مشاركة فاطمة تليسوفا بمؤتمر عن الشراكسة
21 مايو/أيار 2007
ترجمة: عادل بشقوي
فيما يلي نص الكلمة التي القتها الصحفية الشركسية فاطمة تليسوفا، المراسلة السابقة لوكالة أنباء رغنوم الروسيّة في شمال القوقاز، وذلك في مؤتمر عقد من قبل مؤسسة جيمس تاون بعنوان “الشراكسة: الماضي والحاضر والمستقبل”، وذلك في واشنطن العاصمة بتاريخ 21 مايو/أيار 2007:
في يوم يشبه هذا اليوم وفي التاريخ نفسه، لكن قبل اكثر من مئة عام، أعلنت روسيا انتصارها على الشراكسة. وأقيم العرض احتفاءا بالانتصار فى نفس السّاحة أو المنطقة الّتي يأمل الروس في اقامة العاب اولمبيه جديدة فيها.
هذا هو مكان مفضل للترفيه وقضاء الاجازات للرئيس الروسي بوتين، وبالتالي فانّ ذلك المرج اعد وأنشئ بسرعة فائقة وبكفاءه عالية، وعندما كانوا يقومون بالعمل قاموا بتطهير هذا المرج من العظام الشركسيه التي كانت مدفونه، وجرفت بعيدا بواسطة الجرافات (البلدوزرات) وتسويتها في منحدر التّزلج الجديد.
هذا التّصرف بالعظام رمزي جدا من خلال الكيفيّة الّتي تمّ التّعامل بها بتاريخ وثقافة الشراكسة من قبل الحكومة الروسيه. ويمكن القول باليقين ان سياسة روسيا تجاه شيركيسيا لا علاقة لها مطلقا مع المتطلبات المختلفة التي يمكن ان تسود ويمكن اقامتها في موسكو على مدى 200 عاما، والخصائص المشتركة لهذه السياسة كانت الابادة الجماعيّة.
روسيا تدّعي بانها جلبت الثقافة للشراكسة المتوحّشّين، ولكن ماذا يقول الواقع؟ بعد ثلاث سنوات من انتهاء حرب المئة عام، في عام 1867 وصلت أول بعثة للاكاديميه الروسيه للعلوم الى شركيسيا، والّتي كانت في ذلك الوقت مفرّغة تماما من سكانها. الحفريّات الّتى كانت قد أنجزت، أظهرت نتائج مذهله. اكتشف علماء البيئة نماذج لا تصدّق وكذلك قيّمة جدا لحضارة عريقة. ولمدة 140 عاما لاحقة استمرّت الحفريات. عشرات الآلاف من التحف تم العثور عليها خلال المائة والأربعين عاما (140 سنة) وقد ارسلت وهي موجودة الآن في متاحف مختلفة في موسكو وسان بطرسبرغ.
وانتم ترون هذه الكنوز، هل تجدون أيّ ذكر لشركيسيا؟ طبعا لا. انّ تاريخ شركيسيا القديم قد اختطف. كل من الثّلاث جمهوريات التي قسّمت اليها شركيسيا لها وزير الثقافة الخاص بها. والمفترض انّ الوزراء مكلفون بالحفاظ على كنوز شركيسيا؟ لكن هذه ليست سوى دعايه. لا احد من الرّسميين ومن ضمنهم وزراء وزارات الثقافة له الحق في التوقيع على أيّة وثائق لها علاقة بالحضارة القديمة والكنوز. هذه الامتيازات تخص المجلس الثقافي لمقاطعة كراسندار.
لا أحد في المعهد الثقافي الخاص بكل من الثّلاث جمهوريات وهي قباردينو – بلكاريا، و كاراشيفو – شركيسيا، و اديغييا، له حق التّصرف باستقلاليّة للتصرّف والتّعامل مع هذه الكنوز. مرة اخرى هذا الحق يعود للمجالس الثّقافيّة لكل من مقاطعتي سترافوبول و كراسندار. الإرث الثقافي للأديغة كان يدمّر باستمرار خلال فترات حكم ستالين. أحد الأمثلة: في عام 1937 وبشكل متزامن في جميع الجمهوريات الثلاث، القي القبض على حوالى خمسين من العلماءالأديغه. هؤلاء اللغويون، والمؤرّخون والفولكلوريّون والشّعراء والغالبية منهم قتلوا رميا بالرصاص على الفور تقريبا. كافّة المحفوظات (الأرشيفات) دمّرت وأحرقت. ومن بين الذين تم اطلاق النّار عليهم مجموعة من العلماء الّذين ولأوّل مرة قاموا بجمع الملاحم الشّعريّة للأمّة الشّركسيّه.
ومن بين الوثائق التي احرقت كان هنالك 20000 من القصائد و الأمثال و الأشعار المتعلّقة بالأخلاق الشركسيّة، والتي تم جمعها في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهذه الخسائر لا يمكن تعويضها.
حتى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي استمرّ ضم الأراضي الشركسيّة، وقُسّم الوطن بشكل مصطنع الى ثلاث هياكل ووضعيّات، وإن أسماء هذه التشكيلات السياسية قد غُيّرت عدة مرات. في البداية كانت مناطق ذات حكم ذاتي ثم جمهوريات ذات حكم ذاتي، وأوجدت الحدود بين هذه الجمهوريات الثلاث باستمرار مشاكل فى الرّوابط الثّقافيّه والاقتصاديّة. القباردي و شيركيسك وحتى وقت قريب جدا كانت لها حدودا مشتركة قرب مدينة مينيرال بودي. إن هذا الامر يبعث على الشك لأنّه مفيد جدا للسياحة في المنطقة، وفرض الأمر على الجمهوريّات الثّلاث واصبحت المنطقة جزءا من مقاطعة سترافوبول.
وسادت الحاله نفسها على الحدود بين شيركيسيك وأديغييا. مناطق شاسعه كانت ضمن حدودنا وقد أعطيت لمقاطعة كراسندار، وحتى سنوات عديدة بعد انتهاء الحرب، واصلت روسيا سياستها العدوانية تجاه اراضي شيركيسيا. حاليا تستمر هذه السياسات قليلا في طرق مختلفة نوعا ما، منها على سبيل المثال: مواطني روسيا من العرق الشركسي لا يستطيعون الحصول على اذن للاقامة الدائمه في مدينة سوتشي. هناك تعليمات خاصة اعطيت للسلطات تمنع السكن الدّائم للشراكسة على حدود البحر الاسود. الروس لا يتورعون عن اي وسائل لمنع عودة ظهور الشركس في مناطقهم التاريخية السّابقة.
حاليا الثّلاث جمهوريات، قباردينو – بلكاريا و كاراشيفو – شركيسيا و أديغييا، هي علامات مطروحة يمكن اعتبارها جمهوريات اتحادية ذات سيادة، وذلك في المعادلة ضمن روسيا، ولها رؤساء وهؤلاء الرّؤساء هم رؤساء للسلطة التنفيذية ورئيس مجلس النواب فهو يمثل السلطة التشريعيه؛ ولكن هذا بالحقيقة نوع من الخرافة، وما هي الحقيقة؟ هؤلاء هم رؤساء ليس لهم اى سلطة حقيقية وانهم ادوات للكرملين.
وكالات الأمن وأجهزة تنفيذ القانون لا ياتمرون بأوامر الرؤساء، لان قادة هذه الاجهزه هم تحت السيطرة المباشره للسلطة الفيدراليّة والهيكل الامني، وذلك يوضّح ان هؤلاء الرؤساء هم من الإدارييّن ومهامّهم هي بالحقيقة نفس مهام ممثلي الجمهور والمسؤولين في السلطة التنفيذية.
أما البرلمان، ففي منتصف التّسعينيات من القرن الماضي، قامت برلمانات الجمهوريات الثّلاث باقرار دساتيرها الخاصّة بها، وتلك هي القليل من بعض ما تعتبر دوافع طبيعيّة لكن ليست لقوانين دول ذات سياده. لكن بدءا من عام 2002، وحسب طلب أو قرار من مكتب المدعي العام في روسيا، بُدئ باستئصال أيّ شيء في هذه الدساتير يختلف عن الدستور الروسي. والّذي تمّ الغاؤه على سبيل المثال، المادة التي جعلت اللغة الشركسيه غير الزاميّة في المدارس الشّركسيّة / أي في المدارس التّابعة للدّولة. بعد ذلك، أصبح واضحا أن المهمّة الوحيدة للبرلمانات أصبحت تلبية مطالب ورغبات الحكومة المركزية.
في ذلك إطار ما يسمى جمهوريّة ذات سياده، وينبغي للمرء ان يلاحظ بشكل خاص دور أجهزة الأمن وأجهزة تّنفيذ القانون. وفي هذه الجمهوريات فانّ مناصب رؤساء الإستخبارات الروسيه ووزارة الشّؤون الدّاخليّة ، ومكاتب الأمن الفيدرالي يمكن ان يتبوّأها فقط من هم من أصل روسي.
نظام التعليم ووسائل الإعلام الموجّه مسيطر عليها تماما من موسكو. وعلى سبيل المثال فانّ الكتب المدرسيّة والكتب الدّراسيّة الّتي يستخدمها أطفالنا لا تتضمّن ايّة اشارة الى شيركيسيا كدوله (وطن)، ولا حتى كشعب، وتُدرّسْ كل المواد في المدارس باللغة الرّوسيّة.
والّلغة الروسية تدرّس مدّة 14 ساعة في الاسبوع. أما الّلغة القوميّة، فانّه يكرّس لها ساعتان فقط في الاسبوع. الادارة المدرسيّة يمكن ان تعفي الطّلاّب من الدراسه لمدة عام كامل من موضوعين اثنين، أحدهما التّربيه البدنيّه والثاني هو الّلغة الشّركسيّه (الأديغيّه)، ولذلك فانّ الّلغه الشركسيه تفقد تدريجيّا وظيفتها الهامّة كونها لغة حيّة.
انها تفقد نفوذها بسرعة في المجالات السياسية والاقتصادية و التجارية وكذلك في المجالات العلميه. هذه الكارثة، وفقدان لغتنا أصبح حقيقة واقعة. فيتالي فيلاسورا في كتابه، التركيبه العرقيه لجنوب القوقاز يصف سياسة روسيا بالاباده الّلغويّه. وبخصوص المنطق اللاهوتي في العمل، فقد عمل العلماء على التحديث في تحقيق نماذج حديثة للّغة الشّركسيّه، حيث لا يوجد عمل قد تمّ انجازه في هذا المجال.
للأسف ، ليس هناك وقت لحصر جميع مجالات الحياة الوطنية والّتي يعاني الشّراكسة فيها من ضغوط. إنّي كثيرا ما أتحدث مع أناس من الممكن ان أدعوهم أناس على جانب من الاقتناع الحذر والّذين يقولون: هيّا تفهّموا، ان الأمور ليست على هذه الدرجة من السوء، ومعنى ذلك اننا لسنا في حالة حرب الآن مع روسيا، كذلك يقولون بأنّه يجب علينا ان نقول بانّا يجب أن نكون اصدقاء مع روسيا. انّ هذا النوع من الصداقه في رأيي الشخصي كمثل الصّداقه بين شريحة لحم البقر والجهاز الهضمي.
لقد تمّ ابتلاعنا، ولكن هناك مشكلة هضمنا، بيد ان الاحماض الموجودة في السّياسة الرّوسيّه تعني بانّ النّهاية ليست ببعيدة عن الشراكسة. ومن المهم جدا ان نفهم ان السبب في استطاعة روسيا ان تحافظ على موقعها في القوقاز يعود حصرا الى استخدام القوة والتهديد باستخدام القوّة، ونحن الشّراكسة بفضل روسيا نقف على حافة الفناء.
شكرا لكم.