لكي لا ننسى ….
همسات على طريق العودة الطويل إلى الوطن الأم القفقاس الرائع و الغالي
رغم المرارة و الأسى التي يحملها في طياته هذا اليوم الحزين ( الشوغه مافه ) في وجدان شعبنا ، لابد لنا دائماً و لإشعار آخر من التوقف المتميز أمامه تعبيراً من جهة عن احترامنا لأرواح الكم الهائل من الشهداء و الضحايا الأبرياء من أجدادنا ، و من جهة أخرى لأنه استذكار لأهم عبر كفاحهم الطويل بأن استرخاصهم للموت لم يكن أبداً حباً به ، بل كان تعبيراً مقدساً عن احترام الحياة و قيمها الإنسانية النبيلة ، و عن الإدراك البسيط و لكن العميق بأن لا مستقبل و لا قيم للشعوب بدون الحرية و حق تقرير المصير .
ما يثلج الصدور و لو قليلاً ذلك الاتساع المتنامي و باطراد بين أبناء شعبنا و في وجدانهم لهذا الهم العميق و الذي يختزل بيوم الحزن الشركي – الشوغه مافه . و كم هو الفرق شاسع ( خاصة في أوساط الشتات الشركسي ) بين ما كان منذ سنين ليست بعيدة ، و بين ما هو كائن اليوم و على الأخص بين شبابه و فتياته – جيل المستقبل .
و التعبير عن ذلك في هذا اليوم نراه يتطور بشكل ديناميكي و يتم بأشكال و صور عديدة : فردية و جماعية ، بشكل عفوي أو منظم و مدروس سلفاً ، و الآفاق مفتوحة لما هو أكثر و أكبر . و شيئ رائع أن تبقى القيم الجمالية مغلفة لقيمنا الإنسانية و نحن نحي ذكرى هذا اليوم الحزين .
كما أن احترامنا لمعنى هذا اليوم هو ليس حباً بالانتقام ، أو ميلاً للحزن و الكآبة ، بل هو تأكيد على الانطلاق نحو قيم انسانية تجمعنا بقاسم مشترك مع كل شعوب الأرض الحرة و النبيلة ، جوهرها أن الحياة ليست جديرة للإنسان بدون وقفة عز ترفض كل وصاية أو تهميش مهما كان مفتعله أو لونه أو برقعه .
و مهما كتبنا بوحي هذا اليوم فسيبقى ناقصاً أو غير مكتمل ، فما كان ، كان عظيماً بحجمه و مآسيه و نتائجه الكارثية على وطننا و شعبنا و الذي لم يستباح في كل تاريخه الطويل بمثل هذا الشكل الوحشي ، والأنكى : الاستيطاني الذي لم يتوقف منذ انتهاء الحرب الروسية – القفقاسية و حتى اليوم ، و ذلك بدعم سياسة الاستيطان بأبناء شعوب غير روسية بعد أن توقف الشعب الروسي عن الإنجاب الإيحابي لمحن يعيشها و نتمنى بصدق أن لا تدوم له طويلاً ، فببساطة شديدة فلأن نكبته بحكامه – القياصرة الجدد ( وهو تعبير ملطف جداً ) لم تقتصر عليه وحده بل تتعداه على الأقل لشعبنا . و ما هو مطلوب بعده أكبر و أعظم و أعقد ، و بمعنى آخر هويوم ليس للحزن و ليس للذكرى بقدر ما هو يوم لاستذكار و بناء مهمات تتجدد و لا تنتهي أمام شعبنا أفراداً و جماعات أو تنظيمات و في كل مكان داخل الوطن الأم أو خارجه .
أن نعطي ( أفراداً أو جماعات ) لهذا اليوم الحزين فسحة في حياتنا ، فهذا يعني و بشكل عام أننا بدأنا نتلمس طريقاً و باتجاه معاكس لما كان . كنا نعيش في وطن تعلقنا به كشعب ، و بنينا نظم حياتنا منه و لأجله ، ثم كان سيف البطش المعبر عن سياسة أكلة اللحوم بين بني البشر ليطردنا إلى الشتات . و علينا الآن لأن نحلم و نعمل للعودة من الشتات إلى الوطن ، و الخلاص من نتائج ويلات الحرب لنعيش من جديد و بسلام فوق تراب الوطن الأم كما كنا ، ساعين للسلم و الحرية و البناء من جديد لوطن مهمش و محطم الأوصال ، و بناء جيل جديد لم و لن ينسى إلى جانب التحلي بالروح العصرية و الحداثة أن يتحلى بروح و عبق تاريخه و قيمه العريقة و القديمة قدم انسانيته .
و اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أقول أن لا معنى لإحياء ذكرى يوم الحزن الشركسي ( الشوغه مافه ) بدون التأكيد على توحيد الشعب الشركسي و وطنه التاريخي المقطعي الأوصال ليس بين عدة دول أجنبية مختلفة ، وبل و للأسف في ظل هيمنة دولة واحدة تعرف نفسها – اتحادية ( و يمكن أن ينجعص البعض منا إن سميناها احتلالية ) .
و اسمحوا لي أيضاً أن أقول أن لا معنى لإحياء ذكرى يوم الحزن الشركسي ( الشوغه مافه ) بدون الدعوة و العمل لتحميل المسؤولية لكل الهيئات الرسمية للشركس خارج القفقاس و خاصة داخله ، و أقصد جمهورياته التعيسة الحظ و التعيسة الصلاحيات ( بسبب المركزية المفرطة و المقرفة حالياً و تاريخياً لحكام الكرملين الروسي ) و لجمع الشمل و ببرنامج مدروس و مدعوم أصولاً ( أي بحث كل المعوقات بغاية انجاحه و ليس تفشيله ) ، و لكل من يرغب و متى شاء أو استطاع أو اقتنع ، و بدون بدايات زمنية أو نهايات ، مع أو بدون كل مواسم أو ( أوكازيونات ) للعودة يطلقها البعض عن قصد أو عن سذاجة أو عن فهم قاصر و غير واع للأبعاد الحقيقية لمأساتنا كشعب ، وأن لنا وطناً ، لا شريك لأحد به غيرنا ، و هذا لا يلغي و لا يختصر شراكة الحقوق و الواجبات مع جوار كان أو سيكون فيه شعبنا أو وطننا التاريخي . وأن العودة حق تاريخي بأصوله و معانيه ، تمامأ مثل حق الشعب الفلسطيني بالعودة المقر دولياً بما فيها من الدولة الروسية الحالية ، و لن يسقط بالتقادم أو بانتهاء مهلة زمنية معينة مثل ( الأوكازيون التجاري ) و التي تأتي أو ستأتي من هيئات إدارية نخشى أن تسفه حقاً أساسياً لشعبنا ببيروقراطيتها و تبعيتها على الأقل .
و سنبقى نؤكد و في صلب ذكرى هذا اليوم الحزين أن حق العودة سيبقى حق دائم وأزلي و ليس موسمي ما دام فينا عرق ينبض .
نامق أرسلانوق
namek@live.com