بول غوبل
فيينا، 15 ديسمبر/كانون الأول 2010 — توقع العديد من الشراكسة من تركيّا، وهو المكان الذي يعيش فيه أكبر عدد منهم الآن، أن تدعم جهودهم الرامية إلى تحقيق العدالة في وطنهم، لكن طموحات تركيا الجيوسياسية والوضع الداخلي فيها، إلى جانب قدرة روسيا للّعب على الوترين، تحد بشدة من قدرة أنقرة على لعب ذلك الدور، يشير إلى ذلك أحد المحللين.
فمن ناحية، يكتب مراد قردنوف في “القوقاز-تايمز” التي مركزها في براغ، عن قيود تركيّا كحليف، ما أجبر الشراكسة للإلتفات إلى آخرين غيرها مثل الجورجيين والأوروبيين والأميركيين، حيث أنّه ليس هناك أيٍ منهم مقيدا كالأتراك، في محاولة لكسب التأييد لقضيتهم الوطنية (www.caucasustimes.com/article.asp?id=20643).
ومن ناحية أخرى، وتحديدا لاحتمال أن تركيا تعتبر ذاك اللاعب الكبير إلى حدٍ بعيد في شمال القوقاز، ولكن يمكن أن تجد نفسها مهزومة من التّحرّكات الروسية، حيث أنّ الشراكسة يواجهون حاليا بعض المسائل الجدّيّة في بناء وحشد هذا النوع من الدعم العالمي الّذي يحتاجونه لتعزيز حركتهم الوطنية إلى المستوى التالي.
لا شيء من هذا يعني أن الشركس لن يكونوا ناجحين في كسب التأييد لحملتهم ضد عقد دورة الألعاب الأولمبية في العام 2014 في موقع الإبادة الجماعية الّتي اقترفتها بحقّهم السلطات الروسية، ولكن موقف تركيا يعني أن الشركس عليهم السّعي للبحث عن إقامة تحالف مغاير من البلدان التي يتوقع منها أن تضمن أهدافهم الكبرى.
في مقالته، يستعرض قردنوف الأسباب التي دفعت تركيا، وبالرغم من وجود إغتراب (شتات) شركسي كبير والدور الذي يلعبه أفراده في صفوف القوات المسلحة التركية، من غير المرجح أن لا يكون الحليف الذي كان يأمل به الشراكسة، في جزء منه بسبب الطموحات والتعقيدات التركية وفي جزء آخر لأن الروس قادرون على اللعب على الجانبين.
بادئ ذي بدء، فإن تركيا مترددة للغاية للضغط من أجل إعتراف روسي بالإبادة الجماعية للشركس لأن ذلك يمكن أن يزيد من الضغوط على أنقرة للاعتراف بالقتل الجماعي للأرمن في عام 1915 في الامبراطورية العثمانية واعتباره بمثابة إبادة جماعية، وهو شيء لا يزال الأتراك يستنكفون فعله.
ثانيا، وتركيا، يزيد قردنوف، لا تزال غير مستعدة للعب البطاقة العرقيّة ضد الروس لأنها تدرك بأن الروس يمكن أن يلعبوا بطاقة عرقيّة ضدهم بالمقابل، وربما بقدر أكبر من النجاح. إن التقارب التركي-الروسي في السنوات الأخيرة قلص من دعم موسكو للحركة الكردية في تركيا، لكن هذا قد يتغير بين عشية وضحاها.
وثالثا، يكمل المحلل، تسعى تركيا لأن تكون لاعبا في الجيوسياسية الأوسع في القوقاز وآسيا الوسطى، واحتمال أن يتطلب ذلك مستوى معينا من التعاون مع موسكو وأن العديد في أنقرة يعتقدون بأنها ستقوض الوضع إذا أصبح الأتراك في وضع أكثر تورطا في قضايا “إثنيّة”، فإنّ ذلك سيسيء إلى مشاعر موسكو.
وقد عوّلتْ موسكو طويلا على هذه الجوانب من الوضع للحد من قدرة الشركس في شمال القوقاز للضغط من أجل الحصول على العدالة. السلطات الروسية المهيمنة تجاهلت حتى وقت قريب وإلى حد كبير القضية الشركسية والذي أدى إلى تسييس هذه المسألة في شمال القوقاز.
حتى سنوات قليلة مضت، يكتب قردنوف، كانت المطالب الشركسية في المقام الأول “ذات طابع إجتماعي وإقتصادي،” ولكن لأن السلطات الروسية المهيمنة كانت تميل إلى التغاضي عن ذلك: “تم اليوم تحويل هذه المطالب إلى شعارات سياسية”. والشراكسة يأملون في الانتقال إلى المستوى التالي من خلال بناء تحالفات دولية.
وردا على ذلك، قامت روسيا بعمل أمرين: أشعرت الاتراك بأن موسكو لديها القدرة على التسبب في مشاكل لتركيا إذا حاولت أنقرة التّورّط، حيث سعت إلى “خفض مستوى التوتر في الاتجاه الشركسي عبر سلسلة من التّدابير الصغيرة،” بما في ذلك بعض الاحتمالات للعودة إلى الوطن، وإنشاء منظمات شركسية “بديلة”.
كما مورس من قبل روسيا منذ فترة طويلة، أنّها عندما لا تستطيع السيطرة على أو تدمير منظمة قائمة ما لا تعجبها، تتخذت موسكو زمام المبادرة في خلق منظّمات بديلة “في تركيا وروسيا وهي التي تكون تحت سيطرة موسكو وأنقرة،” وستكون مؤسسات تعمل على أقل تقدير على تعكير المياه حول قضية يعرف عنها الكثير من الناس شيئا قليلا.
إن تلك الاستراتيجية الروسية هي إلى حد كبير واضحة في تركيا. “قبل سنوات عديدة،” يقول قردنوف: “الشتات الشركسي [هناك] أُوقع في مكيدة” دبرت للشركس وقبلوا فكرة أن الشركس كانوا جزءا من “شتات القوقاز،” بمفهومه العام الذي ضمّ الآفار والأبخاز والشيشان.
ذلك سمح لأنقرة بتزويد هذه الجالية بالمساعدة “تحت عنوان ’تحت سقف قوقازي واحد.‘” ولكن” اليوم ينتقل الشركس من تحت هذا السقف من أجل توطيد الأطر والتركيز على المشاكل الخاصة بهم.” فإذا بقيت الجالية متحدة، كان ذلك من شأنه أن يكون هناك مجموعة واحدة من العواقب، ولكن اذا تمكّنت موسكو من تقسيمها، فإن العواقب ستكون مختلفة تماما.
في الوقت الحاضر ونظرا للموقف الجيوسياسي والسياسي المحلي في تركيا، فإنّ “فعالية القضية الشركسية في المقام الأول يعتمد على الشتات الشركسي نفسه”، وهو شتات مثل جميع حالات الشّتات أبعد ما يكون عن الوحدة والانقسامات التي تطاله يمكن استغلالها من قبل الأطراف المعنيّة.
نظرا لمعارضة روسيا للحركة الشركسية ودعواتها لعدالة وطنية عاديّة، فمن المرجح ان تواصل موسكو لفت إنتباه تركيا إلى الصعوبات التي ستجلبها على نفسها من خلال مساعدة الشركس وللسعي إلى مزيد من شق الصفوف الشركسية في تركيا والعالم.
جهود كهذه من قبل قوى السلطة الروسية المهيمنة لا يزال لديها شأن آخر، وهو أيضا أمر ترغب به موسكو. فمن خلال إيجاد ناطقين بدلاء ضمن الحركة الشركسية، يخلق الجانب الروسي بلبلة بين الشراكسة، وكذلك حتّى بين المراقبين المتعاطفين الذين يتزايد عدم تأكدهم عمّا يجري.
وهذا الاتجاه بالتالي يعتبر تهديدا حقيقيا للقضية الشركسية، لكن بمعنى آخر، فإنه يظهر مدى جدية موسكو الآن في تناول القضيّة الشركسيّة وكفاءة النشطاء الشراكسة في التحدث الى ضمير العالم حول الإبادة الجماعية التي ألمّت بهم وبالضّبط في ذات المكان الّذي يريد فلاديمير بوتين أن ينظّم به حدثا رياضيّا.
أرسلت بواسطة بول غوبل في السّاعة 5:56 صباحا
http://windowoneurasia.blogspot.com/2010/12/window-on-eurasia-turkeys-geopolitical.html
ترجمة: مجموعة العدالة لشمال القوقاز