الحراك الشركسي خلال السنوات القليلة الماضية

الحراك الشركسي خلال السنوات القليلة الماضية

تقديم: عادل بشقوي

 كفر كما

DSC_0162

هذه المشاركة في هذا اللقاء بعنوان “الحراك الشّركسي خلال السّنوات القليلة الماضية” تذكّرني بكلمة بعنوان “الحراك الشّركسي بين شمال القوقاز والشّتات” ألقيتها بتاريخ 20 مايو/أيّار 2009 خلال مشاركتي في فعاليات الجمعية الخيرية الشّركسيّة بذكرى يوم الحِداد الشّركسي.  لقد امتد النشاط القومي الشركسي عبر السنوات منذ اضطرت الأمة الشركسيّة إلى مغادرة الوطن الشركسي أفراداً وجماعات، لكن على أشكال مختلفة ودرجات متعددة، إلى ما وصلنا إليه في أيامنا الحاضرة.

رغم أن هناك إجتهادات وتبريرات يقدمها بعضاً من الشركس حول سبب وماهية الظروف التي أدّت إلى مغادرة السواد الأعظم من الأمّة الشركسيّة للوطن الشركسي في شمال القوقاز والتي لن أذكرها في هذا المقام، إلا أن المتابعين والمهتمين للشأن الشّركسي ولمجرى الأمور يعلمون علم اليقين السبب الحقيقي الموثّق وحسب تشدّق قادة وأمراء الحرب الروس الّذين شنوا حملة عسكرية منظمة وضخمة شعواء، دامت عشرات السنين من خلال استعمال كافّة الأساليب الهمجيّة والبربرية واللا إنسانيّة في القمع والترهيب والاقتلاع من الوطن بشتى الوسائل المتاحة آنذاك وبشكل لم يسبق له مثيل، والتي أدت في نهاية المطاف إلى احتلال الوطن الشركسي وبالتالي احتلال كامل منطقة شمال القوقاز وجنوبه.

عمد الشركس في الأقاليم والبلدان التي انتهى المطاف بهم فيها والإستقرار بها (عندما سمحت الأوضاع بذلك) إلى إيجاد وتأسيس تنظيمات وجمعيات ساهمت في المحافظة على الهوية القوميّة الشركسية نوعا ما، وساعدت على الاهتمام باللغة والثقافة والفنون المختلفة وذلك بدرجات متفاوتة وحسب الظروف المحيطة، إلّا أن هذه النشاطات ظلّت محصورة ومعزولة ضمن المناطق التي اقيمت بها. هنا كانت متابعات الذين أبعدوا الشركس عن وطنهم ومتابعة وتقييم النشاطات الشركسيّة إلى أدنى التّفاصيل، والذي يدل بما لا يدع مجالا للشك بأن هدف هذه التحركات المريبة هو ثني الشركس عن القيام بما يفيد الحفاظ على الذات والاطلاع بما يمليه عليهم الواجب الإنساني نحو استعادة حقوقهم المنهوبة والمصادرة، والمكفولة وفق القانون الدولي الإنساني.

نستطيع أن نقول، أن أنشطة الحراك الشركسي ازدادت وتعاظمت منذ أن أصبح الكمبيوتر ووسائل الإتصالات العصريّة والحديثة تعتبر إحدى وسائل الحياة والحضارة الإنسانيّة، حيث دخلت تكنولوجيا المعلومات واستعمالاتها في كل مجالات الحياة، ما أدّى إلى توفّر معلومات وحقائق تاريخية وجغرافيّة وسياسية لم تكن متاحة للأغلبيّة العظمى من الناس، واستطاع من يريد من أحفاد الضّحايا من الإطلاع على المعلومات الهامة التي كانت تعتبر من خفايا الأمور ولم يكن يطّلع عليها إلا أشخاص معدودين على أصابع اليد الواحدة، كون المصادر والكتب المتواجدة على الرّفوف المُغْبرّة الّتي تقبع في دهاليز المكتبات والأرشيفات لم يزرها احد إلا نادراً وهي المكتوبة بلغات محددة لا يستطيع الجميع من مجاراتها أو اتقانها بحيث كانت غير متاحة.

منذ انطلاق هذه النهضة المعلوماتية كما يجاز ان يطلق عليها، ازداد الوعي لدى شريحة واسعة من أبناء الأمة الشركسية، حيث استطاعوا القراءة والإطلاع ومعرفة ما جرى من تقطيع لأوصال الأمة والوطن وما تداعى عن ذلك من الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقي والترحيل القسري عن الوطن وإزالة خارطة شركيسيا عن خارطة العالم ما جعل قطاع واسع من الشركس لا يعرفون اسم بلدهم الأصلي “شركيسيا”، فالبعض يعرف اسم القفقاس وآخرين يقولون انهم من “روسيا”! كل ذلك يمكن معرفته واستيعابه وخاصّة عند الأخذ بعين الإعتبار ذلك الوقت الطويل في استيعاب ما جرى ولا يزال يجري الآن، لكن المراقب النزيه يمكنه أن يرى أيضاً، الطرف الآخر الّذي لم يغلق جفنه البتّه، بل طوّر أساليب العمل سواءاً في الوطن أو في المهجر ليتوافق مع تطور التكنولوجيا الحديثة وأصبح يستعمل الوسائل المتاحة على الإنترنت وبأدوات معروفة تمام المعرفة في بث الدعاية الرخيصة والاكاذيب التي لا يصدقها إلا من هو في مستوى متدنٍ من السّذاجة وعمل جاداً من أجل تكريس منهج “إغتيال الشّخصيّة” الذي يرمي في الأساس إلى زعزعة ثقة المجتمع بأفراده على مختلف اتجاهاتهم وبالتالي تصوير الشركس وكانّهم قطيع من الأغنام يمكن بيعه وشراؤه وتوجيهة وقيادته من قبل الغير، وبأساليب رخيصة ومبتذلة! هناك حرب محمومة معروف من هو محركها وما هي الادوات المستعملة، تشن على كل ما هو شركسي في أماكن عديدة وعلى مواقع الفيس بوك وغيرها على الإنترنت، لكن الحقيقة تكمن في أن هذه الأساليب وما شابهها لم تنفع في السابق ولن تنفع الآن …

 

قام الشركس وتحديداً منذ مطلع عام 2007 وحتى الآن بعقد مؤتمرات وندوات ولقاءات ووقفات وتظاهرات في كلٍ من شمال القوقاز والأماكن المختلفة في دول الشتات المتمثلة في عمان وكفركما وأنقرة واستنبول وتبليسي ودمشق إضافة إلى دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وهو الذي لم يرق للذين يريدون إبقاء الأوضاع على ما هي عليه من التشرد والتشرذم ، وهم أنفسهم الّذين يراهنون على الإنصهار في البوتقة الإقليميّة والعالميّة، لكن الحدث الأهم على الإطلاق كان اعتراف البرلمان الجورجي بالإبادة الجماعيّة الشّركسيّة في 20 مايو/أيار 2011 وما تبع ذلك من بناء صرح الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة في أناكليا على البحر الأسود وهي إحدى النقاط التي جُمع بها الشركس المبعدون عن الوطن لترحيلهم على متن السفن البالية ما أدّى إلى تسليط الاضواء على القضيّة الشّركسيّة بإبعاد عالميّة.

وتجب الأشادة بما تحقق من إغناء للمكتبة الشركسيّة بما جادت به أقلام الكتاب والمترجمين والمدونين الملتزمين الشركس وغير الشركس وبلغات مختلفة، عظّمت من أهمية الشّراكسة وحاضرهم ومستقبلهم، ذاكرين هنا الجهد الجماعي الشركسي الذي قام به “راديو أديغه” و”مجموعة العدالة لشمال القوقاز” وأفراداً غيورين عاهدوا الله وأمتهم وأنفسهم على الوفاء للأجداد حيث تمت ترجمة وثائق روسيّة إلى اللغتين العربيّة والإنجليزيّة، تم الحصول عليها من الأرشيف الروسي تثبت الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة، وهي الوثائق التي أرسلها النشطاء الشركس ضمن رسالة إلى البرلمان الأوروبي للإعتراف بالإبادة  الجماعيّة الشّركسيّة.

لقد تحرك “أعداء الأمة الشركسية وآمالها بمستقبل مشرق” بمجرد أن حاول النشطاء الشركس وبوازع من الضّمير الحي الّذي يتّصفون به، إبداء رأيهم والتحرك الفعال من اجل عمل ما هو واجب ومستعجل في الظروف الدولية الراهنة، وقد آن الأوان للأغلبيّة الصامتة من قول كلمة الحق والوقوف مع الوطن شرح القضية الشركسيّة للعالم لاسترجاع الحقوق المشروعة، ويجب أن يستيقظ من يفكرون بأن الوقت لا يزال ميكرا لعمل ما يلزم لنفوت على الأعداء أي فرصة يمكن من خلالها تحقيق أهدافهم المتمثلة بهضم الحقوق وتناسيها جملة وتفصلا.

إن محاولة تزييف التاريخ وتمرير الألعاب الأولمبيّة الشّتويّة عام 2014 في سوتشي هو من الأهداف سواء المكشوفة أو السّرّيّة في تمرير تقارير رصد وسائل الإعلام أو المعلومات أو إذاعة الأنباء الموجّهة  والإشاعات المغرضة بحق الناشطين الشركس في كل مكان، ولا يمكن أن يؤدّي ذلك إلا إلى مزيد من تشويه الأمور وتجاهل الحقائق وأهمية التواصل مع الطرف الآخر والرأي العام الّذي وإن غُيّب في معظمه عن الحقيقة، لكن الحقيقة يوما سوف تسود.

إن ذلك يثبت استمرار المؤامرة ضد شركيسيا والذي يحدث الآن يذكّرنا بقيام بعض الشراكسة والقوقازيّين في ديار الإغتراب تيمّنا بالشّراكسة والقوقازيّين البيروقراطيين في شمال القوقاز بالإحتفال زورا وبهتانا بين 7-9  / سبتمبر/أيلول من عام 2007 مع السّلطات الفيدراليّة الرّوسيّة بما سمي آنذاك بذكرى إنضمام الأمة الشركسيّة الطوعي إلى الدولة الروسية التي أهلكت الحرث والنسل وحرقت الاخضر واليابس ونكّلت بالعباد! فكان ذلك عمل فظ وشر مستطير بحق الشركس قاطبة، وقام بعض السّذّج بإرسال رسائل تهنئة بتلك المناسبة الطّارئة والتي لم تحدث في التاريخ الشركسي أو القوقازي مطلقا إلى القيادات الروسية وكذلك للزعامات المحلية المحسوبة عليها والتابعة للسلطات الروسية في شمال القوقاز، ناهيك عن ان بعض الهيئات والافراد في الشّتات الشركسي كانوا قد لبوا دعوات المشاركة في إحتفالات مزيّفة جرت في المناطق الشركسية من القوقاز ضاربين عرض الحائط بالإعتبارات أو الإلتزامات الأخلاقية أو الأدبية أو القوميّة نحو الذين قضوا نحبهم وهم يتعرضون للقتل والهلاك والإبادة والتهجير والتعذيب والمهانة من قبل جحافل القوات الغازية.

والأسوأ من ذلك كله أن يذهب البعض لحضور اجتماعات ومؤتمرات تقام باشراف وزارة الخارجية الروسية وسفاراتها خاصّة للذين هم من أصولٍ روسيّة، فمتى كان الشّركس من أصولٍ روسيّة؟ نعم المطلوب حرية التعبير والحوار البناء البعيد عن التشنج والاستنتاجات المسبقة والأجندات المراد تمريرها إلى القراء على غرار “كلام حق يراد به باطل”، لكن من الغريب في الأمر أن نجد على مواقع من المفترض أن تكون شركسيّة، وفي غياب إدارة فاعلة لبعض هذه المواقع، فإنه لا يوجد اتباع لمبادئ يقوم الحوار المنطقي البناء من خلال اتباع أساليب مقبولة في مراعاة الحوار الهادف والهادئ، نجد اتجاهات مختلفة تتبادل الرسائل والبيانات والتعليقات والتعليقات المتبادلة التي لم تبعد كثيرا عن الردح والعنف والقسوة والتحامل وبث الدعاية المضللة والاكاذيب سواء عن علم أم عن جهل، وذلك بدون مراعاة لمبادئ الحوار البناء، والمذكورة تالياً:

(http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=23a76a01c55a5ce7&pli=1)

1_افتح قلبك لمحاورك .. وقد قيل إنّك إذا أردت أن تفتح عقله فافتح قلبه أوّلاً.. فالحقد والبغضاء لا يفتحان عقلاً ولا قلباً ولا أذناً …

 

2 ـ استخدام اللغه المهذبة… فكلمات الشتائم والسباب والتشهير … ليست كلمات جارحة فقط وإنّما كلمات هدّامة لا تبقي مجالاً للحوار … وقال تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن).

3 ـ استخدم اللغة الرقيقة اللينة.. اختر الأحسن لأنها تعمق العلاقة الفكرية مع محاورك.. أي استعملا في حواركما لغة شفافة فيها لطف وليس فيها عنف وقوله تعالى (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك).

 

4 ـ احترم رأي محاورك.. واعلم أن احترام الرأي غير احترام الشخص .. لأن الاحترام في الحوار هو جزء من أدب الحوار ولا يعني تبني واعتناق تلك الأفكار .

 

5_ ادر الحوار بعقل بهادئ بعيد عن التوتر.. وتذكّر أنّ المحاور المتشنج مهزوم  حتى ولو كان الحق إلى جانبه ..

 

6_ واصل الحوار .. فالحوار قد لا ينتهي في جلسة واحدة .. وإذا كانت هناك عدّة جلسات.. ففي الجلسات القادمة ابدأ من حيث انتهيت .

 

7_ بهدوئك وأدبك وأخلاقك .. جر محاورك إلى ساحة الأدب والتهذيب والتزام أصول الحوار وإذا رفض فلا تدخل في مهاترة .

 

8_ لتكن (الحقيقة) غايتك من الحوار…  فما عداها لا يمكن اعتباره حواراً جاداً ونافعاً …

ختاما لهذا الموجز، أذكر ما كتب الدكتور نارت قاخون بتاريخ 11 يوليو/تموز 2012 على موقع “شراكسة في المهجر” على الفيس بوك:

من رواية “الخروج من سوسروقة” للكاتبة الشركسيّة زهرة ومار رحمها الله:

(لم نتحد ولم نتجمع وظلت صفوفنا مبعثرة في أراضي القفقاس الشاسعة. لا يجمع صفوفنا حرب ولا سلام… كل طرف منا يقاتل أو يهادن حسب مصلحته دون اعتبار لمصلحة أي طرف آخر، قد يلتقي أو قد يختلف معه بين آن وآخر… لم نتحد في دولة واحدة وجيش واحد ولم نجمع صفوفنا في اتجاه واحد…بقينا عشائر وشعوباً نختلف أكثر مما نلتقي في مواجهة العدو… وعندما وحّد شامل صفوف الشيشان والداغستان، ابتعدنا نحن عن المعركة قدر الإمكان. وعدنا الأتراك والإنجليز والفرنسيون بالمساعدة… وهكذا لم نقبض إلا الكلام… ونحن لم نقبض على أيدي بعض. وبقينا نقاتل، قبائل وشعوباً نواجه عدواً واحداً، وندير ظهور بعضنا لبعضنا الآخر… فماذا كانت النتيجة؟)

 

وزاد في تعليق تلى ذلك التالي:

‫التاريخ لايعيد نفسه، ولكن الأمم هي التي تعيد الأخطاء نفسها، والأمم الحية هي التي تنهض أقوى بعد كل كبوة…

Share Button