تقع ناعور إلى الجنوب الغربي من عمّان ، وترتفع 780 متراً عن مستوى سطح البحر ، وتشتهر بمناخها المعتدل صيفا والبارد شتاء ، ومعدل كمية الأمطار الهاطلة فيها يبلغ نحو 500 ملمتر في السنة ، وتغطي مرتفاعاتها أشجار اللزّاب والصنوبر ، وتطل على غور وادي الأردن الأوسط ، وتتصل به من خلال منخفض وادي أبو سليط االساحر .
كانت ناعور عبارة عن خرائب قديمة أثرية تعود بعضها إلى عهود الهكسوس والعمونيين والمؤابيين ، كما يعود بعضها إلى العهود الرومانية واليونانية الإسلامية المختلفة . وكانت تحوي المغر الكثيرة وخاصة في الجهة الغربية ، حيث إستعملها البدو لتخزين الأعلاف والغلال أحيانا ، وكانت ينابيعها موردا دائما لرعاة الماشية الذين كانوا يتنقلون مع ماشيتهم من منطقة لأخرى طلبا للماء والكلأ .
نزل فيها في العام 1900 المهاجرون الشراكسة الذين تم تهجيرهم قسريا من قبل القوات الروسية القيصرية الغاشمة التي إحتلت وطنهم الأم في شمال القفقاس عام 1864، بعد حروب طويلة إمتدت لأكثر من قرن من الزمان ، وتمخض عن تلك الحروب الاستعمارية ، إستشهاد ما يزيد عن مليون نسمة من الشراكسة ، وأدت إلى عملية تهجير قسري للشعب الشركسي عن وطنه الأم شيركيسيا في شمال القفقاس . وتعتبر تلك العملية من أكبر المآسي والمظالم الإنسانية منذ ذلك الوقت وحتى الآن ، حيث تمخّضت عن إفراغ وطن الشراكسة من سكانها الأصليين ، وإحلال الروس والقوزاق مكانهم .
فقد وصل نحو 50 عائلة شركسية إلى ناعور ، وكان لها شرف تأسيس قرية ناعور الشركسية في عام 1901 ، حيث ضمت عائلات من قبائل الأبزاخ والشابسوغ والبزادوغ والقبردي ، فكانت بينهم عائلات : أبِدة ، قاتْ ، جانبيك ، يخول ، بخاو ، قوجق ، لو ، مكك ني ، حة بوخ ، نبسوقة ، شحلاخ ، كوشف ، بوران ، لبزو ، حجاك ، خُوت ، جانة ، شوبروقة ، حة توغ ، شناخوة ، تاختومر ، سطاس ، صراخوة ، بشكوقوة ، وجوخ ، حة كاموة ، جيج ، نباشقوة ، ياوتيخ ، بشدة توق ، يمزاش ، شحة بيس ، شحانوق ، تحّرقواخو ، تجة جوق ، حة براشو ، حاخوقوة ، قازيوقوة ، توغوج ، بايقوة ، شاجة ، شوجن ، لِة إشة ، حدة غال ، نارمقوة ، حاقوي ، حتقوي ، ووبيش .
وقد تفرعت عائلات فرعية من بعضها مثل : حّة بُخ التي تفرعت إلى عائلتي دودوخ وخمش ، ويعدّان من كبريات العائلات في ناعور اليوم . كما تفرعت عائلة خُوتْ إلى حبطوش وحمتو وبشماف ، وعائلة لِة إشة أيضا التي صارت تعرف بعائلتي نورالدين وهاشم في ناعور ، بينما أصبحت تعرف في وادي السير بعائلة حجرات ، وغيرها .
قام شراكسة ناعور بتخطيط قريتهم تخطيطا هندسيا جيدا ، حيث وضع موقع المسجد في وسط البلدة ، تحيط به المنازل داخل مواقع محددة مستطيلة أو مربعة ، ونظمت شوارعها بتنظيم دقيق يربط بين أحيائها . وتم توزيع الأراضي عليهم من قبل الحكومة العثمانية ، وقاموا بإستصلاحها لزراعتها ، لتكون مصدرا لمعيشتهم ، ونشطوا بزراعة الحبوب والبقوليات . كما أنشأوا البساتين والكروم ، وإهتموا بالمراعي لمواشيهم ، وبنوا العديد من المطاحن وأشهرها مطحنة جانبيك التي كان يديرها شخص إسمه أبو حسن ، وأقاموا بعض الدكاكين والمناجر والمحادد . كما أنشأوا مدرسة في الجهة الشرقية للقرية بأسفل جبل ألخص ، وكانت قريبة من عين الشركس .
إشتهرت قرية ناعور الشركسية بكثرة ينابيع المياه الموجودة فيها ، فقد كان فيها نحو 13 عينا للمياه الصالحه للشرب ، ومن أشهرها : عين الشركس وكانت تسمى أيضا بعين الخشبة ، لأن الشراكسة إستعملوا الأنابيب الخشبية في بداية عملية إستخراج مياهها ، وكانت قد تبرعت بتكاليف إنشائها الحاجة جارمق بنت علي حباق في العام 1320 هجري ، عين الجامع أو العين الصغيرة (بسنة تسوك) وهي أول مصدر للمياه وكانت قريبة من الجامع ، وعين وادي السير الصغرى ( وادسيرة بسنة تسوك ) ، وسمي بهذا الإسم لوقوعه في الطريق الؤدي لقرية وادي السير ، وغيرها .
زارها السيد خيرالدين الزركلي في عام 1921 وقال في وصفها : “وأما ناعور فمن أطيب تلك البقاع مناخاً ، بينها وبين وادي السير مسيرة ساعتين . فيها نحو 120 داراً ، وهي محلتان متقابلتان : شرقية يسكنها المسلمون وكلهم شراكسة ، وغربية تسكنها عوائل عربية مسيحية . عمرانها حديث يرجع إلى عشرين سنة خلت . وأول من نزلها من الشراكسة كان (ألخص بك) وهو شيخ طاعن في السن مهيب الطلعة ، لا يعرف غير الشراكسية . وكان أحد أبنائه الأنجاب يترجم بيني وبينه . وفي بيته عرفت أنه والد زوجة الأمير شكيب ارسلان من أعلم الباحثين في شؤون الشرق الاسلامي اليوم ” .
وإزدهرت القرية وأصبحت تجذب السكان ، فإستقر بعض العشائر البدوية بجوارها ، التي مالبثت ومنها عشيرة العفيشات ، بتأسيس الحي المعروف بإسمهم في منطقتها الغربية . كما جذبت إليها عددا من سكان السلط من عشيرة الدبابنة المسيحية لإستيطانها ، فأسسوا حيا خاصا بهم في الجهة الجنوبية الغربية من البلدة . وسكنت عشيرة الرمامنة فيها ، فكانت من أولى العشائر العربية التي قطنت في ناعور . كما نزلت فيها أيضا عائلات كثيرة من الإخوة الفلسطينيين بعد نكبة 48 ، وبعد نكسة حزيران 67 .
كان عدد سكان ناعور في عام 1961 (2382) نسمة ـ 1154 ذكور و1228 إناث . وفي ناعور مدرستان تشرف عليهما وزارة التربية والتعليم إحداها للذكور ويدرس فيها 118 طالباً ، والمدرسة الثانية للإناث ويدرس 215 طالبة . كما يوجد فيها مدرسة تخص بطريركية اللاتين في ناعور ، وتضم في صفوفها الروضة والابتدائية ، ويبلغ عدد تلاميذها 35 طالباً و47 طالبة . وكان قد شيد فيها مدرسة تخص الراهبات الوردية في العام 1924 . ومن أبنهائها المعلمين والتي كانت لهم أياد بيضاء في حقل التربية والتعليم ، الأستاذ مشهور محمود يدج مكناي ، وشقيقه الأستاذ شوكت ، وغيرهم .
ومن الجدير بالذكر أن المجلس القروي لناعور كان قد تحول إلى بلدية في عام 1961 ، وتم تعيين وكيل القائد محمد جانبيك الذي كان من كبار وأوائل ظباط الجيش العربي ، وأصبح قائدا لشرطة العاصمة في عهد الإمارة ، ثم مساعدا لقائد الجيش فيما بعد ، وعين كأول رئيس للبلدية ، وضرب المثل الأعلى في الإنتماء للوطن ، بحيث أنه لم يكن يتقاضى أية رواتب أو مخصصات مالية طيلة عمله ، وكان يتبرع بها لمصالح القرية . وفي أوآخر عام 1962 أجريت الإنتخابات البلدية ، وإنتخب أحمد السمور العجارمة رئيسا للبلدية ، وتلاه عدد من الرؤساء الآخرين كان من بينهم إسحق دودوخ .
ومن رجالات ووجهاء قرية ناعور الشركسية ، كان الشيخ بركات الحج علي بشيداتوق شابسوغ ، وهو اول إمام لقرية ناعور منذ نشأتها في عام 1901 وحتى وفاته في عام 1922 ، والشيخ صالح تغوج الإمام الثاني منذ عام 1922 وحتى الخمسينات من القرن الماضي ، وعبد الكريم ألخص حاتوغ الذي كان من كبار الظباط في الجيش العربي في عهد الإمارة ، وإنتخب عضوا بمجلس النواب الأردني الثاني في عام 1954 ، وشمس الدين عبدالحميد بركات شابسوغ الذي كان من أوآئل المنتسبين لقوة الحدود ثم إنضم للجيش العربي وأصبح من كبار ظباط الأمن العام ، وإسماعيل جانبيك الذي كان مديرا عاما لشركة أنابيب بترول العراق IPC في فترة الخمسينات من القرن الماضي وتولى رئاسة الجمعية الخيرية الشركسية – المركز لعدة دورات ، وعمر كلمات تغوج الذي كان مديرا إداريا لشركة مصفاة البترول الأردنية وأصبح أيضا رئيسا للجمعية الخيرية الشركسية – المركز ، والسيد إسماعيل حسن جانبيك الذي كان رئيسا لفرع الجمعية الشركسية في ناعور عند تأسيسها في 1962 .
ومن رجالاتها العِظام كان الفريق أول الركن محمد باشا إدريس دودوخ ، وهو من أشهر الظباط الشراكسة الذي خدموا الأردن في أحلك الظروف العصيبة التي شهدتها المملكة الأردنية الهاشمية ، عندما أصبح حاكما عسكريا لمنطقة الزرقاء ، وتمكن من إعادة الأمن والإستقرار . فقد إنضم للقوات المسلحة برتبة تلميذ مرشح في عام 1947 ، وشارك في حرب حزيران 1967 ، وأصبح قائدا لسلاح المدفعية الملكية ، ثم تدّرج بمناصبه العليا وتقلّد منصب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي ، وأصبح مستشارا عسكريا وكبيرا لمرافقي جلالة المرحوم الملك الحسين رحمه الله ، وعيّن بعد ذلك مديرا للأمن العام .
كما أنجبت قرية ناعور الشركسية أبناء بررّة كانت لهم أيآد بيضاء ، ومن بينهم : الشهيد المقدم الطبيب مهند عبد الكريم ألخص حاتوغ ، واللواء خير الدين حميد شعبان أبزاخ الذي شغل منصب مساعد مدير المخابرات العامة ، والنائب داود تحايسو قوجق الذي إنتخب عضوا بمجلس النواب الأردني ، و المهندس راضي عبد الكريم ألخص حاتوغ الذي أصبح مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون الأردني ، واللواء صلاح عيسى دودوخ الذي كان مديرا للمؤسسة الاستهلاكية العسكرية ، واللواء الطبيب الجراح الشهير تحسين مهاجر بايوق الذي أصبح مساعدا لمدير الخدمات الطبية الملكية ، واللواء تمريض إلهام محمد أمين شابسوغ التي تولت إدارة التمريض فيها ، ومأمون نورالدين أبزاخ الذي عيّن وزيرا للرياضة والشباب ، وأصبح بعدها رئيسا للمجلس الأعلى للشباب .
وقد اشتهرت قرية ناعور الشركسية بأبنائها من الأدباء والشعراء والكتاب والباحثين والفنانين ، ومنهم : الفنان الموسيقار والمغني الشركسي سميح خالد لبزو ، الذي قاد نهضة فنية شركسية في أوائل الستينات من القرن الماضي عبر برنامجه الإذاعي الإسبوعي (من الفن الشركسي) عبر أثير إذاعة عمّان ، والموسيقار عبد الكريم عبد المجيد حلاوة الذي كلن من أشهر عازفي الأكورديون ليس في ناعور فقط ، بل على مستوى الأردن أيضا ، والشاعر فيصل عيسى يعقوب قات الملقب بشاعر مايكوب والكوبان ، والباحث فيصل حبطوش خوت أبزاخ ، والصحفي الكاتب زهدي نور الدين أبزاخ ، والأديب الساخر الدكتور عوني تغوج .
كما كان من أبنائها وبناتها البررّة كل من : وجيهة محمد جانبيك رئيسة جمعية سيدات ناعور في ستينات القرن الماضي ، والدكتورة هيام عمر كلمات تغوج التي شغلت عضوية مجلس أمانة عمّان الكبرى لدورتين ، والدكتور يوسف شمس الدين بركات شابسوغ الخبير الإستراتيجي وأستاذ العدالة والسياسة الجنائية الإسلامية ، والدكتورة مها سليمان شوماف التي حصلت على شهادة الدكتوراة في الطب وتعمل أستاذة بكلية الطب في الجامعة الأردنية ، وكثير غيرهم .
وإشتهرت قرية ناعور الشركسية بشبابها الرياضي المتميز ، فكان منهم : الكابتن حسين (حسونة) محمود يدج مكناي ، فقد كان قائدا لفرق كرة القدم لكل من : سلاح الهندسة الملكي ، القوات المسلحة ، النادي الأهلي ، والمنتخب الوطني الأردني ، وأصبح رئيسا للإتحاد الرياضي العسكري ، والكابتن محمد نور سليمان شوماف الذي قاد فريق نادي الجيل الجديد كرة القدم ، والكابتن نارت شوكت محمود يدج مكناي قائد فريقي النادي الأهلي ، والمنتخب الوطني الأردني لكرة القدم . كما كان من الشباب الرياضي لاعب الكراتيه إياد مشهور يدج مكناي ، ولاعب تنس الطاولة الدولي أيمن مشهور يدج مكناي ، ولاعب الشطرنج الدولي صلاح الدين سليمان قوجوق ، وكثير غيرهم .
أصبحت اليوم ناعور مدينة عصرية ، وفيها العديد من الدوائر الحكومية والمساجد والمدارس ، وعدد من الشركات والمصانع والمزارع المختلفة الكثيرة . كما أنها تزخر بالعديد من الجمعيات الأهلية مثل : الجمعية الخيرية الشركسية – فرع ناعور ، وجمعية سيدات ناعور الناهضات ، وغيرها .
Reference:
1. Palestine and Transjordan, Third edition. London : Macmillan and Co., 1934.
2. Al-Zirkili; Schirin Fathi; Hyder Hassan Abidi. a Political Study, New Delhi – 1965.
3. Mamedkhir Hkhandoukh. The Circassians, Amman, Jordan – 1985.
4. Faisal Habtoh Khot Ibzak; Distinguished Circassians. Amman, Jordan – 2007.
5. Amjad M. Jaimoukh. The Circassians: a handbook, New York , USA – 2001.
6. Wikipedia; http://en.wikipedia.org/wiki/Naour
نقل عن موقع: الأخبار الشركسية