هل الهدف هو شركيسيا؟
ما كانت يوما مصائر الشعوب والأمم حكرا على أناس و/أو أفراد بعينهم، بل ان كافة شرائح المجتمع المتفاعلة بالقضايا المصيريّة مدعوّة لأن تقف صفا واحدا في سبيل الذود عن حياض الوطن واسترجاع حقوقه المغتصبة بالغالي والنفيس وبالمهج والأرواح، وإن اختلفت الإجتهادات والرؤى والمصالح والأساليب المتبعة فيجب أن يكون االهدف واضحا جليا من أجل النضال المشروع لنيل الحقوق المهدورة وللوصول إلى الغايات التي هي بالأساس يجب أن تكون معروفة وراسخة للجميع ولا يختلف عليها إثنان، وذلك من خلال ترسيخ أسس التربية الوطنيّة والإعداد الوطني، لكن يجب التمييز بين ما هو غث وسمين أو ما هو صالح وطالح لعدم خلط الأوراق والأمور المتعلقة بها وكذلك التّمييز فيما هو صحيح ومفيد للسّير نحوه واتّباعه وما هو ضاروسيّئ لنبذه وإهماله.
طلع علينا الموقع الألكتروني “المدينة الإخباريّة” بنشر نص بيان لما يُسمّى بالتجمع الشبابي الشركسي الأردني لموضوع هو بعيد كل البعد عن هموم الأمّة الشركسيّة الحقيقيّة وتطلعاتها المستقبلية بحيث لا يعبر البيان عن توجّهات المصلحة القوميّة الشركسيّة. يفترض أن معد البيان المذكور هو ضمن مجموعة أغلب الظن أن عدد أفرادها لا يتجاوز عدد اصابع اليد، هذا مع العلم بأن المؤسسات الشركسية الرسميّة المسجلة في الأردن لا يتضمنها هذا المسمّى الوليد والمتواجد فقط في خيال وأحلام من أصدر مثل هذا البيان المشبوه!
فلو فرضنا جدلا بأن أحدهم قد عمل على استصدار مثل هذا البيان بعد ترصيعه وتنسيقه وتنميقه بما جاد به الخيال بحيث تم حصر واختصار الموضوع بما بدى عليه من ربط للقضية الشّركسيّة بجورجيا وتبليسي فقط دون النظر إلى العناصر والمكونات والتشعبات الأخرى والتي يجب المرور عليها ولو مر الكرام عند البحث في مدخلات وتداعيات قضية هامّة كالقضيّة الشركسيّة، وفي أهمية ونوعيّة هذه القضية التي يبدو وكأنّه مضى عليها ردحا من الزمان بانتظار من يأتي للتنظير في موضوع لا يعرف من أن يبدأ وإلى أين ينتهي فيه.
إن بداية البيان المذكور تجعل القارئ يشعر ويعتقد وكأنّه في سني السبعينيّات من القرن الماضي يقرأ بيانا ثوريا لإحدى التنظيمات اليسارية المقربة آنذاك من الإتحاد السوفياتي المقبور والذي يُذَكّر أيضا ببيانات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما كانت تعلن عن عملياتها في مجال اختطاف الطائرات و/أو تفجير الأهداف المدنيّة في العواصم الأوروبّيّة!
كذلك بالإضافة إلى معد البيان الّذي يعتقد بأنّه ليس بشركسي حقيقي بل من المرجح أنّه أحد المتشركسين المنحدرين من أصول ليست من أي من القبائل الشركسيّة الإثنتا عشر، كذلك يمكن رؤية مشاهد أخرى للشخصيات الحاقدة بين السطور لأفراد وشخصيّات يتراوحون بين صحفي مغمور وأحد الدارسين في إحدى الجامعات السوفياتية (سابقا) وعلى علاقة وطيدة بنظام الحكم الروسي في الجزء الشركسي من شمال القوقاز و/أو بالسفارة الروسية في البلد الّذي يقيم فيه وكذلك بضع أشخاص آخرين جذبهم الهاجس الوطني لكن تم استغلالهم من أجل تحقيق أهداف في مجملها التعكير على عمل المخلصين من أبناء الأمة الشركسيّة وكذلك العمل على تهبيط المعنويات.
لا يوجد ما يبرر إقحام موضوع حرب القفقاس الأخيرة التي وقعت في صيف عام 2008 بعموميّات وموضوعات لا ناقة لها ولا جمل بما يهم القضية الشركسية، ولا داعي لتكرار طريقة سرد إعلانات الأنظمة الثورية الفاشلة فشلا ذريعا ومخزيا، ليس فقط في التعبير عن نفسها وعن الحاجات الملحة لشعوبها المأزومة بحكام دكتاتوريين قفزوا الى سدة الحكم في بلادهم على ظهور الآليات العسكريّة والدبابات المهترئة، بل أيضا أقاموا جمهوريّات كرتونيّة وأخذوا يداعبون عواطف السّذج والبسطاء الذين اكتشفوا الكذب والهراء والتهويل فيما بعد من خلال التعليقات السياسية التي لم تخلو من الردح الرخيص والحروب الكلاميّة واستعداء الدول والشعوب. فما سبب إقحام ما وُصف بالناتو وجورجيا والولايات المتحدة الأميركيّة وسلسلة من الأسماء الطنانة والرّنّانة في موضوع كهذا، وفي نفس الوقت هناك غزل سياسي واضح للدولة الروسيّة وريثة الإمبراطوريّة القيصريّة المجرمة والإتحاد السوفياتي صنيع الشيوعيّة البائدة. أما باقي الوصف البهلواني فهو غير واقعي على الإطلاق ولا يمت إلى الواقع بصلة. وللعلم فإنّه لا يوجد شيئ البتّه يُدعى “دول الفيدراليّة الروسيّة” بل أن هناك دولة امبريالية واستعمارية وعنصرية تحتل وتحكم أكثر من مائة شعب وأمّة بالحديد والنّار وهي أكبر دولة استعماريّة في عالم اليوم. وهي الوريثة الشرعيّة للدّولة المارقة التي شنّت الحروب الإجراميّة والإبادة الجماعيّة والتطهير العرقي ليس ضد الأمة الشركسية فحسب وإنّما ضد شعوب القوقاز الأخرى لاحتلال كامل منطقة القوقاز لضمها الى الدولة العنصرية السلافية الروسيّة الفاسدة. فليس هناك حرية أو كرامة أو “مهابة جانب” مع إحتلال وقمع وفاشيّة وعنصريّة.
فكيف يستطيع الشركس حسب الإدّعاء السّاذج أن يسترجعوا حقوقهم بأساليب الرّدح من نوعيّة تعليقات وتهويلات “أحمد سعيد” سيئ الذكر الّذي كرّس جر العرب في عام 1967 إلى حرب مدمّرة وخاسرة لا تزال آثارها الكارثيّة بادية إلى يومنا هذا؟ فهذا البيان الناري يقارب تلك الخطابات الفارغة نوعا ومضمونا؟
أمّا الإدعاء بأن “المؤتمر فـي جورحيا عقد فـي ظـل غيـاب القفقاس بأسره” فهذا المقام ليس للرد المناسب على هذا الإدّعاء، ولكن الوقائع كانت بعكس ذلك تماما، حيث أن وسائل الأعلام ومنها المتواجدة على الشبكة العنكبوتيّة نقلت مشاركة مندوبين عن كل أمم وشعوب القوقاز الواقعة تحت الحكم الإستعماري الروسي في مناطق الأديغييه وقباردينو – بلقاريا وقراشاي – شركيسك والشابسوغ وأنجوشيا والشيشان وأوسيتيا إضافة إلى مندوبين عن خمسة عشر دولة مختلفة ضمت مندوبي الشتات القوقازي أيضا. فعن أي “تراب وطني رفض عقد المؤتمر” يتحدّث هذا البيان الثّوري (بامتياز) وما وزن جورجيا بالنسبة لشعوب القوقاز الأخرى؟ نرجوا عدم الإستخفاف بعقول الناس، ويجب وضع النقاط على الحروف. وما علاقة كل ذلك بالتّرّهات المضحكة فعلا والّتي ذكرت عبارة: ” الحـلم الجـورجي والمشروع الغربي الصهيوني المنهزم”؟
وللحقيقة والتاريخ وكذلك إلى هول “المفاجأة المدوية” فإنّ الجمعيّة الشركسية العالميّة لم يدعوها أحد كونها تتبع مخابرات الإحتلال الروسي سواء تنظيميا أوعمليّا ولا جدوى من دعوة هكذا جمعيّة ليست “للعير ولا للنفير”، مع العلم أن رئيس هذه الجمعية بعث بخطاب إلى منظمي المؤتمر شاكيا عدم توجيه الدّعوة إليه!
أما بخصوص الأسئلة المطروحة في نفس البيان “لماذا جاء هذا الرد السياسي من قبل الجميع” فإنّ الحقيقة المجرّدة هي كما يلي:
أولاً: سواء كـان (حسب الوصف) “جـورجيا ومـن وراءها الـغرب الطـامح لـتحقيق مشـروعه جـادين حقـاً فـي سعيهم” هو التعبير السليم أم لا، إلا أن المؤتمر لم يكن عن موضوع أبخازيا، بل كان عن القضيّة الشّركسيّة وقضايا تخص حقوق الإنسان المنتهكة من قبل الدولة الروسيّة إلى يومنا هذا، وكذلك قضايا جرائم الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقي والطّرد الجماعي (مع العلم أن الشعب الأبخازي كان قد اكتوى بنار تلك الجرائم الروسيّة أيضا، لكنّه وللأسف الشّديد وجد نفسه الآن وهو في أحضان الدّب الرّوسي).
ثانياً: لا أحد يستطيع الإجابة عن أسئلة عشوائيّة تطرح عبر حجاب أو بالأحرى عبر ما وصف بالبيان! إن حل القضايا العالقة بين جورجيا وأبخازيا لا يتم إلّا بالحوار الهادئ البنّاء الّذي يجري بين الطرفين وبدون وجود الرّوس الّذين هم أساس المشكلة حيث أنّهم احتلّوا أبخازيا في القرن التاسع عشر وأشبعوا الشعب الأبخازي احتلالا وتقتيلا وتدميرا وإبادة وتهجيرا، إلى أن قامت روسيا في العهد السوفياتي بضم أبخازيا إلى جورجيا ما تسبب في خلق مشكلة بين الجورجيّين والأبخاز، تبعتها تداعيّات سلبيّة عديدة لا تزال الدّولة الروسيّة تعمل على زيادة تفاقمها.
ثالثاً: عندما تكتمل أيّة محادثات بنّائة بين جـورجيا وأبخازيا فإن اتّباع المنطق سوف يجعل الطرفان يتوصلان إلى تسوية كل القضايا العالقة إن حسنت النوايا، ويستعيد كل طرف الحقوق العائدة له.
رابعاً : يبدو أن المؤتمرات التي عقدت مؤخّرا قد دعي إليها الذين يمثّلون المواضيع المطروحة للنقاش والبحث، وهذا إن دل على شيئ فإنّما يدل على انتقاء الآكاديميين والمختصّين في القضايا التي يبحثها المؤتمر. ليست هناك “مسالة قفقاسيّة” بل مسائل قفقاسيّة، فروسيا الإستعماريّة هي سبب رئيسي في حدوثها وديمومتها. إذا اراد البيان أن يقترح الحوار من أجل “الخـروج بنتـائج ومقـررات تضمن الحـفاظ عـلى مصـالح كـل الأطـراف”، من نوعيّة ذلك الحوار الذي تعرفه وتطبّقه وتتقنه الدولة الروسيّة كما فعلت مؤخّرا أجهزتها الأمنيّة ومجموعات المتشدّدين العرقيّين الرّوس في موسكو في الأيّام الّتي تلت يوم السّادس من ديسمبر/كانون الأول 2010 بحق أبناء منطقة شمال القفقاس قاطبة الذين يقيمون في مدينة موسكو وهي التي من المفترض أن تكون عاصمة المشاركين بما يُدعى إتّحادا أو فيدراليّة، فإنّ ذلك لن يفيد أحدأ!
خامساً : هل ما يسمّى بالتجمع الشبابي الشركسي الأردني مكرس للموضوع الأبخازي حصرا؟ فما المنطق من الإسم الشركسي الّذي يتعاطى مع موضوع آخر، وكأنّ أسطورة “حصان طروادة” قد بعثت من جديد وبقالب وبموضوع مختلفين! ما هو مطلوب من الشّراكسة أن يفعلوه بخصوص جورجيا وأبخازيا؟ إن جعبة الشراكسة تمتلئ بالموضوعات المتعدّدة التي توضع على الدرب وكأنّ حل كل مشاكل القوقاز يجب ان يكون على حساب الشّراكسة وحقوقهم… فإنّ الكلاشيهات المذكورة اعلاه فيما يخص البيانات الثّوريّة تتكرّر مرةّ اخرى وأخرى فتُذكر كل الإصطلاحات المعهودة في التعليقات الثّوريّة “وهذا ما يثبت بأن جورجيا لا تسعى الى السلام وتعمل على إبقاء الباب مـوارباً لإحياء مشـروعها فـي إقـامة ( جورجيا الكبرى ) الطامح الى السيطرة عـلى مناطق واسعة فـي القفقـاس بدعم مبـاشر مـن أمريكيا وحلـف الناتو لتكريس جـورجيا كقاعدة أمامية تشكل رأس حـربة للمشـروع الرأسـمالي الغـربي تماماً مثلمـا زرعت ( إسرائيـل ) فـي الشـرق الأوسـط والمنـطقة العـربية لتـكون رأس حـربة وقـاعدة إنـطلاق للسيـطرة عـلى ثروات ومقـدرات المنطقة بأسـرها مـن خلال طـرد السـكان الاصـليين ومحـاصرة الدول العـربية والإسلامية لعدم تمكينها من إسـتغلال ثرواتها وتطـوير قدراتها الاقتـصادية والعسـكرية والنـهوض بواقـع شـعوبها, تمـاماً هـذا هو المـخطط الإمبريـالي ( السـري ) الـذي أنيط بجـورجيا مهمـة تنفيذه”، فمع شديد الأسف فأنّ كل هذه التّرّهات يمكن إختصارها من خلال: “إنّي أسمع جعجعة، ولا أرى طحنا”، حيث أن البيان المشبوه لم يذكر حتّى أي شيئ مفيد عن القضيّة الشركسيّة ولم يرد ذكر الحرب الرّوسيّة المدمّرة ضد شركيسيا وهي الّتي أتت على الأخضر واليابس وتمّ خلالها ارتكاب الإبادة الجماعيّة والتّطهير العرقي والإقصاء القسري عن الوطن لما مجموعهُ 90% من الأمّة الشركسيّة، وياتي بيان باسم الشّركس يكاد يبحث الأزمات في كل العالم ما عدا شركيسيا! ويستمر الغمز والّلمز الثّوري مرّة أخرى لاستعادة وتكرار المديح والثناء لروسيا الإستعماريّة وإلى درجة التّدخّل بالتّوازنات الدّوليّة بين الأقطاب وإصرار (الثّورجي المر) الذي أعدّ البيان على إبقاء روسيا قطبا دوليّا رئيسيّا وهو الدّورالذي انتهى في الثامن والعشرين من شهر مايو/أيّار من عام 1987، منذهبوط طّائرة صّغيرة ذات محرك واحد من نوع سيسنا – 172 بعد أن حامت ثلاث مرات فوق المكان الّذي هبطت فيه في السّاحة الحمراء في موسكو أمام المارّة وشهود العيان من المواطنين الرّوس (السوفيات في ذلك الوقت) وحوالي ثلاثمائة من السّوّاح الّذين تصادف وجودهم هناك، وكان يقود الطّائرة طيّارا ألمانيّا شابّا عمره ثمانية عشرة عاما ويدعى “ماثياس رست”، وأخبر المارّة والحشد الذي التف من حوله بأنّه اقلع بالطائرة من هلسنكي في فنلندا إلى ان وصل إلى موسكو، وهذا التطوّر كشف الضّعف غير المتناهي في السّيطرة على المجال الجوّي السّوفياتي فوق كل المناطق التي مرّت فوقها الطّائرة.
إن هذه المحاولة غير الموفّقة في القفز الإستعراضي من دون هدى ولا هدف سوى رش السم عشوائيّا ليس له ما يبرّره إلّا أن تقديم كل المواضيع وتكرار ذكر الإصطلاحات التي تمجّد روسيا المغتصبة ليس فقط للارض الشّركسيّة بل ولكافّة أجزاء شمال القوقاز بما فيها أبخازيا، يعني الكثير فيما يخص الجهات المشبوهة التي يرتبط بها “ثورجيّوا” منظّمات الغزو الفكري الّتي فشلت في الماضي في مواضيع تخص شعوب غير قوقازيّة وهي فاشلة في طرح أي موضوع جوهري ينفع القضيّة الشركسيّة.
كفى دجلا ونفاقا وانجرارا إلى دياجير الخيبة والظّلام وكفى أيضا محاولات دغدغة العواطف والكلام الفارغ الّذي لن يفيد في شيئ. فإن إعادة صف الكلمات والجُمَل الّتي لا تعتبر شيئا مفيدا في شيئ، هو أسلوب خبيث لتقديم هذا النوع من الهرطقة السّياسيّة بلغة الببّغاوات بحيث لا يتبيّن للّذين يستمعون إليها إلّا جعجعة فارغة من أي مضمون.
لا يحق لأي كان أن يتكلم باسم الشراكسة المؤمنين بقضيتهم العادلة، إلّا الشراكسة أنفسهم، وأن أبناء الأمّة الشركسيّة الحقيقيين في الوطن المحتل وكذلك الّذين طردوا من بلادهم في ظروف مأساويّة وذاقوا الأمرّيْن وهم المتواجدون في ديار الشّتات والإغتراب، هم من يحق لهم اتخاذ القرار المناسب لاسترجاع حقوقهم المغتصبة من دولة الإحتلال الرّوسي الجاثمة على الأرض الشركسيّة وباقي أجزاء شمال القوقاز.
كازبك أسد شركيسيا
ملاحظة: عملا بحرية النشر ولأهمية الموضوع المطروح يقوم موقع أخبار شركيسيا بنشر المقال المذكور أعلاه كما ورد من المصدر.