عندما تكون أولمبياد سوتشي 2014 رمزاً للإبادة والطغيان
عادل بشقوي
في عنوان هذا المقال وتفاصيله ما يرد على ما ورد في مقال للدكتور حسام العتوم نشره الموقع الالكتروني لوكالة عمون الإخبارية تحت عنوان “عندما تكون أولمبياد سوتشي 2014 رمز للسلام والمحبّة” (http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=181016) والّذي أورد فيه رأيه في مدينة سوتشي والألعاب الأولمبيّة الشّتويّة المزمع إجراؤها خلال شهر فبراير/شباط القادم.
لم ولن تكن الأمنيات والتمنيات وحدها في يوم من الأيام في وصف الأمور والظواهر لتكون دليلا على نبل أو وداعة أو حسن نية كما تحاول لجنة الألعاب الأولمبيّة والبيانات الرسمية الروسية أن تصور ما يجري، على عكس الحقائق التي لا يمكن إنكارها أو إخفائها وبما يتناقض مع الأهداف السامية التي وجدت من أجلها الألعاب الأولمبيّة. ووصف سوتشي من قبل الكاتب بانها تمثل له “ذكريات رائعة في ذاكرتي عندما كانت صغيرة على شكل بلدة ساحرة تتربع على أكتاف جبال الشاي وعلى شواطئ بحر أسود بلا نهاية”، حيث أنّه من حق الكاتب أن يصف ما رآه من سحر الموقع والمكان، إلا أنه وللأسف الشّديد من دون التطرق إلى الحقائق الهامّة التي تمس واقع ومستقبل أمة ووطن، لأن ما يراد ان يقدّم بشكل رومانسي وبدون الأخذ بالأسباب أو الملائمة مع الواقع بشأن عقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي الشركسية التي كانت آخر عاصمة شركسيّة والتي تم احتلالها في نهاية حرب مدمرة دامت لأكثر من مائة عام، من قبل جحافل القوات القيصرية الروسية مدعومة بالمرتزقة القوزاق اعتماداً على كافة الموارد والإمكانات المتاحة آنذاك للإمبراطورية القيصريّة الرّوسيّة، في مسعاها للوصول الى المياه الدافئة على شواطىء البحر الأسود مهما كلف الثمن ومهما طال الوقت لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الإستعماري.
يجب فصل العمليات الإرهابية التي جرت ولا تزال تجري بين الآونة والأخرى عن المطالبة باسترجاع الحقوق المغتصبة! إذا كان ممكناً أن يتقبّل البعض بعقد العاب أولمبيّة أو غيرها من النشاطات في مكان مشابه، حيث لا يمكن القبول بعقد ألعاب ونشاطات مشابهة في دير ياسين او في القدس الشّرقيّة أو مستوطنات الضفة الغربيّة، حيث لا يوجد هناك فرق جوهري بين المثالين.
وعلى نقيض ماورد في المقال المذكور فإن “أولمبياد سوتشي الشّتويّة” لم ولن تجلب السلام للمنطقة وبالتالي للعالم لأن الإنطلاق من الخطأ يوقع في خطأ أفدح وما بني على باطل فهو باطل، ولن يقدم التغاضي عن رد الحقوق لأصحابها إلا المزيد من المعاناة لأطراف الصراع الحضاري المزمن بين الخير والحق من جهة وبين الشر والإستبداد والطغيان من جهة أخرى. إن محاولات إضفاء صفات أو معانٍ لا تمت للواقع بصلة كما تحاول الدولة الروسية بانظمتها المتعاقبة فعله لا يغير من واقع الحال شيئاً ويوجب توضيح الأمر بما يتوافق مع الحقائق الموثقة والتداعيات الماساوية والنتائج الكارثيّة التي حلت بعشرات الشعوب والأمم المستضعفة والتي تعرضت لأبشع الجرائم من قتل ودمار وإفناء وإبادة جماعية واحتلال وإبعاد ونفي قسري قل مثيله قسوة وتهوراً واستهتاراً وإرهاباً وعنفاً.
إن دولة تستشرف مستقبلاً واعداً وتسعى إلى السلام ونبذ العنف والحروب تكون سباقة في رد الحقوق إلى أصحابها، والدّولة التي “تبحث عن السلام عبر القانون الدولي وحقوق الإنسان عبر صناديق الإقتراع وديمقراطيّة الشّعوب”، فالأجدر بها أن تطبق هذه القوانين على من هم من المفترض أن يكونوا من مواطنيها وعلى مؤسّساتها بدلا من إصدار دستور وقوانين ذات صدى ديكوري فقط، ولا يطبق منها إلا ما تريده السلطة البوليسية المتسلطة، وتحرم المواطنين من حقوقهم الأساسيّة. إن المبارزات والمنافسات الرياضية التي ذكرت في المقال المذكور “حصد الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية”، تذكّر بميداليات وأوسمة القياصرة التي وزعوها ومنحوها على الذين اقترفوا المجازر وقطعوا الرؤوس من القادة والضباط وافراد القوات الغازية التي اجتاحت الوطن الشركسي واحتلته قبل مائة وخمسين عاماً. فكيف يمكن وصف كل ذلك “لتبقى المعنويات الإنسانية عالية وليعلو الإبداع”، وهل يمكن وصف تصرفات المعتدين بغير ما انها نرجسيّة بكل ما تعنيه من الغرور والتعالي على الغير والأنانيّة والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين؟
ليس في الموضوع “مأساويّة” ولا “مكارثيّة”، ولكن هناك جريمة إبادة جماعيّة كيديّة ومتعمّدة وقعت ضد شعبٍ، لا بل أمّة، من قبل جيش منظم هو جيش الإمبراطوريّة القيصريّة الرّوسيّة وفقاً لخطّة محكمة وموثّقة من أجل قتل نصف السكان وتهجير الاغلبيّة السّاحقة من النصف الآخر إلى الإمبراطوريّة العثمانيّة أو إلى ما وراء نهر كوبان، وبنفس الوقت تم جلب المستوطنين الروس والقوزاق وغيرهم لاستيطان الأراضي والمناطق التي تم نهب وتدمير واحتلال القرى والبلدات الشّركسيّة بها وأنشئت مكانها المستوطنات من أجل إسكان المستوطنين لفرض الأمر الواقع! وجريمة الإبادة الجماعيّة لا تسقط بالتقادم، اي بمرور الوقت، والدّولة التي اقترفت الجريمة ملزمة بتطبيق القوانين الدوليّة ذات الصلة.
إن مبدأ إحترام حقوق وكرامة بني الإنسان كل لا يتجزأ ولا تتغير المفاهيم والتطبيقات في هذا السياق حيث أن الإحتلال والإستيطان جاء نتيجة للإحتلال والسياسة الإستعماريّة الرّوسيّة. ولا يمكن التّغاضي عن الإبادة الجماعيّة، لأنّها سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد الأطراف المتعاقدة بمنعها والمعاقبة عليها (الدّولة الرّوسيّة إحداها). والمادة الثانية من هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية: المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه، قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى (http://www.preventgenocide.org/ab/1948/).
ويذكر المقال: “وتعمل روسيا اليوم من خلال عقد أولمبيادها على استقطاب شعوب ودول العالم للمبارزة في الألعاب الرياضية المختلفة وحصد الميداليات الذهبية والفضية البرونزية وغيرها لتبقى المعنويات الإنسانية عالية وليعلو الإبداع ولتتطور الرياضة وكل الخدمات اللازمة للإنسان مهما كانت الجنسية الوطنية والقومية”، من غير الإشارة إلى أن القضيّة الشّركسيّة لم تلق الحل المناسب بعد مائة وخمسين عاماً من احتلال شركيسيا في 21 / 5 / 1864، وقيام القوات المحتلة آنذاك بإجراء عرض عسكري في سوتشي احتفاءاً بالإنتصار الروسي، ويحضرني هنا قول أمير الشّعراء احمد شوقي، “أحرامٌ على بلابِلهِ الدّوْحُ/حلالٌ للطّيْرِ مِنْ كُلّ جِنْسِ”! يجب أن يذكر في هذا المجال أن أكثر من 50 مليار دولار أنفقت، من أجل الدعاية لروسيا ومحاولة الغاء أي رابط بين الشّركس وسوتشي، إلا أن الشّركس والقضية الشّركسيّة كسبوا الكثير، حيث أن القضية الشّركسيّة طفت على السّطح ونشر عنها في وسائل الإعلام المختلفة خلال الأيام الماضية الكثير وفي لغاتٍ عديدة.
وللتعليق على ما جاء في المقال، عن “اهتمام مباشر بأولمبياد سوتشي من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزرائه ديمتري ميد فيديف ومستقبل واعد ينتظر أجيال الفدرالية الروسية الشابة للعمل والراحة الدائمة هناك”، فإن على روسيا الإهتمام بمصالح مواطنيها التي هي أهم من إقامة ألعاب عبثيّة لا يستفيد منها الإقتصاد الروسي أو المواطن العادي؛ الصّحفيّة الرّوسيّة يوليا سميرنوفا (Yuliya Smirnova)، نشرت قائمة دعتها “عشرة أسباب لعدم الذهاب إلى سوتشي”، تضمّنت انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا والتضييق على النشطاء والصحفيّين ووسائل الإعلام ومنظّمات حقوق الإنسان والفساد الذي اعترى تكاليف إنشاء القرية الأولمبيّة وكافّة الخدمات التابعة لها وتمّت الإشارة “إلى أن ثلث المبلغ الّذي يتعدّى 50 مليار دولار أمريكى والّذي أنفقته موسكو قد ذهب إلى جيوب القلّة والمسؤولين”، وما وصف “نهج موسكو نحو جيرانها مثل جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا”،و”التهديد من الأعمال الإرهابية في أو على الأقل خلال الأولمبياد”، و”قيود موسكو بشأن الاجتماعات العامة من قبل جماعات المعارضة وفرض حظر على الاحتجاجات في سوتشي”، والتّأكيد على نفوذ جهاز الأمن الفيدرالي (FSB) و”إجراءات بوتين لا تعيد الحقوق التي من المفترض أن يتمتع بها الروس بموجب الدستور”، و”فرض نظام بوتين السيطرة الكاملة تقريبا على المحاكم، مستخدماً عدالة الهاتف من الحقبة السوفياتية لإعطاء مظهر الشرعية في الاستخدام السياسي لنظام المحاكم”، و”نظام العقوبات في روسيا لا يتوافق مع المعايير الدولية سواء من حيث السلامة أو النظافة”، وتذكر سميرنوفا أنّ “هناك أدلة متزايدة لاستخدام المسؤولين الروس للتعذيب والاعترافات القسرية، وذلك انتهاكاً للقانون الدولي ولالتزامات موسكو” (http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251672085).
عندما استعمرت فرنسا الإستعماريّة الجزائر وادّعت أنها قطعة من التراب الفرنسي باعتبار أن الشاطىء الجزائري الواقع جنوب البحر الابيض المتوسّط المقابل للشاطىء الفرنسي الواقع ألى الشّمال منه، وانا ملتصقين كوحدة واحدة في السابق إلا أن البحر فصل بينهما، وأن الجزائر هي جزء من فرنسا، وعمل المستعمر على القضاء على الجزائر أرضاً وشعباَ ومسح الهويّة الجزائريّة وإذابة وإلحاق الجزائر في بيئة فرنسيّة خالصة واتباع سياسة التنصير والإستيطان والدمج القسري. بدأت الثورة الجزائرية لرفض ذلك كله ولتحقيق إرادة الشّعب الجزائري في التحرر الوطني من الإستعمار، وبعد 132 عاماً من الإستعمار البغيض اضطرت فرنسا للإعتراف بحق تقرير المصير للشعب الجزائري وتحقيق الإستقلال نتيجة لإرادة الشعب الجزائري.
وهناك أمثلة أخرى يمكن ذكرها كنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الّذي انهار بعد خمسين عاماً نتيجة للكفاح ضد التمييز واستعاد الضّحايا حقوقهم التي سلبت منهم، وهناك أمثلة أخرى مثل فلسطين وكوسوفو وجمهوريات الاتحاد السوفياتي المقبور وتيمور الشّرقيّة ومستعمرات عديدة أخرى لا يسمح المجال بذكر تفاصيلها.
فيما يتعلّق بوصف شعلة الالعاب الأولمبيّة التي ذكر بأن من “صفاتها استمرارية الاشتعال رغم ظرف الشتاء الثلجي البارد” غير دقيق لأن الشّعلة انطفأت عدّة مرات إحداها في موسكو وأخرى في باريس (http://www.youtube.com/watch?v=4f-mNM4cnWA) وتم اشعالها من جديد أمام المتفرجين، إلّا ان ذلك ليس مجال الحديث الآن، بل يجب التذكير بأهداف الألعاب الأولمبية وهي وضع الرياضة في خدمة التنمية المتناغمة للجنس البشري، وذلك بهدف الترويج لمجتمع مسالم مهتم بالمحافظة على كرامة الإنسان. ومن أجل تشجيع ودعم إهتمام المسؤولين عن القضايا البيئية، لتعزيز التنمية المستدامة في مجال الرياضة، ويتطلب أن يتم عقد دورة الألعاب الأولمبية وفقا لذلك. ولتعزيز تراث إيجابي من دورة الألعاب الأولمبية للمدن والبلدان المضيفة. سياسة اللجنة الأولمبية الدولية لها جذورها ونطاقها في جدول أعمال الحركة الأولمبية ذات الرقم 21 والتي هي وثيقة مرجعيّة أخرى ذات أهمّيّة في هذا المجال. التعاون مع المنظمات المختصة سواء العامة أو الخاصة منها وكذلك مع السلطات في مسعى لوضع الرياضة في خدمة الإنسانية، وبالتالي لتعزيز السلام (http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251661310)…
وقد وصف إنشاء منشآت الأولمبياد بالخرق والإنتهاك من قبل السلطات الروسية ضد التراث العالمي والمواقع والغابات المحمية من قبل اليونسكو، وسماح روسيا بإقامة منتجع للتزلج في موقع التراث العالمي في القوقاز، الّذي من شأنه أن يغيّر واحدةً من المناطق البرّية القليلة في أوروبا التي لم تمس قبل بناء المنشآت الأولمبيّة. ومن المتوقع أن يؤثر التطوير على المحيط الحيوي لمحميتين طبيعيّتين، واثنين من المتنزهات الوطنية، ومحميات للحياة البرية وموقع للتراث العالمي، ما أدّى إلى ظهور الضرر البيئي والايكولوجي لذي ينتج عن المواد السامة والنفايات الكيميائية الصناعية الناشئة عن الأعمال الإنشائية للمرافق الأولمبية والطرق والخدمات المرتبطة بها، لا يمكن إصلاحه في مثل هذا الجمال الطبيعي الفريد والرائع من سوتشي ومحيطها. وأشار الناشطين في مجال البيئة (Environmental activists) و”السلام الأخضر/ روسيا” (Greenpeace Russia) إلى مخاوف من ان هناك زيادة خطيرة في تركيز العناصر السامة عالية الخطورة مثل الزرنيخ، والفينول، وعدد من المشتقات النفطية. ويقول خبراء البيئة أن “مستويات التلوث قد ارتفعت بشكل كبير حول سوتشي منذ أن تم اختيار المدينة لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشّتوية في عام 2014″ (http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251661310).
إن من يسعى إلى الحق والشرعية والإلتزام بالقانون والعدالة والحقوق الطبيعية والتي هي الحقوق التي يكتسبها كل إنسان منذ ولادته، فإنه لا يسعى للحصول على امتيازات تمنح أو جوائز سخيّة تقوم بتوزيعها السلطات على من تريد وتمنعها عن من تريد. لكن وفي كل الحالات فإن الطريق إلى الحرية والكرامة ليست مفروشة بالورود، والخضوع “للأمر الواقع” هو ضعف واستسلام وانهزامية وهروب من الواقع. في ذلك السياق والمعنى، قال طاغور: {سأل الممكن المستحيل: اين تقيم؟ فاجابه: في أحلام العاجز}. يكون قدر الإنسان دائما وأبداً هو واجب الدّفاع عن حرية القرار والإختيار، لكن المهم، مخاطبة العالم المتحضر، من أجل رفع المطالب العادلة، لاستعادة الحقوق المصادرة والمشروعة، وفقا للقانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية. ويجب أن تحل المشاكل التي أوجدتها روسيا القيصرية، والتي لا تزال تتعاظم ككرةٍ من الثلج حتى الوقت الحاضر.