في مقابلة نشرت في 27 ديسمبر/كانون الأوّل 2011، رئيس المنظّمة الشركسية الخاسة، إبراهيم يغنوف (Ibragim Yaganov)، انتقد الحكومة الرّوسيّة ببالغ القسوة لسياساتها في قباردينو – بالكاريا. يغنوف الذي يوجد مقره في قباردينو – بالكاريا، هو شخصية معروفة شعبياً بين الشركس. وفي مقابلة مع الحاخام الاسرائيلي والمؤلف بموضوع شمال القوقاز، أبراهام شموليفيتش (Avraam Shmulevich)، ذكر يغنوف أن قباردينو – بالكاريا كانت تحت نظام عمليّات مكافحة الإرهاب منذ 13 أكتوبر/تشرين الأوّل، 2005. ووصف يغنوف الوضع الأمني السّيّئ في الجمهورية ذات العدد الأكبرمن السكان الشركس في شمال القوقاز. وقال: “لا يوجد هناك أي مواطن في جمهوريتنا لديه أي ضمانات أمنية، أيا كانت؛ في أي وقت، يمكن أن يأتي أناس وببساطة يقتلوا اي شخص” (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).
في 13 أكتوبر/تشرين الأوّل 2005، ما يقدر بنحو 200 من الشبان المسلمين حملوا السلاح في نالشيك، عاصمة قباردينو – بلكاريا، نالتشك. وبعد قتال قصير ولكن وحشي، قتل معظم المتمردين وألقي القبض على البعض منهم. محاكمة المعتقلين المشاركين في الانتفاضة لا زالت تجري في الجمهورية إلى يومنا هذا (http://kabardino-balkaria.kavkaz-uzel.ru/articles/199184/, January 13). وقد تدهورت الحالة تدريجيا في قباردينو – بالكاريا منذ عام 2005، وبلغت ذروتها في فبراير/شباط 2011 عندما، وبعد سلسلة من الهجمات، فرضت موسكو أخيرا نظام عمليات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الجمهورية، حيث رفع فقط في الخريف الماضي.
وقال يغنوف: “غالبية السكان لا يميزون بين الجانبين [المتمردين والقوات الحكومية] على أساس أي طرف من هؤلاء يشكل خطر أكبر”. وقال يغنوف: “حتّى يمكنني القول أن الناس يخشون من السلطات أكثر من المتمردين، لأنهم [المتمردين] يلتزمون على الأقل ببعض القواعد”. وقال يغنوف ان السكان المحليين يخشون بشكل خاص الوحدات الأمنية الروسية القادمة من المناطق الأخرى من روسيا والتي تعمل في قباردينو – بالكاريا، لأنها “تتصرف كالمحتلين”. وأضاف يغنوف ان الشرطة في الجمهورية تعمل أيضا على تقليد سلوك الغرباء. “وقال متحدّثاً بصراحة لا لبس فيها، بأن الجميع يعتقد أن كل هذا يأتي من الحكومة الفدرالية الروسية”،قال.”ونتيجة لذلك، وعلى خلفية كل هذا الخوف المتغلغل، لا يمكننا حقا التحدث عن أي نشاط مدني. الناس سعداء بأنّه ليست هناك حرب. لقد رأينا ما حدث في الشيشان، وفي أبخازيا، ولا يوجد أحد هنا يريد تكرار أحداث الشيشان” (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).
إذا كانت شهادة يغنوف صحيحة، فهذا يعني أن موسكو تعتمد اعتمادا كبيرا على الخوف كتدبير رئيسي غالب في قباردينو – بالكاريا. في الخلاصة، فذلك يشير إلى أن “النموذج الشيشاني” في الحكم قد ازداد انتشاره في منطقة شمال القوقاز. فبينما يقوم رمضان قديروف في الشيشان بلعب دور الحاكم الذي يرسّخ نظام من نوع خاص لموسكو، وفي الجمهوريات الأخرى، مثل قباردينو – بالكاريا، فإن خدمات الأمن الإتحادية الروسية (FSB) ما زالت تتصرف من تلقاء نفسها. ومع ذلك، فإن مقابلة يغنوف تبين أنه، مع مرور الوقت، من المرجح ان تنمو المشاعر المعادية لروسيا حتى في أماكن خارج الشيشان، وموسكو قد تعود إلى أساليب القيادة الشّبيهة لقيادة قديروف من أجل تحويل الإنتقادات منها إلى زعيم محلي.
الحالة الإجتماعية – الإقتصادية في قباردينو – بالكاريا مؤلمة للغاية حيث أنه وفقا ليغنوف، فإن ما يقدر بحوالي 150000 شاباً، من الأشخاص النشطين اقتصاديا كانوا قد انتقلوا إلى مناطق أخرى من روسيا بحثا عن عمل.العدد الكلي للسكان في قباردينو – بلكاريا هو 90000 نسمة. الروس العرقيين يغادرون الجمهورية بشكل سريع على وجه الخصوص. “كل أولئك الذين يمكن أن يذهبوا إلى مكان ما والقيام بعمل ما فإنّهم يرحلون؛ فقط أولئك الذين لا يستطيعون [إيجاد مكان لهم خارج الجمهورية] يبقونفي المكان”، قال يغنوف (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).
وكان للإنتخابات البرلمانية المخزية التي جرت في روسيا يوم 4 ديسمبر/كانون الأوّل 2011 أصداءاً واسعة في موسكو وعدد قليل من المدن الروسية الأخرى لأنها كشفت الممارسات الخاطئة على نطاق واسع التي اقترفتها الحكومة من خلال تزويرها للإنتخابات. وفي قباردينو – بالكاريا، وفقا ليغنوف، ذهب ما لا يزيد عن 10 في المئة من الناخبين الى صناديق الاقتراع، إلا أن الحكومة زورت على نحو فعال لمصلحة لتصويت لصالح حزب روسيا المتحدة الحاكم. والكرملين من حيث المبدأ ضد الزعماء الّذين يتمتّعون بشعبية السكان الّذين يحكمونهم “لأنه وبدعم الشعب، فهو [الزعيم] يصبح مستقلاً ذاتياً ويبدأ في الدفاع عن حقوق الناس”، حسبما ذكر الناشط الشركسي. وسلط يغنوف الضّؤ على الانتخابات الّتي جرت في الأراضي الجورجية الانفصالية، أوسيتيا الجنوبية، حيث لم يسمح لزعيمة المعارضة ألا جيوئيفا (Alla Jioeva) الّتي انتُخبت بأغلبيّة شّعبيّة بتولّي القيادة الرّسميّة. وللإبقاء على سيطرتها على السلطة، قد تقدم القيادة الحالية في روسيا على نزاع عسكري آخر، وعلى الأرجح مع جورجيا، توقّع الناشط في المجتمع المدني (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).
في الحرب الجورجية الأبخازية خلال الفترة 1992-1993، كان إبراهيم يغنوف نفسه قائداً لكتيبة، وبالتالي فإن رأيه حول الوضع في أبخازيا يحظى باهتمام كبير. بأسلوب ربّما الأكثر صراحة يصدر في أي وقت مضى من لدن شخص من شمال القوقاز، أكد يغنوف أن الشّباب في أبخازيا مصابون بخيبة أمل عميقة من روسيا، في حين ان أبخازيا لم تحصل على استقلال حقيقي كما وعدت روسيا. بدلا من ذلك، يقارن الشّباب الأبخازي بين روسيا وجورجيا، وعلى نحو متزايد يجدون في الأخيرة نموذجا أكثر قبولا كدولة. والأبخاز يتلقىّون الآن رعايةً أفضل في جورجيا مما هو عليه في روسيا، وفقا ليغنوف، وحتى أولئك الذين قاتلوا ضد القوات الجورجية في حربالأعوام 1992-1993 فقد غيّروا آرائهم جذريا حول جورجيا (http://avrom-caucasus.livejournal.com/144086.html).
حيث تنمو حالة التّحرّر من الوهم بين الناس في قباردينو – بالكاريا، حتى أولئك الذين خدموا يوماً كوكلاء في حروب روسيا الإمبريالية في جنوب القوقاز يرفضون دعم أية تحركاتٍ لموسكو لفترة أطول. ويبدو أن موسكو تفقد آخر مؤيديها في الجمهورية — باستثناء، ربما، فقط أولئك الذين يعملون مباشرة للحكومة المركزية وهم على جدول رواتبها. في حين أن موسكو ما زال لديها بالتأكيد في قباردينو – بالكاريا فسحة للمناورة لا يستهان بها، ويمكن لها أن تحرّك الجماعات المحلية المختلفة ضد بعضها البعض، والاعتماد الشديد على الخوف من المرجح أن يأتي بنتائج عكسية عاجلا أو آجلا، ما لم تنجز إصلاحات سياسية عميقة في شمال القوقاز. لكن كما يتأمل فلاديمير بوتين بالعودة لولاية رئاسية ثالثة، فإن آفاقاً ذات مغزى للإصلاحات في شمال القوقاز وروسيا الفيدراليّة ما زالت ضئيلة وزائلة.
ترجمة: مجموعة العدالة لشمال القوقاز