مقابلة أجرتها الصحيفة الإيطاليّة “بلكاني كاسو” مع الصحفية الشركسية فاطمة تليسوفا

مقابلة أجرتها الصحيفة الإيطاليّة “بلكاني كاسو” مع الصحفية الشركسية فاطمة تليسوفا

 

سوتشي: وزن التاريخ

ترجمة: عادل بشقوي

Sochi-il-peso-della-storia_large

باعتبارك شركسية ( من سوتشي؟ ومن ثم الشابسوغ؟ ) ، كيف ومتى علمت عن أحداث القرن التاسع عشر؟ هل كان ذلك ممكناً خلال العهد السوفياتي، في المدرسة مثلا؟ وفي وقت لاحق، مع الإنهيار، وإعادة إحياء القوميات وحرب أبخازيا، والهجوم “الشهير” على التمثال في لازاروفسكي ، كيف عايشتِ كل ذلك؟

لقد ولدت في قرية على الجانب الشمالي الغربي من جبال القوقاز. تأسست قريتي في مكانها الحالي في عام 1837، بعد أحرق مكانها السابق وأصبحت رماداً من قبل الجيش الروسي. في الأصل كان اسم قريتي على اسم أميرها قاسي (Qasey)، ولكن بعد هزيمة شركيسيا، أعاد الروس تسميتها ليصبح اسمها هابز (Habez)-  حيث كان من غير المناسب السماح للإبقاء على الإسم الأصلي، لأن الأمير قاسي توفي أثناء قتاله للروس جنبا إلى جنب مع جميع النبلاء وكبار العمر الذكور. لا يوجد هناك ذِكْر في كتب التاريخ المدرسية في روسيا عن الشركس، لذلك لا، أنا لم أتعلم عن الحرب في المدرسة – لقد تعلمت عن التاريخ الشركسي من المرأتين العظيمتين في حياتي، والدة جدتي وجدّتي. لقد نقلتا لي القصص التي شهدتها أمهاتهن وعماتهن وخالاتهن. تلك هي قصص رهيبة ولكن بطولية وجميلة جدا.

هناك العديد من هذه القصص، ولكن إذا كنتِ تعتقدين أنها قد تلائم مقالتكِ فسوف أعطيكِ واحدةً منها:

دأب الروس للقدوم حوالي السّاعة 3-4 صباحا. كانوا يحيطون بالقرية ومن ثم يقوموا بالهجوم. كانت الحيوانات تنبهنا – كل واحد منها يبدأ بالصياح – البقر، والإوز، والكلاب، والخيول – كان يمكن لها جميعا أن تشتم رائحة الموت في وقت أبكر بكثير مما كان يمكننا ذلك. الموت الّذي يعني أن الروس كان معهم دائما عربة خاصة حيث كانوا يجمعون فيها الرؤوس المقطوعة للشركس “النموذجيّين” – ذكوراً وإناثاً ومن جميع الأعمار – أكثر الناس جمالاً. قيل لنا أن الرّؤوس سيتم إرسالها إلى القيصر الروسي الذي يبقيهم في وعاء زجاجي خاص. (وكما علمت عندما كبرت، بأن الحقيقة التاريخية هي أن الرّؤوس كانت تُجمع في كونست كاميرا (Kunstkamera) في سانت بطرسبرغ، حيث لا تزال موجودة هناك على الرغم من كل النداءات من المجتمعات الشركسية المطالبة بإعادتها لدفنها بصورة لائقة). وبالتالي فإن الروس كانوا يأخذون الخيول أوّلاً – كان ثمن الحصان الشركسي الجيّد عالياً جداً. ثم يقتلون ويسلبون ويغتصبون. وكان مصير النساء الحوامل أفظع ما يكون – كان الروس يبقرون بطونهن ويخرجون الأطفال ويقطّعوهم إرباً إرباً ويحطّمون رؤوسهم بالأحجار .

نجت أمّي إلى النهر مع العديد من الآخرين، ولكن أُخذت أختها الصغيرة ليتم بيعها إلى العثمانيّين – كان عمرها 14 عاما و جميلة جدا.

(وقصتها درامية). قتل والد أمي و أخويه وأحرقت القرية. كان النهر مليء بجثث الموتى، حتى الكلاب رفضت أن تشرب منه.

وهلم جرا…

أعني أنه على الرغم من محاولات روسيا المكثفة جداً لإخفاء تاريخنا، ليس فقط من العالم، بل حتى من أنفسنا، لكن كان التاريخ في كل الأنحاء المحيطة بنا – في جولة مع والدي إلى القرية المجاورة، يشير ألى الجبل ويحدّث بقصة بطل من الفرسان الذي قاد القوات الروسية بأكملها إلى حافة الهُوّة وقفز إلى أسفل وبالتالي فإن الروس لم يستطيعوا إيقاف خيولهم وتبعوه إلى حتفهم. كما سبق وقلت، أنتِ تعيشين في التاريخ. بالطبع كل تلك الأحاديث كانت همساً، وبسريةً، وأتذكر دائما بأنني لا يمكن تكرار أي منها في المدرسة أو لأصدقائي، الخ… بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كان هناك وقتاً ضئيلاً عندما شعرنا بأن التاريخ لم يعد محظوراً بعد ذلك الحين، لكن في الوقت الحاضر فإن الأمر يزداد خطورةً وللتّذكّر مرّةً أخرى.

وقد أحيطت سوتشي بالعديد من اتهامات الفساد والإساءة لحقوق الإنسان، وطرد السكان من منازلهم، وكارثة بيئية … وللمفارقة، كان الشّركس من بين أول من يحتج على الألعاب الأولمبية، ولكن مع وجود بعض الاستثناءات، فإنهم لم يقوموا بذلك في عناوين الصحف إلى حدٍ كبير. لماذا تعتقدين بأن ذلك ما حدث؟ سوتشي لها معنى خاص للشركس. تخيّلي أنك تعرفين مكاناً حيث هناك المئات من المقابر الجماعية وبعضها يضمّ أقارِبُكِ. أعتقد بأن المكان سيكون عزيزاً إلى قلبكِ. هذا هو السبب في أن الشّراكسة هم الذين عارضوا الألعاب. هناك المئات من تقارير ما يسمى بِ”لجان الدّفن” في أرشيفات الإمبراطورية الروسية – تلك الوثائق توثّق الأعداد والجنس والعمر والأماكن الّتي لقى فيها الشركس حتفهم على ساحل البحر الأسود بشكل جماعي.

بعض هذه التقارير ليست سوى أوراق روتينيّة – أعداد القتلى والأماكن و تكلفة الدفن. ولكن يأتي البعض مع تفاصيل بارزة. على سبيل المثال، أحد الضّباط يورد في التقرير أن قرية شركسيّة بأكملها أحضرت إلى سوتشي من قبل الجيش الروسي وترك الشّراكسة هناك في انتظار طردهم إلى الإمبراطورية العثمانية. ولكن هؤلاء الناس يرفضون مغادرة وطنهم الأم. وبالتالي فإن القرية كلها، كما كتب الضابط، شيوخ، ونساء وأطفال – لم يبق على قيد الحياة أيٍ من الرجال – ذهبوا جميعهم إلى الغابة، وجدوا أحد المروج واستقرّوا هناك – وقضوا نحبهم جميعا ببطء في غضون أسبوعين. تأثّر الضابط الروسي لدرجة انه كتب – هؤلاء الناس لم يموتوا من الجوع أو المرض، فقد ماتوا من الحزن الّذي لا يُطاق. من خلال بناء المنشآت الأولمبية فوق المقابر الجماعيّة التي تضم رفات أسلافنا، روسيا تتّخذ الخطوة الأخيرة لمحو جرائمها ضد الإنسانية على ساحل البحر الأسود – هذه الجرافات ببساطة ترسّخ العظام باسمنت المباني. هناك شهادات لشهود على الرغم من أن الناس خائفون للادلاء بشهادتهم علناً. ناشد شيوخ الشركس البرلمان الروسي، والرئيس والحكومة يطالبون بالإستقصاء في منطقة سوتشي عن مقابر جماعية. فلم يتلقّوا أبدا أي رد.

بعد الهجمات في الأيام الأخيرة، هل تعتقدين أن شيئا من هذا القبيل أو حتى أسوأ من ذلك قد يحدث في سوتشي؟

التزم الشراكسة باتّباع الطريقة السلمية للمطالبة باحترام حقوقهم. لا أعتقد أن هناك أي خطر من جانب الشركس على ألعاب سوتشي. لقد فقدنا الكثير ونحن نعرف ثمن حياة الإنسان. أما بالنسبة للّاعبين الآخرين – فقد أوجد السيد بوتين جيشا من الأعداء في داخل وحول روسيا. إذا قرر أي شخص أن يتّخذ أي خطوة – فإنّه عرضة للخطر من كافّة النواحي. خصوصا أن هناك فوضى ظهرت بما يخص عمال البناء غير المسددة رواتبهم، أناس أسيئت معاملتهم. كيف يمكن للمرء أن يكون متأكدا من أن واحدا منهم لم يقم بزرع قنبلة في المبنى؟ لقد استخدم الجهاديون القوقازيون هذا النوع من الألغام في السابق – عندما قتل الزعيم المعيّن من الكرملين في الشيشان أحمد قادروف. هناك ثغرات أخرى في مجال الأمن الناجمة عن الفساد المستشري في نظام الحكم الروسي بما في ذلك الأجهزة الأمنية.

ماذا تعتقدين بشأن الاعتقالات الأخيرة واستجواب بعض الشركس البارزين في مايكوب وفي أماكن أخرى؟

إنه يبدو إجراءاً غريباً – وأود أن أقول بأنّه غير منطقي لأنه يعطي الشركس مستوى من العلنيّة التي سعوا جاهدين للحصول عليها لكن بنجاح طفيف. ولكن من ناحية أخرى فهو إجراء نموذجي جداً للطريقة الّتي تعتمدها الشرطة على المستوى الرّوسي المحلي وجهاز الأمن الفيدرالي يستجيب للأوامر الواردة من المستوى الأعلى. وفي هذه الحالة يبدو لي أن هناك أمراً قادماً من الكرملين لإبقاء الشركس صامتين قبل دورة الألعاب، حيث كان ذلك كيفيّة تلقي الإشارة في كراسنودار. قد يعني أيضا مزيداً من القمع يأتي إلى النشطاء الشركس في روسيا، وهذا السبب في أن الشتات يحتاج إلى مزيد من التعبئة وإلى المزيد من الأنشطة.

المصدر: (http://www.balcanicaucaso.org/aree/Russia/Sochi-il-peso-della-storia-146582)

Share Button

اترك تعليقاً