القذافي يحاول تأمين ولاء الشركس في مصراتة
نشر موقع مؤسّسة جيمس تاون الألكتروني على شبكة الإنترنيت بتاريخ 24 مارس/آذار 2011 مقالا للكاتب مراد بطل الشيشاني بعنوان “القذافي يحاول تأمين ولاء الشركس في مصراتة“، حيث جاء فيه:
اشتبكت قوات موالية للزعيم الليبي المحاصر معمر القذافي أياما للسيطرة على المدينة الساحلية مصراتة. وسلّطت جهود القذافي لاحتلال مصراتة الضوء على الدور الذي يُعرف بشأنه القليل عن الشركس في ليبيا، وهم المتحدّرون من قبائل مسلمة من منطقة شمال غرب القوقاز الّذين تجمّعوا إلى جانب بعضهم البعض حول هذه المستوطنه في القرن التاسع عشر.
يوم 8 مارس/آذار، فوّض القذافي دبلوماسي للاجتماع مع زعماء المجتمع الشركسي في العاصمة الأردنية عمان. وطلب من القادة للتوسط من أجل اقناع الشراكسة في ليبيا بالوقوف إلى جانب القذافي في الصراع الدائر في ليبيا. والأردن هو موطن لمجتمع هام من الشتات الشركسي الذي له علاقات وثيقة مع العائلة المالكة الاردنية.
وقال مصدر مطلع لمؤسّسة جيمس تاون أنه بعد أن استقال السفير الليبي في عمان احتجاجا على إجراءات القذافي، اتّصل نائب السفير بأعضاء المجلس العشائري الشركسي في الأردن (CTCJ)، مشيرا إلى أن طائرة خاصة كانت على استعداد لتطير بهم إلى ليبيا للتوسط بين النظام والمجتمع الشركسي في مصراتة، التي تقع على بعد 210 كلم إلى الشرق من طرابلس. وذكر المصدر لمؤسّسة جيمس تاون أن طائرة تابعة للقذافي قضت ليلتين في مطار الملكة علياء الدولي في عمّان. ومعظم الشراكسة في ليبيا يقطنون في المنطقة المحيطة بمصراتة، حيث يقدر عددهم بحوالي 15000 نسمة تقريبا. وهناك أيضا مجتمعات ذات أهمّيّة في طرابلس وبنغازي [1]
ورغم أن هناك عدة نظريات بشأن الإستيطان الشركسي الأول في ليبيا، فإن جذور وجود الشركس في ليبيا على الأرجح يعود إلى مجزرة محمد علي باشا الغادرة في عام 1811 بحق معظم المماليك في مصر في مذبحة القلعة في القاهرة. إن معظم الشراكسة في الشرق الأوسط هم من نسل المتحدّرين من هجرة واسعة النطاق للشراكسة على أسنّة الحراب الروسية من وطنهم التقليدي في القوقاز وذلك في القرن التّاسع عشر. ومع ذلك، فقد كان هناك ايضا مجموعة شركسية كبيرة في مصر، حيث حكم المماليك الشراكسة من عام 1382 وحتّى عام 1517. وظل الشركس جزءا من النخبة المصرية العسكرية والسياسية حتى قيام الثورة القومية العربية في العام 1952.
تم شراء معظم طبقة المماليك في المحاربين مصر كعبيد في شركيسيا واستقدموا إلى مصر للخضوع لتدريب عسكري مكثف قبل أن يستعيدوا حريتهم ليكونوا جزءاً من أعضاء الطبقة الحاكمة الذين ولدوا خارج مصر. ومن هؤلاء المماليك الّذين لم يكونوا متواجدين في مجزرة القلعة الغادرة، توجّه البعض نحو الغرب ليستوطنوا في مصراتة (والمعنى الّلغوي هو: من مصر اتى)، بينما فرّ آخرون من أمام قوات محمد علي وأفراد القبائل العربية غير المتعاطفة معهم واتّجهوا نحو الجنوب لمنطقة دنقلا في السّودان. غير أن، محمد علي كان مصمما على تدمير المماليك حتى آخر رجل، وفي وقت لاحق وبعد تسع سنوات، أرسل جيشا بقيادة ابنه إسماعيل للتخلص من 300 من المماليك أو ما يقارب ذلك من الذين بقوا على قيد الحياة في دنقلا، الذين كانوا في تلك المرحلة في حالة حرب مع قبيلة الشايقية (Sha’iqiya) القوية. ولدى سماعهم اقتراب جيش إسماعيل، تبعثر المماليك المتبقين في اتجاهات متعدّدة. وتوجّهت أكبر مجموعة منهم نحو الغرب، حيث أن السلطنات السّودانيّة تناوبت على حرمان المقاتلين من أمتعتهم وأسلحتهم قبل طردهم. وفي حالةٍ من اليأس، خرج الناجون صوب الصحراء، متوجهين الى ليبيا التي كانت آنذاك تحت الحكم العثماني. ونجح بعضهم على ما يبدو في الوصول إلى أقرانهم في مصراتة، حيث أنّهم يُذكرون من خلال اسم عائلة بارزة هي دنقلي (Dankali) [أي دنقلاوي]. [Dankali Dongolawi]. [2]
ينتظيم الشراكسة في ليبيا في عدة عائلات وهم مندمجون بشكل جيد في المنظومة الإجتماعيّة والنّظام القبلي في ليبيا. وقالت امرأة ليبيّة من مصراتة، الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويتها، أبلغت الكاتب أن الشركس هم أناس يحظون باحترام كبير في مصراته، حيث يبرزون كتجّار. إن ملامحهم تختلف عن الليبيين الآخرين، ولا سيما الشعر ولون العينين. [3] ومع ذلك، يبدو أن اللغة الشركسية، ومعظم العادات والتقاليد قد فقدت. [4]
استقبل القذافي وفدا من المجلس العشائري الشركسي في الأردن في عام 2009، برئاسة رئيس المجلس العشائري الشركسي عدنان مولود. وأظهر القذافي الاحترام العميق للشركس ومعاناتهم التاريخية، كما أسماها، مشيدا بدورهم في البلدان المضيفة مثل الأردن واصفا إياهم بأنهم أناس شجعان ومؤمنون بينما ينوّه بأنّهم يفضّلون بأن يتم تسميتهم “أديغه” (Adigya).
وذكر القذافي مساهمة الشركس في كافة البلدان التي استقروا فيها، لكنه أهمل ذكر الأقلّيّة الإثنيّة الشّركسيّة في ليبيا. [5] وقال مصدر على علم بالإجتماع إلى مؤسّسة جيمس تاون أن القذافي رفض لمندوبي الشركس الأردنيّين فرصة زيارة إخوانهم في المدن الليبية. وسجّلت صحافة الدولة الّلبيّة الّتي تُجِلْ القذّافي أن الشّركس يعتبرون القذافي “كزعيم وطني ذو رؤية وفلسفة عميقتين يستحق التقدير والاستماع له (LibyaOnline.com, June 2, 2009).
وعلى عكس المجتمعات الشركسية الأخرى في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، فإن الشركس في ليبيا لا يشغلون مناصب رفيعة في هيكل جيش وأمن القذافي. عطفاً على تقاليدهم العسكريّة، ظلّ الشركس جزءا هاما من الهياكل الأمنيّة والعسكرية في العديد من البلدان التي هاجروا إليها في القرن التّاسع عشر، مثل الاردن وتركيا وسوريّا. بيد أن هذا لم يكن الحال في ليبيا القذافي.
وأوضح أنيس الشريف، وهو عضو في اللجنة السياسية للحركة الإسلامية الليبية للتغيير في لندن، هذا الوضع بأنه ناشئ عن خشْية القذافي من إنشاء “مراكز قوى” داخل المؤسّسات العسكرية والأمنية. ولذلك، فإنّه، اعتمد على وحدات خاصة من الجيش بقيادة أبنائه، مثل اللواء الآلي 32، والمعروف شعبيا باسم “لواء خميس”. كما وصف الشريف الميليشيات بأنّها مشكّلة على أساس الأفراد الموالين للقذافي شخصيا الّذي يجعل الزعيم الّليبي يتجنب الاعتماد على وجه الخصوص على مجموعات قبلية أو عرقيّة معيّنة. وقد روعي في إبقاء الجيش ضعيفا من أجل تجنب تكرار محاولات الإنقلاب التي حاولت الإطاحة بحكمه.
ومثال على ذلك، استشهد الشريف بمحاولة انقلاب عسكري في العام 1975 من قبل حوالي 20 ضابطاً، ومعظمهم كانوا من مصراتة بقيادة الرائد عمر المحيشي وهو من الإثنيّة الشّركسيّة. وهوعضو أصيل في مجلس قيادة الثورة المكوّن من 12 عضواً، والذي تولى السلطة في عام 1969، حيث قام في مصراتة بتشكيل أوّل خلية للمشاركين في المؤامرة. [6] فر المحيشي إلى تونس وفي نهاية المطاف إلى المغرب، حيث انه لم يوفق في حشد مقاومة للقذافي. وتم تسليم المحيشي إلى القذافي في عام 1984 كبادرة حسن نية سبقت التوقيع على اتفاق بين المغرب وليبيا. لم يسمع عنه منذ ذلك الحين، مع أنّه زُعم بأنّه قد ركل حتى الموت على يد مساعدي القذافي في حين كان القذّافي ينتظر في الغرفة المجاورة. [7]
ويبدو أن القذافي بعث مندوب له إلى الأردن من أجل الحصول على دعم من الشراكسة في مصراتة، مما كان قد سيساعده في تعزيز موقفه في منطقة طرابلس الكبرى (Tripolitania) (شمال غرب ليبيا) من خلال إمكانيّة القضاء على معقل للمقاومة. وأكد هذا التّحرّك على الأهمية الاجتماعية والسياسية للمجتمع الشركسي على الرغم من أنه ليس مؤثرا داخل الهياكل العسكرية والأمنية في ليبيا. في غضون ذلك، يستمر الصّراع من أجل مصراتة؛ المعركة التي وصفها القذافي نفسه بأنها “حاسمة” بالنسبة لمستقبل ليبيا.