فيلم الشراكسة ومغالطة الواقع
تقديم: عادل بشقوي
10 / 5 / 2012
لفت انتباهي خبر نشر على موقع الترابط الإجتماعي الفيس بوك لفيديو منقول عن يوتيوب (YouTube) نقلا عن تقرير الفضائية الروسية باللغة العربيّة “روسيا اليوم” يتحدث عن فيلم أنتج مؤخراً بعنوان “الشراكسة” للمخرج محي الدين قندور وذلك عندما كان يعرض في “مهرجان موسكو السينمائي الدولي”، وَوُصِفَ الفيلم بانه من الأفلام التي عرضت على “هامشه”، وفي بداية الفيديو سُلّط الضؤ على تساؤل أحد المشاركين (الأبطال) الرئيسيين في الفيلم: “إلِّي يَخْسرون الحرب، يترُكون دورهم وديرتهم…؟”، وأسهبت المراسلة في تقريرها ذكر مغالطة تاريخية ألا وهي أن شركس الأردن من المهاجرين الأوائل “جاءوا إلى الأردن من القوقاز على متن قطار الحجاز” في طريقهم من وطنهم الأصلي “عابرين تركيا ودمشق”، وتابعت المراسلة أن الفيلم يدور “حول قِصّة حبٍ جمعت الفتى نارت الشركسي والحسناء البدوية هند” حيث اختصر الموضوع بأنه “قصة رومانسيّة”، وأبرز التقرير رأي أحد المعلّقين بان “الفيلم هو العمل الروائي الأول الذي يوثّق لتاريخ الشراكسة، وذهبت معدّة التقرير التلفزيوني إلى القول بأنه “حكاية شبهها الكثيرون بقصة روميو وجولييت” وتكمل “ولكنها تباينت في الخاتمة، مشاهد الفرح الشركسي بكل تلك التفاصيل الإقليمية والإثنيّة أجّجت المشاعرفي القلوب…”. ما أجمل التعبير “جاؤا”، وكأنّهم لم يتعرّضوا للتهجير القسري من وطنهم، وعن أي فرح يتحدثون وهم أناس تعرّضوا للقتل والإبادة والتشريد والتهجير وتحت أقسى الظّروف؟ وكيف تكون قصّة رومانسيّة عملا أوّلا يوثّق لتاريخ الشّراكسة؟ ألم يكن هناك متسع من الوقت لذكر البحر الأسود وأهواله؟
هناك اختلاق لأمور لم تحدث إلا في مخيلة من أراد تغيير الحقائق وكأن الامة الشركسية خرجت عن بكرة ابيها من الوطن في نزهة وتم تقديم معلومات وهميّة لم تدر في مخيلة من ساقوا المعلومات الواردة في الفيلم، لدرجة بيان خارطة مختلقة لمسار وهمي للمهجّرين الشركس والذين أصر الفيلم على وصفهم بالمهاجرين والذين ذكرت مقدمة التّقرير بأنهم “جاءوا”. لقد ذكر ان الشركس وصلوا للأردن على متن قطار الخط الحديدي الحجازي وهذا أمر مغلوط من الاساس لأن الشركس كان قد بدئ بتهجيرهم عن أرض وطنهم قبل عام 1860 حيث ازدادت الأعداد فيما بعد لتصل أعداداً غير مسبوقة في عام 1864 وما بعده، لأن تهجيرهم لم يحدث بواسطة الخط الحديدي الحجازي الذي كان قد تم تنفيذه وافتتاحه بعد سنة 1900 ميلاديّة والذي كان قد بوشر العمل في إنشائه في عام 1900 وافتتح في عام 1908 واستمر في العمل حتى عام 1916 كنتيجة للحرب العالمية الأولى. وتجاهل الفيلم بشكل سافر الإبادة الجماعيّة التي تعرّضت لها الأمة الشركسية، وكذلك احتلال الوطن الشركسي الذي كان السبب المباشر لكل المآسي التي تعرّض لها الشعب الشركسي.
إن الشركس الأوائل الذين وصلوا إلى الأردن وصلوا عن طريق البحر من تركيا إلى فلسطين (التي كانت جزءاً من الدولة العثمانيّة) وفيما بعد جاءت بعض القوافل من تركيا عن طريق البر باستعمال وسائل المواصلات القديمة كالعربات التي تجرها الخيول والثيران، وهم الذين كانوا قد ابعدوا قسراّ وهُجّروا من وطنهم وفق مؤامرة بين القوى الدّوليّة المتنفّذة في ذلك الوقت، ومنهم من كان قد هجّر إلى البلقان ومن ثم أعيد تهجيرهم إلى أماكن أخرى، وقد وصلت أولى دفعات اللاجئين المروّعين إلى عمان التي كانت خرائب من الآثارات الرومانية وغيرها وقاموا بتأسيس قرية عمان التي لم يكن بها محطّة للقطار ولم تكن سكّة حديد الحجاز قد انشئت أصلآ.