إحياء يوم الذّكْرى، يُذَكّر بإبادَةِ الشّراكسة
تقديم: عادل بشقوي
يوم الذكرى الشركسية هو يوم الوفاء لشركيسيا
…
يمثل يوم 21 مايو/أيار من عام 2012 ذكرى مرور 148 عاماً للإبادة الجماعية الشركسية والتطهير العرقي والترحيل القسري لتسعين في المئة من الذين بقوا على قيد الحياة في الوطن الأم إلى العالم الأرحب الذي شكل أكثر من 40 بلدا في عالم اليوم، بعد 101 عاما من الحرب المدمرة التي شنت على شركيسيا وبقائها ككيان للأمة الشركسية في خضم ظروف وملابسات قاسية، ومخاطر هائلة.
هذه الذكرى تربطنا مع وطن أجدادنا والّذي لن ينسى أبدا ما دام لدينا عرق ينبض وجفن يرمش، التي نحب بقدر ما نحترم ونعجب بأجدادنا الشجعان الذين ضحوا بالغالي والنفيس، بما في وسعهم للدفاع عن الوطن والكرامة وأنفسهم، رافضين الاستسلام والذل والعار في ظل احتلال قيصري روسي بغيض.
على الرغم من النداءات المتعددة المرسلة إلى القيادة الروسية ومجلس الدوما الروسي للإعتراف بالإبادة الجماعيّة ضد الأمة الشركسية، فضلا عن المسؤوليّة عن الترحيل القسري الذي سببته الحرب في القوقاز، الّتي لم يرد الزعماء الروس عليها بعد، على الرغم من الأدلة التاريخية ومئات من الوثائق الرسمية التي تم الحصول عليها من الأرشيفات الرّسميّة الرّوسيّة، فضلا عن أرشيفات تبليسي، التي استبقت الوثائق الرسمية العسكرية الروسية التي حفظت بعد الاحتلال الروسي لجورجيا، حيث أصبحت تبليسي في وقت لاحق مركزاً للقيادة العسكرية الجنوبيّة للقوات الرّوسيّة التي كانت تعمل في منطقة القوقاز بشكل عام وفي شركيسيا على وجه الخصوص.
لا يمكننا في هذا المجال، إلا أن نشير إلى قرار اللجنة الأولمبيّة الدّوليّة القاضي بعقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في مدينة سوتشي، وهو الموقع الذي لديه مكانة خاصة في الذاكرة الإنسانيّة والشركسية على حد سواء، نظرا لخصوصية الموقع كونه يمثّل آخر عاصمة لشركيسيا عندما وقع الاحتلال القيصري الروسي، والمقابر المتناثرة لأولئك الذين قضوا نحبهم في ذلك الموقع والأماكن المجاورة له عندما كانوا يدافعون عن وطنهم. إن أهمّيّة الحدث أيضا يتّصل مع ما يذكّر بالعرض العسكري الاستفزازي للقوات المنتصرة في نهاية الحرب الروسية – الشركسية في 21/05/1864.
إلى حد أن نتذكر الماضي الأليم بكل كوارثه والآثار المترتبة عنه لتعلم الدروس، حيث عوامل الطغيان والشر والحروب التي عملت على تكريسها، بقدر ما نحن نتطلع إلى مستقبل مشرق واعد ومزدهر مع الأمل والتفاؤل بالصداقة والإخاء والسلام بين الأمم في العالم في القرن الحادي والعشرين الذي سيسود بالإستقرار والتّقدّم والإحترام المتبادل بين الشعوب. نأمل أن نداء العقل سيصل إلى الفيدراليّة الرّوسيّة من أجل حل القضية الشّركسيّة والمسائل المتعلّقة بها والتي لم يتم حلها بعد، ومن الأفضل بأن يتم تحقيق مصالحة مع الشركس بحيث تتضمن الإعتراف بالإبادة واعتذار إلى الأمّة الشّركسيّة وتعويض معنوي ومادّي وحق العودة إلى الوطن وحق تقرير المصير.
إن استرداد حقوق الأمة الشركسية له ما يبرره في نظر القوانين والأعراف الدولية ومشروعة وملزِمة ولا تسقط بالتقادم؛ ومرور الوقت منذ عام 1864، لم يكن أكثر من قرن ونصف، لم يكن عقوداً من الوقت ولا سنوات ولا أسابيع ولا أيام، ولكن لحظات مؤلمة أوغلت جذورا في القلب والضمير من الأجداد إلى الأحفاد.
قال أحد الحكماء: “الصمت لا يمثل دائما الحكمة”.
ونقلا عن كونفوشيوس أيضا قوله:
الرجل الحكيم ليس بعقلين أبداً؛
رجل الخير لا يقلق أبداً؛
الرجل المقدام لا يخاف مطلقاً.
إبادة الشراكسة
على مر التاريخ، استطاعت القوى الإمبريالية و الدول القمعيّة والطغاة القيام بأعمال همجيّة من أجل إخضاع واحتلال أراضي وأوطان الغير، مع عواقب وخيمة ملحوظة تراوحت بين القضاء التام على الكيانات السّكاّنيّة والأمم والبلدان، والإستقواء والقضاء الجزئي على السكان الذي يحافظ على الإستعباد وامتصاص عناصر الموارد الحيوية. القاسم المشترك بين الحالتين هو ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي إمّا تذهب أدراج الرّياح، عندما لا يوجد أحد لا يزال على قيد الحياة لإظهار قلق أو للمطالبة بإستعادة حقوق (لا سائل ولا مسؤول)، أو عندما يبادر أولئك الذين بقوا على قيد الحياة وبكل الوسائل المتاحة لاستعادة حقوق الإنسان والامتيازات في وطنهم.
أعلن عن جرائم إبادة جماعيّة معروفة ارتكبت أو أعلن عنها أو جرى حوار بشأنها وقعت في التاريخ الحديث في أماكن كثيرة من العالم، والتي عرف عنها وهي الأرمنيّة والكمبوديّة والروانديّة وكذلك دارفور، بالإضافة إلى المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية. لسوء الحظ، فقد تم نسيان الإبادة الجماعية الشركسية وليس الكثير من الناس على علم بها، على الرغم من توفر أدوات الجريمة والوثائق والعواقب. لا نقلل من الجهود المستمرة للحفاظ على هذه الحلقة غير معروفة حتى بالنسبة للضحايا وذريتهم، من أجل التخلص من تبعات كل الفظائع التي ارتكبت.
فيما يتعلّق بالإبادة الجماعية في رواندا، فقد حدث ذلك بعد توتر عرقي كان قد بدأ منذ زمن بعيد، وتطور خلال السنوات الماضية بين اغلبية الهوتو وأقلّيّة التوتسي، خصوصا خلال الاستعمار البلجيكي لرواندا. قتل 800000 شخص معظمهم من أقلية التوتسي في غضون 100 يوم، وهي مسألة عرقية ضمن بلد معيّن يمكن تصنيفها على أنها حرب أهلية بين مواطني البلد الواحد وحتّى الدين نفسه. وشجع الجنود وضباط الشرطة المواطنين العاديين على المشاركة. في بعض الحالات، المدنيين الهوتو كانوا حسبما وصف بانّهم أجبروا من قبل العسكريين على قتل جيرانهم التوتسي!
وكان المشاركين من الأغلبية المتمثّلة بالإثنيّين الهوتو (كان من بينهم الأولاد) قد أعطي لهم في كثير من الأحيان حوافز، مثل المال أو الطعام، وحتّى قيل للبعض بانّه سيمكنهم الاستيلاء على أراضي التوتسي الّذين قتلوهم. خلال الإبادة الجماعية، ألقيت جثث التوتسي في الأنهار، مع قول قاتليهم بأنّه يجري إعادتهم إلى إثيوبيا، حيث أنهم (التوتسي) جاؤوا في الأصل منها.
أما بالنسبة للمحرقة والتي هي إبادة جماعية قامت بها ألمانيا النازية، كانت قد استهدفت اليهود في ألمانيا والبلدان التي احتلتها ألمانيا في ذلك الوقت. وهذا يعني بأن ألمانيا نفّذت إبادة بشكل أساسي على مواطنيها من أصل/دين معين ومواطنين مماثلين من البلدان التي احتلتها خلال الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى أفراد الأقليات الصغيرة الأخرى وأسرى الحرب. وقتل الملايين من اليهود في معسكرات الإبادة الستة. إنه لمن المستحيل إصدار تقدير دقيق، لأن النازيين لم يحسبوا العدد حسب عدد الأفراد بل على عدد شحنات القطارات المحملة التي وصلت إلى مرافق الإبادة. “سيق اليهود إلى غرف الغاز، ثم أغلق موظفي المعسكرالأبواب، وإما يضخ غاز العادم (في بلزيك، وسوبيبور وتريبلينكا) ” Belzec, Sobibor and Treblink” أو الغاز السام في شكل زيكلون ب أو أ (Zyclon B or A) في (مايدانيك وأوشفيتز بيركيناو) ” Majdanek and Auschwitz-Birkenau “. وكانت هناك طريقة أخرى باستخدام شاحنات الغاز”.
و”كان هناك طريقة ثالثة وهي بإطلاق النار الجماعي على اليهود وغيرهم من الفئات (أسرى الحرب السوفيات والبولنديين، إلخ.)” وبعد إطلاق النار على الأجساد، تحرق إما في العراء، أو في مقابر جماعية أو في المحارق.
وقد “قيل لمعظم الضحايا أنهم كانوا بصدد أن ينتقلوا إلى الشرق لوظائف وأماكن جديدة للمعيشة، وقد جلب معظمهم امتعتهم المفضلة”، والّتي في وقت لاحق تم نهبها وسلبها من قبل أولئك الذين كانوا يقومون بالأعمال الإجراميّة القذرة أنفسهم.
و”في معسكرات الإبادة “المحضة”، تم فصل الرجال عن النساء فور الوصول. وكان أول من يعرّض للغاز هم الرجال – كان يجب قص شعور النّساء قبل التّوجّه إلى حتفهم”. هؤلاء القادرين على العمل على سبيل المثال ساعدوا في حمل الجثث إلى المحارق أو لتفتيش الجثث عن الأشياء الثمينة”.
كانت الجثث تحرق في بعض الأحيان. عندما كانت سعة الأفران غير كافية، كنتيجة لذلك تم احراق الجثث في الهواء الطلق، بغض النظر عن الظروف الجوية.
على الرغم من المعدات المتطورة، والأساليب والأدوات التي يستخدمها النازيون في منتصف القرن العشرين في كيفية القضاء على مئات الآلاف من الضحايا من البشر في أماكن مختلفة وأساليب مختلفة في أقصر وقت ممكن، وبأقل قدر ممكن من أثر للجرائم، من خلال التخلص من الجثث (فضلات في مفردات المجرمين) بعد ان قتل الناس، ومن خلال معاينة أساليب ووسائل القياصرة الروس لإنجاز جرائم الإبادة الجماعية ضد الأمة الشركسية منذ قرن أبكر تقريبا، كانت آلة القتل الروسي في القرن التاسع عشر قد قطعت شوطاً متقدماً في استخدام مواد البيئة الطبيعية كأداة لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، ونسبيا باعتبارها واحدة من الاسوأ في تاريخ البشرية.
كانت نظيفة وخضراء (ليس للتقليل من شأن مئات الآلاف من الشركس المضطّهدين الّذين كانوا هدفا للقوات القيصرية الروسية المجرمة)، وكانوا سابقين لوقتهم، كما لو كانوا يقرأون المستقبل من أجل الاهتمامات البيئية للوقت الحاضر، حيث انّهم لم يستخدموا الغاز، أو أي مادة أخرى يمكن أن تؤثر على البيئة والغازات الأخرى في كوكب الأرض.
الشركس في وطنهم، لم يكونوا بعيدين عن البحر، وتبعاً لذلك لم يحتاج الإبعاد و / أو الإبادة الى وسائل متطورة للنقل البري في ذلك الوقت، كالطريقة الّتي استخدمها النازيون في اعوام الأربعينيّات من القرن الماضي مثل قطارات لنقل الضحايا إلى مناطق نائية.
في معظم أعمالهم الشّرّيرة، ليس كان هناك حاجة لآلة القتل القيصريّة لايجاد وسيلة للتخلص من القتلى. كلها عملية طبيعية من خلال التخلص من دفعات من الناس:
– إما دفنوا من أجل تخصيب تربة شركيسيا باستخدام رفات شعبها النّفيس الّذين قتلوا على يد غزاة شمال القوقاز. وكانت واحدة من الهِوايات الأكثر جذبا للنخبة الروسية في ذلك الوقت، الحفاظ على أجزاء جسم الإنسان وخصوصاً الرأوس لاقتنائها، وإرسالها إلى كبار المسؤولين الحكوميين بما في ذلك الإمبراطور المقيم في سان بطرسبورغ.
– أو يمكن أن يتم إلقائهم في البحر، كي تأكلهم الأسماك. سواء من جانب السمك أو لاستخدامها لإجراء الاختبارات العلمية والتحليل.
– أواستخدامهم لإجراء الإختبارات العلميّة والتحاليل.
واستخدمت تقنيّتان شريرتان أخريان اضافيّتان:
– سحب الآلاف من الناس على ساحل البحر الأسود وابقائهم على الرمال وذلك في الشتاء والصيف على حدٍ سواء لفترات طويلة حتى يحل وقت الرحيل بحراً. كثيرا من اولئك الذين ينتظرون مصيرا في ظروف معيشية سيئة قاسوا من الحرارة الشديدة في الصيف والبرد القارس في الشتاء، والإصابة بالأوبئة مع خدمات صحّيّة سيّئة أو معدومة.
– أو القيام برحلة بحرية رديئة وصعبة على متن سفن متهالكة وفي حالة يرثى لها والتي تأتي إلى الساحل لنقل العائلات الشركسية إلى وجهات لم يحلموا بها من قبل، حيث أن العديد من المسافرين المرحّلين لا يصلون إلى نظرا لحال لسفن التي تتصف بتدهور صلاحيتها للإبحار، وتصبح حالتهم الصحية خطيرة بسبب المرض ونتيجة لدوار البحر والأوبئة.
لكي نكون منصفين (وليس في معنى تفضيل واحد على الآخر)، فقد كانت لقوات القياصرة الروس أفكاراً شريرة أسوأ من النازيين، وهو ما أثبتوا بأنهم أكثر فعالية بكثير في ترويعهم.
https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=EK7wX_E9akE