الأرشيف اليومي: فبراير 16, 2012
لقاء مع الشركس…
تحدّثت الليلة الماضية إلى جمعية روسيا في بريطانيا، وتحدثت مرة اخرى عن واحدة من القوميّات المفضلة عندي. أنا لا أتذكر متى اكتشفت الشّركس لأول مرة، ولكن كان على الأرجح في وقت ما من عام 2007. لقد كان إلهاماً. كانت هنا أمّة أوروبية كان قد نُسِيَ تاريخها تماماً. لقد أصابني ذلك بالذهول. كم هي عدد المرّات الّتي تصادف عبرها سبقا صحفياً تاريخيا؟
بالنسبة للأشخاص الذين لم يقرأوا كتابي، الشركس هم أحد الشعوب الّتي أركّز عليها في رواية تاريخ شمال القوقاز. في القرن التاسع عشر، كانوا مشهورين: المتمردون الليبيّون في وقتهم ذاك. معاركهم ضد الروس، الذين كانوا مصممين على قهر وطنهم، كانوا موضع إهتمام الصفحات الأولى للصحف. ولكن كانت هزيمتهم في عام 1864 شاملة. مات ثلثهم، وبقي جزء قليل من السّكان في وطنهم. وتناثر الباقي في أنحاء الشرق الأوسط، وتلاشوا من المشهد العام.
بالطبع استمر هؤلاء الشراكسة في البقاء كأفراد، وعرف أطفالهم تاريخ ترحيلهم، لكن الإبادة الجماعية لعام 1864 حطمتتهم كأمة. ذبلت لغتهم خلال القرن التّالي. وبعد جيل آخر، فلن يعودوا موجودين الى حد كبير حتى في ذاكرتهم.
جاء الإنترنت والاتصالات الحديثة إلى الواجهة في الوقت المناسب. لقد تم تفريق الشركس عبر الحدود التي مزّقت الامبراطورية العثمانية العجوز، ومن ثم عن طريق حدود الحرب الباردة، لكن الفيسبوك والبريد الالكتروني أجاز لهم إستعادة تظافرهم. فقد كانت الأمة مثل سفينة من الطين محطّمة وملقاة على الارض. قد تكون القطع صغيرة لكن، عند إعادة تجميعها، فإن أجزاءها لا تزال تتطابق بعضها بالآخر. وقد ذهل الشراكسة لاكتشافهم أناس في دول أخرى لهم نفس الموسيقى والعادات والرقصات وهم لا يزالوا على قيد الحياة. لقد كنت محظوظا بما فيه الكفاية للوقوف على هذا الحدث حين كان لا يزال حديثاً.
في عام 2008، قضيت بضعة أشهر أتجول في أنحاء العالم الشركسي. بدأت في كوسوفو، وتجوّلت عبر تركيا ثم زرت إسرائيل والأردن قبل أن أستقل قارب بطيء إلى سوتشي، ورؤية ما يعتبرونه أرض آبائهم وأجدادهم. وكان الشركس الّذين التقيتهم منفتحين ومضيافين، ومرحين، وعاطفيّين، وأسخياء ويتمتّعون بمعلومات زاخرة.
لقد كتبت عن تجاربي. وهي تشكل جوهراً للقسم الأوّل من كتاب “دع شهرتنا تكون عظيمة”. في الحقيقة، كان ينبغي عليّ الإنتقال الى مواضيع جديدة وكتاب حديث. لكن يبدو أنّه لا يمكنني أن أتركهم وشأنهم، لأسباب ليس أقلها أن الشركس الذين قرأوا كتابي صادقوني على الفيسبوك، وأعطوني حرّيّة الوصول إلى مناقشاتهم الداخلية، ومنحوني فرصة متابعة أمتهم وقد اكتسبت ثقة جديدة وتماسكاً عصري.
كنت أريد أن ألتقي بشراكسة أكثر وكتابة المزيد عنهم، لذلك سافرت إلى ولاية نيو جيرسي للقاء الجالية الشركسيّة الأميركيّة. ثم عدت إلى تركيا مع مجموعة رائعة من ولاية نيو جيرسي، لكي أراهم يحتجون جنبا إلى جنب مع مواطنيهم في تركيّا ضد قرار روسيا إجراء دورة الألعاب الأولمبية في وطنهم الاصلي. بالنسبة لي، هذه القصة التي تحتوي كل شيء: سياسة قذرة؛ ناشطين شباب مثاليّين؛ تاريخ منسي، مشهد رائع للجبال؛ الرقص. أردت أن أكتب مقالا عنهم، وأصف كم هو من غير العادي أن نرى أبناء العمومة الذين كانوا قد انفصلوا بفاصل قرن من الزمان وقارّة في المساحة، وفي نهاية المطاف يقابلون بعضهم البعض.
للأسف، لم تكن بقصة خطفت اهتمام محرري مجلة ما، ولذا فإنني ساتذمّر فقط عن ذلك الأمر لأي شخص يستمع. الرجل التركي الذي يدير متجراً بالقرب من منزلي في لندن يدعوني شركسياً، في حين كان يمكنني أن استمر في الكلام طوال الّليل إلى 60 أو نحو ذلك من الّلندنيّين الذين جاؤوا لرؤيتي أتحدث يوم أمس.
وكان من بينهم ستّة من الشركس – من تركيا وسوريا وروسيا – بعضهم كنت قد اجتمعت بهم سابقاً، والبعض الآخر لم أكن قد اجتمعت بهم من قبل. وكان عظيماً لاستيقظ هذا الصباح وأرى أن أعضاء مجموعة الشركس في المملكة المتحدة قد تناقشوا بالفعل مساءاً، وأنهم يرحبون بفرصة قد وُفّرَتْ لهم للقاء أعضاءاً آخرين من أمتهم.
في كتابي، بحثت في كيفيّة أن تقوم الأمة الشركسية المتناثرة بإعادة بناء نفسها. الآن أجد أن الشركس في طريقهم لرؤيتي وأنا أتحدّث عن كتابي، ولقاء بعضهم البعض، وبالتالي المساعدة في اعادة بناء أمّتهم. وإن كنت قد أصبحت جزءاً صغيراً جدا من العملية برمتها.
الفرق بين الصحافة والتاريخ هو أن الصحافة هي جزء من أحداث تقوم بوصفها، في حين أنّه تتم إزالة التاريخ منها. وهذا يعني بأنني صحافي، بدلا من كوني مؤرخ، وأنا سعيد بذلك. انها أكثر متعة بهذا المسلك.
أوليفر بولو
ترجمة: عادل بشقوي
للرجوع إلى النّص الأصلي باللغة الإنجليزيّة ولمقالات أخرى راجع الموقع التالي:
http://www.oliverbullough.com/blog.html
نقلا عن: موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك