عبد الحافظ الصاوي
العلاقات الاقتصادية بين روسيا وسوريا
تجارب روسيا مع قضايا دول المنطقة
المردود الاقتصادي من التجارة الدولية
موقف روسيا وطبيعة العلاقات الدولية
منذ 18 عاما وروسيا تسعى لعضوية منظمة التجارة العالمية، لكنها حصلت على هذه العضوية في 16 ديسمبر/كانون الأول الحالي.
والمثير للتساؤل أن روسيا نالت هذه العضوية بعد يوم واحد من تقدمها بقرار لمجلس الأمن يدين طرفي الصراع في سوريا، وهو موقف مغاير تماما لموقفها السابق الذي استخدمت فيه روسيا حق الفيتو ضد قرار مماثل قدمه الاتحاد الأوروبي.
فهل كانت عضوية منظمة التجارة العالمية هي الثمن الذي حصلت عليه روسيا نظير موقفها من سوريا؟
العلاقات الاقتصادية بين روسيا وسوريا
تمتد العلاقات الاقتصادية الروسية مع سوريا إلى ستينيات القرن الماضي، في ظل وجود الاتحاد السوفياتي السابق. وقد ساهم الاتحاد السوفياتي في بناء العديد من الصناعات السورية، وكذلك مشروعات البنية الأساسية. ويعد مجال النفط والغاز ومشروعات الطاقة عموما أبرز ميادين التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي.
وحسب بيانات العام 2010، بلغت الصادرات الروسية إلى سوريا نحو 2.1 مليار دولار، وبما يعادل 13% من إجمالي الواردات السورية للعام 2010، التي بلغت 16.9 مليار دولار. وتمثل الأسلحة الروسية جانبا هاما من الواردات السورية، وإن كانت الأرقام الخاصة بواردات سوريا للأسلحة الروسية يشوبها الغموض، فإن روسيا في ظل الأوضاع السياسية الحالية للمنطقة تعد المنفذ الوحيد لحصول سورية على الأسلحة.
وعلى الجانب الآخر تمثل الصادرات السورية لروسيا نسبة 0.1% من حجم صادراتها في العام 2010 والبالغة 13.5 مليار دولار.
كما قامت روسيا بتصفية ملف ديونها المستحقة على سوريا، التي كانت تقدر بنحو 13 مليار دولار في منتصف التسعينيات، وهي ديون مستحقة على دمشق قبل سقوط الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات، فشطب 75% من هذا الدين، وبقيت النسبة المتبقية لتنفذ بها مشروعات روسية في سوريا.
وتذهب التقديرات الخاصة بالاستثمارات الروسية المتراكمة في سوريا حتى العام 2009 حيث بلغت نحو 19 مليار دولار، تتركز بشكل أساسي في الصناعات المتعلقة بالطاقة، ومؤخرا اتجهت بعض الاستثمارات الروسية إلى القطاع السياحي في سوريا.
تجارب روسيا مع قضايا دول المنطقة
قد يراهن البعض على أداء النظام العالمي الجديد والتغير الحادث فيه، وأن روسيا تسعى في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب أن تكون أحد أركانه، وبالتالي فسوف تستمر في معارضة التوجهات الغربية والأميركية تجاه بعض القضايا العالمية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي كانت تربطها علاقات قوية بالاتحاد السوفياتي السابق. وورثت روسيا جانبا كبيرا من هذه العلاقات، ضعفت في ظل التراجع السياسي والاقتصادي لروسيا.
ولكن المحاولات الروسية ليست دون ثمن، ويقابلها مراوغة أميركية غربية تمسك ببعض الأوراق لترويض روسيا. فماذا عن أداء روسيا تجاه دول المنطقة العربية، في ظل الصراع الروسي من جهة والاتحاد الأوروبي وأميركا من جهة أخرى؟
تزحزح الموقف الروسي تجاه سوريا ليس بجديد، فبعد المعارضة التامة لصدور قرار الإدانة لسوريا واستخدام حق الفيتو ضد مشروع القرار الأوروبي، تقدمت روسيا بنفسها بمشروع قرار لمجلس الأمن ليدين طرفي الصراع في سوريا.
وتدلل الوقائع التاريخية المماثلة للموقف الروسي تجاه قضايا المنطقة، على أن هذا هو ديدن روسيا مع دول المنطقة التي كانت تربطها علاقات تاريخية واقتصادية قوية، فمارست روسيا نفس السياسة في حالة العراق وليبيا من الاعتراض على استخدام القوة ضد العراق في مطلع التسعينيات أو خوض التحالف الغربي لاحتلال العراق في العام 2003، كخطوة أولى ثم القبول بسحب بعثتها الدبلوماسية من بغداد، وغض الطرف عن ممارسات التحالف الغربي لاحتلال العراق، وبعد أن أصبح العراق تحت وطأة الاحتلال لم تغب روسيا عن العراق، ولكن في ضوء مصالحها الاقتصادية فقط.
وفي حالة ليبيا في العام 2011، تكرر السيناريو، من وصف الوضع في ليبيا بأنه حرب أهلية، ورفض روسيا الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي، وعدم استخدام حق الفيتو ضد القرارين 1970 و1973 لمجلس الأمن الداعيين لفرض عقوبات اقتصادية والحظر الجوي على ليبيا وحماية المدنيين الليبيين. ثم أعلنت روسيا أن نظام القذافي أصبح فاقدا للشرعية، وتلا ذلك اعتراف روسي بالمجلس الانتقالي الليبي وزوال نظام القذافي.
وقد جاء هذا التدرج في الموقف الروسي تجاه كل من العراق وليبيا بناء على توقعات روسيا لمدى صمود النظامين أمام الضغوط الدولية، وقرارات الحصار والعقوبات المفروضة عليهما، فكلما بدت علامات الضعف أمام الضغوط تراجع الموقف الروسي.
ولعل هذا السيناريو هو الذي تبني عليه روسيا موقفها تجاه سوريا، فروسيا تعارض فرض عقوبات اقتصادية حتى الآن على سوريا، ولكنها تعاني في الوقت نفسه من شلل العلاقات الاقتصادية السورية مع الخارج لاحتمالات عجز سوريا عن الوفاء بالتزاماتها المالية.
وهي مغامرة لا تستطيع روسيا أن تقدم عليها في ظل ظروفها الاقتصادية الحالية، خاصة أنها قامت من قبل بشطب جانب كبير من ديونها المستحقة على سوريا.
ولعل الأمل الأخير الذي يدفع روسيا لاستمرار الدفاع عن النظام السوري بدرجة ما هو قاعدتها العسكرية في سوريا، التي قد تكون غير جدية في ظل إعادة رسم خريطة المنطقة، بعد تأجج الصراع الإيراني الأميركي من جانب، ونجاح الثورات العربية من جانب آخر.
المردود الاقتصادي من التجارة الدولية
تتيح عضوية منظمة التجارة العالمية لروسيا الاستفادة من ميزة الدولة الأولى بالرعاية مع كل الدول أعضاء المنظمة والبالغ عددها نحو 153 دولة، وهو ما قد يعود بالنفع على زيادة الصادرات الروسية، خاصة بعد التزام روسيا بالتوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية والجماعية، التي تلزمها بإلغاء مجموعة من الرسوم على الصادرات وكذلك تخفيض تعريفاتها الجمركية على الواردات في المتوسط بما لا يزيد عن معدل 8% تقريبا.
وسوف تفتح عضوية المنظمة السوق الدولية للمنتجات الروسية من المواد الأولية مثل الأخشاب والفولاذ وبعض السلع الكيماوية مثل الأسمدة. ولا يعني ذلك أن روسيا ستجنى ثمارا إيجابية فقط من جراء عضويتها بالمنظمة، ولكن هناك مجموعة من التحديات تواجه روسيا في هذا الأمر، منها أن الصادرات الروسية يغلب عليها النفط والغاز اللذان يمثلان نحو 70% من الصادرات الروسية، وهي سلع تخرج عن اختصاص منظمة التجارة، وهو ما يعزز ضعف الأداء التنافسي للاقتصاد الروسي، وعجزه أمام التقدم الصناعي لدول أخرى أعضاء بمنظمة التجارة العالمية.
من جانب آخر فإن الفترة الانتقالية التي حصلت عليها روسيا لتخفيض الجمارك على صناعات السيارات والطائرات والمروحيات قد تكون قصيرة، وهي سبع سنوات فقط، بعدها تكون هذه الصناعات في منافسة مع المنتجات الأوروبية المتطورة التي قد تسبب خسائر كبيرة للصناعات الروسية في هذا المجال.
ويقدر الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنحو 1.2 تريليون دولار، ويتوقع أن يرتفع معدل نمو هذا الناتج بعد انضمام روسيا لمنظمة التجارة في الأجل القصير بنحو 3.3%، وبنحو 11% في الأجل الطويل.
موقف روسيا وطبيعة العلاقات الدولية
يعكس موقف روسيا من سوريا طبيعة العلاقات الدولية في عالمنا الجديد، الذي أصبحت تحكمه المصالح الاقتصادية إلى حد بعيد، بغض النظر عن التوافق الأيديولوجي أو التحالفات السياسية، فالمصالح الاقتصادية لروسيا مع الاتحاد الأوروبي تتزايد بشكل كبير، فالتبادل التجاري بينهما فقط في الأشهر التسعة الأولى من العام 2001 بلغت نحو 225 مليار دولار، بينما لا يمثل حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا في أحسن الأحوال سوى نحو ثلاثة مليارات دولار.
وعلى ما يبدو أن روسيا استغلت الموقف السوري لتنهى التعنت الأميركي والأوروبي تجاه عضويتها بالمنظمة بسبب الحرب الروسية على جورجيا في العام 2008. فنظير أن تتغاضى أميركا والغرب عن استخدام حرب روسيا على جورجيا ورقة ضغط في تعطيل المصالح الروسية الناجمة عن عضويتها بمنظمة التجارة، أقدمت روسيا على تقديم مشروع قرارها بإدانة طرفي الصراع في سوريا، وهو الأمر الذي رحبت به أميركا والغرب بل وأيدته الصين أيضا.
كما أن حالة العزلة الإقليمية والعالمية المفروضة على سوريا الآن قد تكون دفعت روسيا إلى إعادة حساباتها في ضوء مصالحها الاقتصادية.
وعامل آخر يبدو أن روسيا قد أخذته في حسبانها لتغير موقفها تجاه سوريا، وهو الثورات العربية التي نجحت في تونس ومصر وليبيا، فنجاح هذه الثورات يعني أن ثمة نظما جديدة بالمنطقة سوف يكون لها إستراتيجياتها البعيدة عن منظومة الانتماء للشرق أو الغرب بقدر اعتمادها على بناء دول قوية تحترم إرادة شعوبها.
ولذلك نرى الخطاب الروسي يتضمن مطالبة النظام السوري بأهمية تبني إصلاحات جذرية ومشاركة المعارضة في السلطة، بل تضمن تصريح الرئيس الروسي مطالبة الأسد بإصلاحات جذرية، وإلا فعليه أن يرحل، وهو ما فسر على أنه تغير نوعي في موقف روسيا تجاه سوريا، كما يعد مغازلة للغرب في هذا الشأن.
ولا يغيب عن روسيا أن الدول المؤيدة للثورات العربية خاصة في أوروبا وأميركا ستكون أوفر حظا في الحصول على مزايا اقتصادية لاستثماراتها، خاصة في مشروعات البنية الأساسية أو الطاقة، وهي مجالات كانت مفتوحة من قبل للشركات الروسية. ومن شأن معارضة
روسيا لرغبات الشعوب العربية الثورية أن تفقدها هذا التواجد على الأقل في الأجلين القصير والمتوسط.
كاتب مصري
الجزيرة