نشرت صحيفة موسكو تايمز (The Moscow Times) الصادرة على الإنترنت باللغة الإنجليزيّة بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2011 مقالا بعنوان “لا داعي للخشية من ربيع عربي في روسيا“، وجاء فيه:
بعد سقوط الحكام المستبدين لفترة طويلة في تونس ومصر، أشار الرئيس ديمتري ميدفيديف إلى أن الربيع العربي يجري التحريض عليه من قبل الغرب لإحداث تغيير في روسيا نفسها.
في حين يصرف المحللين النظرعموما عن إمكانية أن تتأثر روسيا من موجة الاضطرابات ضد الأنظمة الاستبدادية، فإن الكثيرين يأخذون على محمل الجد إحتمال حدوث حركة على غرار الربيع العربي لتمتد إلى القوقاز — الشمالي والجنوبي على حد سواء — وكذلك الى آسيا الوسطى.
تاركين جانبا مسألة ما إذا كان هذا أمرا جيدا أم لا، ما هو احتمال بأن يحدث ذلك؟
إنّه لمن المستبعد جدا، وهناك ثلاثة أسباب متشابكة لذلك: حدود العدوى الثورية، وقيود النظام الدولي والتوقعات المحدودة حول جدوى ثورة يطورها أولئك الذين إمّا جرّبوها أو انهم شهدوها عن قرب.
ما هو مخيف بشكل خاص لأولئك الذين يعارضون الحركات الثورية عبر الحدود هو أنها يمكن أن تمتد إلى بلدان أخرى — لا سيما مع مساعدة تلك البلدان التي نجحت في ذلك. بالتأكيد، فإن عدداً من الحركات الثورية العالمية — بما في ذلك الماركسية اللينينية، والقومية العربية، والثّورات المناهضة للشيوعيّة عبر أوروبا الشرقية في عام 1989، والثورات الملونة والآن الربيع العربي –امتدت إلى بلدان أخرى.
ولكن أيٍ منها لم ينجح في الوصول إلى السلطة في بلدان عديدة كما رجا أنصارها أو خشي خصومها. حتى الثورات الديمقراطية في عام 1989 التي نجحت في جميع أنحاء أوروبا الشرقية فإنّها فشلت في السنة نفسها في الصين.
لا يبدو الربيع العربي استثناءاً. في حين نجح في تونس ومصر وليبيا — وربما ينجح كذلك في اليمن وسوريا – فإنه إما تم سحقه، كما في البحرين، أو فشل منذ البدء في معظم البلدان العربية الأخرى وغير العربية كذلك.
في الواقع، فإنه من المستغرب إلى حد ما أن الربيع العربي لم يكن له على ما يبدو أي تأثير على الإطلاق في إيران، حيث أنّه قبل عامين فقط نشأت هناك حركة معارضة ديمقراطية استغرق النظام عدة أشهر في سحقها. يبدو إذن، أن هناك حدودا لمدى إنتشار العدوى الثورية.
أحد أسباب ذلك هو القيود الّتي وضعها النظام الدولي — وخاصة القوى الدّوليّة والإقليمية — على انتشار الحركات الثورية عبر الحدود. كما أشار كلا من فريد هاليداي (Fred Halliday) من معهد لندن للاقتصاد (London School of Economics) وجون فوران (John Foran) من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا (University of California at Santa Barbara)، فإنّ الثّورة تنجح عندما تنشأ ظروف مجيزة — ليس فقط في البلد المعني، ولكن في النظام الدّولي الأرحب نتيجة لإضعاف أو صرف إنتباه القوى الكبرى.
لكن حالما تحدث ثورة من نوع معين، فإن القوى العالمية والإقليمية وحلفائها عادةً ما يركّزون بقوّة على منع المزيد من إنتشارها. بالتالي، المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، اتخذت خطوات عمليّة لقمع ثورة الربيع العربي في البحرين، وإيران تقوم بذلك الآن في سورية، وبالتأكيد يُتوقّع من روسيا أن تفعل الشيئ ذاته إذا حدثت مثل هذه الحركة في أي مكان في القوقاز، على وجه الخصوص.
أخيرا، وعلى الرغم من نجاح حركة ثورية وطنية واحدة أو أكثر عبر الحدود في واحد أو أكثر من البلدان، فمن غير المرجح أن تنجح، أو حتى أن تبدأ في بلدان أخرى حيث يعتقد النّاس انه من المرجح أن يتم قمعها في بلدهم — وبالتالي لا تستحق المحاولة. هناك احتمال آخر هو أن الناس قد يخشون بأن نجاح مثل تلك الثورة سوف لن يحسّن من وضعهم في الواقع، وربما حتّى تجعل الأمور أسوأ. الاعتقاد السّائد أنه من الأفضل أن يكون في السلطة كما هو راسخ عند النّاس “الشيطان الّذي يعرفون”، بحيث يعتقدون أن الشيطان المقبل يمكن ان يكون أسوأ بكثير.
في حين ينظر إلى أن احتمال القمع قد يكون رادعا أقوى في حال محاولتهم ذلك في شمال القوقاز، والنتائج المخيبة للآمال في وقت سابق من الثورات الملونة في كل من جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان قد يسهم تماماً في كبح الحماس لثورات من طراز الربيع العربي في جنوب القوقاز إضافةً إلى آسيا الوسطى. وإذا كانت ثورات الربيع العربي نفسها لم تنتهي على ما يرام، وهو احتمال جلي، فهذا يثبّط محاولات أخرى مماثلة في أماكن أخرى.
ماذا يوحي كل ذلك إذن، هو أنه على الرغم من آمال البعض، ومخاوف آخرين بخصوص إمكانيّة ثورات الرّبيع العربي أن تنتشر في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، فهذا أمر لا يبدو من المرجح حدوثه، ناهيك عن أن ينجح.
مارك ن. كاتز (Mark N. Katz)، أستاذ الحكم والسياسة في جامعة جورج ميسون (George Mason University).
ترجمة: أخبار شركيسيا