية والشيشانية الأردنية ومن كل الاهتمامات السياسية والرياضية والفنية والعسكرية وغير ذلك.. ومن الامثلة عليها نذكر:
رياضيون وفنانون واعلاميون
– ممدوح خورما: وهو من أشهر حكام كرة القدم على نطاق محلي واقليمي, ومن مؤسسي كرة القدم في عمان.
– نظمي السعيد ومظهر السعيد: وهما من أقدم لاعبي ومدرسي ومدربي كرة القدم في الاردن.
– محمود جراشه: بطل كمال اجسام المملكة الاردنية الهاشمية وبطل العالم ذات مرة قديماً.
– عبدالرحيم شقم: بطل كمال اجسام وملاكم, وجميل شقم لاعب كرة قدم في الثلاثينات.
– محمد خير مامسر: الوزير السابق وعاشق كرة السلة.
– شحادة موسى: لاعب كرة قدم محترف.
– فخر الدين فؤاد: بطل الوثب العالي.
– ينال قمق: محترف رالي السيارات.
– زياد الخص: لاعب شهير حيث ذهب للانضمام الى اتحاد كرة السلة الامريكي.
وهناك الكثير أيضاً من الأسماء الرياضية الشهيرة.
أما المبدعون في الأدب والثقافة والاعلام وهم كثيرون أيضاً فاننا نذكر هنا الشخصيات التالية كمثال فقط:
– محي الدين قندور: مخرج سينمائي شركسي أردني عالمي حيث اخرج مؤخراً فيلم (الشراكسة) الضخم الانتاج.
– زهرة عمر: اعلامية وروائية راحلة.
– بريهان قمق: مذيعة ومعدة برامج في التلفزيون الاردني.
– أمجد قورشة: مذيع ومقدم برنامج ديني شهير.
– فريال زمخشري: كانت مديرة اذاعة عمان.
– عبيدة دودرة: عازفة اكارديون شهيرة جدا بالموسيقى الكلاسيكية الشركسية توفيت عن عمر (80) عاما.
– أشرف اباظة: ممثل مسرحي وتلفزيوني وسينمائي شهير.
– محمد أزوقة: روائي واعلامي.
– جودت ناشيخو: كاتب وصحفي.
– توجان فيصل: مذيعة تلفزيونية وشخصية سياسية.
– سليم ايوب قونة: مترجم وباحث في تراث وذاكرة عمان.
– لانا مامكغ: كاتبة ومذيعة تلفزيونية.
– ارسلان رمضان: كاتب وباحث فلكلوري وآثاري عن الاردن.
– لارا طماش, وشويكار جنبلاط: اعلاميات ومذيعات في التلفزيون الأردني.
– وعن الاسماء التي خاضت غمار الفن التشكيلي نذكر منهم مثلاً: فاروق لمبز, جانيت جنبلاط, محمد قيتوقة, مكرم حغندوقة, جانيت شامي, هيام أباظة.. وغيرهم.
كتب وصحف بكل اللغات
ومن المدهش ان نلاحظ في جناح آخر هذه المكتبة المتميزة التي تضم المجلات والكتب والصحف والخرائط وقصاصات الجرائد التي تتحدث عن كل ما يخص الشراكسة والشيشان أينما كانوا في مواطنهم الاصلي او في مناطق ودول اقامتهم الأخرى في جميع دول العالم ومنها الأردن بالذات.. حيث كانت تلك المطبوعات بلغات عديدة منها: باللغة العربية والشركسية والشيشانية والانجليزية والروسية والتركية والألمانية وغيرها من لغات العالم.
ويحدثنا الباحث وصاحب هذا المتحف الخاص عدنان بزادوغ ان كلمة (شركس) هي كلمة اطلقها الاتراك على الشعب (الأديغي) ثم اطلقها العرب عليهم.. ثم يشير الى كتاب المصحف الشريف (القرآن) قائلاً: هذا مصحف باللغة الشركسية, وهذا مصحف آخر باللغة الشيشانية.. ومن المعلوم انه قديماً كانت اللغة الشركسية تكتب بالحروف العربية.. ولكن لم يكتب لها النجاح بالاستمرار وذلك بسبب الظروف التي كان يعيشها الشركس قديماً في موطنهم الاصلي.. فصارت اللغة الشركسية تكتب بالحروف الروسية السلافية.
ومن خلال هذه المكتبة الورقية فاننا يمكن لنا ان نتعرف على معلومات كثيرة وتفصيلية ودقيقة وكمثال على ذلك يمكن ان نتعرف على:
– الشركس وحياتهم وتاريخهم في عمان وفي الزرقاء وجرش وصويلح والازرق والسخنة وناعور ووادي السير.
– الشركس وتواجدهم في مناطق عمان.
– وأماكن توجدهم في دول العالم.
– وأماكن تواجد الشيشان في الاردن.
معلومات وصور عن كل المساجد التي بناها الشركس في عمان والاردن والدول العربية.
مجموعة حديثة وقديمة من المجلات الشركسية الصادرة باللغة العربية في الاردن مثل: الواحة, نارت, البروز, ديماق, النادي القوقازي, الاخاء.
وفي زاوية أخرى من هذا المتحف الكبير والمتنوع كانت تتواجد العديد من الخرائط الطبيعية والسياسية والطبوغرافية والجوية لشمال القفقاس وخرائط مناطق الشيشان وغيرهما من المناطق والدول المجاورة والعربية أيضاً.. كذلك اعلام مثل قبردينا وابخازيا والاديغة وغير ذلك.. وعملات نقدية من شمال القفقاس كتب على بعضها ضمن اللغات الأخرى اللغة العربية.
وادي السير تعلن الحرب على بريطانيا
وفي هذا المتحف الخاص للباحث عدنان بزادوغ مجموعات كثيرة من الوثائق الأصلية او المصورة التي نتعرف من خلالها على بعض أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الأردن قديماً ومنها مثلاً:
– قصاصة من بحث او مقال قديم يوضح من عنوانه هذا الخبر القديم وهو: «عندما اعلنت وادي السير الحرب على بريطانيا العظمى» في نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف الاربعينات.. وذلك أثناء انسحاب البريطانيين من عمان باتجاه وادي السير وعراق الأمير ثم الأغوار الاردنية.. حيث اخذت الشراكسة في وادي السير نخوتهم وعاطفتهم الدينية لمحاربة (الكفار) الانجليز, وذلك دون حساب عدم تكافؤ القوة والاسلحة!! فكان من نتيجة هذه المعركة الخاسرة ان حصد الانجليز بمدافعهم على مواقع الشركس وقتلوا العديد منهم حتى بلغوا (18) شهيداً.
ومما رأيناه في جناح الوثائق والسجلات والمخطوطات القديمة بعض من وثائق الدولة العثمانية في الأردن مثل شهادات الميلاد وعقود الزواج وسجلات الأراضي (الطابو) ومعاملات السفر وقضايا الارث والشهادات المدرسية وكان اكثرها باللغة التركية ومنها العربية.. ثم وثائق من وزارة الخارجية البريطانية حول خروج الشركس وتهجيرهم من مواطنهم الأصلية.. وبرقيات من كولونيل اجنبي ترجع للعام 1878 ميلادي.. كذلك بعض سجلات المحاكم الشرعية من محكمة اربد وحيفا والسلط وقرية عمان.
مكتبة الأشرطة والأفلام والموسيقى
وفي قسم خاص من هذا المتحف المنزلي الفخم بمحتوياته التي قام على تجميعها واعدادها شخص متفرد وهو الباحث الفلكلوري والتاريخي عدنان بزادوغ فقد شرح لنا عن تلك المحتويات موضحاً ان لديه ما يلي: اشرطة فيديو للفلكلور الشركسي ثم الشيشاني من حفلات واغان وموسيقى ومحاضرات وافلام وثائقية واعراس وافلام كرتون وغيرها.
وكذلك اشرطة كاسيت متنوعة تحتوي على محاضرات ودروس تعليم اللغة والقصص التعليمية وقراءة المولد النبوي الشريف.
وأشرطة محور (بكرات) فيها محاضرات واغان واشعار من الاردن والقفقاس.
وأيضاً الاقراص الحديثة المدمجة مثل السي دي لأفلام عديدة منها مثلاً فيلم الرسالة لمخرجه مصطفى العقاد مدبلج الى اللغة الشركسية, وكذلك دروس ومحاضرات وافلام وثائقية وصور مساجد وفنانين وشخصيات من الرعيل الاول وصور الشهداء, كذلك وجود عرض ثابت (بروجكتر) للصور.
شهداء الجولان وفلسطين
وعلى لوحات كبيرة شاهدنا صوراً مع معلومات سريعة لكل شهداء الشركس والشيشان والداغستان الذين قضوا شهداء في سبيل الله دفاعاً عن الاردن والبلاد العربية والاسلامية في كل من ارض الجولان السورية وارض فلسطين المباركة ولبنان العزيزة ونذكر مثلا منهم:
علي شقم رائد طيار 1959, يعقوب باكير لباي 1948, احمد ابزاخ 1948, اسحاق ستاش 1948, اسعد قواي 1948, عبد الغني اكربة 1948, جواد انزور 1948, سليمان داغستاني 1937, محمد خان قره 1930, زازو كاو 1950, عبد الرحمن قورشة 1956, عبد الله بهاء الدين 1956, عمر صفر 1949, يوسف عباس غش 1962, محمد انيس يغن 1970, محمد راغب هارون 1973, محمد اديب توجش 1973, نعمان داغستاني 1973, احمد محمد الحاج فتحي 1969, محمد أمين ته تر 1971, ممدوح حمدي اباظة 1981, الحاج اسماعيل ماشفنج 1967, ابو بكر علي شئه شئه 1967, انور عبدالسلام اباظة 1967, جودت اسماعيل خوت 1967.. وهناك المئات ممن استشهدوا على جبهات القتال آنفة الذكر أو اثناء قيامهم بالواجب الوطني.
وكان الباحث والكاتب عدنان بزادوغ قد اصدر كتاباً حول هؤلاء الشهداء في عمان عام 2008 كان بعنوان طويل هو «كوكبة من شهداء: الشراكسة والشيشان والداغستان من ارض القفقاس على ارض فلسطين والجولان».
فنون وأزياء وأدوات
وفي المتحف عُلقت العديد من لوحات الفن التشكيلي التي تظهر فنون الفلكلور الشركسي من لوحات رسم وتطريز وغيرها حيث ظهرت فيها بعض الرقصات والقتال والازياء للادوات والحياة الشركسية القديمة.. وفي غرفة خاصة كانت معروضات حقيقية لبعض الازياء النسائية والرجالية الشركسية وأدوات الزراعة والبيوت والطعام والحروب من سيوف وخناجر وبنادق قديمة جداً.. وبعض الآلات الموسيقية وبالذات الاكورديون الشهير بعزف الموسيقى الشركسية.. وكذلك بعض ادوات النجارة والحدادة القديمة في الاردن. كذلك كانت هناك العشرات من الأوسمة والبروشات والميداليات المتنوعة التي تخص تلك الشعوب.
شخصيات سياسية وعسكرية
ومن الشخصيات الشركسية الاردنية والتي كان لها دور فعال في مجال السياسة والعسكرية لا بد من ذكر بعض أهمها التي تعرفنا عليها من خلال ملفات ووثائق هذا المتحف وهي مثل:
– ميزا باشا قائد قوة الفرسان التي شكلها الامير عبدالله الاول في بداية تأسيس الامارة في أوائل عشرينات القرن الماضي.
– عدنان اشكاخوا مختار شراكسة عمان ورئيس المجلس العشائري الشركسي الاردني.
– سعيد المفتي رئيس وزراء الاردن سابقاً.
– اسماعيل باموق أول رئيس بلدية (أمانة عمان) في قرية عمان.
– احسان شردم قائد سلاح الجو الاردني.
– عوني يرباس وزير داخلية سابق.
– خير الدين هاكوز مساعد مدير الامن ومدير التشريفات الملكية سابقاً.
– قاسم آغا الداغستاني ملازم في قرية عمان أيام العثمانيين.
– وهناك العديد ممن عملوا في الحرس الملكي الخاص في القصور الملكية سابقاً, وما زال هذا التقليد مستمراً.
زوار المتحف الخاص
وما زال هذا المتحف الشركسي الخاص بالباحث النشيط عدنان والذي انشأه في منزله يلاقي الاقبال من بعض الباحثين حيث يزورونه لاكمال دراساتهم وابحاثهم الجامعية وغيرها الاعلامية ومن ذلك نذكر مثلا:
– صحفي ومصور من مجلة (أطلس) التركية.
– صحفي فرنسي من مجلة ليفاجارو الفرنسية.
– مصورة استرالية وصحفية بريطانية من رويترز.
– شبكة تلفزيون هولندا – فيلم أجندة عربية لاشهر ثلاث نساء عربيات في الوطن العربي وكانت واحدة منهن السيدة توجان فيصل.
– طلاب روس للدراسات العليا من جامعة موسكو.
– طلاب من الجامعات الاردنية واليرموك وآل البيت والهاشمية والزيتونة والزرقاء الاهلية.
– إحدى الزائرات للمتحف وبعد اعجابها الشديد به قامت بالتبرع للمتحف بآلة كبيرة للتصوير (الفوتوكوبي).
كلمة شكر وتقدير
وبعد جولة لأبواب الرأي استمرت (5) ساعات في هذا المتحف المدهش لصاحبه الباحث عدنان المنتمي للجهد والتعب ومتعة التوثيق والارشفة لهذا التاريخ والذي سوف يكون ويظل مرجعاً هاماً لكل الاجيال الحالية والقادمة.. فقد كان ما شاهدناه وعرفناه يظل قليلاً جداً.. فان الاطلاع على كل محتويات هذا المكان سيحتاج الى عدة أسابيع مثل المكتبة العامة في أي مكان فانك لن تستطيع مشاهدة وتصفح كل كتاب في يوم واحد أو اسبوع..!!.
وبعد.. فان الباحث والمؤرخ عدنان مذهب بزادوغ لا يبخل ابداً بالمشاركات خارج متحفه فيما اذا طلبت اليه المشاركة بالمعارض والبازارات الشركسية والشيشانية والاردنية في أي مكان في الجامعات والنوادي والفنادق ومعارض التراث الاردنية بعرض بعض مقتنياته تلك.
لذلك فهو أيضاً عضو عامل وناشط في العديد من المجلات الدورية الشركسية حيث يشارك مع أسرة تحريرها في كتابه المقالات الهامة والمعلومات المميزة.. وهو عضو بارز في العديد من النوادي والجمعيات القوقازية والشركسية في الاردن بلده الحبيب الذي ولد فيه وعاش فيه وما زال يعشقه بشدة.. وبالذات كلما سافر خارج الاردن حيث يعود بعدها الى الزرقاء مسقط رأسه العزيز عليه والى وطنه الاردن الغالي على قلبه.