ما الذي يجمع بين الأسماء التالية: توجان فيصل (أول نائبة في البرلمان الأردني)، المطربة طروب، أمجد قورشة الداعية الديني الشاب، سعيد المفتي الذي ترأس وزراء الأردن أربع مرات، وفي مصر علي ماهر باشا الذي رأس وزراء مصر أربع مرات، الملكة فريدة ملكة مصر السابقة، الفريق أول محمد فوزي وزير الدفاع المصري الأسبق، والفنان حسين فهمي، ومصطفى فهمي، وفي سوريا الداعية الكبير جودت سعيد، إسماعيل أنزور رائد صناعة السينما في سوريا، الدكتور معاذ عثمان رائد طب النساء والولادة، وفي العراق ناجي شوكت رئيس الوزراء العراقي، والإعلامي محمد حسين داغستاني، وطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقي.. إنهم جميعا من أصول شركسية.
في هذه الأيام التي يتابع فيها العالم فعاليات الألعاب الأولمبية التي تقام بمدينة سوتشي في روسيا، يتذكر الناس الشركس الذين كانت سوتشي عاصمة لبلادهم، وهي المدينة التي عانت تاريخا يبلغ مداه أكثر من 150 سنة من إسالة الدماء.
الشركس، هم مجموعة عرقية إثنية من شمال القوقاز وهي منطقة في الجنوب الغربي من روسيا الحديثة بين البحر الأسود وبحر قزوين. هناك مرارة وألم وحسرة كبرى في قلوب الشركس حول العالم، لأن هذه الألعاب الأولمبية تقام في الذكرى الـ150 للمذبحة التي اقترفت بحقهم وأدت إلى وفاة الآلاف وتشريد الآلاف منهم، وكل ذلك كان قد تم تحت إمرة القوات القيصرية التي كانت تحكم روسيا بقبضة من حديد وقتها. وتزداد رمزية المعاناة حينما يتم تذكير الشركس يوميا خلال الدورة الأولمبية بمأساتهم؛ فأهم مسابقات التزلج على الثلج ستقام بمدينة مجاورة لسوتشي اسمها كراسنيا بوليانا، وترجمتها «المنزلق الأحمر»، وأصل الاسم مرجعه الدماء التي سالت على يد «الغازي الروسي» الذي قتل الشركس بحسب الرواية التاريخية. بالنسبة للشركس، كانت هذه الأرض موقعا «لآخر المعارك الكبرى في تاريخهم» بحسب أحد مؤرخي تاريخ الشركس، ولذلك فهي لها طبيعة شبه مقدسة لديهم مثلها مثل واترلو للإنجليز وجيتيسبرغ للأميركيين. وما زاد من غضبة الشركس، الموجودين بأعداد مهولة حول العالم في الشتات، أن الحكومة الروسية والرئيس بوتين رفضا الإشارة بأي نوع إلى التاريخ الشركسي للمدينة والمنطقة، مما أعطى الشعور بأنهم يتمادون في تحقير الجريمة التي اقترفت بحقهم، وخصوصا أن حملة «التطهير العرقي» التي طالتهم وتسببت في تشريدهم لم تكن بسيطة وجعلتهم يستوطنون في تركيا وسوريا والأردن والعراق ومصر وليبيا وفلسطين وألمانيا وكندا، وغيرها من البلاد، بأعداد غير بسيطة. ولذلك، كان هناك عدد من الحملات الاحتجاجية من قبل الجاليات الشركسية حول العالم أمام السفارات الروسية ومقرات الأمم المتحدة، منددة بإقامة الألعاب الأولمبية على أراضيهم، ومذكرة العالم بالمذبحة والتطهير العرقي الذي تم في حقهم. ولم يكتفِ الشركس بالتنديدات والمظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، ولكن مجاميع منهم قامت بحرب إلكترونية على مواقع روسية على شبكة الإنترنت، وقد تبين لاحقا أن هذه «مجاميع» مجهولة استغلت وجود تعاطف دولي مع قضية الشركس ومأساتهم وأرادوا إحراج الروس عبر استغلال هذا الحدث العالمي المهم الذي يلقى متابعة دولية استثنائية.
وهناك مجاميع «متطرفة» عنيفة داخل روسيا حاولت استغلال هذه المسألة لتجنيد «الحلفاء والأنصار» لأجل «الهدف الأسمى»، ولكن هذه الدعوة لم تلق أي تفاعل، وكان التفجير الذي حصل في مدينة فولغوغراد، قبل انطلاق الألعاب الأولمبية، بمثابة رسالة إرهابية أطلقتها هذه المجاميع المتطرفة لاستغلال وضع الشركس ومأساتهم الإنسانية، وذلك بأعمال إجرامية إرهابية، راح ضحيتها أبرياء.
قضية الشركس وإبراز مأساة ما حدث لهم ولأرضهم عبر السنوات الحزينة التي مضت عليهم، مسألة أخلاقية وإنسانية وتاريخية مطلوب توضيحها وتبيانها للعالم. الشركس أثروا كل مكان سكنوا فيه؛ بحسن خلقهم، وانصهارهم الاجتماعي، وتميزهم الوطني، وسويتهم الأخلاقية، وبروزهم في المجالات كافة التي عملوا فيها لأنهم حملوا صفات من الخلق والولاء والطاعة والتكافل والالتزام والوسطية والتسامح، فنالوا احترام ومحبة كل من عرفهم وتعامل معهم وتقدير الدول التي احتضنتهم. وعليه، فمن الطبيعي أن يكون هناك تعاطف واضح لمأساة محزنة مرت على شعب كريم.
صعب أن يحتفل العالم ويرقص ويغني فوق أرض سالت عليها دماء أبرياء دون أي إشارة واعتراف بذلك الأمر، هي مسألة مرفوضة أخلاقيا وإنسانيا على أقل تقدير.