بقلم الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
أيها الشعب الأردني الطيب الأصيل أيها الشراكسة الأوفياء الشرفاء بكل مرارة وألم أنعي اليكم المقعد النيابي الشركسي في الدائرة الثالثة في قصبة عمان . الذي تم قتله ودفنه في قانون الإنتخاب الأردني الجديد والذي صادق عليه وأقره مجلس الأمة الأردني بشقيه الأعيان والنواب . ولا أريد أن أكرر هنا رأي الشعب الأردني بنوابه وبأعيانه .
أنا لا أمثل أحدا من عشيرتي ولا أتحدث حتى بإسم عائلتي ولا أريد أن أزاود على أحد ولا أريد أن يزاود علي أحد وإنني مثلي مثل أي مواطن أردني أريد أن أعبر عن رأيي في قضية تتعلق بعشيرتي . أنا مخلص للوطن وأردني حتى النخاع مثلما كان والدي وقبله جدي وإن إخلاصي هذا هو الذي دفعني من قبل ويدفعني الآن كي أطالب بما أؤمن أنه الحق .
وإنني أعلن أن ما حل بشراكسة عمان هو أكبر من الظلم بعينه وجريمة لا تغتفر ليس بحق هذه الشريحة المؤمنة بربها والمخلصة لوطنها والتي أعلنت ولاءها المطلق عام 1921 إلى الهاشميين وإنما بحق التاريخ الأردني هذا التاريخ الذي يجب أن نحافظ عليه ونتمسك بمبادئه وركائزه ومقوماته بدل نسف أركانه وتفتيت وجوده من قبل أشخاص لا يملكون ضمائر وليست لديهم ذرة من الإيمان أو العلم أو المعرفة .
وما جزاء الإحسان إلا بالإحسان :
من يصدق أن يقابل النظام إخلاص الشراكسة المطلق بالجحود والنكران . من يصدق أن يتم إلغاء المقعد النيابي الشركسي في الدائرة الثالثة دونما وجه حق من قبل أشخاص لا يملكون ضمائر من قبل أشخاص لم يكلفوا أنفسهم مشقة قراءة التاريخ .
في عام 1921 قام الشراكسة مع أخوانهم من القبائل العربية الأردنية الأصيلة وسكان عمان الأوائل من أهل الشام وفلسطين بالتوجه الى ملاقاة الأمير عبد الله ابن الحسين رحمه الله وبايعوه أميرا لهم في عمان . وأنزلوه ضيفا عزيزأ عليهم في منزل السيد سعيد المفتي حبجوقه .
ومنذ ذلك التاريخ لم يتغير ولاء الشراكسة للهاشميين ولم يبرز بينهم من خان أو باع الضمير وإنما تميزوا بالشهادة في كل المعارك التي خاضها الجيش العربي الأردني دفاعا عن الحق العربي وتميزوا بالإخلاص والإستقامة ونظافة اليد والإيمان المطلق بالإردن وطنا ومصيرا وحياة.
وفي عام 1923 قام سمو الأمير عبد الله ابن الحسين رحمه الله بتعيين اللواء ميرزا باشا قمق مستشارا عسكريا لسمو الأمير وأنعم عليه برتبة فريق وطلب منه تشكيل الحرس الملكي الشركسي الخاص كما أسند إليه تأسيس نواة الجيش العربي من أحرار الثورة العربية الكبرى الذين رافقوا سمو الأمير من الحجاز ورجال العشائر الأردنية البواسل والفرسان الشراكسة . وتشكلت قوة الجيش العربي في الثاني والعشرين من تشرين الأول عام 1923. وكان أول من تطوع والتحق بنواة الجيش العربي وصاحب الرقم واحد (1) في الجيش العربي هو محمد يحي شرف الدين وتم تعيين السيد عمر حكمت مفز أول مدير شرطة للعاصمة عمان . وكان الشيخ عمر لطفي المفتي حبجوقه أول مفتي عام 1921 في الإمارة الأردنية وبقي في منصبه حتى تقاعد عام 1944 كما كان أول رئيس لبلدية عمان هو اسماعيل بابوق .
شراكسة عمان في الحياة النيابية :
قبل التحدث عن الحياة النيابية في تاريخ الأردن لا بد لنا من الإشارة الى مراحل سبقت تشكيل المجلس التشريعي الأول بتاريخ 2 نيسان 1929 وسبقت تشكيل الإمارة
ولقد تمثلت المرحلة الأولى التي سبقت وصول الأمير عبد الله ابن الحسين إلى معان ومن ثم إلى عمان . في مشاركة منطقة شرقي الأردن في مجلس النواب العثماني (مجلس المبعوثان) الذي عقد سنة (1908) ضمن ولاية سوريا وقد مثل شرق الأردن في مجلس النواب العثماني نائب واحد عن لواء الكرك وقد أعيد انتخابه عام 1914 لغاية عام 1918 وكان النائب في مجلس النواب العثماني هو السيد توفيق المجالي.
أما المرحلة الثانية فقد بدأت بوصول الأمير عبدالله ابن الحسين رحمه الله إلى شرق الأردن وتم تأسيس حكومة مستقلة بالرغم من عدم اعتراف الدول العظمى بها وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وتمتد هذه المرحلة من 20 أيلول 1920 وحتى كانون أول عام 1921 ولقد شهدت انتخاب خمس مجالس تشريعية في خمس مناطق انتخب أعضاؤها على مبدأ الإنتخاب المباشر
أما المرحلة الثالثة فلقد بدأت بتاريخ 25 أيار 1923 حيث تم الإعتراف بحكومة شرق الأردن وشهدت هذه المرحلة محاولة إنشاء مجلس تشريعي في تموز عام 1923 والتي استمرت حتى شهر آب 1924 ولكن الإنجليز قضوا على فكرة الإنتخابات وعلى مشروع القانون الأساسي الذي أعد لهذه الغاية.
أما المرحلة الرابعة والتي شهدت انتخاب المجلس التشريعي الأول في 2 نيسان عام 1929 بناء على قانون انتخاب جديد يكون عدد أعضاء المجلس ستة عشر عضوا يمثلون أربع دوائر انتخابية هي الكرك البلقاء عجلون ودائرتي البدو . ولقد كان هناك عضوان من الشراكسة هما سعيد المفتي وشمس الدين سامي جراندوقه. وشهدت الإمارة خمسة مجالس تشريعية من عام 1929 ولغاية عام 1947 وقد شهدت هذه المجالس جميعها أعضاء يمثلون شراكسة عمان .
أما المرحلة الخامسة فصاحبت المناداة بالأمير عبد الله ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية وتم الإعلان عن الدستور الجديد للملكة عام 1947 وتم انتخاب أعضاء المجلس النيابي الأول بتاريخ 21/10/1947 لغاية 1/1/1950 وارتفع عدد أعضاء المجلس الى عشرين عضوا حيث كان كل من سعيد المفتي ووصفي ميرزا قمق أعضاء في هذا المجلس .
وفي المجلس النيابي الثاني من 20/4/1950 لغاية 3/5/1951 تم رفع الأعضاء إلى أربعين عضوا وتم انتخاب كل من سعيد المفتي ووصفي ميرزا قمق
وفي المجلس النيابي الثالث من1/9/1951 ولغاية 22/6/1954 تمت إعادة انتخاب كل من سعيد المفتي ووصفي ميرزا قمق للمرة الثالثة
وفي المجلس النيابي الرابع من 17/10/1954 لغاية 26/6/ 1956 تم انتخاب كل من وصفي ميرزا قمق وعبد الكريم الخص
وفي المجلس النيابي الخامس من 2/1/ 1956 لغاية 21/10/1961 تم انتخاب الشيخ عبد الباقي جمو وعبد القادر طاش الذي استقال بتاريخ 16/10/ 1957 وحل محله وصفي ميرزا قمق في 20/11/ 1957
وفي المجلس النيابي السادس من 22/10/1961 لغاية 1/10/1962 تم رفع عد مقاعد النواب الى ستين مقعدا وتم انتخاب وصفي ميرزا قمق والشيخ عبد الباقي جمو
وفي المجلس النيابي السابع من 27/ 11/ 1962 لغاية 21/4/1963 تم انتخاب عز الدين المفتي وقاسم بولاد
وفي المجلس النيابي الثامن من 8/7/1963 لغاية 23/12/1966 تم انتخاب وصفي ميرزا قمق والشيخ عبد الباقي جمو
وفي مجلس النيابي التاسع من 18/4/1967 لغاية 18/4/1971 تم انتخاب رفعت المفتي والشيخ عبد الباقي جمو
المرحلة السادسة:
بعد قرار مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في الرباط بتاريخ 16/10/1974 والذي نص على الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب العربي الفلسطيني . والموافقة على قيام حكم فلسطيني في الضفة الغربية بعد انتهاء الإحتلال الإسرائيلي لها مما فرض على الحكومة الأردنية تنفيذا لقرار مؤتمر القمة تجميد الحياة البرلمانية ودفعها للبحث عن صيغة جديدة لسد الفراغ الدستوري . حيث أصدر جلالة الملك الحسين رحمه الله في شهر نيسان عام 1978 أمره بتشكيل المجلس الوطني الإستشاري ليحل إحلالاً مؤقتا محل مجلس النواب.
ولقد تشكلت ثلاثة مجالس استشارية في الفترة مابين 1978 لغاية 1984 على النحو التالي
المجلس الوطني الإستشاري الأول والذي تشكل بتاريخ 20 نيسان 1978 حيث تم تعيين كل من وصفي ميرزا قمق وشمس الدين طاش أعضاء في المجلس
المجلس الوطني الإستشاري الثاني والذي تشكل بتاريخ 20 نيسان 1980 حيث تم تعيين كل من شمس الدين طاش وسامي حسن منصور أعضاء في المجلس
المجلس الإستشاري الثالث والذي تشكل في 20 نيسان 1982 حيث تم تعيين عمر عبد الله دخقان عضوا في المجلس
وبتاريخ 7/1/1984 صدرت الإرادة الملكية السامية بحل المجلس الوطني الإستشاري.
المرحلة السابعة :
وقد مُدد للمجلس التاسع بإرادة ملكية ليكون مجلس النواب العاشر من 16/1/1984 لغاية 30/7/1988 .
وفي المجلس النيابي الحادي عشر من 27/11/1989 لغاية 4/8/1993 والذي بلغ عدد مقاعد النواب ثمانين مقعدا تم انتخاب الشيخ عبد الباقي جمو ومنصور سيف الدين مراد والأستاذ داوود قوجق.
وفي المجلس النيابي الثاني عشر من 23/11/1993 لغاية 1/9/1997 تم انتخاب الشيخ عبد الباقي جمو وتوجان فيصل والمهندس منير صوبر
وفي المجلس النيابي الثالث عشر من 29/11/1997 لغاية 16/6/2001 تم انتخاب نايف مولا والمهندس منير صوير ومنصور سيف الدين مراد
ومن الجدير بالذكر أن مجموع الأصوات التي حصل عليها كل من المرشح نايف مولا والمرشحة توجان فيصل قد تجاوز 9500 صوت أي أن مجموع ماحصل عليه المرشحان الشركسيان قد فاق ما حصل عليه كل نواب الدائرة الثالثة وأن توجان فيصل رغم عدم نجاحها في هذه الإنتخابات قد حصلت على أصوات أعلى مما حصل عليه المرشح الفائز بالمقعد النيابي في الدائرة الثالثة علي أبو الراغب وأكثر بكثير من الأصوات التي حصل عليها بقية النواب الفائزين في الدائرة الثالثة .
ولقد صدرت الإرادة الملكية بحل مجلس النواب الثالث قبل انتهاء المدة القانونية المنصوص عليها في الدستور وكانت هذه المرة الأخيرة التي يتنافس فيها مرشحون شراكسة في الدائرة الثالثة حيث أقرت حكومة علي أبو الراغب دونما وجه حق إلغاء المقعد الشركسي في الدائرة الثالثة ونقله الى دائرة صويلح والتي كانت أصلا تابعة هي وناعور إلى دائرة وادي السير. وبهذا القرار الظالم يتم حرمان الغالبية العظمى من الشراكسة من ممارسة حقهم الإنتخابي دونما وجه حق .
كما سجل دولته سبقا تاريخيا يضيفه إلى إنجازاته في سيرته الذاتية برفع دعوى جنائية على ناشطة أردنية شركسية حاربت الفساد والمفسدين وأول سيدة أردنية تفوز في انتخابات نيابية هي توجان فيصل التي حاربت القوانين المؤقتة والتي بلغت في مجموعها 214 قانون مؤقت وانتقدت رفع أسعار الحديد ورفع قيمة التأمين ورسوم التأمين على المواطن لدى شركات التأمين وتطويب الأراضي الأميرية كما حاربت مماطلة الحكومة في إجراء الإنتخابات النيابية المستحقة لمدة بلغت سنتين كاملتين . وتم إصدار قرار بإدانتها والحكم عليها بالسجن من أجل منعها من ترشيح نفسها في انتخابات عام 2003 .
ومنذ عام 2003 قام الشراكسة بمقابلة جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من لقاء وتمت مناشدة جلالته العمل على إعادة المقعد النيابي الشركسي إلى الدائرة الثالثة قصبة عمان .
كما تمت مراجعة ومخاطبة كافة رؤساء الحكومات دونما استثناء ورؤساء الديوان الملكي ورؤساء مجلسي الأعيان والنواب بكل الوسائل القانونية ولقد وعد جميع من قابلهم الشراكسة من هؤلاء الذوات بأنهم سيعيدون المقعد النيابي الشركسي إلى أهله الشرعيين من شراكسة عمان ولكن أحدا من هؤلاء الذوات لم يف ولم يصدق بوعده .
واليوم وقد تم تكريس عملية النقل المجحفة الظالمة وربط الدوائر الإنتخابية بقانون الإنتخاب الجديد من قبل مجلس الأمة فقد تم وأد وقتل أي محاولة لإرجاع المقعد النيابي في الدائرة الثالثة إلى شراكسة عمان .
إن إخلاصنا للأردن غير مشروط وحفاظنا على النظام ليس له حدود ووفاءنا للهاشميين يطاول السماء . أخبرنا يا جلالة الملك المفدى ماذا نفعل . بالله عليك يا جلالة الملك المفدى أخبرنا ماذا نفعل . هل ندفن رؤوسنا في الأرض ونرضى بأن ننسى تاريخنا الأزلي المشرف ونعمد إلى تسجيل بطاقاتنا في دائرة صويلح خلاف مكان إقامتنا . أم هل نقاطع الإنتخابات النيابية ونرفع شعارات هي أصلا ليست من عاداتنا أو أخلاقنا .
هذه قصة لصفحة مظلمة ظالمة طالت فئة مؤمنة مخلصة وبكل حزن أصبحت اليوم جزءا من تاريخ الأردن
http://www.ammanpost.net/index.php?page=article&id=25028