من شركيسيا إلى نيوزيلندا
بقلم: عادل بشقوي
27 مارس/آذار 2019
ظهرت قصة مأساوية وفرضت نفسها على الواقع المؤلم لعائلة عانت بشكل مستمر منذ عقود. خالد الحاج مصطفى وابنه حمزة هما الشهيدان الشركسيان نتيجة للهجوم الإرهابي الأخير على مسجد في نيوزيلندا. هذه القصة هي مشهد مفجع لعائلة عانت لأجيال مثلها مثل مئات الآلاف من الشراكسة، من خلال الظلم والقمع والتطهير العرقي والترحيل القسري في أماكن متعددة. 1
حقيقة الأمر هي أن ”المصائب لا تأتي فُرادى“،2 كما أن ”السماء لا تمطر إلا نادرا ولكنها تجود بالغيث مدرارا“. 3
بدأت القصة المأساوية في شركيسيا، حيث عاش أسلاف خالد، لكن تم تهجيرهم إثر الغزو الروسي القيصري. كان لا بد من ترحيل الأسرة إلى الإمبراطورية العثمانية، حيث نقلها العثمانيون إلى الخشنية، في مرتفعات الجولان. تم ترحيل العائلة من مرتفعات الجولان إلى دمشق، وذلك بعد حرب الأيام الستة بين سوريا وإسرائيل في عام 1967. 4
خالد الحاج مصطفى ولد ونشأ في دمشق. ”في عام 1864، هاجر أجداد خالد من القوقاز بعد الحرب التي استمرت لأكثر من 100 عام مع القيصر الروسي. استقروا في الجولان السوري المحتل حاليًا ثم في دمشق، في منطقة الكسوة بقرية المنصورة بعد حرب 1967“. وقد عمل مديراً لمزرعة للخيول وفي رعاية وتربية الخيول. وقبل ست سنوات، ونتيجة للأحداث المؤسفة التي وقعت في سوريا، أُجبر على الفرار بحثًا عن الأمان مع أسرته المكونة من والدين (خالد وزوجته سلوى) وابنين (حمزة، 17 عاما وزيد، 12 عاما) وإبنة وحيدة هي زينة، 10 أعوام، إلى الأردن، حيث عاش وعمل أيضًا في تربية ورعاية الخيول. وفي يوم المجزرة سقط أكثر من مائة من المصلين بين قتيل وجريح. 5
بعد ما يقرب من ست سنوات من العيش في عمان، الأردن، قرر الاستمرار في البحث عن مستقبل أفضل. قرر وتحسين ظروف رفاهية أسرته لتحسين فرص أطفاله في توفير التعليم والحياة الكريمة. بدلاً من التمكن من العودة إلى وطنه الأصلي، والذي لم يعد ممكنًا في الظروف الحالية,6 تمكن من التقدم بطلب للهجرة إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وفي نهاية الأمر هاجر مع أسرته إلى نيوزيلندا قبل حوالي سبعة أشهر. 7
في الوطن الجديد بعيدًا عن الوطن، واجهت الأسرة حياة قاسية ورهيبة تلاشت في نهاية المطاف بحدث مأساوي غير منصف احتدم وتردد صداه في جميع أنحاء العالم. حتى عندما يكون القدر متيقظًا، فإن استخدام الفضول لمعرفة القدر لن يساعد في منع المصير المحتوم. وينتهي يوم الوحش ”المرعب باستسلام الجبان. لقد ترك هذه الأمه المسالمة مشوشة ومضطربة وغاضبة“. 8
لن يتم ذكر اسم المجرم الأسترالي وفقًا للقرار الحكيم الصادر عن رئيسة وزراء نيوزيلندا. ”جعلت آرديرن سياستها بالتجاهل واضحة لا لبس فيها. وفي حديثها إلى البرلمان بعد أربعة أيام من الهجمات، قالت: {لقد سعى إلى الحصول على أشياء كثيرة من فعله الإرهابي، لكنه كان سيئ السمعة. وهذا هو السبب في أنكم لن تسمعوني أذكر اسمه. إنه إرهابي. إنه مجرم. إنه متطرف. لكنه، عندما أتكلم، سوف يكون بلا اسم. وبالنسبة للآخرين، أناشدكم: بأن تنطقوا بأسماء من فقدوا، بدلاً من اسم الرجل الذي أفقدنا اياهم. ربما يكون قد سعى إلى سمعة سيئة، لكننا في نيوزيلندا لن نمنحه شيئًا. ولا حتى اسمه}“. 9
”الصديقة سلوى تسي“، تمكنت من النجاة، لكن لم ينجوا زوجها خالد مصطفى، مدرب الخيول، وابنها حمزة، 17، وهو حاصل على جائزة الفروسية. وأصيب ابنها الآخر، زيد، 12 عاماً، بثلاث طلقات ولا يزال في حالة حرجة. لقد فرّت العائلة اللاجئة من الحرب السورية لكنها لم تعرف أحداً في نيوزيلندا“. 10
قدمت العديد من الدول المساعدة للأقارب والأحباء الذين يرغبون في السفر إلى نيوزيلندا للمشاركة شخصيا في جنازات الضحايا، ولتقديم التعازي للأقارب والأصدقاء، وكذلك للمساعدة في تضميد جروح المصابين. بالتالي، لقد حُرِم الشعب الشركسي من حق العودة إلى وطنهم.
وهكذا، فإن الحقيقة تلدغ في هذا المثال. ”ليس للشركس أي بلد ولا حكومة لتقديم المساعدة. تم تهجير الغالبية العظمى من الشراكسة من قبل روسيا بقسوة من منطقة القوقاز في عام 1864. يعيش معظمهم في تركيا، لكن البعض الآخر منتشر في جميع أنحاء العالم في الولايات المتحدة وسوريا ولبنان وعدة دول أوروبية“. 11
وبالتالي ، تم تجاهل القوانين والأعراف الدولية. يُحرم الشعب الشركسي من حق العودة إلى وطنه، آخذين بعين الإعتبار عواقب الحرب الروسية – الشركسية. ومع ذلك، فإن “الشعب الشركسي يتوجه إلى استنتاج آخر: أولئك الذين هُزموا في مرحلة ما سيمكنهم العودة بابتهاج“. 12
اعطت هذه المأساة بعدا جديدا لحياة عائلة مسالمة لم تتمكن من الحصول على الأمن والسلام والاستقرار لعقود عديدة بدءا من وطنها الأم ومرورا في ديار المهاجر المتعددة التي ارتحلت اليها. وفي نهاية المطاف، حصل ما لم يكن في الحسبان، وفرض على بقية العائلة أن تكمل مشوار الحياة بثقة وأمل لمستقبل واعد.
==================
1 (http://caucasustimes.com/ru/professor–merab–chuhua–o–priznanii–genocida–cherkesov/)
4 (http://caucasustimes.com/ru/professor–merab–chuhua–o–priznanii–genocida–cherkesov/)
(https://www.history.com/topics/middle–east/six–day–war)
(https://www.britannica.com/event/Syrian–Civil–War)
6 (https://www.eng.kavkaz–uzel.eu/articles/45543/)
(https://windowoneurasia2.blogspot.com/2019/01/circassians–enter-2019-more–united–and.html)
7 (http://cacianalyst.org/publications/analytical–articles/item/12622-analytical–articles–caci–analyst-2012-12-12-art-12622.html)
(https://reliefweb.int/report/jordan/unhcr–jordan–factsheet–january-2019)
8 (https://au.news.yahoo.com/massacre–part-2-191949471.html)
11 (https://www.google.com/amp/s/amp.northjersey.com/amp/3199127002)
12 (http://windowoneurasia2.blogspot.com/2018/05/tlapqghakakwad–overcome–circassians.html)