نافذة على أوراسيا: فيلسوف أوكراني يقول، روسيا تعيش مرة أخرى على الأكاذيب

نافذة على أوراسيا: فيلسوف أوكراني يقول، روسيا تعيش مرة أخرى على الأكاذيب 

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

ستاونتون، الأوّل من مارس/آذار – يُعلّم فلاديمير بوتين روسيا مرة أخرى العيش على الأكاذيب، وبعد 40 عاما بعد أن حذّر ألكسندر سولجينيتسين (Aleksandr Solzhenitsyn) الروس من مخاطر أنفسهم والآخرين للقيام بذلك، كما يقول فيلسوف أوكراني في مقال رفضت نشره المجلات الروسية مثل “نيزافيسيمايا غازيتا” (Nezavisimaya gazeta)، ” وبوليت آر يو (Polit.ru) وسنوب آر يو (Snob.ru).

وعلى مدوّنته الخاصة، يشير سيرغي داتسيوك (Sergii Datsiuk) إلى أن “الكذب في روسيا هو وسيلة لتجنب التغييرات الضرورية … وهو محاولة لتحويل المسؤولية عن أخطاء المرء للآخرين من أجل تبرئة السلطات … إنه يشكل خطراً بالنسبة لروسيا نفسها لأنه يولد الكراهية من دون مخرج من المأزق … [و] أنه يشكل خطرا على العالم بأسره لأنه يقسم روسيا وبقية العالم (blogs.pravda.com.ua/authors/datsuk/53116eef447b1/).

في الحقيقة فإن الأوكرانيين يحبون الروس ويريدون أن يعيشوا في سلام، لكن الروس يكرهون الأوكرانيين وهم عدوانيين تجاههم، وهو ما أكدته تصرفات حكوماتهم المعنيّة واستطلاعات الرّأي المختلفة، وكما يقول، إنه ليس وضعاً طبيعياً أو لا مفر منه ولكن نتيجة لِ”حرب المعلومات الّتي تشنها روسيا ضد أوكرانيا”.

ووفقاً لداتسيوك، “كان من المستحيل في روسيا إجبار الروس لأن يكرهوا الشعب الأوكراني من دون استخدام الأكاذيب. و[بالتالي] بدأت روسيا تكذب وتشن الحرب”. تتكون تلك الحرب من عدة مكونات: التجارة، والمعلومات، والتاريخ، والتكنولوجيا.

ويضيف بأن الّذي يكمن وراء حرب المعلومات الّتي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، هو “عدم رغبة الرّوس في النخبة الروسية للاعتراف بحق الأوكرانيين في تقرير المصير والإستقلال”. ولكن نتائجها لم تكن لتكون رهيبة جداً حتى لو لم يكن هناك عناصر كومبرادور (طبقة البرجوازية) في أوكرانيا مثل يانوكوفيتش (Yanukovich) و البيركوت (Berkut).

ولكن يجب على الجميع أن يتذكّروا أن يانوكوفيتش ليس مجرد رئيس سابق وجماعته هم الذين يتحملون المسؤولية عن سفك الدم الأوكراني. ومسؤولين أيضا عن ذلك فلاديمير بوتين (Vladimir Putin)، وديمتري ميدفيديف (Dmitry Medvedev)، وسيرغي لافروف (Sergey Lavrov)، وديمتري كيسيلييف (Dmitry Kiselyev)، وفلاديمير جيرينوفسكي (Vladimir Zhirinovsky)، وسيرغي غلازييف (Sergey Glazyev) وديمتري روغوزين (Dmitry Rogozin).

ويقول داتسيوك “هناك أعداءاً لأوكرانيا”، والذين أدت تصرفاتهم إلى ضحايا من البشر”، ويمكننا ويجب الاعتراف بها على هذا النحو. ولكن كان لديهم المساعدة من الآخرين في النخبة الثقافية الروسية في نشر الكراهية ضد أوكرانيا والأوكرانيين، وأناس مثل ميخائيل زادورنوف (Mikhail Zadornov)، وإيفان أوخلوبيستين (Ivan Okhlobystin)، وسيرغي لوكيانينكو (Sergey Lukyanenko)، وإيوسيف كوبزون (Iosif Kobzon).

ما يحدث في شبه جزيرة القرم الآن هو “الإستمرار المباشر للمعلومات الخاصة بحرب روسيا ضد أوكرانيا”، حرب أعصاب تسعى لإثارة أوكرانيا لإيجاد رد مسؤول وقاسي حتى يمكن لروسيا أن تطلق العنان لحرب واسعة النطاق”. فإذا كان قبل وجود حرب المعلومات هذه مسألة يؤسف عليها، فهي الآن أصبحت “خطيرة قاتلة”.
قد تكون أوكرانيا هي الهدف من هذه الحرب، يقول داتسيوك، ولكن روسيا هي ضحية لها أيضا. “أوكرانيا ليست روسيا”. وحتى في أسوأ الأوقات من حكم يانوكوفيتش، “جاء الكذب في أوكرانيا من مصدرين – قنوات التلفزيون الرّوسي … وتلك القنوات الموالية للنظام، “الحقيقة انتصرت عليهم في أوكرانيا، لكن في روسيا، فإن الكذب ابتلع كل شيء.

ويقول داتسيوك،لا يستطيع المرء أن “يقتل كذب روسيا ضد أوكرانيا دون قتل الكذب في روسيا نفسها”.

و حدّث نظام بوتين وجدّد النظام الذي شجبه سولجينيتسين (Solzhenitsyn). وبادعائه أنه يشعر بالقلق إزاء الدفاع عن الدولة والشعب الروسي، فإن الكرملين يخفي جرائمه عن طريق نشر الأكاذيب حول البلدان والشعوب الأخرى، وفي هذه الحالة أوكرانيا والأوكرانيين .

وهذا يعني، كما يقول داتسيوك، أن “كذب السلطات الروسية عن نفسها يصبح أقل وضوحا” لأنه يتم حجبه بسبب الأكاذيب التي تنشرها موسكو عن الجميع. ونتيجة لذلك، “أصبحت روسيا تولد الكراهية في العالم”. لقد قاوم العديد من البلدان ذلك، بما في ذلك دول البلطيق وجورجيا وأوكرانيا الآن .

و”مع ذلك، لا تزال الكراهية قائمة في روسيا. وتبقى في روسيا الكراهية التي لا يمكن تغييرها إلى مكان آخر، تتراكم وتتفجّر من الداخل. فإن الكذب والكراهية سيدمّران روسيا إذا لم يتوقف ذلك”. ولكن هل يمكن أن يحدث ذلك؟ فنصيحة سولجينيتسين بأن يتوقّف الأفراد عن الكذب بشكل واضح لا يكفي. يجب على المفكرين أن يتحدّثوا بصراحة.

يقول داتسيوك أن “روسيا تحتاج إلى ميدان الخاص بها حيث لا توجد الكراهية”، وحيث يمكن للحقيقة أن تنتصر ولشعبها أن يفكّر ملياً “بشكل مشترك حول مستقبله” . “و’للعيش بلا كذب’ في وقتنا الحاضر لا يعني كثيراً تجنب الكذب من قبل الافراد ولكن الكذب الجماعي، والتحريض والدعاية الّذي تنقله السلطات الروسية عبر أخبار التلفزيون.”

الإنترنت لا يكفي؛ وأخبار التلفزيون مطلوبة. لكن “لا يوجد اليوم هناك في روسيا أخبار تلفزيونية نوعيّة”. إلا أنه بدلا من ذلك هناك “تحريض ودعاية” يعملوا على وجود “صورة حقيقيّة عن روسيا ونظامها”، ويقولوا أن روسيا محاطة بالأعداء، ويؤكّدوا بأن “الإمبراطوريّة الرّوسيّة هي جنّةٌ على الأرض”.

ويعكس ذلك ازدياد الكذب إلى مستوى جديد: النخبة الروسية تكذب على شعبها. “هذه هي الكذبة الكبرى حول إمكانية إمبراطورية. هذا كذب النخبة الروسية على نفسها في المقام الأول” لأن تلك النخبة “لا يمكنها إلا أن تعلم أن المستقبل ليس إلى جانب الإمبراطوريات أو حتى الدول المنعزلة ولكن إلى جانب التنظيمات الإقليميّة .

لكن “تستمر الكذبة الكبرى في روسيا وتدمر كل افكار المستقبل الذي لا يوجد به مكان للإمبراطورية. إن الأفكار الخاوية حول المستقبل تدعم وتزيّن الكذبة الكبرى”. المخرج الوحيد هو قول الحقيقة وفي المقام الأول القول والإعتراف بأنّه “لن تكون هناك إمبراطوريّة”. روسيا والروس يحتاجون إلى “السعى لشيءٍ آخر” .

المصدر:
Share Button

نافذة على أوراسيا: فيلسوف أوكراني يقول، روسيا تعيش مرة أخرى على الأكاذيب

نافذة على أوراسيا: فيلسوف أوكراني يقول، روسيا تعيش مرة أخرى على الأكاذيب 

بول غوبل (Paul Goble)

ترجمة: عادل بشقوي

ستاونتون، الأوّل من مارس/آذار – يُعلّم فلاديمير بوتين روسيا مرة أخرى العيش على الأكاذيب، وبعد 40 عاما بعد أن حذّر ألكسندر سولجينيتسين (Aleksandr Solzhenitsyn) الروس من مخاطر أنفسهم والآخرين للقيام بذلك، كما يقول فيلسوف أوكراني في مقال رفضت نشره المجلات الروسية مثل “نيزافيسيمايا غازيتا” (Nezavisimaya gazeta)، ” وبوليت آر يو (Polit.ru) وسنوب آر يو (Snob.ru).

وعلى مدوّنته الخاصة، يشير سيرغي داتسيوك (Sergii Datsiuk) إلى أن “الكذب في روسيا هو وسيلة لتجنب التغييرات الضرورية … وهو محاولة لتحويل المسؤولية عن أخطاء المرء للآخرين من أجل تبرئة السلطات … إنه يشكل خطراً بالنسبة لروسيا نفسها لأنه يولد الكراهية من دون مخرج من المأزق … [و] أنه يشكل خطرا على العالم بأسره لأنه يقسم روسيا وبقية العالم (blogs.pravda.com.ua/authors/datsuk/53116eef447b1/).

في الحقيقة فإن الأوكرانيين يحبون الروس ويريدون أن يعيشوا في سلام، لكن الروس يكرهون الأوكرانيين وهم عدوانيين تجاههم، وهو ما أكدته تصرفات حكوماتهم المعنيّة واستطلاعات الرّأي المختلفة، وكما يقول، إنه ليس وضعاً طبيعياً أو لا مفر منه ولكن نتيجة لِ”حرب المعلومات الّتي تشنها روسيا ضد أوكرانيا”.

ووفقاً لداتسيوك، “كان من المستحيل في روسيا إجبار الروس لأن يكرهوا الشعب الأوكراني من دون استخدام الأكاذيب. و[بالتالي] بدأت روسيا تكذب وتشن الحرب”. تتكون تلك الحرب من عدة مكونات: التجارة، والمعلومات، والتاريخ، والتكنولوجيا.

ويضيف بأن الّذي يكمن وراء حرب المعلومات الّتي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، هو “عدم رغبة الرّوس في النخبة الروسية للاعتراف بحق الأوكرانيين في تقرير المصير والإستقلال”. ولكن نتائجها لم تكن لتكون رهيبة جداً حتى لو لم يكن هناك عناصر كومبرادور (طبقة البرجوازية) في أوكرانيا مثل يانوكوفيتش (Yanukovich) و البيركوت (Berkut).

ولكن يجب على الجميع أن يتذكّروا أن يانوكوفيتش ليس مجرد رئيس سابق وجماعته هم الذين يتحملون المسؤولية عن سفك الدم الأوكراني. ومسؤولين أيضا عن ذلك فلاديمير بوتين (Vladimir Putin)، وديمتري ميدفيديف (Dmitry Medvedev)، وسيرغي لافروف (Sergey Lavrov)، وديمتري كيسيلييف (Dmitry Kiselyev)، وفلاديمير جيرينوفسكي (Vladimir Zhirinovsky)، وسيرغي غلازييف (Sergey Glazyev) وديمتري روغوزين (Dmitry Rogozin).

ويقول داتسيوك “هناك أعداءاً لأوكرانيا”، والذين أدت تصرفاتهم إلى ضحايا من البشر”، ويمكننا ويجب الاعتراف بها على هذا النحو. ولكن كان لديهم المساعدة من الآخرين في النخبة الثقافية الروسية في نشر الكراهية ضد أوكرانيا والأوكرانيين، وأناس مثل ميخائيل زادورنوف (Mikhail Zadornov)، وإيفان أوخلوبيستين (Ivan Okhlobystin)، وسيرغي لوكيانينكو (Sergey Lukyanenko)، وإيوسيف كوبزون (Iosif Kobzon).

ما يحدث في شبه جزيرة القرم الآن هو “الإستمرار المباشر للمعلومات الخاصة بحرب روسيا ضد أوكرانيا”، حرب أعصاب تسعى لإثارة أوكرانيا لإيجاد رد مسؤول وقاسي حتى يمكن لروسيا أن تطلق العنان لحرب واسعة النطاق”. فإذا كان قبل وجود حرب المعلومات هذه مسألة يؤسف عليها، فهي الآن أصبحت “خطيرة قاتلة”.
قد تكون أوكرانيا هي الهدف من هذه الحرب، يقول داتسيوك، ولكن روسيا هي ضحية لها أيضا. “أوكرانيا ليست روسيا”. وحتى في أسوأ الأوقات من حكم يانوكوفيتش، “جاء الكذب في أوكرانيا من مصدرين – قنوات التلفزيون الرّوسي … وتلك القنوات الموالية للنظام، “الحقيقة انتصرت عليهم في أوكرانيا، لكن في روسيا، فإن الكذب ابتلع كل شيء.

ويقول داتسيوك،لا يستطيع المرء أن “يقتل كذب روسيا ضد أوكرانيا دون قتل الكذب في روسيا نفسها”.

و حدّث نظام بوتين وجدّد النظام الذي شجبه سولجينيتسين (Solzhenitsyn). وبادعائه أنه يشعر بالقلق إزاء الدفاع عن الدولة والشعب الروسي، فإن الكرملين يخفي جرائمه عن طريق نشر الأكاذيب حول البلدان والشعوب الأخرى، وفي هذه الحالة أوكرانيا والأوكرانيين .

وهذا يعني، كما يقول داتسيوك، أن “كذب السلطات الروسية عن نفسها يصبح أقل وضوحا” لأنه يتم حجبه بسبب الأكاذيب التي تنشرها موسكو عن الجميع. ونتيجة لذلك، “أصبحت روسيا تولد الكراهية في العالم”. لقد قاوم العديد من البلدان ذلك، بما في ذلك دول البلطيق وجورجيا وأوكرانيا الآن .

و”مع ذلك، لا تزال الكراهية قائمة في روسيا. وتبقى في روسيا الكراهية التي لا يمكن تغييرها إلى مكان آخر، تتراكم وتتفجّر من الداخل. فإن الكذب والكراهية سيدمّران روسيا إذا لم يتوقف ذلك”. ولكن هل يمكن أن يحدث ذلك؟ فنصيحة سولجينيتسين بأن يتوقّف الأفراد عن الكذب بشكل واضح لا يكفي. يجب على المفكرين أن يتحدّثوا بصراحة.

يقول داتسيوك أن “روسيا تحتاج إلى ميدان الخاص بها حيث لا توجد الكراهية”، وحيث يمكن للحقيقة أن تنتصر ولشعبها أن يفكّر ملياً “بشكل مشترك حول مستقبله” . “و’للعيش بلا كذب’ في وقتنا الحاضر لا يعني كثيراً تجنب الكذب من قبل الافراد ولكن الكذب الجماعي، والتحريض والدعاية الّذي تنقله السلطات الروسية عبر أخبار التلفزيون.”

الإنترنت لا يكفي؛ وأخبار التلفزيون مطلوبة. لكن “لا يوجد اليوم هناك في روسيا أخبار تلفزيونية نوعيّة”. إلا أنه بدلا من ذلك هناك “تحريض ودعاية” يعملوا على وجود “صورة حقيقيّة عن روسيا ونظامها”، ويقولوا أن روسيا محاطة بالأعداء، ويؤكّدوا بأن “الإمبراطوريّة الرّوسيّة هي جنّةٌ على الأرض”.

ويعكس ذلك ازدياد الكذب إلى مستوى جديد: النخبة الروسية تكذب على شعبها. “هذه هي الكذبة الكبرى حول إمكانية إمبراطورية. هذا كذب النخبة الروسية على نفسها في المقام الأول” لأن تلك النخبة “لا يمكنها إلا أن تعلم أن المستقبل ليس إلى جانب الإمبراطوريات أو حتى الدول المنعزلة ولكن إلى جانب التنظيمات الإقليميّة .

لكن “تستمر الكذبة الكبرى في روسيا وتدمر كل افكار المستقبل الذي لا يوجد به مكان للإمبراطورية. إن الأفكار الخاوية حول المستقبل تدعم وتزيّن الكذبة الكبرى”. المخرج الوحيد هو قول الحقيقة وفي المقام الأول القول والإعتراف بأنّه “لن تكون هناك إمبراطوريّة”. روسيا والروس يحتاجون إلى “السعى لشيءٍ آخر” .

المصدر:
Share Button